Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

تاريخ  يثرب والطائف

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس بها تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up

Hit Counter

 

الفصل الثالث وَالأربعون لكتاب المؤرخ العلامة جــــواد عــلى وأسم المرجع هو " المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام "
يثرب والطائف
وكان ليثرب مكان مهم عند ظهور الإسلام، وفيها وفي أطرافها سكنت جاليات من يهود. وهي من المواضع التي يرجع تأريخها إلى ما قبل الميلاد. وقد ذكرت في الكتابات المعينية، وكانت من المواضع التي سكنتها جاليات من معين، ثم صارت إلى السبئيين بعد زوال مملكة معين. ولعلّ هذا السكن هو الذي حمل للنسابين على إرجاع نسب أهل يثرب إلى اليمن، فقالوا إنهم من الأزد، وإنهم من "قحطان".
وللأخباريين كعادتهم آراء في الاسم، قالوا إنها سميت "يثرب" نسبة إلى "يثرب بن قانية بن مهلائيل بن أرم بن عبيل بن عوص بن إرم بن سام بن نوح"، وكان أول من نزلها فدعيت باسمه. وقالوا" بل قبل لها "يثرب" من التثريب، وقالوا أشياء أخرى من هذا القبيل.
وزعم أهل الأخبار إن الرسول لما نزلها كره إن يسميها "يثرب"، فدعاها "طيبة" و "طابة". وذكروا لها تسعاً وعشرين اسماً، منها: "جابرة" و "مسكينة" و "محبورة" و "يندر الدار" و "دار الهجرة".
ويذكر بعض أهل الأخبار إن أقدم من سكن "يثرب" في سالف الزمان قوم يقال لهم "ُصعل" و "فالج"، فغزاهم النبي "داوود" وأخذ منهم أسرى، وهلك أكثرهم وقبورهم بناحية "الجرف". وسكنها "العماليق"، فأرسل عليهم النبي "موسى" جيشاً انتصر عليهم، وعلى من كان ساكناً منهم ب "تيماء"، فقتلوهم، وكان ذلك في عهد ملكهم الملك "الأرقم بن أبي الأرقم". ولم يترك الإسرائيليون منهم أحداً، وسكن اليهود في مواضعهم.
ونزل عليهم بعض قبائل العرب، فكانوا معهم واتخذوا الأموال والآطام والمنازل. ومن هؤلاء "بنو أنيّف"، وهم حيّ من "بليّ"، ويقال انهم بقية من العماليق، و "بنو مُريد" مزيد "مرثد"، حيّ من "بليّ"، وبنو معاوية ابن الحارث بنُ بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، وبنو الجدمى "الجدماء" حيّ من اليمن، فعاشوا مع من كان بيثرب وأطرافها من اليهود، واتخذوا المنازل والآطام يتحصنون فيها من عدوهم إلى قدوم الأوس والخزرج إياها.
وكان قدوم "الأوس" و "الخزرج" على أثر حادث "سيل العرم"، فأجمع "عمرو بن عامر بن حارثه بن ثعلبة"، الخروج عن بلاده وباع ما له بمأرب، وتفرق ولده، فنزلت الأوس والخزرج "يثرب" وارتحلت "غسان" إلى الشام، وذهبت "الأزد" إلى عمان وخزاعة إلى تهامة. وأقامت الأوس والخزرج بالمدينة ووجدوا الأموال والآطام والنخل في أيدي اليهود ووجدوا العدد والقوة معهم، فمكثوا معهم أمداٌ وعقدوا معهم حلفاً وجوارا يأمن به بعضهم بعضاً ويمتنعون به ممن سواهم، فلم يزالوا على ذلك زماناً طويلاً، حتى نقضت اليهود عهد الحلف والجوار، وتسلطها على يثرب، فاستعان الأوس والخزرج بأقربائهم على اليهود، فغلبوهم، وصارت الغلبة للعرب على المدينة منذ ذلك العهد، على نحو ما سأتحدث عنه بعد قليل.
وأقدمُ مورد أشير فيه إلى "يثرب"، هو نص الملك "نبونيد" ملك بابل، الذي سكن "تيماء" أمداً، وذكر فجه إنه بلغ هذه المدينة. كما سلف إن تحدثت عن ذلك فيَ أثناء حديثي عن صلات العرب بالبابليين. وقد عرفت ب "يثربه" "Jathripa" في جغرافيا "بطلميوس" وعند "اصطيفان البيزنطي". وعرفت ب "المدينة" كذلك من كلمة "Nedinta" "Medinto" الإرمية، التي تعني "مدينة" في عربيتنا و "هكر" في العربية الجنوبية. وقد ورد اسمها في الكتابات المعينية.
ويظهر إنها عرفت ب "مدينة يثرب" على نحو ما وجدنا في كتاب "اصطيفان البيزنطي"، ثم اختصرت، فقيل لها "مدينتا"، أي "المدينة". ولما نزل الرسول بها، عرفت بأ "مدينة الرسول" في الإسلام.
وولقدم تأريخ "يثرب" ولورود اسمها في نص "نبونيد"، الذي يدل على إنها كانت معروفة اذ ذاك، لا يستبعد احتمال عثور المنقبين في المستقبل على كتابات وآثار قد تكشف عن بعض تأريخ هذه المدينة في أيام ما قبل الإسلام.
ولم يشر أهل الأخبار إلى وجود حرم أو بيت بيثرب، كان يتعبد فيه اليثربيون ويتقربون إليه بالنذور، مع انهم أشاروا إلى بيت اللات في الطائف. ويثرب مدينة مثل الطائف ومثل مدن أخرى كانت ذات محمضات ومعابد. وقد كان أهل يثرب مثل غيرهم من العرب مشركين يتقربون إلى الأصنام، وكانوا يحفظون أصناماً لهم في بيوتهم يتقربون إليها، كما كانوا يحجون إلى محجات كانت على مسافة من يثرب ولذلك يبدو غريباً سكوت أهل الأخبار عن ذكر بيت في هذه المدينة، يحج له الأوس والخزرج ومن والاهم من قبائل وعشائر.
وضر في مواضع لا تبعد كثراً عن "يثرب" على كتابات جاهلية، لم تعرف هويتها الآن، لأن الباحثين لم يتمكنوا من فحص مواضعها ومن نقلها إلى العلماء المختصين لقراءتها. كما انهم لم يتمكنوا من تصويرها ولا من التنقيب في تلك الأماكن تنقيباً علمياً. وقد أشار "عثمان ورستم" إلى وجود كتابات من هذا النوع على جبل "سلع"، وعند موضع "بئر عروة" بوادي العقيق وفي أماكن أخرى. أرجو إن يصل إليها الباحثون للتنقيب فيها ولحل رموز هذه الكتابات.
وقد يعثر على كتابات أخرى مطمورة في تربة "يثرب" وفي الأماكن القريبة منها، تكجف للقادمين من بعدنا أسرار هذه المدينة المقدسة.
ويثرب، مثل مكة من شعاب، تسكنها بطون الأوس والخزرج: الأوس في شعاب، والخزرج في شعاب، واليهود في شعاب. وفي الشعاب "حوائط"، بساتين صغيرة، وفي الحوائطَ "آبار" يسفون منها للشرب وللسقي وللغسل، كما كانت فيها دور مبنية بالأجر ودور مبنية باللبن. وبعضها ذو طابقين. وقد احتفر اليهود آباراً، كانوا يبيعون الماء منها بالدلاء، مثل "بئر ارومة"، وكانت ليهوي، وقد أمر الرسول بشرائها، فاشتراها عثمان. ومن آبار المدينة "بئر ذروان"، وهي البئر التي ذكر إن لبيد "ابن الأعصم" اليهودي سحر بها الرسول.
