Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

م

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
ميلاد يوحنا المعمدان
Untitled 6520
كنيسة يوحنا المعمدان الأرثوذكسية
كنيسة الزيارة
كنيسة يوحنا المعمدان بعين كارم

 

قلعة مكاور في الأردن مكان استشهاد القديس يوحنا المعمدان

(موقع أبونا. أورغ) إلى الجنوب الغربي من مأدبا، وعلى بعد 27 كيلومترا، تقع قلعة قديمة تطل على البحر الميت من الجهة الشرقية تسمى مكاور. ويسجل الإنجيل المقدس أن في هذه القلعة بالذات تمّ قطع رأس القديس يوحنا المعمدان، شفيع مدينة مأدبا وكنيسة الأردن ويحتفل بعيد استشهاده يوم 29 من آب أغسطس.

كان هيرودس الأصغر ابن هيرودس الكبير قد أمر بقطع رأس يوحنا المعمدان وفاء بوعد قطعه لصالومة ابنة هيروديا بعدما رقصت أمامه: "لأعطينك كل ما تطلبين ولو نصف مملكتي"، فأرسل الملك من ساعته حاجبا وأمر بأن يأتي برأس يوحنا على طبق. ويسجل الإنجيل المقدس هذه الحادثة التي جرت حول عام 30 ميلادي أي في السنة التي بدأ المسيح بشارته في بلاد فلسطين والأردن .

تخبر الكتابة الفسيفسائية الموجودة في قلعة مكاور أن بانيها هو إسكندر جانيوس من المكابيين حول سنة 90 قبل المسيح، وأصبحت فيما بعد مركزا للمقاومة فاستولى عليها الرومان سنة 57 قبل الميلاد ودمروها. وظلت أنقاضا حتى مجيء هيرودس الكبير الذي أبدى اهتماما كبيرا بالمكان فزاد في تحصينه وشيد مدينة كبيرة بجوار القلعة. فأعاد بناءها (25-6 ق.م) حصينة منيعة وأحاطها بسور وأبراج عالية وربط المدينة بالقلعة بواسطة جسر. واهتمام هيرودس البالغ بالمكان يعود إلى عدة أسباب منها مراقبة تحركات الأنباط في البتراء لتوتر العلاقات بينهما، قرب المكان من مياه الزارة الحارة التي كان بأمس الحاجة إليها لتحد من طباعه الشرسة وأخيرا وجود المياه العذبة. بعد موت هيرودس الكبير استلم الحكم ابنه هيرودس انتيباس (أمير الربع) واستعملها.

وبعد مرور أربعين سنة على مأساة قطع رأس القديس يوحنا المعمدان، جاءت الجيوش الرومانية بقيادة لوسيليوس باسوس لإخماد ثورة اليهود في فلسطين (71-72م) ودخلت القدس فلجأ اليهود إلى القلاع المجاورة ومنها قلعة هيروديوم في شرق بيت لحم وقلعة مكاور .

حاصر لوسيليوس باسوس مكاور وقلعتها وقام بردم الوادي من الجهة الشرقية بالتراب مما أثار هلع سكان المدينة الذين بدأوا بالهرب، فهجم عليهم الرومان وقتلوا ألفا وسبعمائة رجل منهم وسبوا النساء والأطفال. وكان المحاصَرون في القلعة يهاجمون الرومان من حين إلى آخر ويفتكون بهم ليعودوا من ثم إلى القلعة، فعمد الجنود الرومان إلى اقتناص بعضهم. وظلوا على هذا المنوال حتى سقطت القلعة فقام الرومان بتدميرها (من كتاب يوسيفوس، "الحروب اليهودية" ص 595).

