الصورة المقابلة من موقع الأنبا تكلا : القديس برتلماوس الرسول و القديس فيلبس الرسول - القديس اندراوس الرسول مع القديس بطرس الرسول -- باوبط -ديروط - مصر
**********************
القديس بطرس الرسول والحبر الروماني (1)
للمتنيح الأنبا غريغوريوس
صَفا : باليونانية كيفاس علم مأخوذ عن الآرامية كيفا أي صخرة أو حجر، وبالعربية الصفاة الصخرة الصلبة الملساء. وهو اسم أعطاه يسوع المسيح لسمعان ويقابله باليونانية بطرس (يو 1: 42 و1 كو 1: 12 و3: 22 و9: 5 و15: 5 وغلا 2: 9).
أولا: هل كان القديس بطرس رئيسا للرسل؟
القديس بطرس أحد رسل المسيح الاثني عشر. ولم يكن للرسل رئيسا.
وليس في كلمات المسيح له المجد نص صريح أو ضمني يخول للقديس بطرس أن يكون رئيسا للرسل.
أما اعتراف القديس بطرس المشهور أنت هو المسيح ابن الله الحي (متي 16:16), فقد سبقه إليه يوحنا المعمدان (يوحنا 1:34), كما سبقه إليه نثنائيل الذي أصبح القديس برثولماوس أحد الاثني عشر (يوحنا 1:49).
ثم إن اعتراف القديس بطرس لم ينفرد به هو, وإنما شاركه فيه سائر التلاميذ... بل وآخرون من غير الاثني عشر... من بينهم قائد المائة الذي أشرف علي تنفيذ الحكم بالصلب (متي 27:54), والمولود الأعمي الذي رد إليه المسيح البصر (يوحنا 9:35-38).
كان القديس بطرس في اعترافه معبرا عن إيمان سائر التلاميذ وقد تكلم أولا وقبل الآخرين لأنه كان أكبرهم سنا. ولكبر السن كرامة خصوصا في الأزمنة القديمة.
وكان من عادة القديس بطرس أن يتكلم قبل غيره من الرسل الاثني عشر. وهذا يرجع إما إلي تقاليد المجتمع التي تعطي لكبير السن حق التقدم في الكلام والإنابة عن الآخرين... وإما إلي صفة خاصة في الرسول بطرس تتميز بها شخصيته, وهي الاندفاع في الكلام, وسرعة التصرف... وإما إلي الصفتين معا.
الاستناد إلي قول المسيح لبطرس وسأعطيك مفاتيح ملكوت السموات, فكل ما تربطه علي الأرض يربط في السماوات, وكل ما تحله علي الأرض في السماوات (متي16:19) لا يعطي القديس بطرس امتيازا خاصا, لأن المسيح أعطي نفس هذا السلطان للرسل جميعا سواء بسواء وبدون تفريق (متي 18:18). وإذن لا يفهم من قول المسيح لبطرس وسأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات, فكل ما تربطه... علي أنه سلطان ينفرد به القديس بطرس... وإنما هذا هو سلطان الأسقفية الممنوح من المسيح للأسقف الذي يرعي الكنيسة المبنية علي صخرة الإيمان بلاهوت المسيح, وأنه ابن الله الحي, كما صرح به القديس بطرس.
الاستناد إلي قول المسيح للقديس بطرس وأنت متي اهتديت ثبت إخوتك (لو22:32) لا يبرر رياسة بطرس علي سائر التلاميذ...
وإنما يشير إلي أن القديس بطرس, عندما يشك في المسيح ويعلن ويحلف بأنه لا يعرفه... ثم يتوب راجعا إلي إيمانه... سوف يكون بذلك التصرف وبعودته إلي الإخلاص لمعلمه, سببا في تثبيت إخوته في الإيمان, بدليل قول الرب له قبل ذلك مباشرة سمعان سمعان هوذا الشيطان قد طلبكم ليغربلكم كما يغربل القمح, ولكني دعوت لك ألا تفقد إيمانك وأنت متي اهتديت ثبت إخوتك.
الصورتين فى هذه الصفحة : المكان الذى تقابل فيه بطرس الرسول و هو خارج من روما مع السيد المسيح ،، و تظهر اقدام الرب يسوع مطبوعة فى ذلك المكان و اصبح كنيسة جميلة صغيرة ذات رهبه وروحانية جميلة .
