السامرة Samaria
نابلس Nablus
موقع السامرية ومكانتها فى الكتاب المقدس
مدينة السامرة / ولها إسم آخر هو سبسطية
Samaria السامرة اسم عبري معناه " مركز الحارس " وكانت عاصمة مملكة إسرائيل ( المملكة الشمالية عاصمة لعشرة أسباط من الأسباط الأثنى عشر أثناء أطول مدة في تاريخ إسرائيل) وهناك إسم آخر للسامرة هو سبسطة أطلقه هيرودس عليها عندما أعاد بناء السامرة " تكريماً لمولاه أوغسطس قيصر (فسبسطة هو الاسم الإغريقي لأوغسطس) . ومازالت القرية العربية القائمة عند الطرف الشرقي للموقع تحمل اسم سبسطية ومعناه "المبجل".
أولاً - موقع السامرة :
تقع السامرة على بعد حوالى 63 كيلوميتر م(39 ميل) ن أورشليم القدس ومبنية على أعلى قمة جبل إلى الشمال من أورشليم بنحو أربعين ميلاً ، سبسطية (السامرة) والتي ترتفع عن سطح البحر 463م، والتل أو الجبل الذى أقيمت عليه السامرة أقل إرتفاعا من الجبال المحيطة ولكنها على مسافة بعيدة عنها كما تبعد عن البحر المتوسط بنحو خمسة وعشرين ميلاً. ويمكن أن يرى البحر المتوسط من بعد ، واسفل الجبل الوادي الخصيب المعروف باسم " وادي الشعير " والمؤدي إلى سهل شارون ومنه إلى البحر والمدينة واقعة على تل أطلق الملك عمري الذى أنشأ المدينة على هذا التل إسم شوميرون بمعنى "مكان المراقبة" (1 مل 16: 24)
وكانت السامرة تقع على الطريق الجبلي الرئيسي الممتد من شمالي إسرائيل إلى جنوبها، كما كانت تقع إلى الغرب من سلسلة الجبال الممتدة من العاصمة السابقة " ترصة " . وكانت على بعد ستة أميال ونصف إلى الشمال الغربي من شكيم أول عاصمة للمملكة .
ثانياً – تاريخ المدينة :
أسست مدينة السامرة سبسطية.. السامرية سابقا فى نحو 875 ق. م. الملك عمري ملك إسرائيل بعد أن " اشترى جبل السامرة من شامر بوزنتين من الفضة وبنى على الجبل ، ودعا اسم المدينة التى بناها باسم شامر صاحب الجبل السامرة " ( 1مل 16: 24) . سميت في الماضي ايضا ساميرايا من كلمة "شامر" اي الحارس عندما حكمها عمري واخاب ثم تحرف الإسم وأصبح سامر أو سامرة ومات عمري قبل أن يتم بناء المدينة الجديدة فأكملها إبنه آخاب ولم تكن العاصمة الجديدة السامرة إلا تطويراً للمدينة السابقة ترصة والمدينة الواقعة على تل, أسماها عمري شوميرون بمعنى "مكان المراقبة" (1 مل 16: 24) وكانت فعلًا محصنة ببرج عظيم في الجنوب الغربي, وكان حولها سور عرضه خمسة أقدام. وقد أطلق عليها أحيانًا بسبب تحصينها "جبل السامرة" (عاموس 4: 1و 6: 1) وكانت قائمة في وسط وادٍ خصيب (أشعياء 28: 1) وقد كان المكان حسنًا جدًا حتى أنه بقي عاصمة للملكة الشمالية إلى وقت السبي, وكان الملوك الحاكمون يقيمون فيها, وعند موتهم يدفنون فيها (1 ملوك 16: 28 و29 و20: 43 و22: 10 و37 و51).
وقد ورد اسم مدينة السامرة أكثر من مائة مرة فى العهد القديم ، رغم أنها بنيت بعد موت سليمان بنحو خمسين عاماً ،
يرجع تاريخها إلى العصر البرونزي، عندما سكنها قوم يعتقد أنهم من قبائل الكنعانيين، وفي أوائل القرن التاسع ق.م بنى الملك العمري (أحد ملوك إسرائيل) مدينة أسماها (شامر) فوق التلة موقع القرية.
وما أن بُنيت السامرة حتى قام نزاع بين بنهدد ملك آرام وعمري, فقد أقام ملك آرام أسواقًا في السامرة (1 ملوك 20: 34) وفي أيام آخاب قامت حرب أيضًا انكسر فيها آرام. وكانت هناك بركة قريبة غسلوا فيها العربة التي جرح فيه آخاب في موقعة راموت جلعاد. وقد أظهرت الاستكشافات قصر الملك آخاب وما كان فيه من أواني عاجية, وفي مبنى مجاور وُجدت لوحة مكتوب عليها بالعبرانية غالبًا في أيام يورام عندما هاجم آرام السامرة وفشل (2 ملوك 6: 8 - 7: 20). وقد قتل شيوخ السامرة أبناء آخاب رغبة في إرضاء ياهو الذي قام على آخاب بثورة.
