Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

النصرانية والنصارى العرب فى شبه الجزيرة العربية

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
المسيحية فى العربية
النصارى العرب فى الشام
النصارى العرب فى العراق
النصارى العرب بأطراف العربية
النصارى العرب باليمن ونجران
معتقدات طوائف العرب النصرانية
التنظيم الدينى للنصارى العرب
أثر النصرانية على العرب

Hit Counter

 

إحتوت جزيرة العرب طوائف كثيرة إلى جانب الوثنيين والمجوس وهى الطائفة النصرانية والنسطورية والأريوسية وهرطقات أخرى إلى جانب المسيحية وغيرها ، وانتشرت فيها هذه الطوائف بالتبشير لا الهجرة كما فعل اليهود، فقد دخل بعض رجال هذه الطوائف إلى جزيرة العرب، ونشروا دعوتهم بين البدو، وعاشوا معهم عيشتهم، حتى إنتشرت معتقدات هذه الطوائف ورسموا لأنفسهم أساقفة عرفوا بأساقفة الخيام ، أو أساقفة أهل الوبر.
وكان القسس والرهبان يردون أسواق العرب، ويعظون، ويبشرون، ويذكرون البعث والحساب والجنة والنار، وكان من هؤلاء شعراء كقس بن ساعدة الإيادي، وأمية بن أبي الصلت، وعدي بن زيد.
ومال كثير من العرب إلى الرهبنة، وبناء الأديرة، ومنهم "حنظلة الطائي" الذي يقال إنه بني ديرًا بالقرب من شاطئ الفرات، يعرف "بدير حنظلة"، وترهب فيه حتى مات، وكانت نجران أهم مركز للنصرانية جنوب بلاد العرب، وربما جزيرة العرب كلها، وكان فيها أكبر كنيسة وأفخمها.
يقول ياقوت الحموي: "... وكعبة نجران يقال لها بيعة بناها بنو عبد المدان بن الديان الحارثي على بناء الكعبة، وعظموها مضاهاة للكعبة، وسموها كعبة نجران، وكان فيها أساقفة معتمون، وهم الذين جاءوا إلى محمد ـ ودعاهم إلى المباهلة، وكانت قبة من أدم من ثلاثمائة جلد، كان إذا جاءها الخائف أمن، أو طالب حاجة قضيت، أو مسترفد أرفد .
ولم تخل مكة ويثرب من النصارى والمسيحيين ، وأنتشرت فيها جميع الطوائف ، وكان في الأحابيش كذلك عدد كبير منهم، وفي يثرب عاش بعض النصارى في موضع يسمى "سوق النبط.
وإنتشرت النصرانية في الشام أوقع وأوسع بحكم قرب هذه المناطق من الإمبراطورية الرومية التي كانت النصرانية دينها الرسمي، فتنصر الغساسنة، وأصبحوا قوة عسكرية، يعتمد عليها الروم، ويشتركون معهم في القتال، وكذلك قبائل أخرى مثل كلب، وقضاعة، وجذام، وعاملة.
وتنصرت قبائل إياد، ومنهم من سكن السواد والجزيرة، ومنهم من سكن الشام. وتنصر عدد كبير من قبيلة طئ منهم عدي بن حاتم الطائي، وتسربت النصرانية إلى الحيرة منطقة المانذرة على الرغم من تبعيتها للفرس المجوس، ومن الحيرة والشام تسربت النصرانية إلى كثير من المدن والمحلات، منها دومة الجندل، وأيلة، وتيماء، واليمامة، وغيرها.
********************************************************************************************************

الجزء التالى للمؤرخ العلامة جــــواد عــلى فى موضع آخر من كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام دار العلم للملايين ، بيروت ، الطبعة الثانية الجزء الثالث 1980م الفصل التاسع والسبعون - النصرانية بين الجاهليين  ص 795 - 804  نقلنا هذه الصفحة بدون تغيير ولكننا وضعنا لكل فقرة عنوان

نود أن نلفت نظر القراء أن فئة النصارى الذين كانوا منتشرين فى الجزيرة العربية الذى تكلم عنهم القرآن أو فئة الناصريين ليسوا هم المسيحيين هم فئة مختلفة تماماً فى أصل العقيدة عن المسيحيين وكل شئ قيل فى القرآن عن هؤلاء النصارى لا ينتمى ولا حتى يقترب من مفهوم العقيدة المسيحية فى شئ .
**********************************************************************************************************

 


ولم تكن اليهودية، الديانة السماوية الوحيدة التي وجدت لها سبيلاَ إلى جزيرة العرب، بل وجدت ديانة سماوية أخرى طريقاً لها إلى العرب، هي الديانة النصرانية. وهي ديانة أحدث عهدأ من الديانة الأولى، لأنها قامت بعدها، ونشأت على أسسها ومبادئها، ولكنها كانت أوسع أفقاً وتفكيراً من الأولى. فبينما حبست اليهودية نفسها في بني اسرائيل، وجعلت إلهها إلَه بني اسرائيل شعب الله المختار، جعلت النصرانية ديانتها ديانة عالمية جاءت لجميع البشر. وبينما قيّدت اليهودية أبنائها بقيود تكاد تضبط حركاتهم وسكناتهم، وفرضت عليهم فروضاً ثقيلة، نجد النصرانية أكثر تساهلاً وتسامحاً، فلم تقيد أبنائها بقيود شديدة، ولم تفرض عليهم أحكاماً اشترطت عليهم وجوب تنفيذها. وقد قام رجال الدين النصارى منذ أول نشأتها بالتبشير بها،وبنشرها بين الشعوب، وبذلك تميزت عن اليهودية التي جمدت، واقتصرت على بني اسرائيل.