الاستناد إلي قول المسيح لبطرس الرسول ثلاث مرات ارع خرافي لا يبرر الرياسة للقديس بطرس... وإنما يشير إلي قبول المسيح لتوبة القديس بطرس, ورده مرة أخري إلي رتبته الرسولية الأولي بعد أن فقد بإنكاره مركزه كرسول للمسيح بدليل أن المسيح ناداه باسمه القديم الذي كان معروفا به قبل صيرورته رسولا, وهو سمعان بن يونا... وبدليل الحزن الذي استولي علي القديس بطرس عندما كرر المسيح له السؤال, يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء مذكرا إياه بنكثه بوعده الذي وعد به معلمه قبل الصليب إن شك فيك الجميع فأنا لن أشك أبدا... إنني لو اضطررت أن أموت معك فلن أنكرك (متي 26:33-35).
الاستناد إلي قول المسيح لبطرس: أنت بطرس وأني علي هذه الصخرة سأبني كنيستي (متي 16:18) لا يستفاد منه أن القديس بطرس كان هو الصخرة التي بني المسيح عليها كنيسته.
1- لأن بطرس كإنسان لا يمكن أن يكون الصخرة, لأن الكتاب يقرر ومن هو الصخرة غير إلهنا (2 صموئيل 22:32), (مزمور 1918:31), (1 صموئيل 2:3), ويقول ماربولس الرسول والصخرة كانت المسيح (1كورنثوس10:4).
2- لأن الصخرة لا تتزعزع, بطرس الرسول تزعزع إيمانه بل وكاد يفقد إيمانه في سيده حتي قال له ولكني دعوت لك ألا تفقد إيمانك (لوقا 22:32) وأنكر سيده.
ثم أنه تردد في موقفه من قبول المؤمنين من بين الأمم حتي أن القديس بولس نسب إليه خطيئة الرياء في الإيمان (غلاطية2:13), كما نسب إليه اللوم وقال إني قاومته وجها لوجه لأنه كان يستحق اللوم (غلاطية2:11).
3- إن كلمة بطرس لا تفيد صخرة, بل هي كيفا بالسريانية وكيفا معناها حجر وفرق بين الحجر والصخرة.
وقال الرسول بطرس عن جميع المؤمنين وكونوا أنتم أيضا مبنيين كالحجارة الحية (1بطرس2:5).
كل ما يمكن أن يقال إن القديس بطرس كان من بين المعتبرين أنهم أعمدة (غلاطية2:9, 2, 6).
وإنه كان من بين الثلاثة الذين صحبوا معلمهم ليشهدوا إقامته لابنة يايروس رئيس مجمع اليهود, وصحبوه علي جبل التجلي, وكانوا بالقرب منه في جهاده في بستان جثسيماني.
لكن هذا لا يمنح القديس بطرس امتيازه بالرياسة من بين ثلاثة, كان أحدهم يوحنا وهو يتصف وحده بأنه التلميذ الذي كان يسوع يحبه, وأنه التلميذ الذي كان يتكئ علي صدره, وأن القديس بطرس كان يتوسط لدي معلمه أحيانا, وأنه التلميذ الذي ائتمنه علي أمه العذراء مريم, وهو صاحب الرؤيا العظيمة التي كشف بها المسيح عن مستقبل الكنيسة كله.
وإن كان يذكر الأول بين الرسل نظرا لسنه ولأسبقيته في الدعوة الرسولية, لكن القديس بولس يذكره في رسالته إلي غلاطية بعد يعقوب (غلاطية 2:9). مما يدل علي أن هذه الأولوية ليست امتيازا خاصا بالكرامة, وبالتالي لا تفيد معني الرياسة بكل ما تقتضيه الرياسة من سلطة وحق مطلق وثابت ودائم للتقدم.
ثانيا: هل كان القديس بطرس هو المؤسس لكرسي روما:
إن مصادرنا التاريخية تدلنا علي أن القديس بطرس ذهب إلي روما في أواخر أيام حياته. وأنه أيضا استشهد في روما في عهد الإمبراطور نيرون, وأنه مات مصلوبا هناك. وكنيستنا الأرثوذكسية تعيد لاستشهاد القديس بطرس والقديس بولس في يوم واحد. ومع ذلك فهناك من الأسباب التي تحدو كثيرين من المؤرخين واللاهوتيين إلي اعتبار القديس بولس, لا القديس بطرس, هو المؤسس الحقيقي لكنيسة روما.
