الهجرة من مكة للمدينة

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الهجــــرة النبوية

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس بها تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
تاريخ مكة
ميدنة يثرب / المدينة

Hit Counter

الهجرة من مكان لآخر هى غريزة موجودة عموماً فى الكائن الحى , وتختلف هجرة ألإنسان من مكان إلى آخر لأسباب عديدة منها الطبيعة , الغذاء , الإضطهاد , العقيدة .. ألخ

وفى الإسلام تطلق- كما في الحديث - ["الهجرة" على الترك والتخلي عن الشيء , فالمهاجر من هجر ما نهى الله عنه  ] وبالرغم من أنهم يقولون هذا إلا أن الهجرة لم تختلف عن الأسباب الإنسانية التى ذكرناها فإنحصرت الهجرة النبوية بترك موطن القبيلة (مكة) والتحول عنه الى موطن آخر الذى كان مدينة يثرب التى سماها محمد نبى الإسلام فيما بعد بأسم المدينة أو المدينة المنورة

************************************************************************************************************

أسباب الهجرة

حاول محمد صاحب الشريعة الإسلامية إقناع مكة بنبوته  بأتباع طريقة الدعوة الكلامية , وبدأ بمحاولة ضم قريش وسادتها من بنى هاشم وكانت المناوشات الكلامية التي دارت بين المكيين ومحمد صلم  ؛ وأعلن محمد صلم دعوته ؛ مطالبا أهل مكة باتباع نبوته ؛  فكان حتماً أن يتساءل العرب . لكن تساؤل الوليد بن المغيرة ( المقلب بالوحيد لمكانته بين سادات مكة ) ، والأخنس بن شريق ( كبير من رؤوس ثقيف ) فقد قالا : أمفتون محمد أم مجنون ؟ (ابن هشام : السيرة ، ج1 ، ص 243 ) حيث أن محمد كان معروفاً بحالة عصبية تشنجية  وأدعى محمد أن فى اثناء هذه الحالة زاره بعد سن الأربعين مخلوق غير مرئى أسمه جبريل ولما كانت هذه الحالة العصبية تعتريه منذ صباة فلم يصدقه أشراف مكة وسادتها . ولما كان محمد يعتمد على حماية من حوله بعد أن نشأ يتيما فبدأ محمد طفولته فى حماية أبوطالب ثم حماية خديجة وورقة ابن نوفل ولما ماتا حاول الأنتحار فتخيل مخلوقاً غير مرئى أسماه جبريل والله ينزل الآيات لحمايته وتجد هذا الأمر واضحا فى القرآن كله ففى كل حادثة ومناقشة لا يستطيع الدفاع عن نفسه فيها يقفز الله مرسلاً جبريل لينهى موضوع المناقشة فردت الآيات المنزلة القرآنية على الوليد والأخنس قائلة ( بأيكم المفتون . . . هماز مشاء بنميم . مناع للخير معتد أثيم . عتل بعد ذلك زنيم ) – 6 : 13 القلم ، والزنيم هو ابن الزانية – ثم نجد أن الله يخاطب نبيه في شأن الوحيد قائلاً له : ( ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالاً ممدوداً . وبنين شهوداً . ومهدت له تمهيداً . ثم يطمع أن أزيد . كلا إنه كان لآياتنا عنيداً . سأرهقه صعوداً . إنه فكر وقدر . فقتل كيف قدر . ثم قتل كيف قدر ) – 11 : 20 المدثر ، ويموت الوليد قتيلاً بسهم مسموم ، ويقول المسلمون قتله الله , هل فعلاً قتله الله !!؟؟