ومنذ القرن السادس وبحسب الآثار المكتشفة، استوطن رهبان مسيحيون قرية مكاور وبنوا كنائسهم البيزنطية الموجودة آثارها إلى اليوم، فأصبحت مكاور محجا للمسيحيين حتى القرن التاسع الميلادي حين خيم الصمت عليها مدة تزيد عن عشرة قرون إلى حين اكتشافها عام 1964 على يد بعثة الآباء الفرنسيسكان من القدس. وقد أدرج الكرسي الرسولي موقع مكاور على جدول محطات الحج اليوبيلي في سنة ألفين. (موقع أبونا. أورغ)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في كل عام نحتفل بعيد استشهاد القديس يوحنا المعمدان في التاسع والعشرين من شهر آب. وكان المسيحيون يقيمون ذكرى المعمدان في مثل هذا اليوم في القدس منذ القرن الخامس

 

 

 

 

 

 

 لتدشين كنيسة على اسم يوحنا المعمدان في سبسطية حيث وضع رأس يوحنا المعمدان. ومنذ القرن السادس والسابع عشر انتشر العيد شرقا وغرباً باسم قطع رأس يوحنا المعمدان. شهد يسوع له بقوله "مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيّاً؟ نَعَمْ أَقُولُ لَكُمْ وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ. فَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ" (متى 11: 9-11). ويقول صاحب المزامير: "أُعِدُّ لِمَسيحي سِراجًا" (مز 131: 17). والربّ يُشيرُ من هو هذا السراج، قائلًا بخصوص يوحنّا المعمدان: "هو السِّراجَ المُوقَدَ المُنير" (يوحنا 5/ 35). كان يوحنّا خاتمةَ الأنبياء، "فجَميعُ الأنبياء قد تَنَبّأوا، وكذلك الشريعة، حتّى يوحنّا" (متّى11: 13)؛ فهو مَن افتَتَحَ العهد المسيحانيّ.

ومن هنا سنلقى نظرة على شهادة يوحنا المعمدان واستشهاده كي ينير عقولنا وأبصارنا في هذا العيد كي نجدد إيماننا في المسيح ونشهد له بالدفاع عن الحق وقيم الحياة الأخلاقية في عالم ساده الفساد والظلم.

شهادة يوحنا المعمدان:

تولي الأناجيل الأربعة أهمية كبيرة لشهادة يوحنا المعمدان ليسوع المسيح. باسمه شهد يوحنا لاسم يسوع، بولادته شهد لولادته، وبعيشه شهد لعيشه، وبكرازته شهد لكرازته، وبمعموديته شهد لمعموديته، وبآلامِه شهد لآلامِه".

شهد يوحنا باسمه. فمنذ أن كان يوحنا في أحشاء والدته اليصابات، حلَّ عليه الروح القدس وقدّسَه. فشهد يوحنا باسمه ليسوع المعروف بالحنان والشفقة. فأطلق والده زكريا الكاهن ووالدته اسم "يوحنا" على ابنهما كما طلب إليهما الرب (لوقا 1: 13). ويوحنا معناه "الله تحنن". الله الحنّان على الإنسان: هو يريده أن يحيا، ويريد خلاصه. الله الحنّان على شعبه: هو يريد أن يجعل منه بركة لكلّ أمم الأرض. الله الحنّان على البشريّة: هو يقود مسيرتها نحو الأرض التي يسودها السلام والعدل. كلّ ذلك مدوّن في هذا الاسم: يوحنّا! والحنان قيمة من قيم الأبوّة والأمومة.

وأما ميلاده فهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بسر تجسد ابن الله. فالحبل العجائبي به قد أعلنه الملاك لمريم، دليل "37فما مِن شَيءٍ يُعجِزُ الله " (لوقا 1، 37). في الواقع، يوحنا المعمدان هذا الذي يسمى السابق، هو الذي سبق الرب بميلاده قبل الرب بالجسد بستة أشهر. ويذكر التقليد المسيحي عين كارم على أنها موطن زكريا وأليصابات أبوي يوحنا المعمدان حيث ولد يوحنا في عين كارم. ويقوم اليوم فيها مزار "ميلاد القديس يوحنا المعمدان".