والأدلة علي ذلك كثيرة من سفر أعمال الرسل الذي يذكر علاقة القديس بولس بروما وأهلها, دون أن يشير إلي القديس بطرس بشئ في صلته بروما. وعندما ذهب القديس بولس إلي روما في أخريات أيامه لم يذكر كاتب السفر, القديس بطرس بين الذين استقبلوا القديس بولس في رحلته الأخيرة إلي روما نحو سنة 60م, ولم يذكر أيضا شيئا عن القديس بطرس في كل المدة التي قضاها القديس بولس في روما وهي مدة سنتين كاملتين (أعمال الرسل 28:30, 31) أنظر أيضا (أعمال الرسل 19:21), (23:11), (27:23, 24), (28:14, 16).
وكذلك عندما كتب القديس بولس رسالته إلي رومية -التي يرجعها المؤرخون وعلماء الكتاب المقدس إلي سنة 57 ميلادية- لم يشر فيها إلي القديس بطرس, لا من قبل ولا من بعد, ولم يذكره لا في مطلع الرسالة بين من أرسل إليهم رسالته, ولا في نهاية الرسالة بين الكثيرين الذين ذكر أسماءهم اسما اسما وهو يهدي السلام إليهم... ولكم يذكر بتاتا اسم القديس بطرس في ثنايا الرسالة لا تصريحا ولا تضمينا ولم يشر إليه إطلاقا.
وإذا كنا نعلم أن القديس بولس اتخذ لنفسه مبدءا في الخدمة والكرازة وهو علي حد تعبيره وحرصت أن لا أبشر بالإنجيل في موضع دعي فيه اسم المسيح لئلا أبني علي أساس غيري (رومية15:20).
وأكد نفس المبدأ مرة أخري في رسالته الثانية إلي كورنثوس (10:13-16) فإنه يصعب تصور أن روما قد بشر فيها القديس بولس قبل سنة 57م.
لذلك نميل إلي الرأي القائل بأن القديس بطرس لم يذهب إلي روما إلا في أواخر أيام حياته حيث مات هناك مصلوبا في أيام نيرون مع القديس بولس الذي قطعت رأسه بالسيف نحو سنة 62 أو 63 ميلادية.
ثم أن كتابات الآباء في العصور الأولي, خصوصا الآباء الرسوليين, لا تشير بوضوح إلي القديس بطرس, كمؤسس لكرسي روما.
من ذلك رسالة أكليمنضس الروماني إلي كنيسة كورنثوس والتي اكتشفت في سنة 96 ميلادية, ففي هذه الرسالة يشار إلي القديس بطرس علي أنه تحمل آلام الشهادة وانتقل إلي المجد, كما يتحدث الكاتب بأكثر تفصيل عن القديس بولس, ولكنه لا يشير صراحة أو ضمنا إلي مركز خاص للقديس بطرس بالنسبة إلي كنيسة روما.
ثالثا: هل لأسقف روما رياسة أو تقدم علي جميع أساقفة العالم المسيحي؟
هذه قضية تفتقر إلي أساس ديني روحي لاهوتي لمساندتها.
يمكن أن يقال إنه نظرا لمكانة المدينة السياسية والثقافية والاجتماعية والدولية يعظم شأن الأسقف القائم بمسئوليتها الرعوية.
وهذه حقيقة تاريخية تأيدت علي المستويين, العالمي والمحلي...
أما علي المستوي المحلي...فقد أخذ ينمو نفوذ أسقف عاصمة الإقليم في أي بلد علي حساب نفوذ الأساقفة الآخرين في نفس الإقليم... وذلك تبعا لأهمية العاصمة المدينة التي يقيم فيها الملك أو الحاكم وأعضاء حكومته, ويدين لها بالخضوع حكام المقاطعات التابعة للإقليم. ولابد لأهمية العاصمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا أن يترك أثرها علي أهميتها الدينية والروحية, فينمو تبعا لهذا نفوذ أسقفها أكثر من الأساقفة الآخرين في كل المقاطعات, وشيئا فشيئا يدينون له بالولاء والخضوع إذ يصير بالنسبة للجميع رمز وحدة الكنيسة في الإقليم.
هكذا امتد نفوذ أساقفة العواصم واعتبروا مقدمين علي غيرهم, وشيئا فشيئا نما هذا التقدم وصار رياسة.
