الاهرام فى 5 فبراير 1942

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

انفراج الأزمة الوزارية سنة 1942م

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك -

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
السياسى  مكرم عبيد باشا
فاروق والنحاس باشا
وزارة حسين سري باشا
إقالة النحاس

Hit Counter

 

جريدة الأهرام 31/1/2008م السنة 132 العدد 44250 عن مقالة بعنوان [ ديوان الحياة المعاصرة - الحادث المنكور‏!‏ ] بقلم المتنيح: د يونان لبيب رزق الحلقة‏715‏
حادث‏4‏ فبراير‏1942‏ الذي طبقت شهرته السياسية والعلمية الآفاق‏,‏ وهي الشهرة التي بلغت حد وضع رسالة للدكتوراه عنها‏,‏ في العمل الذي قام به الدكتور محمد صابر عرب تحت عنوان‏'‏ حادث‏4‏ فبراير والحياة السياسية في مصر‏'..‏ هذه الشهرة كانت غائبة وقت وقوع الحادث‏,‏ الأمر الذي نتأكد منه عندما نطالع ما جاء في‏'‏ الأهرام‏'‏ عنه يوم وقوعه‏..‏ الأربعاء‏4‏ فبراير‏,‏ وفي اليوم التالي له‏,‏ والسابق عليه‏..‏
في اليوم الأول‏,‏ وفي باب التشريفات الملكية خبر عمن استقبلهم‏'‏ جلالة الملك في قصر عابدين العامر‏'..‏ ومنهم النحاس باشا رئيس الوفد المصري‏,‏ ورئيسي مجلسي الشيوخ والنواب‏,‏ ورئيس حزب الاتحاد الشعبي‏,‏ والدكتور محمد حسين هيكل وكيل حزب الأحرار الدستوريين‏,‏ وحافظ رمضان باشا رئيس الحزب الوطني‏,‏ وفي الصفحة الخامسة أخبار عن وجود أزمة وزارية بعد استقالة حسين سري باشا‏,‏ وعن المقابلات الملكية لبعض الشخصيات السياسية‏
الاهرام فى 5 فبراير 1942
البداية بصاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا‏,‏ الذي علق علي اللقاء بالقول‏'‏ خير إن شاء الله‏',‏ ولم يزد‏(!),‏ بعده لقاء أحمد ماهر باشا رئيس الحزب السعدي ورئيس مجلس النواب الذي أدلي بتصريح قصير للصحفيين جاء فيه‏:'‏ تعودت حين يجري حديث بيني وبين شخص آخر في داره ألا أذيع أنا الحديث‏'(!),‏ وتم بعدئذ الاستقبال الملكي لكل من رئيس حزب الاتحاد الشعبي ووكيل الأحرار الدستوريين‏,‏ اللذين لم يدليا بتصريحات تذكر‏,‏ وتقرر استئناف المشاورات بعد ظهر نفس اليوم‏.‏
في اليوم التالي‏,5‏ فبراير‏1942,‏ صدرت الأهرام وعلي صفحتها الأولي مانشيت‏'‏ مصطفي النحاس باشا يؤلف وزارته الخامسة‏'‏ ومعها صورة للرجل وهو خارج من سراي عابدين في وسط عدد من أنصاره‏,‏ بينما تحدثت في صفحتها الخامسة عما أسمته‏'‏ انفراج الأزمة الوزارية ـ مصطفي النحاس باشا يؤلف الوزارة‏',‏ وقد تابعت فيها‏'‏ تطورات الأحداث‏',‏ ولم تشر من بعيد أو قريب لحادثة حصار الدبابات البريطانية لسراي عابدين‏,‏ أو الإنذار الذي وجهه السفير البريطاني في العاصمة المصرية‏,‏ السير مايلز لامبسون‏,‏ للملك بدعوة النحاس باشا لتأليف الوزارة وإلا خلعه الإنجليز عن العرش‏.‏