ويثرب على شاكلة مكة، بغير سور ولا حائط يحيط بها، ولا خندق يقف حائلاً أمام من يريد بالمدينة سوءاً. وقد كان عماد دفاع أهلها بالتحصن في بيوتهم وبسدّ منافذ الطرق في أثناء الخطر. والأغنياء الموسرون يعتمدون على آطامهم وحصونهم وقصورهم، يلجؤون إليها عند الشدة ومن معهم من اتباعهم يرمون أعداءهم من فوق السطوح بالسهام وبالحجارة، اذ لا حائط يحيط بها على نحو ما كان لمدينة الطائف. وقد تحارب الأوس والخزرج على الآطام، وأرخوا بتلك الحرب، وصاروا يؤرخون ب "عام الآطام". وذكر إن أهل المدينة من الأوس والخزرج كانوا يمتنعون بها، فأخربت في أيام عثمان.
ويظهر من وصف أهل الأخبار ليثرب، إنها كانت تشبه مدينة "الحيرة" بالعراق من حيث خلوّها من سور ومن تكوّنها من "قصور"، هي بيوت السادة ومعاقل المدينة ومواضع دفاعها آناء الشدة وأوقات الحروب. وقد عرفت ب "أطم" و "آطام" عند أهل يثرب. وذكر إن "الأطم" كان حصن بُنِيَ بحجارة، أو كل بيت مربع مسطح. وورد إن "الأطُوم": القصور وحصون لأهل المدينة والأبنية المرتفعة كالحصون.
والمدينة عند "وادي اضم". يقال للقسم الذي هو عند المدينة منه "القناة" والذي هو أعلى منها عند السدّ: الشظاة، اما ما كان اسفل ذلك، فيسمى أضماً إلى البحر. وذكر إن اضم واد يشق الحجاز حتىُ يفرغ في البحر. وأعلى اضم القناة التي تمر دُوين المدينة. وًان المدينة هي ما بين طرف قناة إلى طرف الجرف، وما بين الماء الذي يقال له "البوا" إلى "زبالة".
وجوّ "يثرب" على العموم خير من جو مكة، فهو ألطف وأفرح. ولم يعانِ أهلها ما عانى أهل مكة من قحط في الماء ومن شدة في الحصول عليه، حتى بعد حفر "بئر زمزم". فالماء متوفر بعض الشيء في المدينة، وهو غير بعيد عن سطح الأرض، ومن الممكن الحصول عليه بسهولة بحفر آبار في البيوت. وهذا صار في إمكان أهلها زرع النخيل، وإنشاء البساتين والحدائق، والتفسح فيها، والخروج إلى أطراف المدينة للنزهة، فأثر ذلك في طباع أهلها فجعلهم ألين عريكة وأشرح صدراً من أهل البيت الحرام.
وتأريخ المدينة مثل سائر تواريخ هذه الأماكن التي نتحدث عنها، مجهول لا نعرف من أمره شيئاً يذكر، وإنما ما يذكره الأخباريون عن وجود العماليق وجرهم بها فأمره وان قالوه، لا يستند إلى دليل، وحكمه حكم الأخبار الأخرى التي يروونها والتي عرفنا نوع اكرها وطبيعته. ولكن الشيء الذي نعرفه بقيناً إن أهل المدينة كانوا ينتسبون عند ظهور الإسلام إلى يمن، وكاوا يقسمون أنفسهم فرقتين" الأوس والخزرج. وبين الفرقتين صلة قربى على كل حال. ثم يذكرون انه كان بينهم يهود، وهم على زعمهم من قدماء سكان يثرب.
ويلاحظ إن الأوس والخزرج لا يدعون أنفسهم بأبناء حارثة، وإنما يدعون أنفسهم ب "بني قيلة" وب "ابني قيلة" ويقصدون بها "قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة"، أو "قيلة بنت هالك بن عُذْرَة" من قضاعة، أو "قيلة بنت كامل بنُ عذْرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن اسلم بن الحاف ابن قضاعة". ولا بد إن يكون لهذه الامرأة التي ينتسبون إليها شهرة في الجاهلية حملتهم على الانتساب إليها. وقد ورد إن "قيلة" اسم ام الأوس والخزرج، وهي قديمة.
وقد ذكر بعض أهل الأخبار إن الأوس والخزرج ابنا قيلة لم يؤدوا اتاوة قط في الجاهلية إلى أحد من الملوك، وكتب إليهم تبعّ يدعوهم إلى طاعته، فغزاهم تبع أبو كرب، فكانوا يقاتلونه نهاراً ويخرجون إليه العشاء ليلاً، فما طال مكوثه ورأى كرمهم رحل عنهم.
ويُرجع الأخباريون مجيء الأوس والخزرج إلى المدينة. إلى حادث سيل العرم، ويقولون انهم لما جاءوا إلى يثرب وجدوا اليهود وقد تمكنوا منها، فنزلوا في ضنك وشدة، ودخلوا في حكم ملوك يهود إلى أيام ملكهم المسمى "الفيطوان" أو "الفيطون" أو "الفِطيون"، وكان رجلاً شديداً فظاً يعتدي على نساء الأوس والخزرج، فقتله رجل منهم اسمه "مالك بن العجلان" وفرّ إلى الشام إلى ملك من ملوك الغساسنة اسمه "أبو جبيلة". وفي رواية انه فرّ إلى "تبع الأصغر بن حسان". وتذكر الرواية إن أبا جبيلة سار إلى المدينة ونزل بذي حرض، ثم كتب إلى اليهود يتودد اليهم، فلما جاؤوا إليه قتلهم، فتغلبت من يومئذ الأوس والخزرج، وصار لهم الأموال والآطام. ثم رجع "أبو جبيلة" إلى الشام. وصارت اليهود تلعن "مالك بن عجلان". وهم يروون في ذلك أبياتاً ينسبونها إلى شاعر اسمه "الرمق بن زيد الخزرجي". ويذكر الأخباريون إن اليهود صوّرت "مالك بن عجلان" في كنائسهم وبيعهم ليراه الناس فيلعنوه.
وذكر "ابن دريد" إن "الفطيون"، اسم "عبراني"، وكان تَمَلَّك بيثرب، وكان هذا أول اسم في الجاهلية الأولى. وقد شهد بعض ولد الفطيون بدراً، واستشهد بعضهم يوم اليمامة، فمن ولد "الفطيون"" أبو المقشعر، واسمه أسيد بن عبد الله. ويذكر بعضهم إن اسم "الفطيون"، هو "عامر ابن عامر بن ثعلبه بن حارثة بن عمرو بن الحارث المحرق بن عمرو مزيقياء". فهو من العرب على رأي هذا البعض، ومن اليمن، وليس من أصل عبراني.
وأبو جبيلة عند بعض الأخباريين، هو "عبيد بن سالم بن مالك بن سالم"، أحد بني غضب بن جشم بن الخزرج. فهو على هذه الرواية رجل من الخزرج ذهب إلى ديار الشام، فملك على غسان. وذهب بعض آخر من الأخباريين إلى انه لم يكن ملكاً، وإنما كان عظيماً ومقرب عند ملك غسان. ونسبه بعض أهل الأخبار إلى "بني زريق"، بطن من بطون الخزرج. ونعته ب "أبي جبيلة الملك الغساني".
ونحن إذا أخذنا بهذه الرواية، وجب علينا القول: إن أخذ الأوس والخزرج أمر المدينة بيدهم، وزحزحة اليهود عنها، يجب إن يكون قد وقع في النصف الثاني من القرن السادس للميلاد، أي في زمن لا يبعد كثيراً عن الإسلام. لأننا نجد إن أحد أولاده وهو "عثمان بن مالك بن العجلان" في جملة من دخل في الإسلام وشهد بدراً، كما نجد جملة رجال من "بني العجلان"، من أبناء أخوة "مالك" وقد شهدوا "بدراً" ومشاهد أخرى، وهذا مما يجعل زمن "مالك" لا يمكن إن يكون بعيداً عن الإسلام.