هذا إلي أن بعض العواصم أخذت كرامة خاصة, كرامة تاريخية علي أساس ديني... فالمدن التي انطلق إليها الرسل, وصارت من بعدهم كراسي رسولية أخذ نفوذها ينمو علي أساس تاريخها وكرامتها الروحية. ولا ننسي هنا أن العواصم التي سميت في القرون الأولي كراسي رسولية كانت لها في نفس الوقت أهميتها المدنية والسياسية, مثال ذلك أورشليم, وروما, والإسكندرية, وإنطاكية, ولحقت بها بعد ذلك القسطنطينية التي سميت بروما الجديدة بعد أن اتخذها الإمبراطور قسطنطين عاصمة ملكه.
وليس من شك في أن تقدم أسقف العاصمة علي غيره من الأساقفة لا يرجع إلي صفات شخصية, بقدر ما يرجع إلي المركز الذي يشغله باعتباره أسقف العاصمة... وعلي قدر ما يكون شأن العاصمة من أهمية عالمية, تكون شهرة الأسقف الذي يشغل منصب راعيها, وتقدمه علي الآخرين من الأساقفة, علي الرغم من أنه قد يكون بين هؤلاء الأساقفة من يفضل أسقف العاصمة روحانية وتقوي وعلما وحكمة... خاصة وأن أسقف العاصمة لم يكونوا يختارونه من بين الأساقفة, وإنما من بين الرهبان والكهنة والشمامسة كما يختار أي أسقف آخر.
واليوم ينظرون إلي أسقف أسطنبول وهي الفسطنطينية القديمة -علي أنه مقدم علي جميع الأساقفة والبطاركة الذين يرأسون الكنائس الأرثوذكسية التي تتبع الطقس البيزنطي, علي الرغم من أن المسيحيين الذين يتبعون البطريرك المسكوني في أسطنبول لا يزيدون علي عشرة آلاف نسمة, بينما أن بطريرك موسكو وكل روسيا يتبعه نحو 90 مليونا.
إذن فأهمية البطريرك المسكوني في أسطنبول, وتقدمه علي عدد كبير من البطاركة الأرثوذكسيين الذين يتبعون الطقس البيزنطي, يرجع إلي أهمية أسطنبول أو القسطنطينية التاريخية باعتبارها عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية منذ عهد قسطنطين.
علي نفس القياس, نفهم مكانة أسقف روما في زمن كانت فيه روما عاصمة الدولة الرومانية, أو قل عاصمة العالم بأسره... وظلت روما تتمتع بهذه المكانة قرونا طويلة هي القرون التي شهدت قيام الكنيسة المسيحية وازدهارها وانتشارها حتي صارت ديانة عالمية امتد نفوذها الروحي إلي العالم كله.
وحتي للقسطنطينية عندما اتخذها قسطنطين قاعدة لملكه, أخذت لقب روما الجديدة مما يدل علي أن روما كانت ولا زالت حتي بعد أن صارت القسطنطينية العاصمة الجديدة للإمبراطورية, تتمتع بمكانتها التاريخية وشهرة اسمها, ولذلك فإن القسطنطينية استعارت اسم روما لعلها بذلك تحتل شيئا فشيئا المكانة التي كانت لروما في كل التاريخ العريض الذي امتد مئات السنين.
هذا هو السبب الحقيقي الذي يفسر لنا تقدم أسقف روما علي الصعيدين العالمي والمحلي.
أما المحلي فلأن روما عاصمة إيطاليا, فكان لابد لأسقفها تبعا لأهميتها كعاصمة أن يتقدم أساقفة كل إيطاليا ومقاطعاتها, ثم بعد ذلك مستعمراتها, ولذلك لقب أسقف روما وبطريرك الغرب.
وأما العالمي, فكان لابد تبعا لشهرة روما واتساع نفوذها السياسي, وتحكمها في مصائر الملايين من البشر في كل المسكونة -أن ينمو نفوذ أسقفها نفوذا أدبيا عالميا حتي لو لم يكن دائما إداريا...