نقرأ أولا ما جاء في الأهرام عن الحادث‏,‏ ونحاول ثانيا تمحيص الأسباب التي جعلت الأهرام وغيرها تحجم عن نشر أي خبر حال عن الحادث‏..‏
تحت عنوان‏'‏ استشارة الزعماء‏'‏ قالت جريدتنا أن الملك استدعي سبعة عشر زعيما من كبار رجال الدولة علي رأسهم شريف صبري ومصطفي النحاس وعلي ماهر وأحمد زيور وعبد الفتاح يحيي وأحمد ماهر إلي سراي عابدين والتقوا بالملك في قاعة البلاط في الرابعة مساء‏,‏ وفي الخامسة والخمسين قصد أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي السفارة البريطانية حيث قابل السير لامبسون ثم عاد إلي عابدين في السادسة والدقيقة الخمسين‏,‏ حيث كان الزعماء لا زالوا مجتمعين‏.‏
أما عن قدوم السفير البريطاني والقائد العام للقوات البريطانية إلي عابدين‏,‏ في مظاهرة عسكرية وما تم خلالها من تقديم الإنذار للملك فاروق‏,‏ فقد كان كل ما جرأت الأهرام علي تقديمه خبرا عنه لا يزيد عن أسطر قليلة لا تزيد عن‏23‏ كلمة جاء فيها‏:'‏ في الساعة التاسعة مساء تشرف السفير البريطاني ومعه الجنرال ستون القائد العام للقوات البريطانية في مصر بمقابلة جلالة الملك‏,‏ وظل في حضرته حوالي الساعة‏',‏ وهي الساعة التي جري فيها كل ما جري‏!‏
غير أن جريدتنا ذكرت بالتفصيل ما تم بعد ذلك‏..‏ استدعاء الزعماء إلي عابدين وكان النحاس باشا آخر الحضور‏,‏ حيث التقوا بالملك الذي أبلغهم نبأ مقابلته للسفير والجنرال ستون‏,‏ وقال أنه عهد إلي النحاس باشا تأليف الوزارة‏,‏ وتقول‏'‏ الأهرام‏'‏ أن كلا من ماهر باشا وصدقي باشا قد تكلما‏,‏ ولكنها لم تقدم أية تفصيلات عما قالاه‏,‏ وأرسل القصر في ساعة متأخرة من الليل إلي النحاس باشا الأمر الملكي بتأليف الوزارة‏.‏
غير أن ما أضافته جريدتنا في هذه المناسبة لا بد وأن تكون قد دفعت قارئها المتلهف علي الأخبار إلي التفكير عن الظرف غير الطبيعي لتأليف الوزارة الجديدة‏..‏ منها التصريح الذي أدلي به النحاس باشا للأهرام التي وضعته في مكان بارز‏,‏ وقد جاء فيه أنه اضطر إلي تلبية الأمر الملكي لتأليف الوزارة‏'‏ رغم الظروف الخطيرة التي تمر بها البلاد والتي بلغت أشدها أخيرا‏.‏ ورغم أنني كنت قد صرحت في اليوم نفسه بأنني لا أقبل الحكم في الوضع الذي آلت إليه الأمور‏,‏ ولكني أمام الرغبة الكريمة التي أبداها جلالته وتصميمه علي تكليفي بتأليف الوزارة وأمام ما تفضل فصرح به من أن الوطنية وبذل التضحية وإنكار الذات يقتضي مني تحمل مسئولية الحكم‏-‏ إزاء ذلك لم يسعني إلا أن أنزل علي هذه الرغبة السامية‏',‏ ولم تجر العادة من قبل أن يدلي رئيس الوزراء الجديد بمثل هذه التصريحات‏.‏