وبعيشه شهد يوحنا أسلوب عيش يسوع. كان لباس يوحنا من وبر الإبل وعلى حقويه منطقة من جلد. وأما طعامه فكان جرادا وعسلا بريا (متى 3: 4). فمن خلال ارتداء ثوب من وبر الإبل، كان مثالاً للتفاني. ومن خلال أكل الجراد، كان يَرتَفِعُ بروحه إلى السماء. ومن خلال تناول العسل، كان يتلفَّظ بكلمات أكثر حلاوة من العسل على مثال يسوع كلمة الله. وأعطى يوحنّا شهادة التلميذ الأمين الزاهد بكلّ أمجاد هذه الدنيا الفانية وبالسلطة. لقد دعا تلاميذه إلى تركه والالتحاق بالمسيح. لم يصنع لنفسه اتباعاً، بل أعدّ تلاميذه ليكونوا أتباعاً للمسيح فقط. وبناء على هذا الكلام، طلب يوحنّا إلى تلاميذه أن يتبعوا يسوع فتبعوه (يوحنّا 1: 37). والجدير بالذكر أن يوحنا الحبيب كان احد تلاميذه وكان يتردد عليه (يوحنا 1: 35-41) أصبح تلميذا ليسوع (يوحنا 36،1) و"كانَ أيضاً أَندرَاوُس أَخو سِمْعانَ بُطُرس أَحَدَ اللَّذَينِ. سَمِعا كَلامَ يوحَنَّا فَتبِعا يسوع (يوحنا 1: 40). أوضح القديس غريغوريوس الكبير أن المعمدان "يبشر بإيمان قويم وأعمال صالحة... لكي تظهر قوة النعمة، ويتألق نور الحقيقة، وتصبح الدروب نحو الله قويمة، وتولد في الروح أفكاراً مستقيمة بعد الإصغاء إلى الكلمة المرشدة إلى الخير" (Hom. in Evangelia, XX, 3, CCL 141, 155).

شهد يوحنا بكرازته. ففي أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية (لوقا 3: 2)، فخرج إلى صحراء اليهودية يكرز (متى 3: 1) بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا (مرقس 1: 4) مشدداً على التوبة كأساس للدخول في ملكوت السموات: "توبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّموات" (متى 3: 2). لذا كان يقول للجموع التي كانت تأتي إليه لتعتمد عن يده: "َإثمِروا إِذاً ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِكم" (متى 3: 8). فكان يوحنّا الشاهد الأساسيّ على مجيء المسيح، وهذا ما قاله عنه القدّيس يوحنا الإنجيلي في فاتحة إنجيله: "هَذَا (المعمدان) جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ. كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِياً إِلَى الْعَالَمِ" (1: 7-9). وأوضح يوحنا مكانته من يسوع بقوله للجماهير: "أنا الصوت الذي يصرخ في البريّة" (يو1: 22-23). الصوت هو يوحنّا، في حين أن الربّ هو الكلمة: "في البدء كان الكلمة" (يو1: 1). يوحنّا هو الصوت لفترة من الزمن؛ المسيح هو الكلمة في البدء، إنّه الكلمة الأبدي. وأضاف يوحنا قائلا: "أَنا أُعَمِّدُكم بِالماء، ولكِن يأتي مَن هُو أَقوى مِنِّي، مَن لَستُ أَهلاً لأن أَفُكَّ رِباطَ حِذائِه. إِنَّه سيُعَمِّدُكم في الرُّوحِ القُدُسِ والنَّار" (لوقا 3: 16). ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه (يوحنا 1: 26 ). وهو نفسه يقول: “مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحاً مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذاً فَرَحِي هَذَا قَدْ كَمَلَ” (يوحنّا 3: 29) العريس هو المسيح والعروس هي الكنيسة، ويوحنّا يفرح بالعروسين لكي ينال هو أيضاً إكليل المجد. وبحسب شهادات كثيرين "أن يوحنا لم يفعل آية واحدة. ولكن كل ما قاله يوحنا عن يسوع كان حقا" (يوحنا 10: 41).