كانت السامرة من البداءة مدينة وثنية وبنى فيها آخاب هيكلًا للبعل (1 ملوك 16: 32) ثم جلس أنبياء السواري أو أشيرة على مائدة الملكة إيزابل (1 ملوك 18: 19) وظل الوثن إلى أن قام ياهو بثورته (2 ملوك 13: 6) فحارب هذه الوثنية لكنها عادت فتملكت الأرض (هوشع 8: 4 - 6 وعاموس 8: 14).
وفي عام 724 ق.م. هاجم شلمنأَصر ملك أشور مدينة السامرة (2 ملوك 17: 3 - 6) وتغلب عليها في عام 720 على يد خلفه سرجون الذي أخذ المدينة, وأسكن فيها الغزاة الأجانب.
وشهدت المدينة فترات ازدهار وفترات ضعف حتى اجتاحها الآشوريون عام 805ق.م واستباحوها مرة أخرى عام 721ق.م، وانتهت مملكة السامرة،
السامرة فى العصر الإغريقى
وفي عام 332 ق.م. استولى على المدينة الإسكندر الكبير ونقل سكانها إلى شكيم وأسكن بدلًا منهم مقدونيين وسوريين. وجاء عهد الإسكندر الكبير 331-107ق.م وتحولت المدينة إلى مدينة يونانية، إلى أن دمرت عام 107ق.م نتيجة ثورة على الإغريق،
السامرة فى العصر المكابى
وفي عام 120 ق.م. حاصرها يوحنا هيركانوس (Yohanan Girhan - Yohanan Hyrcanus - יוחנן הורקנוס - Ιωάννης Υρκανός) حصارًا طويلًا صمدت له المدينة سنة كاملة, ثم سقطت في يده بسبب الجوع. وأراد يوحنا هيركانوس أن يمحو ذكر المدينة ومسحها إلى الأرض
السامرة فى العصر الرومانى أصبحت سبسطية
عادت السامرة من جديد وعمرت بالسكان في أيام إسكندر جانيوس, وألحقها بومبي بمقاطعة سوريا, وحصنها جابينيوس من جديد. ثم أعاد هيرودس الكبير بناءها وتحصينها ودعاها سيباسطة, وهو اسم المؤنث من سيباسطوس الذي هو الاسم اليوناني لأغسطس القيصر الروماني. وبنى هيرودس في السامرة هيكلًا رائع الجمال فوق موقع قصور الملوك الإسرائيليين القدامى, ولا زالت آثار هيكل هيرودس باقية إلى اليوم.
وفي عام 63م أعاد الرومان بناءها وسميت سبسطية، وهي كلمة يونانية تعني "الموقر"، وترادف معنى كلمة أغسطس الإمبراطور الرومان.
وكان يقطنها هيرودودس الاكبر الذي عينه الامبراطور اغسطس العام 27 قبل الميلاد واليا وكانت مركزاً لحكمه في ظل السيطرة الرومانية،
وقد ذهب فيلبس الشماس إلى السامرة وبشر فيها, فآمن عدد كبير بالمسيح واعتمدوا, ومن بينهم سيمون الساحر. وأرسلت الكنيسة في أورشليم بطرس ويوحنا ليتفقدا أحوال الكنيسة في أورشليم بطرس ويوحنا ليتفقدا أحوال الكنيسة هناك (أعمال 8: 5 - 25).
السامرة فى العصر البيزنطى المسيحى
وعندما اعترفت الإمبراطورية الرومانية بالديانة المسيحية في أوائل القرن الرابع الميلادي أصبحت مركزا للأسقفية،
السامرة فى العصر الإسلامى
وتعرضت المدينة لهزة أرضية عام 1330م، وهدمت حتى
السامرة فى العصر الصليبى
العصر الصليبي في القرن الثامن عشر الميلادي، حيث اعتاد اليونانيون بناء كنيسة التلة. وأعاد بناؤها الصليبيين بازيلكا ضخمة
آثــــار بلدة سبسطية
معظم الأماكن الأثرية تقع في منطقة تخضع للسيطرة الإسرائيلية التامة (منطقة C)،وكانت اسرائيل اعلنت مواقع سبسطية الاثرية، حديقة قومية. وقال عنها اخصائي اثار اسرائيلي "ان سبسطية تعتبر موقعا تاريخيا هاما للشعب اليهودي فكان فيها ممالك، وذكرت في التوارة قبل 900 عاما من الميلاد" وكان التنقيب قد بدأ عند المدرج من قبل عالمة الاثار كاثلين كانيون من جامعة هارفرد ما بين عام 1908 و1930 وبعد ذلك اكتشفته سلطة الاثار الاردنية في الستينات.
وتقع مدينة سيباسطة أو السامرة على تل على مسافة خمسة أميال ونصف شمال غرب شكيم, والتل منحدر, ولكن القمة مستوية. ويبلغ طولها ميلًا من الشرق إلى الغرب. والقرية موجودة على هذا التل تسمى "سبسطية".