ويظهر من دراسة هذه الأخبار المروية عن اليهود وملكهم "الفطيون" وعن الأوس والخزرج وما فعلوه بايهود، إن عنصر الخيال قد لعب دوراً في هذا المروي في كتب أهل الأخبار عن الموضوع. ونجد في القصص المروي عن ملوك اليمن وعن ولعهم بالنساء وعملهم المنكر بهن، ما يشبه هذا القصص الذي نسب إلى "الفطيون". ونجد للعلاقات الجنسية مكانة في هذا القصص الجاهلي الذي ايرويه أهل الأخبار عن ملوك الجاهلية. وما قصة "الفطيون" إلا قصة واحدة من هذا القصص الذي نبد للغرائز الجنسية مكانة بارزة فيه.
ويظهر إن كلمة "الأوس" هي اختصار لجملة "أوس مناة". و "مناة" كما نعلم صنم من أصنام الجاهلية. و "الأوس" هو جدّ الأوس، وهو في عرف النسَّابين "أوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن مرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن عبد الله بن الأزد".
وينقسم الأوس إلى بظون، منهم: عوف، والنبيت، وجشم، وُمرّة، وامرؤ القيس. وقد عرف "بنو مرّة" بالجعادرة كذلك. واتفقت جشم ومرة وامرؤ القيس وكونت حلفاً عرف ب "أوس اللاة". وب "أوس" كذلك. وانقسمت هذه الكتلة إلى أربعة أقسام، هي: ختمة وهي "جشم" في الأصل، وأمية، ووائل وهي مرة، وواقف وهي امرؤ القيس. وانقسمت هذه البطون إلى أفخاذ عديدة، حدثت بينها منازعات وحروب.
ويرجع أهل الأخبار نسب أهل "قباء" إلى "عوف"، ونسب "النبيت" إلى "عمرو"، ونسب "الجعادرة" إلى "مرّة". وقيل انهم سموّا بذلك لأنهم كانوا يقولون للرجل إذا جاورهم "جعدرْ حنث شئت، فأنت آمن. أي اذهب حيث شئت". ومنهم بنو كلفة وبنو حنش وبنو ضبيعة.
ومن الأوس "أحيحة بن الجَلاّح بن الحريش بن جحجبا"، سيد الأوس في الجاهلية شاعر. وكانت عنده "سلمى بنت عمرر النجارية"، وأولاده منها إخوة عبد المطلب. وهو من "بني جحجبا". ومن ولده "المنذر بن عقبة ابن أحيحة بن الحلاّح"، شهد بدراً وقتل يوم بئر معونة. وله أشعار ذكرها الرواة، منها أبيات في رثاء ابن له.
وأما الخزرج، فانهم إخوة الأوس في عرف النسابين. فالخزرج، وهو جدّ الخزرج، هو شقيق أوس. وهو "الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ابن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن عبد الله بن الأزد" وقد جاء نسله كما جاء نسل الأوس من اليمن بعد حادث سيل العرم، وسكنوا يثرب والى الشمال منها حتى "خبر" و "تيما،". وتأريخهم مثل تأريخ الأوس في رأي الأخباريين بدأ بالاتصال باليهود وبالعيش معهم وبينهم إلى إن تمكنوا منهم بعد الحادث الذي ذكرته وبعد مجيء أبي جبيلة لنصرتهم.
ومن سادات الأوس عند ظهور الإسلام، "سعد بن معاذ"، الذي قتل يوم "الخندق"، وأخوه "عمرو بن معاذ"، وقتل يوم أحد". و "سماك ابن عتيك" فارسهم في الجاهلية، وابنه "حضير الكتائب"، وكان سيد الأوس ورئيسهم يوم بعاث. وابنه "أسيد بن حضير"، شهد بدراً. ومنهم "أبو الهيثم بن التيهان"، وكان نقيباً، شهد العقبة وبدراً. و "قيس بن الخطيم بن عدي." الشاعر. و "سعد بن خيثمة !، وكان نقيباً، وقتل يوم بدر، وأبو قيس بن الأسلت الشاعر. و "شاس بن قيس بن عبادة"، وكان من أشراف الأوس في الجاهلية.
والخزرج أيضاً بطون، أشهرها: بنو النجار وينتسبون إلى "تيم الله بن ثعلبة" والحارث، وجعثم، وعوف، وكعب. ويلاحظ إن جشماً وعوفاً هما اسما بطنين أيضاً من بطون الأوس.
ومن الخزرج "أبو أيوب خالد بن زيد"، نزل عليه النبيّ أيام قدم المدينة. و "نعيمان بن عمرو"، وكان النبي يسخف نعيمان، لم يلقه قط إلا ضحك إليه. و "أسعد الخير بن زرارة بن عدس"، شهد العقبة وكان نقيباً، و "أبو أنس بن صرمة" الشاعر، وهو جاهلي، و "ثابت بن قيس بن شاس"، خطيب رسول الله، وعمرو بن الاطنابة الشاعر، جاهلي وهو أحد فرسان الخزرج. و "سعد بن عبادة بن دليم" وابنه "قيس بن سعد بن عبادة" وكان نقيباً سيداً جواداً، وابنه قيس أجود أهل دهره في أيام معاوية، ومنهم "مالك بن العجلان" قاتل "الفطيون"، وأبنه "عثمان بن ممالك بن العجلان"، شهد "بدراً"، و "خالد بن قيس بن العجلان"، شهد بدراً، و "عمرو بن النعمان بن كلدة بن عمرو بن أمية بن عامر بن بياضة". رأس الخزرج يوم بعُاث. و "رافع بن مالك بن العجلان"، وهو أول من أسلم من الأنصار، و "النعمان بن العجلان". و "مرداس بن مروان"، شهد يوم الحديبية، وبايع تحت الشجرة، وكان أمين النبي على، سُهمان خيبر، و "خشرم بن الحباب"، وكان حارس النبي. و "البرّاء بن معرور"، عقبيّ وكان نقيباً، وهو أول من أوصى بثلث ماله وأول من استقبل القبلة، وأول من حفن عليها. و "أبو قتادة بن ربعي" فارس النبي.
ويذكر الأخباريون انه كان للخزرج رئيس منهم، هو "عمرو بن الأطنّاية"، وقد ملك الحجاز. وكان ملكه على رأيهم في أيام "النعمان بن المنذر"، قتله الحارث بن ظالم قائل خالد بن جعفر بن كلاب. وكانت بينه وبين "عمرو" خصومة. وذكر إن "عمراً"، قال شعراً يهزأ فيه بالحارث جاء فيه: أبلغ الحارث بن ظالم الموُعدَ والنافر الـنـذور عَـلـيَا
إنما تقتل النيام ولا تـقـتـل يقظان ذا سـلاحّ كـمـيّا
وكان عمرو شاعراً ومن الفرسان.
وبالرغم من صلة الرحم القريبة التي كانت بين الأوس والخزرج، فقد وقعت بينهما حروب ترك لا فيها من الطرفين خلق كثير، وأول حرب وقعت بين الأوس والخزرج هي على رواية الأخباريين حرب "سمير" "سميحة". و "سمير" في روايتهم رجل من الاْوس من بني عمرو، شتم رجلاً اسمه كعب بن العجلان، وهو من بني ثعلبة من سعد بن ذبيان، نزل على مالك بن العجلان رئيس الخزرج وحالفه وأقام معه، ثم قتله. فثارت الثائرة ببن الأوس بسبب هذا القتل وبسبب دفع دية القتيل، ثم وقعت الحرب. ثم اتفقوا على إن يضعوا حكماً بينهم يفصل في الأمر، فوقع اختيارهم على "المنذر بن حرام التجاري الخزرجي". وهو جدّ حسان بن ثابت، فحكم بينهم بأن يؤدوا لكعب دية الصريح، ثم يعودوا إلى سنّتهم القديمة، وهي دفع نصف الدية عن الحليف. فرضوا وتفرقوا، ولكن بعد إن تمكنت العداوة والبغضاء في نفوس الطرفين.