منها أيضا البلاغ الذي أصدره كبير الأمناء وتناول فيه الاجتماع الذي انعقد في عابدين‏,‏ وأنه كان علي رأس الحضور شريف صبري والنحاس باشا وعلي ماهر باشا وأربعة عشرة من زعماء البلاد والشخصيات الكبيرة‏'‏ وبعد المقابلة السنية اجتمعوا للتشاور في الموقف الحاضر‏.‏ وحضر الاجتماع محمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي‏.‏ ثم تشرف بمقابلة جلالته سير مايلز لامبسون سفير بريطانيا العظمي وجناب الجنرال ستون القائد العام للقوات البريطانية في مصر‏'.‏ ولم يكن بلاغا بريئا‏!!‏
ومنها بالطبع ما تناقله الناس الذين كانوا علي مقربة من الحدث الكبير من محاصرة المصفحات البريطانية لقصر عابدين‏,‏ مما وصلت أخباره إلي قطاع عريض من المصريين‏,‏ كان منهم عدد من ضباط الجيش المصري الذين ساءهم ما تعرض له الملك‏,‏ قائدهم الأعلي‏,‏ من مهانة‏,‏ الأمر الذي سجلوه في مذكراتهم‏,‏ خاصة بعد استيلائهم علي الحكم في يوليو‏1952.‏
غير أن الرواية نشرت بالتفصيل بعد إقالة الوزارة النحاسية في أكتوبر عام‏1944,‏ وصدور جريدة‏'‏ أخبار اليوم‏'‏ الأسبوعية في الشهر التالي‏,‏ للإخوة علي ومصطفي أمين‏,‏ والمعروفة بعلاقتها الوثيقة بالقصر‏,‏ والتي دأبت علي الهجوم علي الوفد‏,‏حيث بدأ الأخ مصطفي‏,‏ في كتابة سلسلة من المقالات تحت عنوان‏'‏ لماذا ساءت العلاقات بين القصر والوفد‏'‏ أخذ فيها مصطفي علي عاتقه‏,‏ وبأسلوب صحفي جذاب‏,‏ في ذكر تفاصيل الحادثة‏,‏ من وجهة نظره طبعا‏,‏ وكانت موالية للقصر بالضرورة‏!!‏
وقد عرف مزيد من التفاصيل بعد أن نشر السفير البريطاني في القاهرة مذكراته بعد خروجه من منصبه‏,‏ وكان قد حصل علي لقب اللوردية وقتئذ‏,‏ وأسمي كيلرن‏,‏ وكانت علي شكل يوميات تحت عنوان‏KillearnDiaries‏ والتي روي فيها تفاصيل الحادث‏,‏ والعمل الذي وضعه الدكتور محمد أنيس تحت عنوان‏'4‏ فبراير‏1942‏ في تاريخ مصر السياسي‏',‏ إلي أن انتهي الأمر بنشر الوثائق البريطانية السرية‏,‏ وما اتصل منها بالمراسلات بين السفارة بالقاهرة ووزارة الخارجية في لندن‏,‏ والتي قدمتها بالتفصيل الدكتورة لطيفة سالم في عملها المرجعي عن‏'‏ فاروق‏',‏ والتي تابعت الحادث ساعة بساعة‏,‏ حيث قدمت كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة عن الواقعة‏.‏
‏***‏
منذ بداية أسبوع العاصفة لم يكن هناك ما ينبئ بهبوبها‏,‏ ففي بداية هذا الأسبوع نشرت الأهرام خبرا عاديا عن سؤال وجهه إسماعيل صدقي لرئيس الوزراء حسين سري عن الموضوع الذي ألجأ الحكومة إلي طلب تأجيل مناقشة خطاب العرش في جلستين متواليتين في مجلس النواب‏,‏ وخبر آخر في يوم الاثنين‏,‏ أي قبل وقوع الواقعة بيومين فحسب عن مغادرة النحاس باشا أسوان متجها إلي الأقصر حيث كان في رحلة إلي الصعيد‏.‏