آثــــار مدينة السامرة
تاريخ السامرة
وقد قامت بعثة جامعة هارفارد بالتنقيب فى موقع المدينة فى 1908م باشراف " ج. شوماخر " (Schumacher) ، وفى 1909/1910 باشراف " أ. رايزنر" ( A-Reisner) وقامت بعثة استكشاف أخري فى 1931-1933م . بتمويل من جهات عديدة ( تضم جامعة هارفارد ، والجامعة العبرية فى أورشليم ، وصندوق استكشاف فلسطين ، والأكاديمية البريطانية ، والمدرسة البرطانية ) للبحث عن الآثار فى أورشليم، والسامرة . وفى 1935م قامت المؤسسات البريطانية المذكورة آنفاً، بعملية تنقيب ثانية بإشراف " جى. و. كراوفوت" (J.W.Croefoot) وسنذكر فيما بعد أهم ما أسفرت عنه هذه الحفريات :
العصر البرونزى المبكر
كانت منطقة قمة الجبل ماهولة فى العصر البرونزى المبكر ، إلا أن الأرض تحولت إلى أرض زراعية، إلى أن أشتراها الملك عمري . كما أن المدينة التى شرع فى بنائها عمري وأكملها أخآب ، حلت محل معظمها إنشاءات حديثة فيما بعد. وأجزاء المدينة الأصلية التى كشف عنها علماء الآثار، تدل على أنها كانت جيدة التصميم بديعة البناء، ويبدو أن قام ببنائها كانوا عمالاً مهرة من فينيقية ، حيث تم العثور على أعمال مشابهة فى مدينة صور. وكانت إسرائيل وصور متحالفتين ،
السامرة فى عصر آخاب
وقد تزوج أخآب ملك إسرائيل من ابنة ملك فينيقية . وكان قصر الملك شبيهاً بغيره من قصور الشرق الأدنى حيث بنى على نفس الطراز ، فكان من طابقين. وقد سقط أخزيا بن آخاب من نافذة الدور الثاني ( 2مل 1: 2-17) . كما يبدو أن أبنيه القصر كانت على نفس التصميم المألوف للقصور فى ذلك العهد، إذ بنيت حول أفنية فسيحة مفتوحة. وقد تم الكشف – فى أحد هذه الأفنية – عن بحيرة ضحلة مستطيلة الشكل، يبلغ طولها ثلاثة وثلاثين قدماً ونصف القدم ، وعرضها نحو سبع عشرة قدماً غسلت فيها مركبة أخآب ( 1مل 22: 38) وتبلغ المساحة الكلية للقصر نحو 178× 89 متراً مربعاً .
وكان هذا القصر يدعى " بيت العاج " ( 1مل 22: 39، عا 3: 15) . وهناك ثلاث نظريات لتفسير هذه التسمية ، فالحجر الجيري الأبيض المصقول المستخدم فى بنائه، يعتبر – حسب إحدى هذه النظريات – فى لون العاج. بينما يرى آخرون أن هذه التسمية جاءت من استخدام ألواح خشبية مطعمه بالعاج فى إقامة الحوائط . أما النظرية الثالثة – وهى أرجحها – فتعزو هذه التسمية إلى أثاث القصر المطعم بالعاج . فالحشرات صغيرة تناسب نمط الأثاث أكثر مما لألواح الحوائط الضخمة .
وقد تم العثور على أكثر من خمسمائة قطعة من العاج ، وبعضها مزدان بقطع من الزجاج والميناء واللازورد، كما غُطى بعضها برقائق الذهب . وكانت على شكل تماثيل مستوحاه من الطبيعة ، من نباتات وأزهار وأشجار وحيوانات برية . كما كانت هناك أيضاً لوحات تصور آلهة المصريين . ومن المرجح أن العاج قد نقش فى فينيفية ، وأن بعض النماذج – على الأقل – قد نُقلت تصميماتها عن نماذج مصرية . وقد وجدت فى سورية أعمال شبيهة بما وُجد فى السامرة .
ومن المكتشفات الهامة فى القصر العديد من الأختام الخزفية ، وهى الأختام التى كانت تختم بها أوراق البردي لإخفاء الصفة الرسمية عليها ببصمة ختم الحاكم أو المسئول . ولابد أن المكان الذى وُجدت فيه هذه الأختام كان الموضع الذى تحتفظ فيه المستندات الحكومية الرسمية، الخارجية والداخلية . ويظهر فى الجانب الداخلي للخاتم موضع الخيط الذى كانت تربط به أوراق البردي .
وكما سبق القول ، كانت مدينة السامرة تشغل نحو عشرين فداناً ، وكان القصر فى أعلى الطرف الغربي للجبل ، وكان عامة الشعب يعيشون فى الجزء الأسفل من المدينة أى فى الطرف الشرقي منها .
وكانت المدينة محصنة بسورين ، خارجي وداخلى . وكان متوسط عرض السور الخارجى نحو عشرين قدماً ، وكان أقصى عرض له اثنتين وثلاثين قدماً ، وكان به فتحات لإطلاق القذائف ، كما كان مزوداً بالأبراج والمعاقل الحصينة . وكانت الفتحات عبارة عن غرف مستطيلة ضيقة ، بعرض السور ، وكانت تُملأ بالتراب . أما السور الداخلي فكان من الحجر يبلغ سمكه نحو خمسة أقدام . ويبدو أنه كان هناك سور دفاعى ثالث على سفح التل ، أسفل السور الخارجي مباشرة ، ولكن ليس ثمة دليل قاطع على ذلك .