أما بمعموديته شهد أيضاً لمعمودية يسوع كما أكّد بولس الرسول "أن يوحنا عمد بمعمودية التوبة قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده أي بالمسيح يسوع" (أعمال 19: 4). فكان يقوم بتعميد أو تغطيس الذين يطلبون التوبة ومغفرة خطاياهم في "عبر الأردن" (يوحنا 1: 28)، لذلك أطلق عليه اسم "المعمدان" أي "المعمّد" (راجع متى 3، 1-6). وقد اعتمد يسوع على يده. وأثناء الاعتماد سمع يوحنا صوت الآب يدعو يسوع "ابنه الحبيب" (متى 3، 13-17). يشهد يوحنّا أنّ الله الذي أرسله (يوحنّا 1: 6) ليعمّد في الأردنّ، هو قال له إنّ الذي سينزل عليه الروح القدس هو المسيح، فرأى وآمن. هذه الشهادة للمسيح اكتملت بعد معموديّته من يوحنّا، حيث شهد يوحنّا قائلاً: "الَّذِي أَرْسَلَنِي لِأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرّاً عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ» (يوحنّا 1: 32-34).

وأكد لوقا الإنجيلي أن يسوع: "اعتمد من يوحنا في الأردن" (لو 1/9). وعلى ضوء ما حدث عند معمودية يسوع في نهر الأردن، شهد يوحنا المعمدان أنّ يسوع المسيح هو ابن الله المتجسّد، حامل خطايا العالم فادياً، والمعمِّد بالروح القدس من أجل الولادة لحياة جديدة. ولهذا قال: "أنا رأيت وشهدت". وقال فيه: "هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يوحنا 1: 29).

وبتقديم يوحنا المعمدان الرب يسوع المسيح على أنه حمل الله جمع الرب يسوع كل: وظائف ذبيحة الحمل المشار إليها في العهد القديم بارتفاعه على الصليب وسفك دمه الأقدس كفارة للبشرية. وهكذا أصبح الرب يسوع فصحنا الجديد الذي ذبح لأجلنا (1 كو 5/7). والرب يسوع اتخذ الحمل رمزاً للوداعة والبساطة التي يجب أن يتحلى بها المؤمن فقال: ها إني أرسلكم كحملان بين ذئاب (لو 10/3). وفي سفر الرؤيا يرمز الحمل المذبوح في عرش السماء (رؤ 5/6)، إلى الرب يسوع المسيح المستحق أن يأخذ الكرامة والمجد والسلطة، وأن تخضع له كل خليقة مما في السماء وعلى الأرض إلى أبد الآبدين. فلا عجب أن يموت يوحنا شهيد الحق، شهيدا للمسيح. فاستشهاده هو شهادته الأخيرة ليسوع الذي هو الطريق والحق والحياة.

استشهاد يوحنا

ختم يوحنا المعمدان شهادته للرب بخاتم الاستشهاد. إذ نهج في إعداد الطريق للمسيح، نهج الحق. وكان اسمه صار مشهوراً (مرقس 6: 14) حتى أن هيرودس انتيباس، رئيس الربع، القيِّم على الجليل وألبيريا، وهو ابن هيرودس الكبير. (حكم 4 ق.م و39 ب.م.) كان يهاب يوحنا عالماً أنه رجل بار وقديس وكان يحميه ويسرّه الإصغاء إليه (مرقس 6: 20).

ولكن كان يوحنا يوبّخ هيرودس لجميع الشرور التي كان يفعلها (لوقا 3: 19). حتى أنه أنَّبه على تزوّجه من امرأة أخيه "وكانَ يقولُ لَه: "إِنَّها لا تَحِلُّ لَكَ". (متى 14: 4)، كما تنص الشريعة التي كانت تحرم مثل هذه الزواج (لاويين 18: 16، 20: 21). امسك هيرودس يوحنا وأوثقه وطرحه في سجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه، إذ كان قد تزوج بها (مرقس 6: 17) بعد تطليقه لامرأته بنت الحارث الملك، ملك الأنباط.