واشتعلت نيران حرب أخرى بين الأوس والخزرج لسبب امرأة من "بني سالم". وفد كانت الحرب في هذه المرة بين "بني جحجبا" من الأوس و "بني مازن بن النجار" من الخزرج. وقد وقعت في موضع "الرحابة" انهزمت فيه "بنو جحجبا".
ثم تجددت الحرب بين "عمرو بن عوف" من الأوس وبني الحارث من الخزرج بسبب مقتل رجل من بني عمرو، وقد عرفت هذه الحرب باسم" "يوم السرارة". وقد كان على الأوس "حضير بن سماك". وهو والد "أسيد بن حضير"، وكان على الخزرج "عبد الله بن سلول" "عبد الله بن أبيَّ" المعروف في الإسلام ب "رأس المنافقين". وقد انتهت بانصراف الأوس إلى دورها، فعدت الخزرج ذلك نصراً لها.
ووقعت حرب أخرى لأسباب تافهة كهذه الأسباب. وما كانت لتقع لولا هذه العصبية الضيقة يثيرها في الغالب أفراد لا منازل كبيرة لهم في المجتمع ومنهم من الصعاليك والمغمورين بأمور سخيفة، فإذا وقع على أحدهم اعتداء نادى قومه للأخذ بثأره، فنثور الحرب. ومن هذه الحروب، حرب بني وائل ابن زيد الأوسيين، وبني مازن بن النجار الخزرجيين، وحرب بني طفر من الأوس وبن بني مالك من الخزرج، وحرب فارع، وحرب حاطب، ويوم الربيع، وحرب الفجار الأولى، وهي غير حرب الفجار التي وقعت بين قيس وكنانة، ثم حرب معبس ومضرس، وحرب الفجار الثانية، ثم يوم بعاث. وكان اليوم آخر الأيام المشهورة التي وقعت بين الأوس والخزرج.
وكان رئيس الخزرج في يوم بعاث "عمر بن النعمان بن صلاءة بن عمرو بن أمية بن عامر بن بياضة". أما رئيس الأوس، فكان "حضير الكتائب بن سحلك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل". وقد ساعد الخزرج في هذا اليوم أشجع من غطفان، وجهينة من قضاعة. وساعد الأوس مزينة من أحياء طلحة بن إياس، وقريضة والنضير. وقد قتل فيه "عمرو بن النعمان" رئيس الخزرج. فانهزم الخزرج، وانتصرت الأوس.
وكان "حضير الكتائب بن سماك" سيد الأوس ورئيسهم يوم بعاث. ركز الرمح في قدمه وقل: ترون أفر!? فقتل يومئذ. وابنه "أسيد بن حضير" من الصحابة الذين شهدوا العقبة وبدراً.
وقد تخلل أخبار هذه الأيام كالعادة شعر، ذكر إن شعراء الطرفين المتخاصمين قالوه على الطريقة المألوفة في الفخر، وفي انتقاص الخصم، وفي إثارة النخوة لتصطلم الحرب ويستميت أصحاب الشاعر في القتال. وقد كأن المحلّق في هذه الأيام حسان بن ثابت الشاعر المخضرم الشهير، شاعر الرسول. وهو لسان الخزرج والمدافع عنهم، و "قيس بن الخطيم" وهو من الأوس، ثم جماعة ممن اشتركوا في المعارك، مثل: عامر بن الاطنابة، والربيع بن أبي الحقيق اليهودي، وعبد الله بن رواحة وآخرون.
ويظهر من روايات أهل الأخبار عن يثرب إن الأوس والخزرج، لم يكونوا كأهل مكة من حيث الميل إلى الهدوء والاستقرار، بل كانوا أميل من أهل مكة إلى حياة البداوة القائمة على الحصمومة والتقاتل. وقد بقي الحياّن يتعاصمان حتى جاء الرسول إليهما، فأمرهما بالكفّ عنه، ووجّههما وجهة أخرى أنستهما الخصومة العنيفة التي كانت فيما بينهما. ويظهر من رواياتهم أيضاً إن الأوس والخزرج، كانوا قد تحضروا واستقروا، غير انهم لم يتمكنوا من التخلص من الروح الأعرابية تخلصاً تاماً، بل بقوا محافظين على أكثر سجاياها، ومنها النزعة إلى التخاصم والتقائل، فألهتهم هذه النزعة عن الانصراف إلى غرس الأرض والاشتغال بالزراعة بهما فعل اليهود، وعن الاشتغال بالتجارة بمقياس كبير على نحو ما فعل أهل مكة. ونظراً لمساعدة أهل يثرب للرسول ومناصرتهم له وللمهاجرين، عرف الأوس والخزرج ب "الأنصار" في الإسلام. وصاروا يفتخرون بهذه التسمية، حتى غلبت عليهم، وصارت في منزلة النسب.
وكان أهل "يثرب" مثل غيرهم تجاراً، يخرجون إلى أسواق الشام فيتجرون بها. وقد ذكر أهل الأخبار أسماء رجال منها تاجروا مع بلاد الشام. وكان "يهود" يثرب يتاجرون أيضاً، ويأتون إلى أهل "يثرب" بما يحتاجون إليه من تجارات. كما "كانت الساقطة تنزل المدينة في الجاهلية والإسلام يقدُمون بالبر والشعير والزيت والتين والقماش، وما يكون في الشام". وكانوا يتسقطون الأخبار وينقلونها إلى الروم عند ظهور الإسلام. فقدم بعض الساقطة المدينة.، وأبو بكر ينفذ الجيوش، وسمعوا كلام أبي بكر لعمرو بن العاص، وهو يقول" عليك بفلسطين وإيليا، "فساروا بالخبر إلى الملك هرقل"، وتهيأ لملاقاة المسلين.
ولم يذكرا الرواة جنس هؤلاء "الساقطة"، الذين كانوا يأتون بالتجارة من بلاد الشام إلى المدينة، هل كانوا روماً أم عرباً، أم يهوداً، أم كانوا خليطاً من كل هؤلاء. على كل كانوا تجاراً يأتون يثرب في الجاهلية لبيع ما يحملونه من تجارة، ولشراء ما يجدونه هناك، وبقوا شأنهم هذا إلى الإسلام، كما نرى من الخبر المتقدم.
هذا هو مجمل ما نعرفه عن تأريخ "يثرب" وهو شيء قليل، لا يكفي المتعطش لمعرفة تأريخ هذه المدينة التي تعدّ من المواضع المقدسة في الإسلام بد وان يأتي يوم سنكتشف فيه الأقنعة عن تأريخ المدينة قبل الإسلام. وذلك حين يقوم المنقبون المتخصصون بالبحث في تربتها عن الماضي المستور الدفين.
الطائف
والطائف على مسافة خمسة وسبعين ميلاً تقريباً إلى الجنوب الشرقي من مكة. وهي على عكس مكة أرض مرتفعة ذات جوّ طيب في الصيف فيه زرع وضرع، وغنى جادت الطبيعة به على أهله. وقد كان وما زال مصيفاً طيباً يقصده أهل مكة مراراً من وهج الشمس.