قبل الحادث بيومين بدت نذر العاصفة‏,‏ ففي يوم الاثنين‏2‏ فبراير نشرت الأهرام في باب‏'‏ الموقف السياسي‏'‏ أخبارا عن احتمال تأجيل انعقاد البرلمان لبحث الموضوع الخاص باستجواب مقدم في الشيوخ بشأن المعتقلين السياسيين‏,‏ وأن رئيس الديوان قابل رئيس الوزراء واجتمع لوقت غير قصير‏,‏ وأن الدكتور هيكل رئيس الأحرار الدستوريين اجتمع بكل من رئيس الوزراء ورئيس الديوان‏,‏ وأن مكرم عبيد باشا سكرتير عام الوفد قد اجتمع برئيس الديوان قبل يومين‏.‏
يلفت النظر في أهرام ذلك اليوم أنها نشرت عامود مصطفي أمين‏'‏ كلمة ونصف‏'‏ التي اقتبس فيها أحد أقوال الملك التي جاء فيها‏:'‏ إن مصر العزيزة علينا لتنشد من رجالاتها مهما تباينت آراؤهم أن يقدروا حقها عليهم‏,‏ فيتوجهوا بقلوبهم نحوها‏,‏ ويذكروا دائما أن مصلحتها العليا فوق كل مصلحة‏,‏ وإن دفع العاديات عنها ليتطلب من الجميع الشيء الكثير من البذل والعطاء‏',‏ وعقب عليها بالقول‏'‏ هذا هو نداء الملك‏.‏ وهذه هي كلمة الشعب في هذا الظرف الدقيق‏,‏ فهيا نلبي النداء‏',‏ والحدق يفهم‏!!‏
في يوم الثلاثاء‏3‏ فبراير تحولت النذر إلي هبوب‏,‏ لم يكن قارئ الأهرام في حاجة إلي ذكاء كبير ليسمع بأذنيه صفيرها‏,‏ فتحت مانشيت كبير كتبت جريدتنا في صفحتها الخامسة‏'‏ استقالة وزارة حسين سري باشا‏-‏ مقدمات ونتائج‏:‏ أمس واليوم وغدا ـ جلالة الملك يبدأ استشاراته بعد ظهر اليوم ـ ما هي الوزارة التي تريدها الأمة؟‏'.‏
ألمحت جريدتنا أولا إلي ما كانت قد ساقته في الأسبوع السابق عن مقابلات واتصالات جرت بين السفير البريطاني ورئيس الديون أحمد حسنين باشا‏,‏ وأن الناس بعد خبر الاستقالة‏'‏ يضربون في عالم الحدس والتخمين‏,‏ ويرشح كل فريق من يري فيه الكفاية لمواجهة الحالة الحاضرة‏..‏ ولكن الحالة كانت أدق من أن تتألف الوزارة الجديدة في ساعات معدودة‏.‏ ولم يكن بد من التريث والتروي لاتقاء العثرات‏,‏ ولذلك عول جلالة الملك الدستوري علي القيام اليوم باستشارة الزعماء‏'.‏
وقد تتالت زيارات الزعماء من رؤساء الأحزاب وغيرهم‏,‏ غير أن الأهم في أخبار هؤلاء ما جاء عن اتصال الأمين الأول للملك بصاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا رئيس الوفد المصري‏,‏ الموجود وقتئذ في قنا‏,‏ يدعوه للمقابلة الملكية في الثالثة ظهر نفس اليوم‏,‏ وقد غادر النحاس باشا المدينة بالقطار متجها إلي القاهرة‏.‏
ولا نجد أفضل من التحليل الطويل الذي ساقته الأهرام علي أخبارها في ذلك اليوم بالقول‏'‏ لا شك أن ما ذكرناه لا يشفي غلة‏,‏ ولا يساعد علي تكوين حكم صادق علي أمسنا‏,‏ ولا علي التنبؤ عن غدنا‏.‏ وعلي كل إذا كانوا كثيرون يعرفون تفصيل المقدمات فقليلون هم العارفون بما تنتهي إليه الاستشارات التي تتم اليوم للتحضير للغد‏.‏