ومن الطبيعي أن يكون الباب الرئيسي للمدينة فى الجهة الشرقية ، حيث يتصل التل بكتلة الجبل الرئيسية . ولعل هذا الباب هو المكان الذى جلس فيه أخآب ويهوشافاط ليستمعا لأقوال الأنبياء عن نتيجة المعركة مع أرام فى راموت جلعاد . " وكان ملك إسرائيل ( أخآب) ويهوشافاط ملك يهوذا جالسين كل واحد على كرسية لابسين ثيابهما وجالسين فى ساحة عند مدخل باب السامرة، وجميع الأنبياء يتنبأون أمامهما " ( 2أخ 18: 9) . ولعله أيضاً هو الباب نفسه الذى جلس عنده الرجال البرص يتحدثون معاً عن أى ميتة يختارون تحت تهديد حصار بنهدد للمدينة ، كما يبدو أنه نفس الباب الذى مات عنده الجندي المكلف بالحراسة ، عندما دهمته أقدام الشعب فى اندفاعهم نحو الطعام بعد رفع الحصار ( 2مل 17: 1-20) .
وبالقرب من مدخل البوابة ، تم العثور على قطعة من نصب حجري ضخم ، لم يبق عليه سوى ثلاثة أحرف لا تصلح أن تكون مفتاحاً للنقوش التى كانت مسجلة عليه . وترجع هذه الكتابة إلى عصر يربعام الثاني أعظم ملوك السامرة . وكانت مثل هذه النصب مألوفة عند مداخل العواصم الكبرى. وقد وُجدت بالقرب منه أيضاً ، أعمدة من الحجر الجيري ، لها تيجان من الطراز الايوني البدائي ، دليلاً على أن بناء عاماً وهاماً ، كان قائماً فى تلك البقعة . وهى أعمدة شبيهة بما استخدمه مهندسو الملك سليمان .
وتبدو مكانة " عمرى" فى سجلات أشور أهم مما هى فى تاريخ الكتاب المقدس ، فرغم تعاقب الأسرات الحاكمة على عرش مملكة إسرائيل ، إلا أن أشور كانت تشير إليها جميعها باسم " بيت عمري " . إلا أن أخآب يبدو بروزاً فى تاريخ الكتاب المقدس، رغم أنه يبدو ضئيل الحجم بجانب زوجته إيزابل ، وبخاصة تجاه إيليا النبي ، فقد بنى أخآب معبدا للبعل إرضاء لزوجته التى كانت تعبد للإله " ملكارت " بعل مدينة صور ، وكان أبوها رئيس كهنة صور ومن ثم ملكاً عليها ( 1مل 16: 32و33) . إن إذعان أخآب لزوجته إيزابل ، أدى إلى ظهور إيليا على جبل الكرمل وإثباته أن البعل والسوارى آلهة كاذبة لا حول لها ولا طول . ولم يعثر علماء الآثار حتى الآن على مذبح البعل الذى أقامه أخآب فى السامرة . ومما زاد الأمر صعوبة على علماء الآثار ، هو أن المبنى الواحد قد أعيد بناؤه عدة مرات ، مما يجعل من العسير التعرف تفصيلاً على أجزاء المباني الضخمة التى ترجع إلى ما بعد عصري عمري وأخآب.
وقد حاصر بنهدد ملك أرام السامرة ، إلا أن الإسرائيليين خرجوا فى هجمة قوية مفاجئة ، فهزموا الأراميين حيث كان ملكهم يشرب ويسكر فى وقت المعركة ( 2مل 20: 1-22) . وانتصر أخآب على بنهدد مرة ثانية فى ربيع السنة التالية ، واستسلم ملك أرام لأخآب . وهاجم الأراميون إسرائيل مرة ثالثة . وقد جرح أخآب جرحاً مميتاً فى راموت جلعاد، ومات قبل أن يتمكن من الوصول إلى السامرة ، وغُسلت مركبته فى إحدى برك القصر كما سبق القول ( 1مل 22: 1-38) .
أخزيا الملك ويهورام أخيه
خلف أخزيا أباه أخآب على العرش لمدة سنتين فقط ، ومات نتيجة سقوطه من شرفة الطابق الثاني فى قصر السامرة ( 2مل 1: 2-17) ، وخلفه أخوة يهورام . وعاد بنهدد إلى محاصرة السامرة حتى ساء الموقف فيها جداً لدرجة أن اضطر البعض إلى أكل لحوم البشر
( انظر 2مل 6: 24-30) . وتنبأ أليشع النبي بأن الحصار سيرفع خلال أربع وعشرين ساعة، وهو ما حدث لأن الأراميين ظنوا أن المصريين والحثيين قد تحالفوا مع بني إسرائيل ضدهم، وأنهم قد جاءوا لمهاجمتهم ( 2مل 7: 1-20) . وقد لقى يهورام حتفه على يد ياهو أحد جيشه ( 2مل 9: 24) . وانتهى بذلك عهد أسرة عمري ، ، لتخلفها أسرة ياهو بن نمشى . كما تم القضاء المبرم على أسرة عمري على يد رجال يورام الذين قطعوا رؤوس جميع الذكور من عائلة أخآب بناء على أمر ياهو ( 2مل 10: 1-11) . ودعا ياهو إلى إقامة خدمة عبادة خاصة فى المعبد العظيم للبعل ، الذى أقامه أخآب لإيزابل ، وعندما امتلأ المعبد بعبدة البعل، أمر ياهو رجاله أن يقتلوهم جميعاً ، فضربوهم بحد السيف , " أخرجوا تماثيل بيت البعل وأحرقوها وكسروا تمثال البعل ، وهدموا بيت البعل وجعلوه مزبلة إلى هذا اليوم "
( 2مل10 :26و27) .