وتقع الطائف على ظهر جبل غزوان، وهر أبرد مكان في الحجاز، وربما جمد الماء في فروته في الشتاء، وليس بالحجاز موضع يجمد فيه الماء سوى هذا الموضع. وبينها وبين مكة واد اسمه نعمان الأراك. وهي كثيرة الشجر والثمر، وأكثر ثمارها الزبيب والرمان والموز والأعناب، ولا سيما الصديفي، وفواكه أخرى عديدة. وهي تموّن مكة بالفواكه والبقول. وتحيط بها الأودية. ومن مواضعها، "الوهط"، وهو واد، أو مكان مطمئن من الأرض مستوّ، تنبت فيه العضاه والسمر والطلح والعرفط، وقد اتخذ بستاناً، صار ل "عمرو ابن العاص"، ثم لابنه. وقد عرف بكثرة كرمه وأنواع أعنابه.
والى الشرق من الطائف واد يقال له "لِيّة"، ذكر بعض أهل الأخبار إن أعلاه لثقيف وأسفله ل "بنٌي نصر بن معاوية" من هوازن.
وتأريخ مدينة الطائف تأريخ غامض، لا نعرف من أمره شيئا. إذْ لم تمس تربتها أيدي علماء الآثار بعد، كما إن السياح لم يجدوا في الطائف كتابات قديمة نجد. ولكن مكاناً مثل الطائف لا بد إن يكون له تأريخ قدم، ولا يعقل إن يكون من الأمكنة التي ظهرت ونشأت قبيل الإسلام. وليس لنا من أمل في الحصول على شيء من تأريخ الطائف إلا بقيام العلماء بمناجاة تربتها واستدراجها لتبوح لهم بما تكنهّ من كتابات مسجلة في الألواح يتحدث عن تأريخ هذا المكان المهم.
وقد عثر الباحثون فعلا على كتابات مدوّنة على الصخور المحيطة بمدينة الطائف الحديثة وفي مواضع غير بعيدة عنها. وقد تبين إن بعضاً منها بالنبطية وبعضاً آخر بالثمودية، وان بعضاً بأبجدية أخرى، وان بعضاً بأبجدية القرآن الكريم، أي بقلم إسلامي. ولا يستبعد عثور العلماء في المستقبل على كتابات ستكشف عن تأريخ هذه البقعة، وعن تأريخ من سكنها قبل الإسلام وقبل ثقيف. وُذكر إن بعض كتابات يشبه شكلها شكل الأبجدية اليونانية، وكتابات أخرى يشبه خطها الخط الكوفي عثر عليها في "بستان شهار" على مسافة كيلومترين إلى الجنوب من الطائف. غير إنها لم تدرس حتى الآن. ومكان مهم بالنسبة للطرق التجارية ولموقعه المعتدل الجمبل، لا بد وان يكون قد لفت أنطار سكان العربية الغربية قبل الميلاد فسكنوه، ولا أستبعد إمكانية تدوين تأريخ صحيح لهذه المدينة إذا ما قام المنقبون بالبحث فيها وفي الأماكن القريبة منها لاستنطاقها، لتتحدث لهم عما عرفته من أخبار تلك الشعوب التي سكنت هذا الموضع قبل ثقيف.
ويزهم أهل الأخبار إن الطائف إنما سميت طائفاً، بحائطها المطيف بها. اما اسمها القديم، فهو "وجَّ". ولهم روايات عن كيفية قيام ذلك الحائط. وقد حاول بعض أهل الأخبار إعطاء الطائف مسحة دينية، فزعموا بأنها من دعوات إبراهيم، وإنها قطعة من أرض ذات شجر كانت حول الكعبة، ثم انتقلت من مكانها بدعوة إبراهيم، فطافت حول البيت، ثم استقرت في مكانها، فسميت الطائف، وزعمت إن جبريل اقتطعها من فلسطين، وسار بها إلى مكة فطاف بها حول البيت، ثم أنزلها حول الطائف. وهكذا أكسبت هذه الروايات قدسية، وجعلت لها مكانة دينية. وهي روايات يظهر إنها وضعت بتأثير من سادات ثقيف المتعصبين لمدينتهم، والذين كانوا يرون إن مدينتهم ليست بأقل شأناً من مكة أو يثرب. وقد كان بها سادات وأشراف كانوا أصحاب مال وئراء.
وقد زعم بعض أهل الأخبار إن الذي أقام حائط الطائف رجل من الصدف، يقال له "الدمون بن عبد الملك"، قتل ابن عم له يقال له "عمرو" بحضرموت، ثم فرّ هارباً، ثم جاء إلى "مسعود بن معتب الثَّقفيّ" ومعه مال كثير، وكان تاجراً، فقال: أريد إن أحالفكم على إن تزوجوني وأزوجكم وأبن لكم طوفاً عليكم مثل الحائط لا يصل اليكم احد من العرب، فوافقوا على ذلك، وبنى لهم طوفاً عليهم، في ميت الطائف، فزوّجوه.
وقد كان لأهل. الطائف معبد يحجون إليه، هو معبد "اللات". وكانوا يعظَّمنونه ويتبركون به. ويذكر أهل الأخبار إن اللات كان صخرة مربعة يلت يهودي عندها السويق. وكان سسَد نته "بنو عتاب بن مالك"وهم من ثقيف. وقد بنوا له بناءً ضخماً. وكانت العرب، ومنها قريش، تعظمه، وتحجّ إليه وتطوف به. وقد هُدم في الإسلام عند فتح الطائف ودخول أهلها فيه. وقد هَدم الصنم" المغيرةُ بن شعبة، وأحرقه بالنار. ويقع موضعه تحت منارة المسجد، الذي بني على أنقاض ذلك المعبد، وهو مسجد المدينة. فمسجد الطائف إذنْ هو معبد اللات القديم، وهو في الطائف نفسها.
ويُرجع أهل الأخبار زمان الطائف إلى العمالقة، ويقولون: إنها إنما سميت "وَجّاً" بوجّ بن عبد الحيّ، من العماليق، وهو أخو "أجأ" الذيُ سمي به جبل "طيّ". ثم غلب عليها "بنو عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان ابن مُضَر"، ثم غلبهم "بنو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن"، وذلك بعد قتال شديد. ثم استغلّت ثقبف الظروف، فاستولت عليها، وأخذتها من "بني عامر"، فارتحل "بنو عامر" عنها، ونزحوا إلى تهامة، وتحكم بها بنو ثقيف.
ويذكز بعض أحل الأخبار إن أول من ملك الطائف "عدوان بن عمرو بن قيس ابن عَيْلان بن مضر". فلما كثر "بنو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر ابن هوازن"، غلبوهم على الطائف بعد قتال شديد. وقد كانت مواطن "بني عامر" بنجد. وكانوا يصيفون بالطائف، حتى غلبتهم ثقيف. فخرجوا إلى تهامة. وكان منهم "عامر بن الظرب العدواني" أحد الحكماء العرب.
وقد ورد في بعض الأخبار إن قوم ثمود هم الذين نزلوا بالطائف بعد العماليق، فأخذوها منهم، وذلك قبل ارتحالهم عنها إلى وادي القرُى، بسبب منازعة القبائل لهم، ومن ثم ربط رواة هذه الأخبار نسب ثقيف بثمود. وقد صيرّ بعض أهل الأخبار ثقيفاً مولى من موالي هوازن، ونسبهم آخرون إلى إياد.
وجاء في رواية أخرى إن أقدم سكان الطائف هم بنو مهلائيل بن قينان، وهم الذين عمروها وغرسوها وأحيوا مواتها. وقد سكنرها قبل الطوفان. فلما وقع الطوفان، كانوا في جملة من هلك فيه من الأمم الباغية. فخلت الطائف منهم، وسكنها بعدهم بنو هانىء بن هذلول بن هوذلة بن ثمود، فأعادوا بناءها وعمروها حتى جاءهم قوم من الأزد على عهد "عمرو بن عامر"، فأخرجوهم عنها، وأقاموا بها وأخذوا أماكنهم، ثم توالى عليها العرب حتى صارت في أيدي ثقيف.