وساقت في هذه المناسبة بيتا من الشعر جاء فيه‏:‏ واعلم علم اليوم والأمس قبلهولكن عن علم ما في غد عمي وأنهت جريدتنا تحليلها بعنوان فرعي عن‏'‏ الوزارة التي تريدها الأمة‏'‏ جاء فيه أنه لو رجع في تلك الظروف كل وطني إلي نفسه وإلي بيئته‏'‏ وإلي جمهور الأمة‏,‏ يسأل نفسه ويساءل غيره عن الأمنية التي تجول في قرارة نفسه‏,‏ وعن الرغبة التي يتطلع الناس إلي تحقيقها في الأحوال الحاضرة‏,‏ لأجمع الوطنيون الصادقون علي أمنية واحدة كان جلالة المصري الأول‏(‏ تقصد الملك‏)‏ أبلغ من أعرب عنها‏,‏ وهي تفاهم الجميع وتعاونهم علي خدمة مصر والدفاع عن حقوقها وتحقيق أمانيها في ظل الاتحاد الذي يولد القوة‏.‏ ولا نجهل ما تفرضه دقة الموقف علي كل وطني في الظروف الحاضرة من تضحية بعاطفة عزيزة‏.‏ففي سبيل مصلحة الوطن يهون كل تساهل‏,‏ وفي سبيل سلامة الوطن تسهل كل تضحية‏',‏ وكان واضحا أن الأهرام تبعث برسالتها للزعامة الوفدية‏.‏
ما لم تكن تعلمه‏'‏ الأهرام‏'‏ وكشفت عنه الوثائق البريطانية‏,‏ نتبين منه أن الملك كان راغبا في تشكيل حكومة قومية برئاسة النحاس باشا وأن هذا الأخير رفض الفكرة علي ضوء ما سبق له أن عاناه من مؤامرات أثناء رئاسته لوزارته الأولي التي ألفها عام‏1928-1929‏ والتي انتهت بإقالته‏,‏ ولم يكن مستعدا لخوض مثل هذه التجربة مرة أخري‏.‏
تقول هذه الوثائق أيضا أنه في صباح يوم الأربعاء‏4‏ فبراير عقد اجتماع في القيادة البريطانية وتقرر فيه أنه في حالة عدم رد فاروق علي الإنذار حتي السادسة مساء يقصد السفير البريطاني ومعه القائد العام‏,‏ بصحبة‏'‏ المعدات الحربية اللازمة‏,‏ إن لم يسلم ردا مقنعا للسفير علي الإنذار الذي تم توجيهه له في اليوم السابق‏'.‏
وتستطرد الوثائق بأن السفير وصل مع القائد العام ومعهما بعض الضباط المسلحين إلي القصر لمواجهة الحرس الملكي إذا تصدي لهما‏,‏ وفي أثناء الانتظار في الطابق العلوي كانت المدرعات والمصفحات تأخذ مكانها لحصار القصر تحمل‏2250‏ جنديا‏,‏ وحاول كبير الأمناء منع القائد العام من مصاحبة السفير‏,‏ ولكن هذا الأخير دفعه جانبا ودخل علي فاروق الذي طلب منه استبقاء حسنين‏.‏
دار بعد ذلك الحديث الذي جاءت تفاصيله في مصادر عديدة‏,‏ وإن كان يهمنا هنا القول أن ما روج له أنصار الملك بعدئذ عن شجاعة أبداها‏,‏ الأمر الذي لم يكن صحيحا إذ يقول لامبسون في برقيته التي طيرها إلي لندن في ذات المساء ما نصه أن‏'‏ الملك ظهر عليه الرعب التام‏,‏ وطلب بكل رفق متجنبا شجاعته السابقة عما إذا كان يعطي فرصة أخري‏',‏ فسأله السفير عن نيته فأجابه بأنه سيستدعي النحاس في الحال‏,‏ وفي حضوره إذا شاء‏,‏ ويكلفه بتشكيل الوزارة‏'.‏