ومع أن ياهو فعل كل ما استطاع لاستئصال عبادة البعل إلا أنه لم يحد عن خطايا يربعام بن نباط فى عبادة عجول الذهب التى فى بيت إيل ، والتى فى دان ( 2مل 10: 28-31).
وقد مُنيت مملكة إسرائيل بعدة هزائم ثقيلة فى أيام ياهو، فقد ضم حزائيل ملك أرم كل منظمة عبر الأردن إلى مملكته ( 2مل 10: 32و33) ، وأصبح ياهو خاضعاً لشلمنأسر الثاني ملك أشور حسبما جاء فى سجلات ذلك الملك . كما عاني يهو آحاز بن ياهو الكثير على يد الأراميين، إلا أن الأمور تغيرت فى فترة حكم يهوآش بن يهوآحاز، فبسبب ضغط الأشوريين على دمشق ، تمكن الملك يهوآش من استعادة البلاد شرقي الأردن، بل وغزا أورشليم وأثرى السامرة بما أخذه من غنائم ( 2مل 14: 8-14). ثم تولى العرش يربعام الثاني . وفى عهده وصلت مملكة إسرائيل إلى أقصى اتساع لها ( من خليج العقبة إلى مدخل حماة) كما بلغت أوج مجدها. وكثيراً ما ركز النبيان هوشع وعاموس فى نبواتهما على الحياة فى السامرة عاصمة المملكة بالرغم من قلة ما سجلته الأسفار التاريخية عن هذه المدينة فى تلك الفترة .
تكررت إعادة بناء السامرة – فى المناطق التى نقب فيها الأثريون – حتى لم يكن باقياً منها سوى أجزاء قليلة من المباني القديمة. ويبدو أن أول ترميم واسع حدث فى عهد ياهو، ولا نعلم سبب ذلك، ولعله كان حدوث زلزال، جعل من إعادة البناء ضرورة ، حيث أن الزلازل تكررت مراراً فى تاريخ المنطقة. وكان العمل الجديد أقل فخامة مما بناه عمري وأخآب ، إذ لم يعد فى الإمكان الاستعانة بالعمال الفينيقيين المهرة . وجاء الدور الثاني فى البناء فى عصر يهوآش ويربعام الثاني ، حينما تدفقت الثروة على السامرة من كل ناحية . ورغم الأبنية الكثيرة التى تمت فى تلك الفترة، إلا أنها كانت أقل روعة من المباني الأولى ، فقد أزيلت المباني الضخمة المتينة وحلت محلها مبانٍ حديثة أقل فخامة ، وحاولوا إخفاء عيوب البناء تحت طبقات سميكة من الجص .
وأهم الأشياء التى تم العثور عليها من هذه الفترة ، هى خمس وستون شقفة من الفخار ترجع إلى عصر يربعام الثاني، وهى عبارة عن وثائق عمل مكتوبة على قطع من الفخار
( وكانت من أهم مواد الكتابة المستخدمة فى تسجيل الأعمال العادية) . وتختلف آراء العلماء حول طبيعة هذه القطع الفخارية ، إلا أنها تبدو إيصالات عن كميات من خمر وزيت ، قدمت كضرائب إلى حكومة السامرة ، ومسجل عليها اسم دافع الضريبة وموطنه ، وكذلك اسم محصل الضريبة . ويبدو منها أن الأقسام الإدارية التى أقامها سليمان كانت ما زالت قائمة ، وقد ورد بها ذكر اثنتين وعشرين مدينة .
ومع أن السامرة بلغت قمة مجدها فى عهد يربعام الثاني ، إلا أنها تعرضت للدمار الشامل بعد نحو خمسة وعشرين عاماً. وكانت الفترة الأخيرة كلها كوارث ومصائب، فقد اغتيل زكريا بن يربعام على يد شلوم بعد حكم قصير لم يتجاوز ستى أشهر، ثم قُتل شلوم بدوره بعد شهر واحد ( 2مل 15: 8-14) فى مدينة السامرة ، وكان القاتل – وهو منحيم بن جادى – من مدينة ترصة العاصمة السابقة لمملكة إسرائيل والواقعة إلى الشرق من جبال السامرة، إلا أن الأشوريين زحفوا غرباً ، فدفع منحيم الجزية لتغلث فلاسر الثالث ملك أشور، وهو المدعو " فول " ( 2مل 15: 19). وبعد ذلك قُتل فقحيا بن منحيم فى قصر السامرة على يد فقح بن رمليا أحد قادة جيشه ( 2مل 15: 23-25) . وحدث أن تمرد فقح على أشور ، فجاء تغلث فلاسر الثالث واستولى على الجزء الأكبر من إسرائيل، وقسمها إلى ثلاث ولايات أشورية : جلعاد، ومجدو ، ودور ( 2ملب 15: 29) . وفى أثناء هذه الحرب، فتن هوشع بن أيلة على فقح بن رمليا وقتله، ويحتمل أن ذلك حدث بمساعدة الأشوريين ، حيث قبلوه ملكاً على البقية الباقية من المملكة الشمالية ( 2مل 15: 30). وأخلص هوشع لأشور بعض الوقت، ولكن عندما أحس شلمنأسر أن هوشع يخطط للثورة عليه، قبض عليه وأوثقة فى السجن وحاصر السامرة ( 2مل 17: 1-6). وصمدت المدينة أمام الحصار ثلاث سنوات، إلا أنها سقطت فى يد ملك أشور الجديد ، سرجون الثاني فى 721ق . م. وتكشف الحفريات الأثرية عن أن جزءا من المدينة – على الأقل – قد أحرق بالنار فى ذلك الوقت . وتذكر سجلات سرجون أنه قد نفى 27.290 شخصاً من السامرة .