يضاف إلي هذا أن أسقف روما, أخذ شيئا فشيئا نفوذه ينمو فيصير سلطانا روحيا, تخضع له حكام وملوك وأباطرة, وفي عصور التقوي والإيمان تطغي قيمة الروح علي المادة, وتزداد أهمية السلطة الدينية الروحية عن السلطة المدنية, ويصير الشعب كله بما فيه الحكام والملوك أنفسهم يدينون بالخضوع لسلطان الأسقف دينيا أولا, ويأخذ نفوذ السلطان في الامتداد حتي يشمل الحياة الاجتماعية... وشيئا فشيئا يتقلص مع الأيام نفوذ السلطة المدنية, حتي يمسي ضئيلا جدا وفي نطاق محدود. ولا يجد الملك نفسه مناصا من أن يخضع لهذا السلطان وينحني أمامه من أجل نجاح نفسه كمؤمن أولا, لم لكي ينجح في حكم شعبه الذي يدين للسلطان الروحي للأسقف.
وتاريخ أوربا والغرب كله حافل بالأحداث والوقائع, التي يبرز فيه سلطان بابا روما لا روحيا فقط -فهذا أمر لا جدال فيه- وإنما اجتماعيا ومدنيا أيضا, حتي شهدت أوربا صراعا طويلا بين النفوذ الروحي ممثلا في بابا روما, وبين النفوذ المدني ممثلا في أباطرة إيطاليا, والبلاد الأخري التي تخضع للنفوذ الروحي لبابا روما مثل ألمانيا والنمسا وغيرها من بلاد أوربا... وكان دائما النفوذ الروحي يقوي علي النفوذ المدني, مما كان يضطر الأباطرة والملوك إلي الخضوع لبابا روما صاغرين, حتي لو كان ذلك علي مضض منهم, وكانوا يضطرون أحيانا إلي تصرفات شكلية ظاهرية يبدون فيها خضوعهم لبابا روما, فيها ما فيها من إذلال لهم يكتمونه في قلوبهم, كالإذلال التاريخي المعروف بإذلال قلعة كانوسا Canossa, بشمال إيطاليا, تذلل فيه الإمبراطور هنري الرابع إمبراطور ألمانيا (1056-1106) أمام البابا غريغوريوس السابع لينتزع منه الحل لأن هذا الحل كان ضروريا ليحفظ ملكه وسيادته في ألمانيا.
ولا نعتقد أن هناك براهين دينية أصيلة تساند أسقف روما في أسبقيته وتقدمه علي غيره من أساقفة الغرب, أو أساقفة العالم المسيحي.
ولذلك, فإن ما يقال عادة عن رياسة القديس بطرس علي سائر التلاميذ, هو من قبيل المحاولات الإنسانية العقلية لتبرير اتجاه إرادة الراغبين في هذه الرياسة.
لأنه كما قلنا سابقا لا يوجد دليل حاسم صريح أو ضمني من الكتاب المقدس سواء من الأناجيل أو سفر أعمال الرسل, أو من الرسائل يؤيد هذه الرياسة.
********
هل الكنيسة مؤسسة على شخص الرسول بطرس أم على شخص الرب يسوع المسيح ؟ وهل اعتبر بطرس نفسه نائب المسيح على الأرض ؟
كتب " الأب رومانوس حداد" 26/2/2016م
"وأنا أقول لك أيضًا أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" ( متى 16:16).
لدى رجوعنا الى النصّ اليوناني لهذه الآية نُلاحظ أن هناك كلمتين مختلفتين تمّت ترجمتهما للعربية بكلمة "صخرة". المسيح قال لبطرس أنتَ Πέτρος (Petros) وباللغة الآرامية (كيفا) (راجع متى 16: 18)، والعربية تعني الكلمة "صخر" أو "حجر صغير مُقتطع من الصخرة" بصيغة المذكّر، ومن المعلوم أن حرفيّ os باليونانية تنتهي بهما الأسماء المذكّرة، مثل: جاورجيوس، باسيليوس، نكتاريوس، جراسيموس...الخ. ثم قال له المسيح: وعلى هذه ال Πέτρα ( Petra) أبني كنيستي، وكلمة "بِترا" مؤنثة، وهي ما لم يقُلهُ الرب لتلميذه بطرس.