 حوالى 13 سنة ولم يجنى حصاداً من هذه الطريقة السلمية بالدعوة الكلامية إلا نيف وسبعون فرداً من أقرباءه واصحابه والنساء والعبيد ( العبيد الذى كان يشتريهم محمد صلم فقد قال يوما لزاهر فى السوق : أنا من يشترى ويبيع العبيد ) فبدأ بالهجوم فى الكلام فكانت المرحلة الأولى هى كسب الأتباع من العبيد الذين يعيشون كالحيوانت فوعدهم بالنسب والثروة قائلا : " اتبعوني أجعلكم أنساباً ، والذي نفسي في يده لتملكن كنوز كسرى وقيصر"[ د. القمني: الإسلاميات ص 75 , (صحيح البخارى باب المناقب 3637) و (مسند أحمد حديث 21586)] لما كان للنسب من خطورة وأهمية ؛ تعطي صاحبها حماية عشائرية وقبلية وبهذا قام محمد يؤلب العبيد على أسيادهم فتمردوا عليهم طمعاً فى السراب الذى أثرى محمد خيال العبيد به .

ولكن لم تصل بالقوم إلى حافة شفير الحرب .

وبعد مرحلة تقسيم المجتمع المكى السائد فى ذلك العصر بتأليب العبيد على أسيادهم  قام محمد فى مرحلة تالية بلعن آلهة قريش وشتمهم

 

************************************************************************************************************

يثرب

وهى المدينة التى هاجر إليها محمد صاحب الشريعة الإسلامية

وكلمة يثرب في اللغة مشتقة من التثريب. ومعناه اللوم الشديد أو الإفساد والتخليط (لسان العرب ـ مادة ثرب)

جاء إسمها فى القرآن (وإذ قالت طائفة منهم: يا أهل يثرب لا مقام لكم …) (سورة الأحزاب الآية 13)  

تختلف مدينة يثرب فى مناخها عن مناخ مكة  ، كما يختلف اقتصادها الزراعي عن اقتصاد مكة التجاري , وتمتاز يثرب أن بها أرضاً خصبة، وشجراً كثيفاً، وماءً وفيراً، ومما يذكر أن بعض المهاجرين بالحمى وقد ترك المهاجرين أموالهم ومساكنهم بمكة . كما جاء في الحديث "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة الى أرض بها نخل ، فذهب وهلي الى أنها اليمامة أو هجر , فاذا هي المدينة يثرب" .
 وفى يثرب / المدينة يوجد بها قبر النبى حيث دفن الرسول فى المكان الذى مات فيه وبنى مسجد فوق قبره بها..وأصبحت المدينة المنورة يطلق عليها ثاني الحرمين الشريفين ومما يذكر أن ملك السعودية يطلق عليه أسم خادم الحرمين مكة و .. يثرب / المدينة

وأصبحت أول عاصمة إسلامية بعد أن أسس محمد دولتة الدينية وأصبح رئيس العرب بلا منازع ومات فيها  من بعده حكم العرب الخلفاء الراشدون أبو بكر ثم عمر بن الخطاب الذى قتل بالمسجد حتي قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان , ولكن قام الخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب بنقل العاصمة من يثرب / المدينة للكوفة لأسباب سياسية. وبعده نقلها معاوية بن أبي سفيان لدمشق ثم نقلها العباسيون لبغداد بعد تأسيسها ثم الفاطميون للقاهرة ثم العثمانيون للقسطنطينية / إسلام بول. وحاليا تعتبر المدينة مزارا مقدسا لقبر الرسول. ويطلق عليها عدة أسماء المدينة المنورة أو مدينة النبي أو ثاني الحرمين أو المدينة النبوية ولها من الآسماء 99 اسما من أهمها طيبة وطابة ودار الإيمان ودار الهجرة مثلها مثل أسماء الله الحسنى .. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم بتسميتها يثرب كما ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسمها من يثرب إلى المدينة، ونهى عن استخدام اسمها القديم فقال: (من قال للمدينة (يثرب) فليستفغر الله... مسند الإمام أحمد 4/285)

ورد اسمها الجديد في القرآن ثلاث مراتٍ هي قوله تعالى: (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق... )(سورة التوبة الآية 101) وقوله: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم أن يتخلفوا عن رسول الله...) (سورة التوبة الآية 120)، وقوله : (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل... ) (سورة المنافقون الآية 8)

شاع اسم يثرب قديماً. ووجد في نقوش وكتابات غير عربية فظهر في جغرافية بطليموس اليوناني باسم يثربا (YATHRIPA)، وفي كتاب اسطفان البيزنطي باسم يثرب (YATHRIP)، وظهر اسمها في نقش على عمود حجري بمدينة حران (اتربو)، (ITRIBO).