نترك الوثائق لنعود لصفحات الأهرام في اليوم نفسه‏,‏ الأربعاء‏4‏ فبراير‏,‏ في العدد القادم والذي تروي فيه جانبا شخصيا طريفا لم تتحدث عنه الوثائق بالطبع

***********************

جريدة الأهرام 7/2/2008م السنة 132 العدد 44257 عن مقالة بعنوان [ ديوان الحياة المعاصرة - الحـادث المنكـور‏!‏] بقلم: د يونان لبيب رزق

الحلقة‏715‏
حادث‏4‏ فبراير‏1942‏ الذي طبقت شهرته السياسية والعلمية الآفاق‏,‏ وهي الشهرة التي بلغت حد وضع رسالة للدكتوراه عنها‏,‏ في العمل الذي قام به الدكتور محمد صابر عرب تحت عنوان‏'‏ حادث‏4‏ فبراير والحياة السياسية في مصر‏'..‏ هذه الشهرة كانت غائبة وقت وقوع الحادث‏,‏ الأمر الذي نتأكد منه عندما نطالع ما جاء في‏'‏ الأهرام‏'‏ عنه يوم وقوعه‏..‏ الأربعاء‏4‏ فبراير‏,‏ وفي اليوم التالي له‏,‏ والسابق عليه‏..‏
‏.‏لم تكد الساعة تشرف علي الثانية بعد الظهر حتي بدأت الجماهير تحتشد في ساحة قصر عابدين‏,‏ وقد أخذت تهتف بحياة الملك الدستوري‏.‏ وحوالي منتصف الثالثة أقبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد علي فدخل القصر من أحد أبوابه الشمالية الغربية‏.‏ وبالعودة للوثائق البريطانية نجد أن الرجل كان مرشحا لخلافة فاروق علي كرسي العرش إذا استقر الرأي علي الإبقاء علي أسرة محمد علي‏.‏ وقد بلغ عدد الصحفيين الذين وصلوا للوقوف علي الأنباء أكثر من خمسين صحفيا‏,‏ هذا فضلا عن جمع كبير من المصورين‏.‏
الأهم من كل هؤلاء زعيم الوفد صاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا الذي وصل في الثالثة إلا عشرة دقائق‏,‏ واتجه إلي غرفة التشريفات الملكية‏'‏ فقيد اسمه وعنوانه هكذا‏(‏ مصطفي النحاس رئيس الوفد المصري‏),‏ وكان إلي جانبه إسماعيل تيمور بك فقال له رفعته‏:‏ لقد جئنا مسرعين إذ وصل إلينا الخبر ونحن في زيارة سيدي عبد الرحمن القناوي‏,‏ وقال إسماعيل بك‏(‏ نفعنا الله ببركاته‏)‏ فقال النحاس باشا‏:‏ إنه حقيقة رجل مبروك‏'.‏
وتستطرد الأهرام في قصتها أنه كان مع النحاس باشا حقيبة ملابس كبيرة‏'‏ فدخل إحدي الغرف وارتدي الردنجوت‏.‏ ثم صعد إلي الطابق العلوي‏,‏ فتشرف بمقابلة صاحب الجلالة الملك‏,‏ ولبث في حضرته حوالي‏45‏ دقيقة‏.‏ ثم قصد إلي مكتب أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي‏,‏ واجتمع به أكثر من نصف ساعة‏.‏ ولما نزل التف حوله مندوبو الصحف وقال أحدهم‏(‏ خير إن شاء الله‏)‏ فقال رفعته‏(‏ إن شاء الله‏)'.‏ وعقب انصرافه توجه إلي النادي السعدي حيث كان جميع أعضاء الوفد في انتظار قدومه‏,‏ فاجتمع معهم طويلا وبسط لهم ما دار في المقابلة الملكية‏,‏ وطلب الوقوف عند رأيهم‏'.‏
وسكتت جريدتنا عند هذا الحد‏,‏ وانتظر قراؤها علي أحر من الجمر عدد اليوم التالي ليتابعوا التطورات التي اعتقدوا أنها لا تزيد عن كونها أزمة من الأزمات الوزارية التي عرفتها مصر وقتئذ‏..‏