أصل كلمة نصارى
ولفظة "النصرانية" و "نصارى" التي تطلق في العربية على أتباع المسيح، من الألفاط المعربة.يرى بعضى المستشرقين أنها من أصل سرباني هو: "نصرويو" Nosroyo، "نصرايا" Nasraya، ويرى بعض آخر أنها من Nazerenes التسمية العبرانية التي أطلقها اليهود على من اتبع ديانة المسيح. وقد وردت في العهد الجديد في "أعمال الرسل" حكاية على لسان يهود. وبرى بعض المؤرخين أن لها صلة "بالناصرة" التي كان منها "يسوع" حيث يقال: "يسوع الناصري" أو أن لها صلة ب "الناصريين" Nasarenes=Nazarenesاحدى الفرق القديمة اليهودية المتنصرة. وقد بقي اليهود يطلقون على من اتبع ديانة المسيح "النصارى"، وبهذا المعنى وردت الكلمة في القرآن الكريم، ومن هنا صارت النصرانية علماً لديانة المسيح عند المسلمين.
ولعلماء اللغة الاسلاميين آراء في معنى هذه الكلمة وفي أصلها، هي من قبيل التفسيرات المألوفة المعروفة عنهم في الكلمات الغريبة التي لا يعرفون لها أصلاً. وقد ذهب بعضهم إلى أنها نسبة إلى الناصرة التي نسب اليها المسيح. وزعم بعض منهم أنها نسبة إلى قرية يقال لها "نصران"، فقبل نصراني وجمعه نصارى. وذكر أن "النصرانة" هي مؤنث النصراني.
ولم أعثر حتى الآن على نص جاهلي منشور وردت فيه هذه التسمية. أما في الشعر الجاهلي، وفي شعر المخضرمين، فقد ذُكر ان أمية بن أبي الصلت ذكرهم في هذا البيت:

أيام يلقى نصاراهم مسيحهم ** والكائنين له وداً وقربانـا
وذكر ان شاعراً جاهلياً ذكر النصارى في شعر له، هو:

اليكَ تعدو قلقا ** وضينـهـا معترضاً

 في بطنها جنينها  ** مخالفاً دين النصارى دينها
وذكر ان جابر بن حُنىّ قال:

وقد زعمت بهراء ان رماحـنـا ** رماح نصارى لا تخوض إلى دم
وان حاتماً الطائي قال في شعر له:

ومازلت أسعى بين نابٍ ودارة بلحيانَ حتى خفت أن أتنصرا
وان " طخيم بن أبي الطخماء" قال في شعر له في مدح بني تميم:

وإني وإن كانوا نصارى أحبهّم ويرتاح قلبى نحوهم ويُتَـوَّق
وان حسان بن ثابت قال: فرحت نصارى يثرب ويهودها لما توارى في الضريح الملحد


غير ان هذه الأبيات وأمثالها إن صح انها لشعراء جاهليين حقاً،هي من الشعر المتأخر الذي قيل قبيل الإسلام. أما قبل ذلك، فليس لنا علم بما كان العرب يسمّون به النصارى من تسميات.

تلاميذ
والذي نعرفه أن قدماء النصارى حينما كانوا يتحدثون عن أنفسهم كانوا يقولون "تلاميذ" Discipies، و "تلاميذ المسيح"، ذلك أنهم كانوا ينظرون،إلى المسيح نظرتهم إلى معلم يعلمهم وكذلك نظروا إلى حوارييه، فورد "تلاميذ يوحنا" وقصدوا بذلك النصارى. وهذه التعابير من أقدم التعابير التي استعملها النصارى للتعبير عن أنفسهم.

الإخوة
كذلك دعا قدماء النصارى جماعتهم ب "الاخوة" وب "الاخوة في الله" Brethren in Lord للدلالة على الجماعة، وب "الأخ" للتعبير عن المفرد، ذلك لأن العقيدة قد آخت بينهم، فصار النصارى كلهم اخوة في الله وفي الدين. ثم تخصصت كلمة "الأخ" برجل الدين.

القديسين

 ودعوا أنفسهم "القديسين" Saintsوالمؤمنين والمختارين الأصفياء والمدعوّ ين، ويظهر أنها لم تكن علمية، وإنما وردت للأشارة إلى التسمية التي تليها.
وقد كنى عن مجتمع النصارى ب "الكنيسة" Ecclesia وتعني "المجمع"في الاغريقية، بمعنى المحل الذي يجتمع فيه المواطنون. فكنى بها عن المؤمنين وعن الجماعة التابعة للمسيح. كما عبر عن النصارى ب "الفقراء" وب "الأصدقاء".

لا يوجد مصدر يذكر أن النصارى هم المسيحيين وعندما يقول د/ جواد أن النصارى عرفوا بالمسيحيين فهو عرف عربى ليس له أصل - وكما أن كلمة مسيحيين هى كلمة وردت فى الأنجيل وأستعملت منذ أنتشار المسيحية 
وقد عرف النصارى ب Christians نسبة إلى Christos اليونانية التي تعني "المسيح" Messiah، أي المنتظر المخلص الذي على يديه يتم خلاص الشعب المختار. ويسوع هو المسيح، أي المنتظر المخلص الذي جاء للخلاص كما جاء في عقيدة أتباعه، ولذلك قيل لهم اتباع المسيح. فأطلقت عليهم اللفظة اليونانية، وعرفوا بها، تمييزاً لهم عن اليهود. وقد وردت الكلمة في أعمال الرسل وفي رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنتوس.
أما في القرآن الكريم وفي الأخبار، فلم ترد هذه اللفظة اليونانية الأصل. ولهذا نجد ان العربية اقتصرت على إطلاق "نصارى" و "نصراني" و "نصرانية " على النصارى تمييزاً لهم عن أهل الأديان الأخرى. أما مصطلح "عيسوي" و "مسيحي"، فلم يعرفا في المؤلفات العربية القديمة وفي الشعر الجاهلي، فهما من المصطلحات المتأخرة التي أطلقت على النصارى. وقد قصد في القرآن الكريم ب "أهل الأنجيل"2 النصارى، إذ لا يعترف اليهود بالانجيل. وقد أدخل علماء اللغة اللفظة في المعربات.

