Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

أحيانا الوحى يأتيني مثل ‏ ‏صلصلة ‏ ‏الجرس وهو أشده علي ‏ ‏فيفصم عني

  هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
رحلة إلى غار حراء
من هو جبريل؟
ورقة وخديجة والوحى
الوحى المحمدى
New Page 2952
New Page 2953
New Page 2954

Hit Counter

 


بدء الوحي صحيح البخاري

أحيانا الوحى يأتيني مثل ‏ ‏صلصلة ‏ ‏الجرس وهو أشده علي ‏ ‏فيفصم عني

 بدء الوحي صحيح البخاري

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن يوسف ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة أم المؤمنين ‏ ‏رضي الله عنها ‏
‏أن ‏ ‏الحارث بن هشام ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏سأل رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أحيانا يأتيني مثل ‏ ‏صلصلة ‏ ‏الجرس وهو أشده علي‏ ‏فيفصم ‏عني وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لي ‏الملك ‏رجلا فيكلمني فأعي ما يقول قالت ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ‏ ‏فيفصم ‏ ‏عنه وإن جبينه ‏ ‏ليتفصد ‏ ‏عرقا ‏
**************************************
فتح الباري بشرح صحيح البخاري

‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف ) ‏
‏هُوَ التِّنِّيسِيُّ , كَانَ نَزَلَ تِنِّيس مِنْ عَمَل مِصْر , وَأَصْله دِمَشْقِيّ , وَهُوَ مِنْ أَتْقَن النَّاس فِي الْمُوَطَّأ , كَذَا وَصَفَهُ يَحْيَى بْن مَعِين . ‏
‏قَوْله : ( أُمّ الْمُؤْمِنِينَ ) ‏
‏هُوَ مَأْخُوذ مِنْ قَوْله تَعَالَى ( وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتهمْ ) أَيْ : فِي الِاحْتِرَام وَتَحْرِيم نِكَاحهنَّ لَا فِي غَيْر ذَلِكَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الرَّاجِح , وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ لِلتَّغْلِيبِ , وَإِلَّا فَلَا مَانِع مِنْ أَنْ يُقَال لَهَا أُمّ الْمُؤْمِنَات عَلَى الرَّاجِح . ‏
‏قَوْله : ( أَنَّ الْحَارِث بْن هِشَام ) ‏
‏هُوَ الْمَخْزُومِيّ , أَخُو أَبِي جَهْل شَقِيقه , أَسْلَمَ يَوْم الْفَتْح , وَكَانَ مِنْ فُضَلَاء الصَّحَابَة , وَاسْتُشْهِدَ فِي فُتُوح الشَّام . ‏
‏قَوْله ( سَأَلَ ) ‏
‏هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَر الرُّوَاة عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , فَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون عَائِشَة حَضَرَتْ ذَلِكَ , وَعَلَى هَذَا اِعْتَمَدَ أَصْحَاب الْأَطْرَاف فَأَخْرَجُوهُ فِي مُسْنَد عَائِشَة . وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْحَارِث أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ بَعْد فَيَكُون مِنْ مُرْسَل الصَّحَابَة , وَهُوَ مَحْكُوم بِوَصْلِهِ عِنْد الْجُمْهُور . وَقَدْ جَاءَ مَا يُؤَيِّد الثَّانِي , فَفِي مُسْنَد أَحْمَد وَمُعْجَم الْبَغَوِيِّ وَغَيْرهمَا مِنْ طَرِيق عَامِر بْن صَالِح الزُّبَيْرِيّ عَنْ هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة عَنْ الْحَارِث بْنِ هِشَام قَالَ : سَأَلْت . وَعَامِر فِيهِ ضَعْف , لَكِنْ وَجَدْت لَهُ مُتَابِعًا عِنْد اِبْن مَنْدَهْ , وَالْمَشْهُور الْأَوَّل . ‏
‏قَوْله : ( كَيْفَ يَأْتِيك الْوَحْي ) ‏