يمكن وصف عدد الأهرام رقم‏20622‏ الصادر يوم الخميس‏5‏ فبراير‏1942‏ ميلادية الموافق‏19‏ المحرم‏1361‏ هـ‏28‏ طوبة‏1658‏ ق‏.‏ بأنه عدد حادث‏4‏ فبراير‏1942,‏ وإن كان يتأكد من الإطلاع عليه أنه ظل حادثا منكورا‏,‏ فبطول وعرض هذا العدد لم نجد أية إشارة للتحرك العسكري البريطاني ومحاصرة قصر عابدين‏,‏ كما لم نجد أية إشارة لإنذار وجه للملك أو استجابة له‏,‏ وإن كان قد فهم أن شيئا غير معتاد قد حدث في الليلة الماضية‏,‏ وإن لم تفصح الجريدة عنه‏.‏ غير المعتاد ما ذكرته الجريدة تفسيرا لتأجيل نشر الوثائق الخاصة بتأليف الوزارة الجديدة بأنه رؤي قبل ذلك نشر ما وصفته بالكتابين الخطيرين المتبادلين بين رئيس الوزراء الجديد وبين السفير البريطاني‏'‏ وهما واضحا المغزي صريحا المعني‏.‏
الكتاب الأول موجه بالفرنسية ومعه ترجمة بالعربية كان نصها كما نشرته الجريدة الرسمية‏:‏
‏'‏ياصاحب السعادة‏.‏ لقد كلفت بمهمة تأليف الوزارة وقبلت هذا التكليف الذي صدر من جلالة الملك بما له من الحقوق الدستورية‏,‏ وليكن مفهوما أن الأساس الذي قبلت عليه هذه المهمة هو أن لا المعاهدة البريطانية المصرية ولا مركز مصر كدولة مستقلة ذات سيادة يسمحان للحليفة بالتدخل في شئون مصر الداخلية‏,‏ وبخاصة في تأليف الوزارات أو تغييرها‏.'‏ وإني أؤمل ياصاحب السعادة‏,‏ أن تتفضلوا بتأييد ما تضمن خطابي هذا من معاني وبذلك تتوطد صلات المودة والاحترام المتبادلين وفقا لنصوص المعاهدة‏.5‏ فبراير سنة‏1942:‏ مصطفي النحاس‏'.‏ أما رد السير لامبسون الذي نشرته الأهرام باللغة التي كتب بها‏,‏ الإنجليزية‏,‏ ومعه نص الترجمة العربية التي نشرتها الجريدة الرسمية‏,‏ فكان نصه‏:‏
‏'‏ياصاحب المقام الرفيع‏.‏ لي الشرف أن أؤيد وجهة النظر التي عبر عنها خطاب رفعتكم المرسل منكم بتاريخ اليوم‏,‏ وأن أؤكد لرفعتكم أن سياسة الحكومة البريطانية قائمة علي تحقيق التعاون بإخلاص مع حكومة مصر كدولة مستقلة وحليفة‏,‏ في تنفيذ المعاهدة البريطانية‏-‏المصرية‏,‏ من غير أي تدخل منها في شؤون مصر الداخلية‏,‏ ولا في تأليف الحكومات أو تغييرها‏-‏ مع فائق احترامي‏.‏
‏'5‏ فبراير‏1942‏ مايلز لامبسون
وإذا كان الكتابان المتبادلان اللذان أصر النحاس علي وضعهما ونشرهما‏,‏ موجهين أساسا للرأي العام المصري الذي لم يستسغ أن يأتي الوفد إلي الحكم بإرادة بريطانية‏,‏ وقد جرت العادة أن يأتي رغما عنها‏,‏ وهو ما دفع زعيم السعديين‏,‏ الدكتور أحمد ماهر باشا‏,‏ إلي وصف هذا القدوم بأنه جاء علي أسنة حراب الإنجليز‏,‏ فإن النحاس كان حريصا في الخطبة التي ألقاها علي الشباب الوفدي من شرفة النادي السعدي علي أن يؤكد هذه الحقيقة‏,‏ ويحمل أحزاب الأقلية تبعة ما حدث‏,‏ مما جاء في قوله‏:‏