القديس متى الانجيليّ أحد كتبة الوحي الالهي المقدس والمُنساق لالهام الروح القدس، وضَّح ما فهمه من قصد المسيح تماماً كما عبّر عنه وكتبه، والذي بيَّن فيه بشكل تامّ وواضح التميُّز والفرق بين الكلمتين، فالقول: "أنت صخرٌ" (أو حجر صغير بالمذكّر - petros) "وعلى هذه الصخرة" بالمؤنث (petra ) أبني كنيستي". والمعنى لكلمة "بيتروس" هو الحجر الصغير كما أوضحت، ويختلف بشكل جازم عن ال "بيترا" أي "الصخرة الكبيرة" بالمؤنث، فيكون المعنى أن ايمان سمعان بطرس (كيفا) واعترافه بلاهوت المسيح هو "الصخرة" الذي عليه تُبنى الكنيسة، فاسم "بطرس" مُستمدٌ ومُشتقٌّ من كلمة الصخرة (petra)، ويقول المسيح لبطرس القويّ الايمان في هذه اللحظة، أن ايمانه المُستمدّ من المسيح مثل صخرةٍ قوية، والايمان القويّ هو الذي تقوم عليه الكنيسة، وهو الايمان بأن يسوع هو المسيح ابنُ الله الحيّ، فالمسيح هو الصخرة القوية الذي يَستمدّ منه بطرس ايمانه مثل اسم الصخره التي يَستمدّ منها بطرس اسمه، ومعنى الكلام أن الكنيسة ستؤسّس على هذا الإيمان الصخريّ الذي نطق به بطرس أن المسيح هو إبن الله الحيّ. اذاً فالصخرة التي بُنيَت عليها الكنيسة هي صخرة الايمان الذي نطق به بطرس لا شخص بطرس بالذات، كما يزعم الغربيون! فحاشا لله أن يَبني كنيسته على انسانٍ ضعيف عُرضَه للخطأ وقابلٌ للسقوط !
حيث نرى أنه بعدما نطق بطرس بإعترافه الرائع بألوهية المسيح، أظهَرَ بعده بقليل خطأً مُشيناً ممّا جعل السيد ينتهرهُ بقوله له: " اذهب عنّي يا شيطان "! (متى 16/23) فهل كان بطرس شيطاناً بالمعنى الحرفي أم المجازيّ للكلمة ؟! لا شكّ أن السيد لا يَقصِد بأن شخص بطرس "شيطان" بل ان القول الذي نطقَ به بطرس "حاشا لك يارب أن تُصلَب " هو مُطابقٌ للفكر الشيطانيّ الذي يُريد عرقلَة عمل الفداء بالصليب الذي جاء المسيح من اجل اتمامه.
ناهيك عمّا قاله داود النبيّ صاحب المزامير: " الربُ صخرتي وحِصني ومُنقذي، الهي صخرتي به أحتمي، تُرسي وقَرنُ خلاصي" (مزمور 2:18).
ويقول بولس الرسول: "لأَنَّهُمْ (أي آباء العهد القديم) كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيح" (1كو 10:4).
"ها أنا أضعُ في صهيون حجرَ صدمةٍ وصخرةَ عثرةٍ وكل من يؤمن به لا يخزى" ( رو 9 : 33 ).
اذاً فالأساس والصخرة الحقيقية وحجر الزاوية هو السيد المسيح نفسه، والرسل بنوا على هذا الأساس، ولذا يقول الرسول بولس أيضاً: "ولكن فلينظُر كل واحد كيف يبني عليه، فإنه لا يستطيع أحدٌ أن يضع أساساً غير الذي وُضِع الذي هو يسوع المسيح ( 1 كو 3 : 11)
وبطرس الرسول نفسه يقول عن المسيح في رسالته الثانية:
"ها أنا ذا أضع في صهيون حجر زاوية مختاراً كريماً والذي يؤمن به لن يخزى. فلكم أنتم الذين تؤمنون الكرامة وأما للذين لا يطيعون فالحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية، وحجر صدمة وصخرة عثرة الذين يعثرون غير طائعين للكلمة الأمر الذي جعلوا له" (1بطرس 2: 6-8). فكيف نضع بطرس أساساً بدلاً من المسيح ؟!!