فبعد فترة وجيزة من سجنه أمر بقطع رأس يوحنا في سجن (متى 14: 10) وفاء لقسمه لسالومة، ابنة هيروديا، بسبب رقصتها أمامه: "لأعطينك كل ما تطلبين ولو نصف مملكتي". فيما أضحت ابنة هيروديا متورّطة من خلال الرقص في جريمة من أبشع الجرائم التي تحدّث عنها التاريخ، أطلق هيرودوس، بتأثير الخمرة والخلاعة والمجد الباطل، قَسَماً جعله، خلافاً لقناعته، قاتلاً لأعظم مواليد النساء. مات يوحنا شهيد دعوته بعد ما يقرب السنتين على بداية تعليمه العلني وقبل سنة من موت من بشّر به يسوع المسيح. مات يوحنا شهيداً للحق" (يوحنا 5: 33).

ورغم أنّ مُضطهِده هيرودس لم يطلب منه أن ينكر المسيح، بل أن يسكت عن الحقيقة ويكتم الحقَّ، لكنّه فضّل الموت من اجل الحق، لذلك فهو مات من أجل المسيح. الم يقل المسيح: "أنا الحقّ" (يو14: 6). وبما أنّه أراق دمه من أجل الحقّ، فمن أجل المسيح قد مات. لقد فضّل أن يحتقر أمر الطاغية على أن يحتقر أمر الله. وبهذا كان قد أعطى الشهادة الكاملة لحمل الله، يسوع المسيح. فتحقق في يوحنا ما قال في المسيح: "لا بُدَّ له مِن أَن يَكبُر. ولا بُدَّ لي مِن أن أَصغُر" (يو3: 30). يوحنّا هو إنسان، والمسيح هو الله: على الإنسان أن يتواضع، حتى يتمجّد الله.

ولما "بَلَغَ الخَبَرُ تَلاميذُه، فجاؤوا فَحمَلوا جُثمانَه ووضَعوه في قَبْر" (مرقس 6: 29). ويقول تقليد قديم بأنّ مكان دفنه هو سبسطية في السامرة وتوجد رفاته في كنيسة القديس سلفستر في روما، في حين يوجد رأسه في مسجد بين أمية في دمشق. وهو أول جامع يدخله أحد باباوات روما عندما زاره البابا يوحنا بولس عام 2001 م. إذ أن الإمبراطور الروماني تيودور الأول (379-395) حوّل المعبد الروماني إلى كنيسة باسم كنيسة القديس يوحنا المعمدان الموجود ضريحه داخل الجامع والمعروف أيضاً بالاسم النبي "يحيى".

لم يحيَ يوحنّا من أجل نفسه كما ولم يمت من أجل نفسه وبرهن على أنه حقاً أعظم الأنبياء لأنه قال الحق وسفك دمه في سبيل هذا الحق. كان يوحنّا المعمدان شهيد الحقّ كما يقول البابا الطوباوي يوحنّا بولس الثاني (Tertio Millenio adveniente, 37).

شهادة يوحنا تتواصل عبر شهادة المؤمنين بالمسيح كما تنبّأ يسوع بقوله: "تأتي ساعةٌ يَظُنُّ فيها كُلُّ مَن يَقتُلُكم أَنَّهُ يُؤَدِّي للهِ عِبادة" (يوحنا 16/2). والواقع، في بداية الألف الأول ولدت الكنيسة من دم الشهداء: "دم الشهداء زرع المسيحيّين" (ترتوليانس). وفي نهاية الألف الثاني، صارت الكنيسة مجدّداً كنيسة الشهداء بسبب الاضطهادات ضد المؤمنين، كهنة ورهباناً وعلمانيّين، مما أدت إلى استشهاد كثيرين من بين الكاثوليك والأرثوذكس والأنجليكان والبروتستانت. وإنّ عصرنا سجَّل عودة الشهداء، وهم في الغالب "كالجنود المجهولين" في قضيّة الله. وفيهم قال الكتاب "وإِذا كانوا في عُيونِ النَّاسِ قد عوقِبوا فرَجاؤُهم كانَ مَمْلوءاً خُلوداً" (حكمة 3 / 4). ولهذا قال الرسول بولس: "أُنعِمَ علَيكُم، بالنظَرِ إلى المسيح، أن تَتأَلَّموا مِن أجلِه، لا أن تُؤمِنوا بِه فحَسبُ" (فيلبي 1: 29). وفي الواقع "أن كنيسة القدس هي كنيسة الصليب والجلجلة، أي كنيسة الشهادة والثبات على مثال المعمدان" كما قال غبطة البطريرك طوال في مهرجان يوحنا المعمدان الثالث الذي أقيم في مادبا.