 

واجتمع في الكعبة سادة قريش جميعاً فأجمعوا أمرهم: أن يتخلصوا من محمد.
ووافقوا علة ما اقترحه أبو جهل: "أن نأخذ من كل قبيلة شاباً جيداً نسبياً فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفاً صارماً فيضربوه بسيوفهم ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعاً فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً، فرضوا منا بالدية، فدفعناها لهم".
وبلغ محمداً ما تآمروا به عليه، فخف من فوره إلى صديقه أبي بكر وقت الظهيرة في ساعة لم يكن قد تعود أن يزور فيها أحداً..
ودخل فوجد أبا بكر بين ابنتيه أسماء وعائشة..
وقال أبو بكر مترفقاً: "إنما هم أهلك".
غير أن محمداً حرص علة ألا يسمع أحد أياً ما يكن ما سيفضي به إلى أبي بكر.. حتى عائشة التي عقد عليها وسيدخل بها بعد قليل!
وخرجت عائشة وأسماء، وخلا محمد إلى أبي بكر فروى له كل ما بلغه.. واقترح عليه أن يهاجر الليلة..
والتزم أبو بكر بترتيب أمر الهجرة في سرية كاملة، ومضى محمد إلى بيته، فطلب من علة بن أبي طالب، أن ينام الليلة في فراشه.. ثم سلمه الودائع التي تركها التجار عنده وكلفه أن يبقى بمكة يسلم الودائع إلى أهلها، ثم يلحق به إلى يثرب..
أما أبو بكر فقد أعد راحلتين، وخادماً يثق به، ولبث ينتظر صديقه إذا جاء الليل..
وجاء الليل على مكة، فتسلل الشباب الذين اختارهم السادة لقتل محمد وبعدوا عن الحرم حتى لا يثيروا شبهة أحد من عشيرة محمد. ثم دلفوا في دروب كثيرة ليعودوا مرة أخرى إلى جوار الحرم، حيث يقع بيت محمد الذي ورثه عن خديجة.
ووقفوا يحرسون الباب وينتظرون... فسيخرج محمد الآن بلا ريب، ليصلي في رحاب الكعبة كما تعود أن يصنع دائماً بعد كل غروب.. سيسلك الزقاق الضيق، حتى ينتهي إلى المسجد..
وسيقضون عليه في الزقاق الخالي، وينتهي كل شيء..
ولكن محمداً لم يخرج..
وجاء بعض السادة المتآمرين، ليروا.. فوجدوا الشباب يتربصون بسيوفهم وبيت محمد محكم الإغلاق.. ليس وراء بابه المغلق حركة.
كان علي بن أبي طالب يعرف الدور الذي ينهض به، ولقد استلقى في فراش ابن عمه وجر عليه بردته.. وفي حجرة أخرى من حجرات البيت اضطجعت سودة الزوجة الجديدة التي لم يستطع محمد أبداً أن يحملها إلى فراش زوجته الراحلة خديجة وفي الحجرة الثالثة من الحجرات الأربع.. جلست فاطمة، وفي صدرها قلق مبهم.. وكانت أختها الكبرى أم كلثوم هي الأخرى تشعر بمثل هذا القلق.. وقد أخذت تسير من حجرتها التي تعودت أن تنام فيها مع أختها فاطمة إلى الحجرة التي تعود أبوها أن يخلو فيها إلى نفسه أو يلقى فيها ضيفه.. ولحقت بها فاطمة.. فوقفت الأختان في بهو الدار: نبضات القلب تقرع الصمت.. وكل شيء ساكن في الليل الداجي!.
أي شيء غامض يحدث الآن؟. لقد ذهب أبوهما وطلب منهما ألا يسألاه عن شيء فسيفسر لهما عليّ من غده كل شيء..