النصارى العرب يحملون الصليب
وأهم علامة فارقة ميزت نصارى عرب الجاهلية عن العرب الوثنيين، هي أكل النصارى للخنازير، وحملهم الصليب وتقديسه. ورد ان الرسول قال لراهبين أتياه من نجران ليبحثا فيما عنده: "يمنعكما عن الإسلام ثلاث: أكلكما الخنزير، وعبادتكما الصليب، وقولكما لله ولد". وورد انه رأى "عدي بن حاتم الطائي" وفي عنقه صليب من ذهب، لأنه كان على النصرانية.
وورد في شعر ذي الرمة: ولكن أصل امرىء القيس معشرٌ يحل لهم أكل الخنازيروالخمـر
يريد انهم نصارى في الأصل ، فهم يختلفون عن المسلمين في أكلهم لحم الخنزير وفي شربهم الخمر.
وفد أقسم النصارى بالصليب. هذا "عدي بن زيد" يحلف به في شعر ينسب اليه،فيقول:

 سعى الأعداء لا يألون شراً ** عليك ورب مكة والصليب
ليس في استطاعتنا تعيين الزمن الذي دخلت فيه النصرانية إلى جزيرة العرب.


وتحاول مؤلفات رجال الكنائس رد ذلك التاريخ الى الأيام الأولى من التأريخ النصراني، غير اننا لا نستطيع اقرارهم على ذلك، لأن حججهم في ذلك غير كافية للاقناع. ولذلك، فليس من الممكن تثبيت تأريخ لانتشارها في هذه الأماكن في الزمن الحاضر، وليس لنا إلا التفتيش عن أقدم الوثاثق المكتوبة للوقوف عليها بوجه لا يقبل الشك ولا التأويل. ونحن أمام بحث علمي، يجب ان تكون العاطفة بعيدة عنه كل البعد.

التبشير بالكلمة هو اساس دخول النصرانية جزيرة العرب
واذا كانت اليهودية قد دخلت جزيرة العرب بالهجرة والتجارة، فإن دخول النصرانية اليها كان بالتبشير وبدخول بعض النساك والرهبان اليها للعيش فيها بعيدين عن ملذات الدنيا، وبالتجارة،وبالرقيق ولا سيما الرقيق الأبيض المستورد من أقطار كانت ذات ثقافة وحضارة. أما هجرة نصرانية كهجرة يهود إلى الحجاز أو اليمن أو البحرين، فلم تحدث، ذلك لأن النصرانية انتشرت في انبراطورية الروم والساسانيين بالتدريج،ثم صارت ديانة رسمية للقياصرة والروم وللشعوب التي خضعت لهم، فلم تظلّ النصرانية أقلية هناك، لتضطر إلى الهجرة جماعة وكتلة الى بلد غريب. لذلك كان حديثنا عن نصارى العرب من حيث الأصل والأرومة، يختلف عن حديثنا عن أصل يهود اليمن أو الحجاز.

المعجزات تجتاح شبه الجزيرة العربية
وبفضل ما كان لكثير من المبشرين من علم ومن وقوف على الطب والمنطق ووسائل الإقناع وكيفية التاثير في النفوس، تمكنوا من اكتساب بعض سادات القبائل فأدخلوهم في دينهم،أو حصلوا منهم على مساعدتهم وحمايتهم. فنسب دخول بعض سادات القبائل ممن تنصر إلى مداواة الرهبان لهم ومعالجتهم حتى تمكنوا من شفائهم مما كانوا يشكون منه من أمراض. وقد نسبوا ذلك إلى فعل المعجزات والبركات الإلهية، وذكر بعض مؤرخي الكنيسة أن بعض أولئك الرهبان القديسين شفوا بدعواتهم وببركات الربّ النساء العقيمات من مرض العقم فأولدن أولاداً، ومنهم من توسل الى الله أن يهب لهن ولداً ذكراً، فاستجاب دعوتهم، فوهب لهم ولداَ ذكراً، كما حدث ذلك لضجعم سيد الضجاعمة، اذ توسل أحد الرهبان الى الله أن يهب له ولداً ذكراً، فاستجاب له. فلما رأى ضجعم ذلك، دخل في دينه وتعمد هو وأفراد قبيلته. ومنهم من شفى بعض الملوك العرب من أمراض كانت به مثل "مارايشو عزخا" الراهب. ذكروا أنه شفى النعمان ملك الحيرة من مرض عصبي ألم به، وذلك بإخراجه الشيطان من جسده.
وفي تواريخ الكنيسة قصص عن امثال هذه المعجزات المنسوبة إلى القديسين، كالتي نسبوها إلى القديس "سمعان العمودي" "المولود نحو سنة 360 م" يذكرونها على انها كانت سبباً في هداية عدد من الأمراء وسادات القبائل إلى النصرانية،وبفضل تنصرهم دخل كثير من أتباعهم في هذا الدين. وكالتي نسبوها الى القديس "أفتميوس" الذي نصر بفضل هذه المعجزات جمعاً من الأعراب وأسكنهم في أماكن خاصة أنشأ فيها كنائس أطلق عليها في اليونانية ما معناه "المحلة" أو "المعسكر".