‏'‏كلمتي هي أن الموقف كان دقيقا غاية الدقة خطرا غاية الخطورة‏,‏ وقد أوصلنا إليه أولئك الذين يتشدقون بأنهم خدام الأمة‏,‏ وهم في الواقع عمال تخريب وهدم‏.‏
‏'‏سيعلم الجميع أن ما أقدمنا عليه كان بعد تفكير وبعد إعلان عدم قبول الوزارة‏,‏ فقد كان مطلوبا مني أن أرأس وزارة قومية‏,‏ فرفضت رفضا باتا أن أشترك في وزارة قومية مع هؤلاء الذين كانوا دائما أعداء الديموقراطية والقومية‏'.‏
واستطرد في موقع آخر بأنه‏'‏ كزعيم للأمة لا يمكنه قبول الاشتراك مع هؤلاء في تأليف وزارة الذين‏'‏ نزل قراري علي رءوسهم نزول الصاعقة فصعقوا‏,‏ وقد التجئ إلي إنقاذا للموقف أن أقبل الوزارة فقلت لا يمكنني أن أقبل إلا إذا أمكنني أن أعمل لإنقاذ البلاد‏,‏ ولن أستطيع ذلك إلا إذا كان زملائي أعضاء الوزارة من غير الذين أهدروا حريات الشعب وأجاعوه وعروه‏'!!‏
بعد يومين استغرقتهما مشاورات تأليف الوزارة صدرت الأهرام يوم السبت‏7‏ فبراير‏,‏ وعلي صفحتها الأولي صور الوزراء الذين لم يزدوا عن أحد عشرة‏,‏ فقد تولي مصطفي النحاس إلي جانب الرئاسة كلا من وزارتي الداخلية والخارجية‏,‏ وتولي مكرم عبيد التموين إلي جانب المالية‏,‏ وكان واضحا أن حالة من الهرولة قد سادت تشكيل الوزارة الجديدة‏.‏
علي صفحة داخلية نشرت جريدتنا‏'‏ الوثائق الرسمية بتأليف الوزارة‏'‏ متضمنة كتاب رئيسها إلي الملك والمرسوم الملكي بتأليفها‏,‏ ومن كان يتشكك حتي ذلك الوقت في الظروف التي ترتب عليها قيام الوزارة الجديدة لا بد وأن يكون قد تخلي عن كل شكوكه‏..‏
فقد جاء في مستهل هذا الكتاب أنه يتحمل مسئولية تطورات علم الله أن لم يكن لي يد فيها‏,‏ بل جلبها علي البلاد غيره بأعماله وإهماله‏,‏ وذكر الملك في هذه المناسبة اعتذاره عن قبول الوزارة غير أنه أصر علي أن يتولاها وأنه‏'‏ إزاء أمركم الصادر لي باسم العرش ومصر قبلت‏,‏ وعلي الله توكلت‏'.‏
وقد نبه بعد ذلك إلي اجتماعه بالسفير البريطاني وتوضيحه لوجهة نظره‏'‏ فلقيت من سعادته رغبة صادقة وأكيدة في تنفيذ المعاهدة بين بلدينا علي أساس الاحترام والود المتبادلين‏,‏ ومعاملة مصر معاملة الند للند‏,‏ من غير ما مساس باستقلالها وحقوق سيادتها‏,‏ أو تدخل في شؤونها الداخلية‏'.‏
ونري أن النحاس كان في كل هذا حريصا علي سمعته التاريخية‏,‏ فهو لم يطر فرحا بتكليف الملك له بتأليف الوزارة‏,‏ ورأي أنه يتعامل مع التاريخ قبل أن يتعامل مع موقف قائم‏,‏ ومن ثم جاءت كل تحركاته بصفته الزعيم الشعبي الأول قبل أن يتولي مهمته التي بدا وكأنه يتولاها علي مضض‏,‏ ليس لسبب إلا إنقاذ البلاد‏.‏ ولم يعد الحادث بعد ذلك منكورا بالقدر الذي كان عليه من قب

 

This site was last updated 10/26/08