وطال الانتظار بالذين يتربصون خارج البيت، ويئسوا من خروج محمد، فاقترح واحد منهم أن يدخلوا الدار، فيقتلوا محمداً في فراشه.. ودفعوا باب الدار، وهمَّ بعضهم بأن يتسلق الجدار الخارجي المنخفض، ولكن صرخات الفزع انطلقت من داخل الدار، فجمدوا في أماكنهم.. ربما سمع أحد من عشيرة محمد هذه الصرخات المستنجدة، فأقبلوا مسرعين فلا يتمكن المتآمرون من تنفيذ ما اتفقوا عليه..
وابتعدوا عن الباب والجدران.. وقال واحد منهم والخجل يجلل صوته:
_ إنها لسبة في العرب أن يقول الناس عنا أننا تسورنا الحيطان على بنات العم وهتكنا ستر حرمتنا.
وقرروا أن ينتظروا حتى الصباح، فسيفتح محمد باب بيته ليخرج إلى الصلاة عند الفجر..
ولكن الفجر أقبل، ولم يخرج محمد..
وبدأت شمس الصباح من ذلك الخريف، تلقي بأشعتها على الدرب الضيق ففتح باب البيت.. واقتحم المتآمرون إلى الداخل فوجدوا علياّ.. هو الذي يرقد في الفراش الآن..
أين محمد إذن؟، كيف خرج.. وإلى أين مضى؟.. أيكون قد تسلل من كوة في ظهر بيته..؟ أيكون قد عبر من سطح إلى سطح حتى هبط بيت أبي بكر..؟
وكيف عرف ما أعدوا له؟. أيكون أحد الذين اتفقوا بالمسجد قد رق لمحمد فأبلغه!.
إن محمداً لمختبئ في دار أبي بكر بلا ريب..
فليلحقوا به هناك، فيقتلوهما معاً..
ومضوا يتدافعون إلى دار أبي بكر، وشمس الخريف تغمر طرقات مكة.
كانوا متعبين من السهر مجانين من الغيظ!..
تقدمهم أبو جهل، فقرعوا باب دار أبي بكر.. وخرجت لهم أسماء فسألوها: أين أبوك يا بنت أبي بكر.
فقالت لهم: ما أدري أين أبي..
فلطمها أبو جهل على خدها لطمة عنيفة طرحت منها قرطها..
وانصرف.. وانصرفوا وراءه..
لابد من محمد قبل أن يلحق هو وصاحبه أبو بكر، بأهل يثرب..
ومضوا أرتالاً إلى خارج مكة يفتشون في الطريق إلى يثرب عن أثر محمد وصاحبه. ويسألون الناس أي طريق سلكا..
أما محمد، فقد خرج به أبو بكر من فجوة في ظهر داره..
تجنبا الباب والطرقات المألوفة.. وأسرعا وحدهما تحت جنح الليل، حتى خرجا من مكة، حيث كان ينتظرهما خادم لأبي بكر بناقتين، ودليل أمين خبير بالطرق المهجورة وبمسالك الصحراء.
لكم يخشى أبو بكر أن تهتدي قريش إليهما. وما أكثر ما تملك قريش من رجال خبراء بالصحراء يعرفون مسالكها والطرق المهجورة فيها..
ماذا يحدث إذن لو أنهم عثروا عليهما؟ سيقتلونهما!.
أما هو.. فإنه لرجل واحد يموت، ولكنهم إن قتلوا محمداً فسيقتلون أمة كاملة.. سيقتلون مستقبلاً بأسره..
وأفضى أبو بكر إلى محمد بمخاوفه وعيونه تدمع..
فربت محمد على كتفه وسأله ألا يحزن..
ورأى محمد أن يختفيا في بعض الكهوف حتى تخف حدة قريش في البحث عنهما.. وتيأس من العثور عليهما..
وأمر أبو بكر خادمه أن يعود إلى ابنه عبد الله فليتحسس من أخبار قريش بعدهما فيوافيهما بالأخبار كلما هبط الليل، وليرتب لهما أمر الطعام..
وتعود عبد الله بن أبي بكر أن يوافيهما بأخبار مطارديهما وتعودت أسماء بنت أبي بكر أن تحمل الطعام إليهما في الغار وتجعل من نطاقها مائدة لهما..