وصيرّ بعض أهل الأخبار ثقيفاً رجلاً منتشرداً، اتفق مع ابن خاله النخَّعَ على الهجرة في طلب الرزق والعيش، فذهب النخَّعَ إلى اليمن، فنزل بها، وذهب "ثقيف" إلى وادي الفُرى، فنزل على عجوز يهودية لا ولد لها، واتخذها ثقف أماً له. فلما حضرها الموت، أوصت له بما كان عندها من دنانير وقضبان، ثم دفنها وذهب نحو الطائف. فلما كان على مقربة منها، وجد أمة حبشية ترعى غنماً، فأراد قتلها ليستولي على ماشينها، فارتابت منه، وأخبرته بأن يصعد إلى الجبل، فيستجير ب "عامر بن الظَّرِب العدَْواني" فإنه سيجيره ويغنيه، ويربح، أكثر من ربحه من استيلائه على هذه الغنمْ. فذهب إليه، وأجاره، وأغناه، وأنزله عنده، وزوّجه ابنة له، وبقي مقيماً في الطائف، وتكاثر ولده، حتى زاحموا بني عامر، وتلاحيا ثم اقتتلا، فتغلبت ثقيف على بني عامر، واستولت على الطائف.
ويذكر هؤلاء الرواة إن ثقيفاً اتفقوا مع "بني عامر" على إن يأخذوا الطائف لهم ويرحل بنو عامر منها، فيدفعوا لهم نصف ما يحصلون عليه من غلات. وقد بقوا على ذلك أمداً، حتى ثبّتت ثقيف نفسها في الطائف وقوّت دفاعها وأحكمت مواضعها، ثم امتنعت عن دفع أي شيء كان لبني عامر، فوقع قتال بين الطرفين انتهى بانتصار ثقيف. وصارت بذلك سيدة الطائف بلا نزاع.
وقد حسدهم طوائف من العرب، وقصدوهم لما صار لهم من مركز ومن رزق رغد وأثمار وجنان، ولكنهم لم يتمكنوا من الظفر بطائل، وتركوهم على حالهم.
وذكر بعض أهل الأخبار إن "عبد ضخم" كانوا فيمن سكن الطائف. وقد كانوا من عادٍ الأولى، وهلكوا فيمن اهلك من عاد ومن أقوام بائدة.
وذكر انه كان بالطائف قوم من يهود، طردوا من اليمن ومن يثرب، فجازوا إلى الطائف، وسكنوا فيها، ودفعوا الجزية لساداتها، ومن بعضهم ابتاع "معاوية" أمواله بالطائف.
وقد كان لوقوع الطائف على مرتفع، ولحائطها المزود بأبراج واستحكامات الفضل بالطبع في صد الأعراب ومنعهم من نهبها وغزوها. والظاهر إن أهل الطائف كانوا قد اقتفوا أثر اليمن في الدفاع عن مدنهم وقراهم، حيث كانوا يبنونها على المرتفعات في الغالب، ثم يحيطون ما يبنونه بأسوار ذات أبراج لمنع العدوّ من الدنوّ منها، ولا سيما الأعراب الذين لم يكونوا بحكم طبيعة معيشتهم في ارض منبسطة مكشوفة، ولفقرهم وعدم وجود أسلحة حسنة لديهم يستطيعون مهاجمة مثل هذه التحصينات، وأخذها على غرة حيث تقفل أبواب الأسوار وتغلق ليلاً، وفي أوقات الخطر-فلا يكون في استطاعة أحد ولوجها، لذلك صارت هذه التحصينات من اثقل الأعداء على قلوب الأعراب.
ولما هَمَّ "أبرهة" بالسير إلى مكة، كانت الطائف في جملة المواضع التي نزل بها في طريقه إليها. وقد خرج إليه مسعود بن معتب في رجال ثقيف، فأتوه بالطاعة، وبعثوا معه "أبا رغال" دليلاً، فأنزله المغمّس بين الطائف ومكة، فهلك "ابو رغال" هناك وقبره في ذلك الموضع.
وعند ظهور الإسلام كان أغلب سكان هذا الموضع ينتسبون إلى قبيلة ثقيف. وترجع هذه القبيلة نسبها مثل القبائل الأخرى إلى جدّ أعلى، يقولون إن اسمه "قسيّ بن منبه"، ويقول الأخباريون إنما دعي قسيًّاً لأنه قتل رجلاً، فقيل قسا عليه، وكان غليظاً قاسياً.
والنسابون يختلفون في نسبه، فمنهم من ينسبه إلى إياد، في جعله قسيّ بن نبت ابن منبه بن منصور بن مقدم بن أفصى بن دُعْمِيّ بن إياد بن معد، ومنهم من يجعله من هوازن، فيقول" قسيّ بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور ابن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان.
ونحن إذا درسنا ما رواه أهل الأخبار عن نسب ثقيف، وعن القبائل التي اتصلت بها، نجد إنها كانت ذات صلة وثيقَة بقبائل "قيس عيلان" من مجموعة مضَر. ومعنى هذا إنها كانت على مقربة منها، وإنها كانت من قبائل مضر. كما نجد في الوقت، نفسه إنها كانت على صلات وثيقة مع بعض قبائل اليمن. فسرت هذه الصلات بوجود نسب لثقيف باليمن. وهذا النسب المزدوج، هو كناية عن الصلات التي كانت تربط بين "ثقيف" ومجموعة. "مضر"، وبينها وبين قبائل اليمن. وهو تعبير عن موضع الطائف.المهم الوسط، الذي يربط بين اليمن والحجاز والطرق المارة إلى نجد. مما جعله وسطاً وموضعاً للاحتكاك بين قبائل هذه الأرضين.
وصروا ثقيفاً في رواية اخرى ابناً لأبي رغال، ثم رفعوا نسب الابن والأب إلى قوم ثمود، وجعله حمّاد الرواية ملكاً ظالماً على الطائف، لا يرحم أحداً، مرّ في سنة مجدبةٍ بامرأة ترضع صبيّاً يتيماً بلبن عنز لها، فأخذها منها فبقى الصبي بلا مرضعة، فمات، فرماه الله بقارعة فأهلكه، فرجمت العرب قبره، وصار رجم قبرهُ سنة للناس. فهل تجد رجلاً ألأم من هذا الرجل على هذا الوصف?.
وقد قيل في "أبي رغال" انه كان رجلاً عشّاراً في الزمن الأول، جائراً، وقيل كان عبداً لشعيب، وقيل: اسمه "زيد بن مخلف" عبدٌ كان لصالح النبيّ، وأنه أرسله إلى قوم ليس لهم لبن الا شاة واحدة، ولهم صبي قد ماتت أمه يغذونه بلبن تلك الشاة، فأبى إن يأخذ غيرها، فقالوا: دعها نحايي بها هذا الصبي، فأبى، "فيقال" انه نزلت به قارعة من السماء، ويقال" بل قتله رب الشاة. فلما فقده صالح، قام في الموسم ينشد الناس، فأخبر بصنيعه، فلعنه، فقبره بين مكة والطائف يرجمه الناس".
وفي رأيي إن معظم هذه الروايات التي يرويها الأخباريون عن ثقيف إنما وضعت في الإسلام، بغضاً للحجاج الذي عرف بقوته وبشدته، فصيروا ثقيفاً عبداً لأبي رغال، وجعلوا اصله من قوم نجوا من ثمود. وأبو رغال نفسه جاسوس خائن في نظر الأخباريين، حاول إرشًاد أبرهة إلى مكة، فكيف يكون أذن حال رجل من قوم فَسقَة كفَرَة، ثم صار عبداً لجاسوس لئيم وقد رأيت إن من أهل الأخبار من صيَرّ "ثقيفاً" رجلاً مهاجراً، هاجر في البلاد يلتمس العيش حتى جاء واديَ القُرَى، فتبنًّته عجوز يهودية، وعطفت عليه، حتى إذا ما ماتت اخذ مالها، وهاجر إلى الطائف، وكان لئيماً فطمع في غنمِ لأمَةٍ حبشية، وكاد يقتلها لولا إشارتها عليه باللجوء إلى "عامر بن الظَّرِب"، الجواد الكريم وصاحب الطائف، فأعطاه وحباه، ولكن أبى لؤم ثقيف إلا إن ينتقل إلى ولده، فتنكروا لبني عامر وأخرجوهم عن الطائف، واستبدوا وحدهم بها.