أرجل المبشرون  تجتاح العربية
ولم يعبأ المبشرون بالمصاعب والمشقات التي كانوا يتعرضون لها، فدخلوا مواضع نائية في جزيرة العرب، ومنهم من رافقوا الأعراب، وعاشوا عيشتهم،وجاروهم في طراز حياتهم، فسكنوا معهم الخيام، حتى عرفوا ب "أساقفة الخيام" وب "أساقفة أهل الوبر"، وبأساقفة القبائل الشرقية المتحالفة وبأساقفة العرب البادية. وقد ذكر ان مطران "بصرى" كان يشرف على نحو عشرين أسقفاً انتشروا بين عرب حوران وعرب غسان وقد نعتوا بالنعوت الذكورة، لأنهم كانوا يعيشون في البادية مع القبائل عيشة أهل الوبر.

التجارة والنصرانية وتجارة الرقيق بالجزيرة  
وقد دخل أناس من العرب بالنصرانية باتصالهم بالتجار النصارى وبمجالستهم لهم. روي ان رجلاً من الأنصار، يقال له "أبو الحصين"، كان له ابنان،فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما باعوا وأرادوا ان يرجعوا،أتاهم ابنا أبي الحصين، فدعوهما الى النصرانية،فتنصرا فرجعا إلى الشام معهم.
ودخلت النصرانية جزيرة العرب مع بضاعة مستوردة من الخارج، هي تجارة الرقيق من الجنسين، فقد كان تجار هذه المادة المهمة الرابحة يستوردون بضاعتهم من أسواق عالمية مختلفة، ولكن أثمن هذه البضاعة وأغلاها هي البضاعة المستوردة من امبراطوريتي الروم والفرس، لمميزات كثيرة امتازت بها عن الأنواع المستوردة من إفريقية مثلاً. فقد كان صنفها من النوع الغالي الممتاز بالجمال والحسن والاتقان ثم بالابتكار وبالقيام بأعمال لا يعرفها من هم من اهل إفريقية. ومن الروميّات والصقليات والجرمانيات من صرن أمهات لأولاد عدوا من صميم العرب. وقد كان أكثرهن، ولا سيما قبيل ظهور الإسلام، على النصرانية. ومن بينهن من خلدت أسماؤهن لتتحدث للقادمين من بعدهم من الأجيال عن أصولهن في العجم وعن الدين الذي كنّ عليه.
وقد كان في مكة وفي الطائف وفي يثرب وفي مواضع اخرى من جزيرة العرب رقيق نصراني كان يقرأ ويكتب ويفسرللناس ما جاء في التوراة والأناجيل،ويقص عليهم قصصاً نصرانياً ويتحدث اليهم عن النصرانية، ومنهم من تمكن من اقناع بعض العرب في الدخول في النصرانية، ومنهم من أثر على بعضهم، فأبعده عن الوثنية، وسفه رأيها عندهم، لكنهم لم يفلحوا في ادخالهم في دينهم، فبقوا في شك من أمر الديانتين، يرون أن الحق في توحيد الله وفي اجتناب الأوثان، لكنهم لم يدخلوا في نصرانية، لأنها لم تكن على نحو ما كانوا يريدون من التوحيد وتحريم الخمر وغير ذلك مما كانوا يبتغون ويشترطون.
وقد أثرت الأديرة تاًثيراً مهماً في تعريف التجار العرب والأعراب بالنصرانية.

وجود أديرة بالجزيرة العربية
فقد وجد التجار في أكثر هذه الأديرة ملاجىء يرتاحون فيها ومحلات يتجهزون منها بالماء، كما وجدوا فيها أماكن للهو والشرب: يأنسون بأزهارها ويخضرة مزارعها التي أنشأها الرهبان، ويطربون بشرب ما فيها من خمور ونبيذ معتق امتاز بصنعه الرهبان. وقد بقيت شهرة تلك الأديرة بالخمور والنبيذ قائمة حتى في ايام الإسلام. ومن هؤلاء الرهبان ومن قيامهم بشعائرهم الدينية، عرف هؤلاء الضيوف شيئاً عن ديانتهم وعما كانوا يؤدونه من شعائر. وقد أشير إلى هؤلإء الرهبان الناسكين في الشعر الجاهلي،وذكر عنهم انهم كانوا يأخذون المصابيح بأيديهم لهداية القوافل في ظلمات الليل.
وقد كانت هذه الأديرة، وهي بيوت خلوة وعبادة وانقطاع إلى عبادة الله والتفكير فيه، مواطن تبشير ونشر دعوة. وقد انتشرت حتى في المواضع القصية من البوادي. واذا طالعنا ما كتب فيها وما سجله أهل الأخبار أو مؤرخو الكنائس عن أسمائها،نعجب من هذا النشاط الذي عرف به الرهبان في نشر الدعوة وفي اقامة الأديرة للاقامة فيها في مواضع لا تستهوي أحداً. وهي متقاربة عديدة في بلاد العراق وفي بلاد الشام. بل نجد لها ذكراً حتى في الحجاز وفي ونجد وفي جنوبي جزيرة العرب وشرقيها: تتلقى الاعانات من كنائس العراق والشأم ومن الروم، حتى تمكنت من التبشير بين أكثر القبائل. ولولا ظهور الإسلام ونزول الوحي على الرسول في الحرمين، لكان وجه العالم العربي ولا شك غير ما نراه ألآن. كان العرب على دين النصرانية وتحت مؤثرات ثقافية اجنبية، هي الثقافة التي اتسمت بها هذه الشيع النصرانية المعروفة حتى اليوم.

القبائل العربية النصرانية وكثير من سادة قريش
وقد ذكر "ابن قتيببة الدينوري": ان النصرانية كانت في ربيعهَ، وغسان،وبعض قضاعة. وقال "اليعقوبي": "وأما من تنصر من أحياء العرب، فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزى، منهم عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى، وورقة بن نوفل بن أسد. ومن بني تميم: بنو امرىء القيس بن زيد مناة،ومن ربيعة:بنو تغلب، ومن اليمن:طيء ومذحج وبهراء وسليح وتنوخ وغسان ولخم".