ونحن نذكر اليوم استشهاد القديس يوحنا المعمدان، أعظم أنبياء المسيح، الذي عرف أن ينكر نفسه لكي يفسح المجال للمخلص، وتألم وبذل نفسه ومات لأجل الحق، نتعلم أنّ لا شيء أغلى عندنا من إرادة الله، وأنّ إرضاء الناس ليس بالأمر المهم، بل غالبًا ما يضرّ بشكل كبير. وأن نعرف أن نجيب مع بطرس والرسل "الله أَحَقُّ بِالطَّاعَةِ مِنَ النَّاس" (أعمال الرسل 5/ 29).

فإنّنا نحن المسيحيين نستمدُّ ثقافتنا من هذه الشهادة، ونبني عليها حضارتنا الإنسانية والاجتماعية والوطنية. هذه الشهادة هي دعوة لتهيئة درب اللقاء بالرب، إلى القيام بدور "يوحنا المعمدان" الذي يهيئ سبل الرب، لنعد الطريق كيوحنا المعمدان بتجديد حياة الإيمان في رعيتنا وفي كل الأبرشية برفض أباطيل هذا العالم ومغرياته وتحمّل العذاب في هذا الزمن من اجل الحقيقة ومن اجل كلمة الله والشهادة ليسوع لتبقى كلمة الحق عالية وشعلة الإيمان متقدة علماً "أَنَّ آلامَ الزَّمَنِ الحاضِرِ لا تُعادِلُ المَجدَ الَّذي سيَتَجَلَّى فينا" (رومية 8: 18).

قلعة مكاور مكان الاستشهاد

التسمية:

لم يذكر الكتاب المقدس مكان استشهاد يوحنا المعمدان، إلا أن يوسيفوس يذكر أان قلعة المكاور هو الموضع الذي فيه قطع رأس يوحنا المعمدان حول عام 30 ميلادي، أي في السنة التي بدأ المسيح بشارته في بلاد فلسطين والأردن. مكاور مشتقة من كلمة يونانية μάχαιρα ومعناها سيف ولذا يطلق العرب على القلعة اسم "قلعة المشنقة".

الموقع:

تطل قلعة مكاور على البحر الميت من الجهة الشرقية وتقع على بعد 27 كيلومتراً في الجنوب الغربي من مادبا. ترتفع القلعة حوالي 1،100 متر فوق مستوى سطح البحر الميت، وتحيطها التلال، والوديان العميقة من كل جانب الوديان مما يزيد من تحصينها. فهناك وادي يمتد من الغرب نحو 12 كم باتجاه البحر الميت؛ ووادي نحو الشرق يرتفع نحو 46م.

اعتبر هيرودس الكبير هذه القلعة تستحق أقوى التحصينات، خاصة لقربها من صحراء الجزيرة. لذا بنى القلعة على قمة الجبل وأحاطها بسور يبلغ طوله 100 متر وعرضه 60 متراً وحصنه بأبراج الزاوية الثلاثة، يبلغ علو كل برج نحو 27م. وفي وسط القلعة بنى قصراً وحفر في القلعة آبار كثيرة لجمع مياه الأمطار. (يوسيفوس الحروب اليهودية 7.6.1).