وبنو ثقيف حزبان: الأحلاف ومنهم: "غيلان بن سلمة" و "كنانة بن عبد ياليل" و"الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب"، و"ربيعة بن عبد ياليل" و "شرحبيل بن غيلان بن سلمة"و "عثمان بن أبي العاص" و "أوس بن عوف" و "نمير بن خرشة بن ربيعة"، وقد ذهب هؤلاء إلى الرسول وأسلموا، فاستعمل عليهم "عثمان بن أبي العاص". وأما القسم الثاني، فعرف ب "بني مالك"، وقد ذهب نفر منهم مع هذا الوفد إلى الرسول، فضرب لهم قبة في المسجد. وأما الأحلاف، فنزلوا ضيوفاً على "المغيرة بن شعبة" وهو من ثقيف. ومن الإخلاف في الإسلام: المختار بن أبي عبيد، والحجاج بن يوسف.
ومن زعماء الأحلاف عند ظهور الإسلام" أميةّ بن أبي الصلت، والحارث. ابن كلدة، ومعتب، وعتاب، وأبو عتبة، وعتبان.
ويذكر أهل الأخبار إن حربا وقعت بين "مالك" والأحلاف، فخرجت الأحلاف تطلب الحلف من أهل يثرب على "بني مالك"، وعلى رأسها "مسعود ابن معتب" رأس الأحلاف. فقدم على "احيحة بن الحلاّج"، أحد بني عمرو بن عوف من "الأوس". فطلب منه الحلف. فأشار عليه "احيحة"، إن عليه إن يعود إلى الطائف ويصالح إخوانه، فان أحداً لن يبر له إذا حالفهم، فانصرف "مسعود" عن "عتبة" بعد إن زوّده بسلاح وزاد وأعطاه غلاماً يبني الأسوار. فلما وصل، أمر الغلام ببناء سور حول الطائف. فبناه له، وأحيطت الطائف بسور قوي حصين، وأمنت بذلك على نفسها من غارات الإعراب.
ويختلف أهل الطائف عن أهل مكة، وعن الأعراب من حيثُ ميلهُم إلى الزراعة واشتغالهم بها وعنايتهم بغرس الأشجار. وقد عرفت الطائف بكثرة زبيبها وأعنابها واشتهرت بأثمارها. وقد كان أهلها يعُنون بزراعة الأشجار المثمرة، ويسعون إلى تحسين أنواعها وجلب أنواع جديدة لها، فقد استوردوا أشجاراً من بلاد. الشام ومن أماكن أخرى وغرسوها، حتى صارت الطائف تموّن مكة وغيرها بالأثمار والخضر.
وثقيف حضر مستقرون متقدمون بالقياس إلى بقية أهل الحجاز. فاقوا غيرهم في الزراعة اذ عنوا بها كما ذكرت مع واستفادوا من الماء فائدة كبيرة، وأحاطوا المدينة ببساتين مثمرة، كما فاقوا في البناء فبيوتهم جيدة منظمة، وكان لهم حذق ومهارة في الأمور العسكرية. وقد تجلى ذلك في دفاعهم عن مدينتهم يوم حاصرها الرسول وتحصنهم بسورهم، ورميهم المسلمين بالسهام وبالنار من فوق سورهم، يوم لم يكن لمكة ولا للمدينة سور ولا خنادق.
كذلك اختلف أهل الطائف عن غيرهم من أهل الحجاز في ميلهم إلى الحرف اليدوية مثل الدباغه والتجارة والحدادة، وهي حرف مستهجنة في نطر العربي، يأنف من الاشتغال بها. ولكن أهل الطائف احترفوها، وربحوا منها، وشغّلوا رقيقهم بها. وقد استفادوا من خبرة الرقيق، فتعلموا منهم ما لم يكن معروفاً عندهم من أساليب الزراعة وأعمال الحرف، فجددوا وأضافوا إلى خبرتهم خبرة جديدة.
وقد عاش أهل الطائف في مستوى هو أرفع من مستوى عامة أهل الحجاز، فقد رزقوا فواكه أكلوا منها، وجففوا بعضا منها مثل "الزبيب"، وأكلوا وصدروا منه ما زاد عن حاجتهم، كما اقتاتوا بالحبوب واللحوم. حتى حظ فقراء الطائف، هو أرفع وأحسن من درجة من حظ فقراء المواضع الأخرى من الحجاز.
وقّد ذهب المفسرون إلى أن كلمة القريتين الواردة في القرآن الكريم، تعني مكة و الطائف. )وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم(.
و كان رؤساؤها من المثرين الكبار، لهم حصون يدافعون بها عن أنفسهم وعن أموالهم، ولهم علم بالحرب. ولحماية مدينتهم أقاموا حصوناً على مسافات منها، وحوّطوا مدينتهم بسور حصين عال، يردّ من يحاول دخولها، وجمعوا عندهم كل وسائل المقاومة الممكنة التي كانت معروفة في ذلك العهد، مثل أوتاد الحديد التي تحمى بالنار لتلقى على الجنود المختفين بالدبابات، وغير ذلك من وسائل المقاومة والدفاع، كما كانوا قد تغلّموا من أهل اليمن مثل مدينة "جرش" صناعة العرادات والمنجنيق والدبابات.
وكان أغنياء "الطائف"، كأغنياء مكة وأغنياء المواضع الأخرى من جزيرة العرب أصحاب ربا، ولما اسلموا اشرط عليهم الرسول أن لا يرابوا، ولا يشربوا الخمر.وكتب لهم كتاباً. وكانت لهم تجارة مع اليمن، ولكننا لا نسمع شيئاً عن قوافل كبيرة كقوافل أهل مكة، كانت. تتاجر مع بلاد الشام أو العراق. ولعلهم كانوا يساهمون مع تجار مكة في اتجارهم مع تلك الديار.
وقد اشتهرت الطائف بدباغة الجلود، وذكر أن مدابغها كانت كثيرة، وان مياهها كانت تنساب إلى الوادي، فتنبعث منها روائح كريهة مؤذية. واشتهرت بفواكهها وبعسلها.
وقد استغل أثرياء قريش أموالهم في الطائف، فاشتروا فيها الأرضين وغرسوها واستثمروها، واشتروا بعض المياه، وبنوا لهم منازل في الطائف ليتخذوها مساكن لهم في الصيف، وأسهموا مع رؤساء ثقيف في أعمال تجارية رابحة، وربطوا حبالهم بحبالهم، وحاولوا جهد إمكانهم ربط الطائف بمكة في كل شيء.
ولما فتحت مكة، وأسلم أهلها طمعت ثقيف فيها، حتى إذا فتحت الطائف أقرت في أيدي المكيين، وصارت أرض الطائف مخلافاً من مخاليف مكة.