 

 

 

الرهبان فى وادى القرى
وكان في وادي القرى نفر"من الرهبان، كما ورد ذلك في شعر جعفر بن سراقة أحد بني قرة، وهو: فريقان: رهبان بأسفل ذي القرى وبالشاًم عرافون فيمن تنصـرا
وتعد طيء من القبائل التي وجدت النصرانية سبيلاً اليها. وقد ورد ان "أحودما" "المغريان" تنقل بين طيء في سنة "870" لليونان المقابلة لسنة "559 " للميلاد. وقد كان عدي بن حاتم الطائي في جملة الداخلين في النصرانية من طيء.
ويذكر انه كان "ركوسيّاً"، وفد على الرسول، وأعلن إسلامه. غير ان هذا لا يعني ان النصرانية كانت هي الغالبة على هذه القبيلة، فقد كان قوم منها يتعبدون للصنم "الفلس"، أي على الشرك.

كان يوجد فى يثرب قليل من النصارى
ولم يذكر أهل الأخبار شيئاً يستحق الذكر عن النصرانية في يثرب. وقد أشار القرآن الكريم في مواضع عديدة من الآيات المدنية إلى النصارى، غير ان تلك الاشارات عامة في طبيعة المسيح وفي النصرانية نفسها لا في نصارى يثرب وفي صلانهم بالاسلام. ثم إن أهل السير لم يشيروا إلى تصادم وقع بين النصارى والمسلمين ولا إلى مقاومة نصارى يثرب للرسول كالذي وقع بين يهود يثرب وللرسول، مما يدل على ان النصرانية لم تكن قوية في المدينة،وان جاليتها لم تكن كثيرة العدد فيها. غير ان هذا لا يعني عدم وجود النصارى في هذا الموضع الزراعي المهم. فكما كان في مكة رقيق وموالي يقومون بخدمة ساداتهم، كذلك كان في المدينة نفر منهم أيضا يقومون بمختلف الأعمال التي يعهد أصحابهم إليهم القيام بها. ولا بد ان تكون لهذه الطبقة من البشر مكانة في هذه المدينة وفي أي موضع آخر من جزيرة العرب. فقد كانت هذه الطبقة عموداً خطيراً من الأعمدة التي يقوم عليها نجيان الاقتصاد في ذلك العهد، فهي بالنسبة لذلك العهد الآلات المنتجة والمعامل المهمة لأساب الأموال وللسادة الأثرياء، تؤدي ما يطلب منها القيام به وما يراد منها إنتاجه بأجور زهيدة وبدقة ومهارة لا تتوفر عند الأحرار من العرب. ثم إن الأحرار مهما يلغ حالهم من الفقر والفاقة كانوا يأنفون من الأعمال الحرفية ونحوها مما يوكل إلى هذه الطبقة القيام به، لأنها في نظرهم من المهن المنحطة التي لا تليق بالرجل الحر مهما كان عليه من فقر وبؤس، ولهذا كان لا بد من الاستعانة بالموالي والرقيق للقيام بأكثر متطلبات حياة الإنسان.
ويفهم من بيت للشاعر حسان بن ثابت في قصيدة رثى بها النبي، وهو:

فرحت نصارى يثرب ويهودها لما توارى في الضريح الملجد
أنه كان في يثرب نفر من النصارى كما كان بها قوم من يهود. وذكر أن النصارى كانوا يسكنون في يثرب في موضع يقال له: سوق النبط.
ولعل هذه السوق هي الموضع الذي كان ينزل فيه نبط الشام الذين كانوا يقصدون المدينة للاتجار في الحبوب، فصارت موضعاً لسكنى هؤلاء النصارى، ونسب إليهم. وقد ورد أن عمر بن الخطاب استعمل أبا زبيد الشاعر النصراني على صدقات قومه، وأن أبا زبيد هذا كان مقرباً من الخليفة عثمان بن عفان من بعده.
وقد كان "أبو عامر" الراهب، الذي تحدثت عنه أثناء حديثي عن الأحناف، ممن اعتنق النصرانية، ومن أهل يثرب. ويظهر أنه كان قد تمكن من إقناع بعض شباب الأوس من اعتناق دينه، بدليل ما ذكره علماء التفسير من أنه لما خرج من يثرب مغاضباً للرسول، وذهب إلى مكة، مؤيداً إياهم ومحرضأ لهم على محاربة الرسول أخذ معه خمسين أو خمسة عشر رجلاً من الأوس، على ما ذكره علماء التفسير، فلما أيس من نجاح أهل مكة في القضاء على الرسول فرّ إلى بلاد الشام على نحو ما ذكرت، ليطلب مدداً من الروم يعينه في زحفه على المدينة. وأنا لا استبعد احتمال وجود أناس آخرين من أهل يثرب كانوا قد دخلوا في النصرانية ودعوا اليها، واحتمال وجود مبشرين فيها، كانوا يسعون لادخال أهلها في دين عيسى، يؤيدهم ويمدّهم بالمال والمعونة الروم حكام بلاد الشام.
وكان بين سكاّن مكة عند ظهور الإسلام جماعة من النصارى هم من الغرباء النازحين اليها، لأسباب، منها: الرق، والاتجار، والتبشير، والحرفة.
فأما الرقيق، فمنهم الأسود والأبيض:الأسود من إفريقية، والأبيض من أوروبة، أو من أقطار الشرق الأدنى، وهم أعلى في المنزلة وفي السعر من النوع الأول، وهم بحكم قانون ذلك العهد وعرفه تبع لسادتهم وفي ملك يمينهم، يقومون بالأعمال التي توكل اليهم، ليس لهم التصرف إلا بأمرهم، فهم في الواقع بضاعة يتصرف بها صاحبها كيف يشاء، ليس لها صوت ولارأي، إن أبق المملوك قتل" أو أنزل به العقاب الذي يراه ويختاره صاحبه ومالكه.
وبين الرقيق الأبيض خاصة نفر كانوا على درجة من الفهم والمعرفة، يعرفون القراءة والكتابة، ولهم اطلاع في شؤون دينهم ومعارف ذلك العهد.. ولهذا أوكل اليهم القيام بالأعمال التي تحتاج إلى مهارة وخبرة وذكاء. وقد كان حالهم لذلك أحسن "من حال غيرهم من الأرقاء. ومنهم من كان يشرح لسادتهم أمور دينهم وأحوال بلادهم، ويقصون عليهم ما حفظوه ووعوه من أخبار الماضين وقصص الراحلين، وأكثرهم ممن كانت ألسنتهم لم تتروض بعد على النطق بالعربية، فكانوا يرطنون بها، أو يتلعثمون، ومنهم من كان لا يعرف شيئاً منها، أو لا يعرف منها إلا القليل من الكلمات.