التاريخ:

في عام 90 ق.م. بنى الملك الحشموني إسكندر ينيوس القلعة (يوسيفوس، الحرب اليهودية، 7،6،2) وأصبحت فيما بعد مركزا للمقاومة اليهودية عام 66 ق. م. فاستولى عليها الرومان بقيادة غابيوس، قائد الإمبراطور بومبيوس ودمروها سنة 64 ق. م. (الحرب اليهودية، 1،8،5).

وفي 3عام 30 ق.م جاء هيرودس الكبير وأعاد بناءها وأحاطها بسور وأبراج عالية وجعلها نقطة مراقبة لتحركات الأنباط في البتراء، والحفاظ على المياه المعدنية وحماية أراضيه في شرق الأردن.

بعد موت هيرودس الكبير تولّى الحكم ابنه هيرودس انتيباس، أمير الربع، التي حكم من 4 ق.م. 39 م. وفي هذه الفترة بين 34-36م سجن فيها يوحنا المعمدان ثم قتله. (يوسيفوس، التاريخ اليهودية القديم 18،5،2). ويوضح التقليد المسيحي أن هيرودس أعدم يوحنا المعمدان بقطع رأسه (متى 14/ 3-12، مرقس 6/ 17-29، لوقا 3/19-20).

وبعد نفي هيرودس انتيباس سنة 39م تولى هيرودس أغريباس الأول حكم القلعة حتى وفاته سنة 44م. ومن ثمة انتقلت تحت سيطرة الرومان مباشرة.

وعلى اثر ثورة اليهود الأولى عام 66م لجأ اليهود إلى قلعة مكاور واحتلوها. فجاءت الجيوش الرومانية بقيادة لوسيليوس باسُّوس وحاصر القلعة سنة 72م ودمروها ولم يبق منها إلا الأساسات، وقتل الرومان ألفا وسبعمائة رجل منهم وسبوا النساء والأطفال (يوسيفوس، "الحروب اليهودية"، 595).

ومنذ القرن السادس وبحسب الآثار المكتشفة، استوطن رهبان مسيحيون قرية مكاور، وبنوا كنائسهم البيزنطية الموجودة آثارها إلى اليوم، فأصبحت مكاور محجاً للمسيحيين حتى القرن التاسع الميلادي حين خيم الصمت عليها مدة تزيد عن عشرة قرون إلى حين اكتشافها عام 1964 على يد بعثة الآباء الفرنسيسكان من القدس. وقد أدرج الكرسي الرسولي موقع مكاور على جدول محطات الحج اليوبيلي في سنة ألفين.

المعالم الأثرية:

في عام 1807 زار الموقع المستكشف أولريش جاسبر سيتسن. وقد بدأ السيد جيري جري أعمال التنقيب الأثري في عام 1968 من قبل مكاريوس جيري فردامن، وتابعت الحفريات المدرسة اللاهوتية المعمدانية الجنوبية، في وقت لاحق مدير المعهد كوب Cobb للآثار في جامعة ولاية ميسيسيبي.

وفي عام 1973، تمكّن الباحث الألماني، أغسطس ستروبل بتحديد السور المحيط بالقلعة الذي حاصره الرومان (ZDPV 90: 128-184.).

في السنوات بين 1978-1981، تابع الآباء الفرنسيسكان من معهد الكتاب المقدس الفرنسيسكاني في القدس خاصة كوربو فيرجيليو، (LA 28: 217-238) ستانيسلا لوفريدا (LA 31: 257-286) وميشيل وبيشيريللو(LA 30: 403-414).

واهم المعالم الأثرية التي عثر عليها هي:

- أنقاض القصر الهيرودسي، بما في ذلك الغرف، ساحة كبيرة، وحمام تفصيلا، مع أجزاء من فسيفساء أرضية لا تزال قائمة.

- بقايا السور والأبراج في أسفل المنحدر الشرقي من التل، وهو ما يمثل ربما "المدينة السفلى".

- القناة التي تجلب المياه إلى آبار القلعة.