ثم من الجدير بالملاحظة لفهم معنى هذا النصّ بصورة منطقية ومن هو المقصود ب "الصخرة" أن السيد المسيح تابع كلامه قائلاً: أبواب الجحيم أي مملكة الشيطان لن تقوى عليها (أي على الكنيسة)، أي لا تَصمُد أمام قوّة صخرة الايمان، ويقولها بالمؤنث (حسب النصّ اليوناني) لأنه لا يتكلّم عن شخص بطرس ولكن عن الايمان بألوهيته، فالمعنى ليس أن أبواب الجحيم لن تقوى على بطرس، ولكن على الايمان الذي اعترف به بأن يسوع هو المسيح ابن الله الحيّ. فالسؤال المنطقي الذي لا بد من طرحه، كيف ستثبُت الكنيسة ولا تقوى عليها أبواب الجحيم، اذا كان الرب قد أسّسها على شخص بطرس الرسول الذي هو نفسُه لم يثبُت، وقد ضعُف وخاف، واهتزّ ايمانه وتضعضع في ساعة الصليب، وأنكر الرب وجحده ثلاث مرات ؟!! فما يُبنى على أساسٍ قويّ راسخ يبقى راسخاً، وما بُني على أساس قابل للاهتزاز والتضعضُع فهو قابل للانهيار! ولو كان الرب يقصد أن يكون شخص بطرس الرسول هو صخرة الكنيسة التي وعد بأنه لن تقوى عليها أبواب الجحيم فيكون المسيح بذلك لم يستطع أن يفي بوعده لأن بطرس (صخرة الكنيسة بحسب زعمهم!) قد ضَعف ايمانه في ساعة التجربة والمحنة الصعبة! ولكننا نشكر الرب الذي أسّس كنيسته على صخرة الايمان والاعتراف بلاهوته الذي أقرَّ واعترف به بطرس ويعترف به كل المؤمنين باسمه، لذلك فالكنيسة حتماً لن تقوى عليها أبواب الجحيم.
وكيف للبعض أن يتجاهل ما قاله وعلّم به آباء الكنيسة القديسون حول تفسير وفهم هذه الآيات الذي كان ولا يزال يعكس وينقل لنا ما تسلّموه من الرسل أنفسهم ويعكس الرؤية الأصيلة للموضوع !! وفي الواقع إن الآباء القدماء لم يذكروا في مؤلّفاتهم التي تركوها أي نصّ يدلّ على أنهم اعتبروا أو فهموا أن بطرس هو رئيس الرسل بالمعنى الذي تفهمه وتريده الكثلكة وأنه "نائب المسيح على الأرض" كما يزعمون! وهذه بعضٌ ممّا قالوه:
القديس كيرلّس الاسكندري : "الصخرة ليست سوى مجرّد إيمان التلميذ الوطيد القويم".
القديس يوحنا الذهبي الفمّ: "على هذه الصخرة، أي على هذا الإيمان وهذا الإعتراف أبني كنيستي".
المغبوط أغسطينوس (وهو من آباء الكنيسة الغربية): "المسيح هو الصخرة التي كان بطرس نفسه مبنياً عليها. قال المسيح لبطرس لا أبني نفسي عليك بل أبنيك عليّ".
العلّامة أوريجانوس: "كل من كان تلميذاً للمسيح هو الصخرة، وعلى الصخرة هذه تُبنى كل التعاليم الكنسية".
********
هل بطرس الرسول هو مؤسس كنيسة رومية أم بولس الرسول ؟
البراهين والأدلّة الكتابية على تأسيس بولس الرسول لكرسي روما:
Abouna Romanos Haddad
(1) بولس رسول الأمم:
إن الكنيسة التي تأسّست في مدينة رومية عاصمة العالم الوثني، هي كنيسة أمميّة وليست يهودية (رو1: 5، 13). وكان القديس بولس هو رسول الأمم، بينما القديس بطرس هو رسول الختان "إذ رأوا (يعقوب وبطرس ويوحنا) إني اؤتمنت على إنجيل الغُرلة (تبشير الوثنيين الغير مختونين)، كما بطرس على إنجيل الختان (تبشير اليهود المختونين)، أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم، وأما هم فللختان" (غل2: 7 – 9).. نلاحظ التعبير الذي استخدمه القديس بولس "إذ رأوا أني اؤتمنت"... من الذي ائتمنه؟ الرب نفسه منذ البداية أفرز بولس لهذه المهمة، وقال لحنانيا في دمشق عن بولس عقب اهتدائه مباشرة "هذا لي إناءٌ مختار ليحمل اسمي أمام الأمم والملوك وبنى إسرائيل" (أع9: 15).... ومرة ثانية يسجّل القديس لوقا في سفر الأعمال، أن الرب ظهر لبولس في رؤيا في الهيكل بأورشليم وقال له "أسرع واخرج عاجلاً من أورشليم... فأني سأرسلك إلى الأمم بعيداً" (أع22: 18، 21).. هذا عن الأمم بوجه عام، أما عن رومية بوجه خاص، فقد أعلن له الرب ذلك في رؤيا بينما كان مقبوضاً عليه، ومودعًا بالمعسكر الروماني في أورشليم... "ثق يا بولس لأنك كما شهدت بما لي في أورشليم هكذا ينبغي أن تشهد في رومية أيضًا" (أع23: 11). ولا حاجة بنا إلى تفنيد الادعاء بأن القديس بطرس -بعماد كرنيليوس قائد المائة الأممي- صار رسول الأمم. فهذه كانت حادثة فردية وقعت حوالي سنة 40.. ولقد تحدّد هذا الاختصاص وتأيد فيما بعد بواسطة مجمع الكنيسة في أورشليم الأمر الذي أشار إليه بولس في (غل2: 7 – 9).