سلمان أو يسار   أو جبر، أو يعيش، أو بلعام قال أهل مكة أنه كان هو الذي يلقن الرسول
ومن،هؤلاء رجل نصراني كان بمكة قيل. إن اسمه: سلمان: أو يسار، أو جبر، أو يعيش، أو بلعام، ادعى أهل مكة أنه كان هو الذي يلقن الرسول ما كان يقوله للناس من رسالته، وأنه هو الذي كان يعلمه. وقد أشير إلى قول قريش هذا في الاية: ) ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر،،لسان الذي يلحدون اليه أعجميً، وهذا لسان عربي مبين(. ومن روى من المفسرين ان اسمه جبر، قال: إنه كان غلاماً لعامر بن الحضرمي، وأنه كان قد قرأ التوراة والانجبل، وكان الرسول يجلس اليه عند المروة إلى مبيعته، "فكانوا: والله ما يعلم محمداً كثيراً مما يأتي به إلا جبر النصراني، غلام الحضرمي".

ومن هؤلاء من زعم انه كان قيناً لبني الحضرمي، وانه كان قد جمع الكتب، وهو رومي، فكان رسول الله ياتي اليه ويجتمع به، فكان المشركون يقولون: انه يتعلم من هذا الرومي ! وذكر بعض الرواة ان "آل الحضرمي" كانوا يملكون عبدين، هما: جبر ويسار، فكانا يقرآن التوراة والكتب بلسانهما، فكان الرسول يمر عليهما فيقوم يستمع منهما. وقيل انهما كانا من أهل "عين التمر"، وانهما كانا يصنعان السيوف بمكة، وكانا يقرآن التوراة والانجيل، فريما مر بهما النبي، وهما يقرآن فيقف ويستمع.وأما من قال ان اسمه "يعيش"، فذكر انه كان مولى لحويطب بن عبد العزى. وأما من ذكر ان اسمه "بلعام"، فقال انه كان قيناً رومياً بمكة وكان نصرانياً أعجمي اللسان، " فكان المشركون يرون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين يدخل عليه وحين يخرج من عنده، فقالوا انما يعلمه بلعام". ومهما اختلف المفسرون في اسم هذا الرجل فإنهم اتفقوا على انه كان أعجمي الأصل، نصرانياً، يقرأ الكتب، وانه كان بمكة نفر من الموالي كانوا على دين النصرانية يقرأون ويكتبون.
والى هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص، أعني: يعيش ويقال عائش أو عدّاس مولى حويطب بن عبد العزى ويسار مولى العلاء بن الحضرمي وجبر مولى عامر، أشير في القرآن الكريم، في الآية: )وقال الذين كفروا: إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون". وقد ذكر المفسرون ان هؤلاء "كانوا كتابيين يقرأون التوراة، أسلموا، ركان رسول الله، صلى الله عليه وسلم يتعهدهم، فقيل ما قيل".

العبيد النصارى
وعرفت أسماء جملة رجال ونساء من هذا الرقيق الذي جيء به إلى مكة والى مواضع أخرى من جزيرة العرب. من هؤلإء نسطاس، ويقصد بذلك أنستاس، وكان من موالي صفوان بن أمية. و "مينا" "ميناس"، و "يوحنا" عبد" صهيب الرومى"، و "صهيب." نفسه لم يكن عربياً، انما كان من بلاد الشام في إلأصل، وهو رومي الأصل ولذلك قيل له "صهيب الرومي". وكان قد جاء مكة فقيراً لا يملك شيئاً، فأقام بها، ثم اتصل بعبدالله بن جُدعان الثري المعروف، و صار في خدمته، ولذلك قيل انه كان مولى من موالي عبدالله بن جدعان. وفي رواية انه كان من "النمر بن قاسط"، سقط أسيراً في الروم فباعوه، فاشترى منهم. وقد ورد في حديث: "صهيب سابق الروم"، فهذا يدل على انه من أصل رومي. وهو من أوائل المسلمين، يذكر انه حينما همَّ بترك مكة والذهاب إلى المدينة بعد هجرة الرسول اليها "قال له كفار قريش:أتيتنا صعلوكاً حقيراً، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد ان تخرج بمالك ونفسلك !! والله، لا يكون ذلك. فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ? قالوا: نعم، قال: فإني جعلت لكم مالي"، وترك قريشاً ليذهب إلى الرسول.
وكان لبني مخزوم الأثرياء جملة جوار يونانيات، كما كان لدى العبّاس عم النبي جوار يونانيات، وأشير إلى وجود جوار فارسيات. وكان هذا الرقيق الأبيض ذكوراً وإناثاً من جنسيات متعددة، منهم من كان من أصل رومي، ومنهم من كان من عنصر أوروبي آخر، ومنهم من كان من الفرس أو من أهل العراق مثل نينوى وعين التمر، ومنهم من كان من بلاد الشام أو من أقباط مصر، وهم على النصراّنية في الغالب.