وقد كان بين أهل مكة وأهل الطائف تنافس وتحاسد، وقد حاول أهل الطائف جلب القوافل اليهم، وجعل مدينتهم مركزاً للتجار يستريحون فيه، وقد نجحوا في مشروعهم هذا بعض النجاح يوم استولى الفرس على اليمن، وتمكنوا فيه من طرد الحبش عن العربية الجنوبية، فصارت قوافل "كسرى" التجارية و "لطَائم" ملوك الحيرة تذهب إلى اليمن وتعود منها من طريق الطائف، ونغصت بذلك عيش أهل مكة، غير إن أهل مكة تمكنوا من التغلغل إلى الطائف ومن بسط سلطانهم عليها، بإقراض سادتها الأموال، وبشراء الأرضين. فبسطوا بذلك سلطانهم عليها، وأقاموا بها أعمالاً اقتصادية خاصة ومشتركة، وهكذا استغل أذكياء مكة هذا الموضع المهم، وحوّلوه إلى مكان صار في حكم التابع لسادات قريش.
ومن سادات الطائف: "عبد ياليل" وأخوته "حبيبا" و "مسعودا" و "ربيعة" و "كنانة" وهم "بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة الثقفي"، وكانوا أثرياء أجواداً يطعمون بالرياح. وأمهم "قلابة بنت الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج" الثقفي. وبيت "بني علاج" من البيوت القديمة المعروفة بالطائف.
وقد لقي الرسول مقاومة عنيفة من أهل الطائف حين حاصرها وأحاط بها، فقد تحصن أهلها بحائطهم وبحصونهم، وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم، وصنعوا الصنائع للقتال. إما من كان حول الطائف من الناس، فقد أسلموا كلهم. ولما ضيق المسلمون الحصار عليها، وقربوا من الحائط، دخل نفر من أصحاب رسول الله تحت دبّابة، ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد فحماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، وقتلوا رجالاً، فأمر رسول الله بقطع أعناب ثقيف،كي يحملهم على فتح أبواب مدينتهم ومهادنة الرسول، للإبقاء على أموالهم، غير انهم لم يبالوا بما رأوا من قطع أعنابهم وتخريب بساتينهم، وبقوا على عنادهم، مما حمل الرسول على ترك حصارهم والرحل عنهم انتظاراً لفرصة أخرى.
ويذكر أهل الأخبار، إن "سلمان الفارسي"، اتخذ منجنيقاً نصبه المسلمون على الطائف، وان المسلمين كانت لهم دبّابة، جاء بها "خالد بن سعيد بن العاص" من "جرش".
ويذكر الطبري إن عروة بن مسعود، وهو من وجوه الطائف، كان قد تعلم مع غيلان بن سلمة صنعة الدبابات والضّبور والمجانيق من أهل جرش. وقد اشتهرت هذه المدينة بصنع آلات الحرب.
ولما انصرف الرسول عن الطائف، اتبع أثره "عروة بن مسعود بن معتب" حتى أدركه قبل إن يصل إلى المدينة، فأسلم. فلما رجع إلى الطائف على أمل إقناع أهلها بالدخول في الإسلام، لمكانته فيهم، رموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سمم فقتله. ثم أقامت ثقيف بعد مقتل عروة أشهراً، ثم انهم ائتمروا بينهم ألا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب، فأرسلوا وفداً إلى المدينة لمفاوضة الرسول على الدخول في الإسلام. فلما دخلوا عليه أبوا إن يحيوّه إلا بتحية الجاهلية، ثم سألوه إن يدع لهم "الطاغية"، وهي اللات لا يهدمها إلى أجل، لأنهم أرادوا بذلك "فيما يظهرون إن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم، ويكرهون إن يروّعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام. فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك إلا إن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها. وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية إن يعفيهم من الصلاة، وان يكسروا أوثانهم بأيديهم، فقال رسول الله: أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه. وأما الصلاة، فلا خير في دين لا صلاة فيه. فقالوا: يا محمد، أما هذه فسنؤتيكها وإن كانت دناءة".
فلما وصل الوفد ومعه أبو سفيان والمغيرة بن شعبة، إلى الطائف، وأرادا هدم الصنم، "أراد المغيرة إن يقدم أبا سفيان، فأبى ذلك أبو سفيان عليه، وقال: ادخل أنت على قومك، وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم، فلما دخل المغيرة بن شعبة، علاها يضربها بالمعول، وقام قوم دونه-بنو مُعتب -خشية إن يرمى أو يصاب... وخرجن نساء ثقيف حسّراً يبكين" "ويقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس: واهاً لك. فلما هدمها المغيرة، أخذ مالها وحُليهَّا، وأرسل إلى أبي سفيان وحليهّا مجوع، ومالها من الذهب والجزع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا سفيان إن يقضي من مال اللات دين عروة. والأسود ابني مسعود، فقضي منه دينهما".
وذكر عن "عروة بن مسعود الثقفي" انه كان من الرجال الذين كانوا عندهم عشر نسوة عند مجيء الإسلام، وانه نادى على سطحه بالطائف بالأذان أو التوحيد، فرماه رجل من أهل الطائف فقتله، وان الرسول، قال فيه: "مثله مثل صاحب ياسين". "ويقال إنه الذي ذكره الله عز وجل في التنزيل من القرينين عظيم. وذكر بعض أهل العلم إن أربعة اتصل سؤددهم في الجاهلية والإسلام" عروة بن مسعود، والجارود واسمه: بشر بن المعلى، وجرير بن عبد الله، وسراقة بن جعشم المُدْلجي".
وثقيف أقرب في الواقع إلى اليمن منهم إلى أهل الحجاز. وتكاد تكون ثقافتهم ثقافة يمانية، وحياتهم الاجتماعية حياة اجتماعية من النوع المألوف في اليمن. حتى في الوثنية نجد لهم معبداً خاصاً بهم، يتقربون إليه ويحجون له. ولعلّ هذه الاختلافات وغيرها هي من جملة العوامل التي صَيرت ثقيفاً مجتمعاً خاصاً معارضاً لمجتمع مكة، وجعلت أهل الطائف يكرهون أهل مكة الذين امتلكوا أملاكاً في الطائف، وكانوا يأتون إليها في الصيف هرباً من جوّ مكة المحرق.
ومن بطون ثقيف، "بنو الحطيط" و "بنو غاضرة". ومن " بني الحطيط "مالك بن حطيط"، وكان من ساداتهم في الجاهلية، ومن ثقيف الشاعر أمية بن أبي الصلت. "وكان بعض العلماء يقول لولا النبي صلى الله عليه وسلم، لادعت ثقيف إن أمية نبيّ، لأنه قد دارس النصارى وقرأ معهم ودارس اليهود وكل الكتب قرأ. ولم يسلم ورثى قتلى بدر. ومن رجالهم "أبو محجن"، كان شاعراً فارساً شجاعاً شهد يوم القادسية، وكان له فيها بلاء عظيم، وقد شهد يومئذ "عمرو بن معد يكرب" وغيره من فرسان العرب، فلم يبل أحد بلاءه. و "الأخنس بن شريق"، وتزعم ثقيف انه أحد الرجلين اللذين ورد ذكرهما في القرآن، على رجل من القريتين عظيم: "الأخنس بن شريق والوليد بن المغيرة. وقد كان حليفا لبني زهرة. وقد خنس ببني زهرة يوم بدر.
ومن ثقيف "بنو علاج"، ومنهم "الحارث بن كلدة". "كان طبيب العرب في زمانه وأسلم ومات في خلافة عمر". والمغيرة بن شعبة.
ومن بني ثقيف عثمان والحكم ابنا أبي العاص بن بشر بن دهمان الثقفي، كانا شريفين عظمي القدر، ولى "عمر" عثمان عمان والبحرين وأقطعه الموضع المعروف بالبصرة ب "شط عثمان". ومنهم "تميم بن خرشة بن ربيعة"، أحد وفد ثقيف إلى رسول الله، ومن فرسانهم في الجاهلية" "أوس بن حذيفة" وأدرك الإسلام، و "ضبيس بن أبي عمرو"، و "همام بن الأعقل" وآخرون.
 

This site was last updated 12/16/10