(2) مبدأ بولس في الكرازة:
سار بولس في كرازته على مبدأ واضح، وهو أنه لا يكرز في مكان كرز فيه آخر " كنت متحرّصًا أن أبشّر هكذا. ليس حيثُ سُمِّي المسيح. لئلا أبني على أساس لآخر. (رو15 : 20) ومن العجيب أن يذكر بولس هذا المبدأ في رسالته إلي رومية، مما يدل على أن أحدًا من الرسل لم يذهب إلي تلك المدينة ويبشّرها. وكان بولس يشتهي تبشير أهل رومية (رو1: 11، 15) وذهب إليها بالفعل وأستأجر بيتًا هناك يكرز فيه ويقبل كل الذين يدخلون إليه لمدة سنتين كاملتين (أع28: 30) وهذا دليل أكيد على أن بطرس لم يكن قد ذهب إلي رومية حتى ذلك الوقت ولم يكن موجودًا بها في تلك الفترة بين سنتي 61، 63.
(3) علاقات بولس بمؤمني رومية:
الفصل السادس عشر من رسالة بولس إلي أهل رومية حافل بعدد كبير من أسماء المسيحيين الرومان -يهود وأمميين- يبعث إليهم بولس بتحياته الحارة وتقديره، الأمر الذي يقطع بأن له صلات وثيقة معهم.. فمنهم من عمل معه في ميدان الخدمة، ووضع عنقه لأجله ومنهم من أحتمل الأسر معه. ومنهم من تعب كثيرًا لأجله ولأجل خدمة الرب (رو16: 3 – 16)... وهو يشرح لهم في هذه الرسالة كيف أنه كثيرًا ما قصد أن يأتي إليهم لكنه مُنع وأنه مشتاقٌ أن يراهم لكي يمنحهم هبة روحية لثباتهم.. والرسالة إلى رومية تُشعرنا بأنه -حتى وقت كتابتها سنة 58- لم تكُن هناك أي كنيسة مؤسسة من هيئة رسولية في روما. فالرسالة يوجّهها بولس إلى "جميع الموجودين في رومية أحبّاء الله المدعوين قديسين" (رو1: 7).
(4) كرازة بولس في رومية:
لا تحوي أسفار العهد الجديد أية إشارة -ولو من بعيد- لكرازة بطرس في رومية.. لكن ثبت أن بولس وصل إلي رومية وأقام كارزًا بها (أع28: 16، 30، 31).. فبعد ثلاثة أيام من وصوله إلي رومية سنة 61 أستدعى وجوه اليهود وحدّثهم عن المسيح رجاء إسرائيل، الذي لأجله كان موثقاً وجاءت إجابتهم أنهم لا يعرفون شيئًا عن المسيحية، وبالتالي أن أحدًا لم يُبشرهم "لكننا نستحسن أن نسمع منك ماذا ترى، لأنه معلومٌ عندنا من جهة هذا المذهب أنه يُقاوم في كل مكان" (اع28: 20، 22)... كان معنى إجابة اليهود هذه أنه حتى تلك السنة (61)، لم تكن قد تأسست في روما كنيسة.! فأين أذن كانت كرازة بطرس في رومية، لو كان قد ذهب إليها سنة 42 كما يدّعي الغربيون؟! أما عن كرازة بولس فيشهد عنها كاتب سفر الأعمال بصراحة "وأقام بولس سنتين كاملتين في بيت استأجره لنفسه. وكان يقبل جميع الذين يدخلون إليه كارزًا بملكوت الله، ومعلّماً بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة بلا مانع " (أع28 : 30، 31)... وإلى جانب جهوده الكرازية في رومية، فقد كتب فيها رسائله إلى أفسس وفيلبّي وكولوسي وفليمون.