 

الأحابيش الذين تركوا كلمات حبشية فى لغة أهل مكة
وفد كانت في مكة عند ظهور الإسلام جالية كبيرة كثيرة العدد من العبيد، عرفوا ب " الأحابيش". وبين هؤلاء عدد كبير من النصارى، استوردوا للخدمة وللقيام بالأعمال اللازمة لسراة مكة. وقد ترك هؤلاء الأحابيش أثرأ في لغة أهل مكة، يظهر في وجود عدد من الكلمات الحبشية فيها في مثل المصطلحات الدينية والأدوات التي يحتاج اليها في الصناعات وفي الأعمال اليدوية التي يقوم بادائها العبيد. وقد أشار العلماء إلى عدد من هذه الكلمات ذكروا أنها تعربت، فصارت من الكلام العربي. وقد أشاروا إلى ورود بعضها في القرآن الكريم وفي الحديث. ويشير أهل الأخبار إلى ورود بعض الرهبان والشمامسة إلى مكة. وقد كان من بينهم من يقوم بالتطبيب. وقد ذكر الأخباريون أن شماساً كان قد قصد مكة، فعجب الناس به، وقد سمّوا أحدهم به، هو عثمان بن الشّريد ين سويد ابن هرمي بن عامر بن مخزوم، فقالوا له: "شماس".

أباطرة الروم والنصارى العرب
وذكر "اليعقوبي"، ان ممن تنصر من أحياء العرب، قوم من قريش من بني "أسد بن عبد العزى"، منهم "عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى". وقد ورد في بعض الأخبار انه قدم على قيصر، فتنصر، وحسنت منزلته عنده. وان قيصر ملكه على مكة. ومنحه براءة بذلك، واعترف به. وقد سبق ان تحدثت عنه في اثناء كلامي على مكة. وقد ذكرت ان من الصعب تصور بلوغ نفوذ القيصر هذا الحد من جزيرة العرب،فلم يتجاوز نفوذ الروم الفعلي في وقت ما من الأوقات أعالي الحجاز. ولكن ذلك لا يمنع من تقرب السادات وتزلفهمً إلى عمال الروم وموظفيهم في بلاد الشام، باظهار انهم من المخلصين لهم المحبين للروم، وانهم من كبار السادات ذوي المكانة والنفوذ، للحصول على مكاسب مادية ومعنوية منهم، تجعل لهم مكانة عند أتباعهم وجاهاً ومنزلة ونفوذاً على القبائل الأخرى. وقد كان الروم يعرفون ذلك معرفة جيدة، بفضل دراستهم لنفسية الأعراب، ووقوفهم على طبائع سادات القبائل، فكانوا يشجعون هذا النوع من التودد السياسي لكسب العرب وجرهم إلى جانبهم.

ورقة ابن نوفل
وعد "ورقة بن نوفل" في جملة المتنصرين في بعض الروايات، فقد ذكر انه "تنصر واستحكم في النصرانية، وقراً الكتب، ومات عليها".

صور الرسل والمسيح وامه فى الكعبة أكبر دليل على وجود النصرانية فى مكة
وقد استدل "شيخو" من الخبر المروى عن الصور التيً قيل إنها صور الرسل، والأنبياء وبينها صورة المسيح ومريم، والتي ذكر أنها كانت مرسومة على جدران الكعبة، على أنها هي الدليل على أثر النصرانية بمكة. استدل على فكرته هذه بخبر خلاصته أن الرسول حينما أمر فطمست تلك الصور، استثنى منها صورة عيسى وامه مريم، وبخبر ثان ورد عن تمثال لمريم مزوّق بالحلي وفي حجرها عيسى، باد في الحريق الذي شب في عصر "ابن الزبير"،

أمراة عربية تشاهد صورة المسيح ومريم بالكعبة فى وجود محمد فتقول : بأبى وأنت وأمى تقصد المسيح ابيها ومريم أمها فأخذها

وبخبر ثالث عن امرأة من غسان قيل إنها "حجت في حاج العرب، فلما رأت صورة مريم في الكعبة، قالت: بأبي أنتِ وأمي: إنك لعربية. فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمحو تلك الصور، إلا ماَ كان من صورة عيسى ومريم".

الطائف وعداس النينوى الذى كان يرقى محمد 
وكان في الطائف نفر من الموالي كانوا على دين النصرانية، لم يتعرض سادتهم كسائر رجال الأماكن الأخرى من الحجاز لدينهم، فتركوهم على دينهم يقيمون شعائرهم الدينية على نحو ما يشاؤون. من هؤلاء "عدّ اس"، وكان من أهل نينوى، أوقعه حظه في الأسر، فبيع في سوق الرقيق، وجي به إلى الطائف فصار مملوكاً لعتبة وشيبة ابني ربيعة. وعند مجيء الرسول إلى الطائف عارضاً نفسه على ثقيف أهلها، كان هو في جملة من تكلم اليه. ومنهم الأزرق، ذكر أنه كان عبداً رومياً حداداً، وانه هو أبو نافع الأزرق الخارجي الذي ينتمي اليه الأزأرقّة. وهناك روايات تنفي وجود صلة لهذا الأزرق بالأزرق والد نافع المذكور.
وأما الحديث عن النصرانية في اليمن،فهو حديث غامض أوله، مبهم أصله، لا نعرف متى نبدأ به على وجه التحقيق. فليس لدينا نص بالمسند يشير إلى مبدأ دخول النصرانية العربية الجنوبية. وما لدينا من كتابات مما له بعض العلاقة بالنصرانية إنما دوّن في الحقبة المتأخرة من تأريخ اليمن، وفي أيام الحبشة في اليمن، وهو ساكت في الجملة عن المبدأ وعن المبشرين بالنصرانية في العربية الجنوبية. فليس لدينا من بين نصوص المسند في هذا.الباب عون ولا سند.
وليس لنا اذن إلاّ أن نفعل ما فعلناه بالنسبة إلى اليهودية، فنرجع إلى الموارد الإسلامية والنصرانية لنرى رأيها في هذا الباب.