وقد سجل سرجون أنه قد أعاد بناء السامرة وجعلها أعظم مما كانت عليه تحت حكم الإسرائيليين ، " وأتى ملك أشور بقوم من بابل وكوث وعّوا وحماة وسفروايم وأسكنهم فى مدن السامرة عوضاً عن بنى إسرائيل فامتلكوا السامرة وسكنوا فى مدنها" ( 2مل 17: 24)، ولكن ليس من الواضح إذا كان المقصود بالسامرة هنا الإقليم أم العاصمة نفسها. وقد سكنها المزيد من أسرى البلاد الأخرى تحت حكم آسرحدون ملك أشور ( عز 4: 2) ، وفى أيام أشور بانبيال – أسنفر العظيم الشريف ( عز 4: 9و10) . وقد ظل عبيد الرب الأمناء يفدون إلى أورشليم من السامرة حتى بعد استيلاء نبوخذ نصر على المدينة ( إرميا 41: 5) . وقد كشفت الحفريات الأثرية عن اسمى اثنين من الحكام الأشوريين لمدينة السامرة فى القرن السابع قبل الميلاد ، كما عثر العلماء فى أطلال المدينة على قطعة من لوحة بالخط المسماري موجهة إلى حاكم بابلي .
ولم يعثر علماء الآثار عل الكثير من الأدلة من هذه الفترة فى منطقة القصر حيث إن اليونانيين والرومانيين ، حين أعادوا بناء المدينة ، أزالوا الكثير من المباني القديمة ، وحفروا أساسات عميقة للمباني فى مناطق أخرى . ولعل الحفريات الأثرية فى المدينة السفلى – وهى الجزء الذى كان يقيم فيه عامة الشعب – تسفر عن المعلومات الأثرية المنشودة .
وعندما إنتزع البابليون زمام القوة من الأشوريين ، استمروا فى جعل مدينة السامرة عاصمة للإقليم الذى أصبح يعرف باسم " سامرينا " ، والحقوا بها الإقليم المحيط بأورشليم . كما ظلت السامرة عاصمة لإقليم " سامرينا " فى أيام الإمبراطورية الفارسية . ومع أن سنبلط حاكم ذلك الإقليم ، قد لعب دوراً كبيراً فى فترة ما بعد السبي ، إلا أن السامرة نفسها لا تذكر سوى مرة واحدة فى سفر عزرا ( 4: 17) .
ثالثاً – تاريخ المدينة فى فترة ما بين العهدين :
اكتسبت المدينة صورة جديدة بقدوم الإسكندر الأكبر إلى فلسطين فصارت السامرة أهم مدينة إغريقية فى وسط فلسطين ، وأصبح نفوذ السامرة قاصراً على الناحية الدينية، وأصبحت شكيم – منذ ذلك الحين – أهم مدينة سامرية، وبلغت أهميتها الذروة ببناء هيكل بها بالقرب من جبل جرزيم .
وعندما سار الإسكندر الأكبر جنوباً لفتح مصر ، عيَّن أندروماخوس" حاكماً للسامرة، إلا أن " أندروماخوس " ( Andromachus) قُتل بأيدى بعض زعماء السامرة الذين هربوا بعد ذلك إلى وادي الأردن. وقد كشفت بعثة المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية، عن المخبأ الذى احتموا به ، وعثرت على الكثير من المعلومات القيِّمة عن تاريخ تلك الفترة . وقد عاقب الإسكندر المدينة بنفى قسم من سكانها، وتحويل المدينة إلى مستعمرة مكدونية فى 331ق .م.
وقد تطورت دفاعات المدينة تطوراً كبيراً على يد " برديكاس " ( Perdiccas) حالما احتلها المكدونيون. ويرجع بعض العلماء بتاريخ هذه الدفاعات إلى زمن الحرب بين البطالمة والسلوقيين ، ولكنه أمر غير محتمل. وقد استخدمت فى ذلك الدفاعات الإسرائيلية القديمة، إلا أن الجدران على المصطبة الوسطى دُعمت بأبراج دائرية ضخمة، مبينة بمهارة ، وكان متوسط قطر الواحد منها بين 42-48 قدما . وقد تم الكشف عن حائط دفاعى جديد ، بأحد أوجهه ضربات واضحة، ويرجع تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد. ورغم أن سمك هذا الحائط كانو نحو 13 قدماً، إلا أن قوات يوحنا هيركانس تمكنت من اختراقه عندما استولت على السامرة فى 107 ق.م.