وظلوا ثلاثة أيام على هذه الحال حتى إذا يئست قريش من العثور عليهما في كل الدروب والطرق الخفية المؤدية إلى يثرب، خرجا معاً، إلى الفضاء العريض يخوضان معاً في الصحراء المترامية، إلى المصير الغامض.
وطالت الرحلة.. عبر دروب خفية صعبة.. والدليل صابر يخوض الرمال وكلما دنا من يثرب، شعر بأنه سيسلك طريقاً مألوفاً. فعدل إلى طريق آخر شاقٍ مستخفياً وراء الصخور الشاهقة..
وإنهم لعلى مقربة من يثرب إذ بفرسان من قريش يظهرون فجأة على قمة صخرة بعيدة. وفرح قائد الفرسان.. واندفع بحصانه إلى محمد، عبر صخور جرداء وعرة منحدرا إلى الأخدود.. ولكن الحصان تعثر به وأوشك أن يطرحه على الصخور فيدق عنقه.. وتشاءم قائد الفرسان.. فعاد من فوره دون أن يخبر أحداً ممن كانوا معه بما رأى!
وأخيراً دخل محمد وأبو بكر ومعهما الدليل إلى مناطق الحلفاء.
من هذه الخيام التي تنتشر خارج يثرب جاء رجال إلى مكة ذات يوم فبايعوه. وخرجوا إليه متهللين وطالبوه أن ينزل عندهم وسيبايعونه كأهل يثرب.. ولكنه شكر لهم حسن استقبالهم وسألهم أن يتركوه ليصل إلى يثرب، حيث ينتظره الأنصار من أهلها وصحبه المهاجرون..
ولاحت له يثرب، بنخيلها وأعنابها وحقولها الخضراء وحدائق الليمون والزيتون.
وتقدم وفود من رجالها ومن صحبه يستقبلونه ودخل يثرب وسط الترحيب كأنما هو فاتح مظفر، لا غريب مهاجر يلتمس الملجأ والعون والأنصار!.
ويثرب مدينة كبيرة نزح إليها اليهود منذ قرون، فأقاموا بها، يزرعون الأرض الخصبة التي تسقيها جداول كثيرة تنحدر من الجبال..
وهي واحة ضخمة تجود فيها الأرض بكثير من الثمرات.. وقد اختلط اليهود عبر السنين بسكانها ومنهم من أنشأ في يثرب معاصر للخمور ومراعي للخنازير وبيوتاً للهو.
يثرب شيء آخر يختلف تماماً عن مكة.. فسكانها عدد متفرق من القبائل لا يجمعون على دين واحد وهم لم يرثوا مكاناً كالكعبة، يستعملون به على العرب ويثرون مما يقدم إلى أصنامهم من هدايا ومما يقام تشرفاً بها من أسواق..
وما في يثرب كلها عشيرتان تجتمعان على شيء واحد.. حتى اليهود.. لكل عشيرة منهم مذهب ولهم فيما بينهم خلاف على تفاصيل يؤمنون بها.. والتنافس على الثروة فيما بينهم يؤجج العدوات..
والعرب من الأوس والخزرج أيضاً تنشب بينهم نفس الخلافات على نفس الأشياء.. وميزان الحياة يضطرب في كل عام يتحالف هذا القبيل مع ذلك ضد قبيل ثالث.. ثم ينفض الحلف، ويتخاصم الحلفاء ويتحالف الأعداء.. وهكذا.. دورة مستمرة لا تنقضي من الخصام والتنافس ولكل معشر حاكم خاص.
وقد أوشك أهل يثرب جميعاً أن يتفقوا للمرة الأولى على اختيار حاكم واحد هو عبد الله بن أُبيّ بن سلول.. وبدأ هو يستعد ويهىء جبينه لاستقبال التاج حتى كان التقاء اليثربيين بمحمد.. ثم وصول المهاجرين إليهم.. ومن ورائهم محمد.. فتوقف كل شيء.. وأسرَّها ابن أُبيّ في نفسه..
وفي هذا الخضم المتموج الزاخر بالخصومات أقبل محمد يحمل إلى كل أهل يثرب نداء بالحب والإخاء.. والعدل..