وقطع فخار تعود إلى عصر أواخر الهلنستية والعصر الروماني، مما يؤكد الفترتين الرئيسية من الاحتلال، وهما الحشمونية (90 - 57 قبل الميلاد) والهيرودسية (30 ق.م. - 72م).

تهنئة

وبهذه المناسبة نتقدم بأحر التهاني لكنيسة الأردن عامة وكنيسة مادبا خاصة، بمناسبة عيد شفيعها القديس الشهيد يوحنا المعمدان، راجين من المولى أن يمد رعايا الأردن بالصحة والعافية، ويواكب كهنتهم في مسيرتهم وسعيهم لما في خير رعيته.
****
تقع قلعة مكاور في الأردن على بعد 32 كم جنوب غرب مدينة مادبا بالقرب من قرية مكاور و قرية مكاور هي قرية صغيرة تقع في الجنوب الشرقي من حمامات ماعين. تقع القلعة على تله متوسطه ترتفع 730 م عن سطح البحر.

التاريخ
بنيت القلعة سنة 90 قبل الميلاد لتكون حصنا منيعا لصد غزو الأنباط العرب تطل القلعة على البحر الميت وتلال وسط فلسطين والجبال الممتدة باتجاه القدس .اتخذها هيرودس بداية القرن الأول للميلاد قصرا للاستجمام والراحة،

عن القلعه ونبي الله يحيى
وتعود شهرة هذه القلعة إلى الاعتقاد بكونها المكان الذي سجن فيه النبي يحيى عليه السلام -يوحنا المعمدان- و قطع رأسه هيرودوس رأسه ويعتقد أن الرأس الشريف قد دفن في موضع ضمن الجامع الأموي في دمشق.

القلعة اليوم
القلعة اليوم غير موجوده ولكن بقايا القلعة وأسوارها وأبراجها وقنواتها و أعمدتها وضخامة حجارتها على قمة التله يدل على عظمة المكان ، وقد عثر فيه على أقدم قطعة فسيفسائية في الأردن يعود تاريخها إلى أواخر القرن الأول قبل الميلاد
****

المراجع

 

 السنكسار القبطي - 2 شهر توت
استشهاد القديس يوحنا المعمدان (2 توت)
في هذا اليوم استشهد القديس السابق، والنبي العظيم يوحنا المعمدان ابن زكريا الكاهن، على يد هيرودس الملك. وذلك لما بكته النبي يوحنا من أجل هيروديا زوجة أخيه فيلبس آلتي اتخذها له زوجه. قائلا له. لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك، فقبض على القديس ودفعه إلى السجن. ومع ذلك فقد كان يهابه (مر 6: 20) فلما اتفق عيد ميلاد هيرودس صنع وليمة لأكابر مملكته ومقدمي الجليل. وحضرت ابنة أخيه. فرقصت في الوسط. فأعجبت الملك. فوعدها أن يعطيها كل ما تسأله، ولو إلى نصف المملكة. فخرجت إلى أمها. فقالت لها أمها: اطلبي رأس يوحنا المعمدان على طبق. فلما سمع الملك ذلك حزن. ولأجل المتكئين معه لم يرد أن يردها. فأرسل لوقته وقطع رأس يوحنا، وأعطاه للصبية، فأعطته لأمها (مر 6: 21 – 28). وكان قلق عظيم في ذلك اليوم وتبدل فرحهم حزنا، وقيل أن الرأس المقدس قد طار من بين أيديهم، وهو يصرخ في الجو قائلا: لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك، وقيل أن الرأس الآن بأعمال حمص. أما الجسد المقدس، فقد حمله تلاميذه ووضعوه في قبر إلى أيام أثناسيوس البطريرك حيث أراد الرب إظهاره. صلاته تكون معنا. أمين.
ملاحظة طقسية: يقال لحن أوران إن شوشو بعد السنكسار.ويعمل تمجيد خاص بيوحنا المعمدان.

This site was last updated 05/29/13