وتدل الأشباء التى عُثر عليها فى منازل هذه الفترة ، على أن السامرة كانت مدينة يونانية نموذجية، وأن المستوى الحضارى العام فيها كان على نفس المستوى فى أي مدينة إسرائيلية أو رومانية . وكانت مزدهرة اقتصادياً، ويبدو أنها كانت على علاقة تجارية مع جزيرة رودس تبيع لها الحبوب مقابل خمور رودس .
وقد تم العثور على عدد ضخم من مقابض جرار رودسية ( أكثر من ألفى مقبض ) . وكانت السامرة تعبد آلهة اليونانيين والمصريين. وبعد موث الإسكندر، خضعت المدينة للبطالمة معظم الوقت حتى 198 ق.م. حين انتقلت إلى أيدي السلوقيين .
وقد تحرك يوحنا هيركانوس نحو السامرة ، بعد أن استولى على شكيم وهدم المعبد السامري على جبل جرزيم . والتمس السامريون العون من قوات السلوقيين والبطالمة ، إلا أن يوحنا هيركانس هزم كلتا الفرقتن المرسلتين لمحاربته ، ثم حاصر السامرة واستولى عليها خلال عام واحد 107 ق.م. ويؤكد يوسيفوس أن المدينة دمرت تماماً حتى لم يبق لها أثر. إلا أن الحفريات الأثرية دلت على أن هذا القول فيه الكثير من المبالغة ، فقد كانت المدينة آهلة بالسكان – فى قسم منها على الأقل – فى الفترة التى استولى فيها بومبى على فلسطين وألحقها بالإمبراطورية الرومانية فى 63 ق.م. إلا أنه لم تشيد حصون المدينة مرة أخرى بعد استيلاء يوحنا هيركانوس عليها، وقد ضمها الرومان إلى ولاية سورية .
وقد أمر الحاكم الروماني " جابينيوس" ( Gabinius- 57-55 ق.م. ) بإعادة بناء السامرة ورمم الثغرات التى أحدثها هيركانوس، وشقت فيها شوارع جديدة مستقيمة، وأقيمت المنازل فى مربعات سكنية منتظمة ، كما هو الحال اليوم. وقد تم اكتشاف خمسة شوارع مختلفة جداً يتراوح عرضها ما بين 8-10 أقدام . وكان كل مربع سكني يضم أربعة منازل المتوسط وصفاً من المحلات التجارية . وكان أفضل المنازل فى نصف المربع السكني وبه ثلاثة محلات تجارية ، وخمس عشرة حجرة حول فنائين مكشوفين، وكانت الحوائط تطلى بالجص ، وتكسى بألواح خشبية مدهونة بالألوان الأحمر والأرجوانى والأبيض والأصفر . وهى تعطينا صورة جيدة عن الحياة فى المدينة فى العصر الروماني فى أزمنة العهد الجديد . ولعل الشكل العام لساحة المدينة يرجع إلى هذه الفترة ، ولكن من المؤكد أن هيرودس الكبير قد أكملها،
هيرودس والسامرة
لم يكن سليمان أعظم البناة فى تاريخ فلسطين ، بل كان أعظمهم هو هيرودس الكبير، وكانت السامرة من أحب المدن إليه، فزينها بكل طريقة ممكنة. وقد بدأ هيرودس فى إعادة بناء السامرة فى 30 ق.م. وواصل العمل بها لمدة عشر سنوات على الأقل ، ثم أطلق عليها اسم " سبسطة " (Sebaste - وهى الكلمة اليونانية التى تقابل كلمة " أوغسطس " ) تكريماً لمولاه الامبراطور أوغسطس . وفى موضع قصر عمرى – وهو أعلى نقطة فى المدينة – أقام هيرودس معبداً جميلاً لعبادة الامبراطور أوغسطس باعتباره إلهاً ، وهو نفسه
( هيرودس ) الذى بنى هيكل الرب فى أورشليم الذى زاره الرب يسوع المسيح فى أيام تجسده.
ولم يعط يوسيفوس سوى وصف موجز لسامرة هيرودس، ولكن الأثريون استطاعوا أن يعيدوا هذه المدينة إلى الحياة . لقد بنى هيرودس سوراً جديداً للمدينة وحصنة بالأبراج ، وكان طول السور أكثر من ميلين. وما زالت الأجزاء السفلى من الأبراج الدائرية – التى كانت تشكل البوابة الغربية للمدينة – قائمة، وهى البوابة الوحيدة التى تم الكشف عنها حتى الآن . والأرجح أن أعمال البناء قام بها حرفيون محليون لأنها أقل شأناً من أسوار أورشليم التى أقام فيها هيرودس أفضل مبانيه .