وما هي إلا أيام حتى أقبل علي بن أبي طالب.. وأهل محمد وأبي بكر.
ولم يكد محمد يضع قدميه في أرض يثرب بعد رحلته الطويلة المضنية حتى أعلن أنه سيبني مسجداً.
سكون مسجداً ضخماً رائعاً كالذي يقوم حول الكعبة..
وطلب محمد من كل المهاجرين والأنصار أن يعملوا في بناء المسجد.. وتقدم محمد يعمل بنفسه.
وأقبل الشباب من المهاجرين على العمل بحماسة يقودهم علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر..
وتحرِّج بعض الأغنياء من العمل، ولكنهم رأوا محمداً يعمل فأقبلوا متباطئين ثقالاً كارهين وحاول محمد أن يلقي في قلوبهم احترام العمل اليدوي.. بلا جدوى.
حاول أن يقنعهم أن الثقافة والبراعة في التجارة، وأي عمل عقلي آخر لا يفضل العمل اليدوي أبداً، فلكل عمل شرفه.
وأراد علي بن أبي طالب أن يبعث الحماسة في قلوبهم فأنشد رجزاً أثناء العمل ردده وراءه الآخرون.
وارتفعت جدران المسجد على نشيد العمل..
ومضى عمار بن ياسر يستحث بعض المتخلفين فأنشد هذا الرجز أمام جماعة منهم فيهم عثمان بن عفان، فسخروا منه ولكن عماراً ظل يستحثهم، وإذ ذاك برز له عثمان.
وعثمان إذ ذاك هو زوج رقية بنت محمد، وهو من أوائل الذين اتبعوه ومن أقرب صحبه إليه.. وهو فوق كل ذلك تاجر من سادات مكة واسع الغنى ولقد ضحى بتجارته بمكة وضحى بالكثير وهاجر وحمل معه أمواله الطائلة ليساند بها محمداً في مهجره.
كبر على عثمان بن عفان أن يستحثه عمار..
وانقض عثمان بن عفان يهدد عماراً بن ياسر بأن يضربه بعصاه على أنفه:
_ لقد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية.. والله إني لأراني سأعرض هذه العصا على أنفك.
وسمع محمد بما كان بين عثمان وعمار.
لماذا يستعلي ابن عفان على ابن سمية الآن إذن؟
بم يفضله؟. أبماله، أم بزواجه من رقية، أم بمكانته في قريش؟!
إن عماراً ليتبع التعاليم كما يتبعها عثمان، ولقد ضحى في سبيلها بأكثر مما ضحى عثمان، وإنه اليوم لأفضل منه لأنه يعمل بيديه ويبذل عرقه لكي يقيم مسجداً يجتمع الناس فيه..!
لن يصبر محمد على بقاء هذا الصلف في نفوس رجاله.. إنهم ليبرزوا معاً يتحدون الخطر لبناء حياة جديدة، ومن المحتم أن يحمل كل رجل منهم نفس الاحترام لأخيه..
لا يجب أن يشعر واحد منهم أنه يفضل أخاه.. إلا بعمله.
ومضى محمد يعنف عثمان بن عفان والذين معه.. واتهمهم بأنهم بعدوانهم على عمار يسلكون سلوك الفئة الباغية.
ولم يجدوا ما يجيبون به محمداً. ومضوا يسترضون ابن سمية. ويقبلون على العمل بأيديهم الناعمة التي لم تعرف خشونة العمل من قبل..
وانتهى بناء المسجد في أيام قلائل.. فأقبل رجال من أهل يثرب يعلمون محمداً أنهم سيسمون يثرب "المدينة". فهي مدينة محمد.. وتهيأ محمد يعقد اجتماعاته في المسجد، مقبلاً على عهد جديد حافل في المدينة.. وقد اطمأنت نفسه إلى المصير وأخذ يعدهم بأنهم سيقهرون مكة بصلفها وفسادها.. وشرع يتلو عليهم:
{وكأيّن من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم}.