 

 

أجلاء الأديان عن شبه الجزيرة العربية والإرتداد 
ومن يدري أيضاً، فلعل الروم والأحباش كانوا أيضأ في جملة من كان محرض أهل الكتاب على الدس للاسلام،وأن بعض من أعلن الردة مثل "النعمان الغرور" وهو نصراني، وغيره ممن ارتد معه من النصارى، كانوا قد تلقوا عوناً من الخارج، وهذا ما حمل الخليفة على اتباع قاعدة إجلاء الدساسين من اهل الكتاب مهما كان نوعهم عن جزيرة العرب لحماية الإسلام من خطر الفتنة ومن الردة، ولم تكن قواعده قد تركزت واستقرت استقراراً تاماً بعد.
إن الذي افهمه من سياسة إجلاء "عمر" لأهل الكتاب، هو ان ذلك الإجلاء كان خاصأَ بالجاليات اليهودية التي كانت تقيم فيما بين فلسطين ويثرب، وقاصراً عليها، بسبب وقوفها موقفاً معادياً من الإسلام، أما النصارى فلم تكن لهم جاليات هناك، فلم يقع أجلاء لهم فيها. ولكن "عمر" ومن جاء بعده لم يطبقوا الإجلاء على الأسر وألأفراد، بدليل ما نجده في أخبار أهل الأخبار من وجود أسر وأفراد من يهود ونصارى في يثرب وفي مكة وفي الطائف بعد وفاة عمر.
أما في غير الحجاز من بقية أنحاء جزيرة العرب، فلم يطبق قانون "عمر" على أهل الكتاب، بدليل دفع جالياتهم "الجزية" عن رؤوسهم في ايامه إلى وفاته، ثم في ايام من جاء بعده من الخلفاء. فكاًن الخليفة، قد طبق أمر الإجلاء على يهود الحجاز لخوفه من خطر بقائهم في مقر الإسلام وفي مدينة الرسول ومن احتمال عودة من هاجر منهم إلى أرضهم وتكتلهم من جديد، وإثارتهم من لم يكن قد تمكن الإسلام من قلبه بعد، فيقع للاسلام ما وقع في ايام الرسول من اتصالهم سراً بكفار قريش، ومن حدوث ردة جديدة، فقرر إجلاءهم جماعة عن تلك الديار.
النصرانية في بقية مواضع جزيرة العرب
وكان التجار الروم ينزلون سواحل العربية الجنوبية للتزود منها بالماء وبالطعام وللاتجار مع سكانها، ومنهم من أقام بها وقضى حياته فيها، وتعرب. وكان منهم من بشر بالنصرانية وعمل على نشرها بين السكان. ولعل الحكومة البيزنطية كانت ترسل المبشرين إلى هذه المواضع للتبشير، كذلك أرسل نصارى الحيرة المبشرين لنشر نصرانيتهم في العربية الجنوبيةّ. وبعد دخول هذه البلاد في الإسلام احتفظ قوم من النصارى بدينهم، مقابل دفع الجزبة للمسلمين.
وأما اليمامة، فكانت النصرانية قد وجدت لها سبيلاً بين قراها وقبائلها. ويظهر من شعر للاعشى مدح به "هوذة بن على" حاكمها عند مبعث الرسول، انه كان نصرانياً منّ على قوم من "تميم" ففك وثاقهم يوم أسروا،ويوم قتلوا وسط "المشقر"، ومنّ عليهم "يوم الفصح"، يرجو الإلهَ بما سدى وما صنعا.
وأما العربية الشرقية، فقد دخلت النصرانية اليها من الشمال، من العراق في الغالب. ولكن بعض الروم كانوا قد وجدوا سبيلهم اليها، فدخلوها من البحر أيضاً. فعششت في مواضع منها مثل البحربن، وقطر، وهجر، وبعض جزرالخليج. وكانت غالبية نصارى هذه الأرضين على مذهب نسطور آخذين هذا المذهب من نصارى الحيرة الذين كانوا على اتصال وثيق بهم، كما كان رجال دينهم يسافرون إلى هذه المنطقة للتبشير بها، فزرعوا فيها بذور مذهبهم، ونشروه بين من أقبل على النصرانية من العرب.
ومن رجال البحرين النصارى "الجارود بن عمرو بن حنش المعلى"1، قدم على النبي بالمدينة،فأسلم وأسلم معه أصحابه. وكان حسن الإسلام صلباً حتى هلك،وقد لام قومه ممن انضم الى "المنذر بن النعمان بن المنذر" الغرور، فارتد عن الإسلام وعاد إلى دينه الأول. وقد بقي إلى أيام "عمر" في أغلب الروايات والى خلافة عثمان في رواية. واشترك في حروب فارس، فقتل بها ب "عقبة الطين"، التي عرفت باسمه، فقيل لها عقبة الجارود، وذلك سنة احدى وعشرين في خلافة عمر، وقيل قتل بنهاوند مع النعمان بن مقرن. وقد رووا له شعراً. وكان ولده "المنذر بن الجارود" من رؤساء "عبد القيس" بالبصرة. وحفيده " الحكم بن المنذر" الذي مدحه "الأعشى الحرمازي" بشعر حسده الحجاج عليه.
 

=================

 

This site was last updated 12/05/09