ولم تبق سوى أجزاء صغيرة من المعبد الذى بناه هيرودس لعبادة أوغسطس قيصر. وقد تم ترميم هذا المعبد وتطويره جذرياً فى زمن لاحق ، ربما فى فترة حكم سبتميوس سفيروس . وكان للمعبد فناء أمامى مربع الشكل تقريباً يبلغ طول ضلعه نحو 240 قدماً ، تحيط به أسوار عديدة .
وفى الجهة الجنوبية من الفناء الأمامي ، توجد سلالم بعرض تسعين قدماً تؤدى إلى المعبد عند أول درجات السلم . وقد تم العثور على جزء كبير من تمثال إمبراطور رومانى فى وسط الأنقاض شرقي المذبح. ويعتقد بعض العلماء أنه تمثال للإمبراطور أوغسطس الذى أقيم المعبد تكريماً له. ويبدو أن المعبد كان يضم رواقاً واسعاً أمام المقدس، الذى كان عرضه 45 قدماً ، وعلى كل جانب من جانبيه كان يوجد ممر ضيق، مما يجعل عرض المقدس مساوياً لعرض الرواق. وكانت الأعمدة المستخدمة فى المعبد من الطراز الكورنثى الذى استخدمه هيرودس فى مشروعاته الكبرى الأخرى. وبالقرب من المعبد كانت توجد عدة مبان ضخمة، لعلها كانت مساكن للكهنة.
وقد وضع هيرودس- كما فعل الإسكندر الأكبر- بعض جنوده فى السامرة . ويذكر يوسيفوس أنه كان منهم فى السامرة نحو ستة آلاف. كما ذكر أن هذه القوات كانت من غلاطية وتراقية وجرامانيا، فقد كانت السامرة مدينة عالمية ، يقيم فيها اليهود والسامريون واليونانيون والمقدونيون والرومانيون، علاة على المرتزقة الأجانب.
وقد وهب هيرودس الكبير السامرة لابنه أرخيلاوس، إلا أن هذا كان حاكماً ضعيفاً، فعزلته روما ووضعت السامرة تحت حكم الوالي الروماني الذى كان مقره فى قيصرية.
رابعاً - السامرة فى العهد الجديد : هذه المدينة الهيرودسية هى سامرة العهد الجديد، ولم تذكر السامرة بصورة بارزة فى الاناجيل ، أما فى سفر أعمال الرسل ، فقد ذكرت باعتبارها مركز عمل سيمون الساحر ( أع 8: 9 ). وقد جاء فى العدد الخامس من نفس الأصحاح: " فانحدر فيلبس إلى مدينة من السامرة " ، ولكن جاء فى العدد الرابع عشر: " ولما سمع الرسل الذين فى أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله ، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا " ، مما يرجح معه أن مدينة السامرة ذاتها كانت هى مركز العمل. وهناك تقليد قوى يقول إن يوحنا المعمدان قد دفن فى السامرة، ولكن ليس ثمة دليل على ذلك. وعندما ثار اليهود على روما، كانت السامرة من أوائل المدن التى تعرضت للمتاعب ، فقد حاصرها اليهود واستولوا عليها ونهبوها فى 66م فى الشهور الأولى لثورتهم. إلا أنه لابد أن المدينة قد استعادت مكانتها مرة أخرى، فهناك بقية من نقش للإمبراطور فسباسيان تؤيد هذا الرأى. وليس لدينا الكثير من المعلومات عن السامرة فى أواخر أيام العهد الجديد . وقد بلغت السامرة فى العهد الروماني أوج عظمتها فى المدة من 180 إلى 230م، فمعظمهم أطلال المدينة الرومانية التى نراها الآن ترجع إلى تلك الفترة
وقد بنيت السامرة على قمة تل بيضاوي الشكل يرتفع نحو ثلثمائة قدم ، وينفصل عن بقية التلال المحيطة ،إلا من جهة الشرق حيث كان يتصل ، من خلال مرتفع آخر ، بسلسلة الجبال الممتدة من الشمال إلى الجنوب . ومع أن التل الذى كانت تقوم عليه السامرة أقل ارتفاعاً من التلال المحيطة به ، إلا أنه كان يبعد عنها بمسافة لا تسمح للقذائف منها أن تصل إليها. وقد قاومت مدينة السامرة العديد من الحصارات التى فرضها عليها الأراميون، بل صمدت أيضاً أمام حصار الأشوريين لها لمدة ثلاث سنوات ( 2مل 17: 5) ، وهو أمر عجيب ، وبخاصة إذا عرفنا أن نبع الماء يبعد عن المدينة بنحو ميل، وكان لابد للسكان من الاعتماد على الخزانات. وعندما أعاد هيرودس بناء السامرة ، دعاها " سبسطة " تكريماً لمولاه أوغسطس قيصر ( فسبسطة هو الاسم الإغريقي لأوغسطس ) . ومازالت القرية العربية القائمة عند الطرف الشرقي للموقع تحمل اسم " سبسطية" . وقد سبي سرجون نحو 27.290 نسمة من أهاليها . ولعل أقصى ما وصل إليه عدد سكانها – حتى فى عصر العهد الجديد – هو ـأربعون ألف نسمة إذ أن مساحة قمة التل تتحكم فى حجم المدينة ، فهى لا تتجاوز العشرين فداناً .
*************************