وما أن بدأ التنفيذ حتى مضت مواكب المهاجرين تترى نحو الموطن الجديد .. دار الهجرة .. وقد شاركت المرأة في حدث الهجرة المبارك منهن أم سلمة هند بنت أبي أمية التي تعرضت لأذى بالغ من المشركين الذين أرادوا منعها من الهجرة ثم استلوا ابنها الرضيع منها حتى خلعوا يده ..
لكنها صممت على الهجرة ونجحت في ذلك رغم الاخطار والمصاعب . وخلدت أسماء بنت أبي بكر ذكرها في التأريخ وحازت لقب ذات النطاقين عندما شقت نطاقها نصفين لتشد طعام المهاجرَين ، رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر رضي الله عنه وقد تتابعت هجرة النساء في الاسلام حتى شرعت في القرآن { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} - الممتحنة 10 - ونزلت الآيات الكريمة تأمر بالهجرة وتوضح فضلها منذ السنة التي وقعت فيها لغاية سنة 8هـ عند أوقفت الهجرة بعد فتح مكة واعلان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله ( لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة وإذا استنفرتم فانفروا ) .
والأمر بالهجرة الى المدينة لأنها صارت مأرز الايمان وموطن الاسلام ، وشرع فيها الجهاد لمواجهة الاعداء المتربصين بها من قريش واليهود والأعراب ، فكان لابد من إمدادها بالطاقة البشرية الكافية مما يفسر سبب نزول القرآن بهذه الآيات الواعدة للمهاجرين : { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله} - البقرة 218 - {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة} - النحل 41 - {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة} - النساء 100 - .
وقد حاز المهاجرون شرفاً عظيماً في الدنيا فضلاً عن ثواب الله ووعده الكريم ، فقد اعتبروا اهل السبق في تأسيس دولة الاسلام فنالوا رضى الله والقربى منه {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم } - التوبة 100 - . وهكذا خلد الله ذكرهم في القرآن الذي يتعبد المسلمون بتلاوته الى آخر الزمان .
الهجرة من سنن الأنبياء عليهم السلام
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أول نبي يهاجر في سبيل الله بل مرّ بهذا الامتحان كثير من الانبياء .. وقد أخبرنا الله تعالى بأن ابراهيم عليه السلام هاجر من موطنه الى مصر وغيرها داعياً الى التوحيد ، وأن يعقوب و يوسف عليهما السلام هاجرا من فلسطين الى مصر وأن لوطاً هجر قريته لفسادها وعدم استجابتها لدعوته . وأن موسى عليه السلام هاجر بقومه من مصر الى سيناء فراراً بدينه من طغيان فرعون .
وهكذا فان الهجرة من سنن النبيين ، وقد كانت هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام خاتمة لهجرات النبيين . وكانت نتائجها عميقة شكلت منعطفاً تاريخياً حاسماً .

======================================================================

 

This site was last updated 11/22/10