‏يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَسْئُول عَنْهُ صِفَة الْوَحْي نَفْسه , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون صِفَة حَامِله أَوْ مَا هُوَ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ , وَعَلَى كُلّ تَقْدِير فَإِسْنَاد الْإِتْيَان إِلَى الْوَحْي مَجَاز ; لِأَنَّ الْإِتْيَان حَقِيقَة مِنْ وَصْف حَامِله . وَاعْتَرَضَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ : هَذَا الْحَدِيث لَا يَصْلُح لِهَذِهِ التَّرْجَمَة , وَإِنَّمَا الْمُنَاسِب لِكَيْفِيَّةِ بَدْء الْوَحْي الْحَدِيث الَّذِي بَعْده , وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ لِكَيْفِيَّةِ إِتْيَان الْوَحْي لَا لِبَدْءِ الْوَحْي ا ه . قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : لَعَلَّ الْمُرَاد مِنْهُ السُّؤَال عَنْ كَيْفِيَّة اِبْتِدَاء الْوَحْي , أَوْ عَنْ كَيْفِيَّة ظُهُور الْوَحْي , فَيُوَافِق تَرْجَمَة الْبَاب . قُلْت : سِيَاقه يُشْعِر بِخِلَافِ ذَلِكَ لِإِتْيَانِهِ بِصِيغَةِ الْمُسْتَقْبَل دُون الْمَاضِي , لَكِنْ يُمْكِن أَنْ يُقَال : إِنَّ الْمُنَاسَبَة تَظْهَر مِنْ الْجَوَاب ; لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَة إِلَى اِنْحِصَار صِفَة الْوَحْي أَوْ صِفَة حَامِله فِي الْأَمْرَيْنِ فَيَشْمَل حَالَة الِابْتِدَاء , وَأَيْضًا فَلَا أَثَر لِلتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِير هُنَا وَلَوْ لَمْ تَظْهَر الْمُنَاسَبَة , فَضْلًا عَنْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ الْبُدَاءَة بِالتَّحْدِيثِ عَنْ إِمَامَيْ الْحِجَاز فَبَدَأَ بِمَكَّة ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَدِينَةِ . وَأَيْضًا فَلَا يَلْزَم أَنْ تَتَعَلَّقَ جَمِيع أَحَادِيث الْبَاب بِبَدْءِ الْوَحْي , بَلْ يَكْفِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ وَبِمَا يَتَعَلَّقَ بِهِ وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْآيَةِ أَيْضًا , وَذَلِكَ أَنَّ أَحَادِيث الْبَاب تَتَعَلَّق بِلَفْظِ التَّرْجَمَة وَبِمَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ , وَلَمَّا كَانَ فِي الْآيَة أَنَّ الْوَحْي إِلَيْهِ نَظِير الْوَحْي إِلَى الْأَنْبِيَاء قَبْله نَاسَبَ تَقْدِيم مَا يَتَعَلَّق بِهَا وَهُوَ صِفَة الْوَحْي وَصِفَة حَامِله إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْوَحْي إِلَى الْأَنْبِيَاء لَا تَبَايُن فِيهِ , فَحَسُنَ إِيرَاد هَذَا الْحَدِيث عَقِبَ حَدِيث الْأَعْمَال الَّذِي تَقَدَّمَ التَّقْدِير بِأَنَّ تَعَلُّقه بِالْآيَةِ الْكَرِيمَة أَقْوَى تَعَلُّق , وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم . ‏
‏قَوْله : ( أَحْيَانًا ) ‏
‏جَمْع حِين يُطْلَق عَلَى كَثِير الْوَقْت وَقَلِيله , وَالْمُرَاد بِهِ هُنَا مُجَرَّد الْوَقْت , فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَوْقَاتًا يَأْتِينِي , وَانْتَصَبَ عَلَى الظَّرْفِيَّة وَعَامِله " يَأْتِينِي " مُؤَخَّر عَنْهُ , وَلِلْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ هِشَام فِي بَدْء الْخَلْق قَالَ : كُلّ ذَلِكَ يَأْتِي الْمَلَك , أَيْ : كُلّ ذَلِكَ حَالَتَانِ فَذَكَرَهُمَا . وَرَوَى اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق أَبِي سَلَمَة الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول " كَانَ الْوَحْي يَأْتِينِي عَلَى نَحْوَيْنِ : يَأْتِينِي بِهِ جِبْرِيل فَيُلْقِيه عَلَيَّ كَمَا يُلْقِي الرَّجُل عَلَى الرَّجُل , فَذَاكَ يَنْفَلِت مِنِّي . وَيَأْتِينِي فِي بَيْتِي مِثْل صَوْت الْجَرَس حَتَّى يُخَالِط قَلْبِي , فَذَاكَ الَّذِي لَا يَنْفَلِت مِنِّي " وَهَذَا مُرْسَل مَعَ ثِقَة رِجَاله , فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا كَانَ قَبْل نُزُول قَوْله تَعَالَى ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانك ) كَمَا سَيَأْتِي , فَإِنَّ الْمَلَك قَدْ تَمَثَّلَ رَجُلًا فِي صُوَر كَثِيرَة وَلَمْ يَنْفَلِت مِنْهُ مَا أَتَاهُ بِهِ كَمَا فِي قِصَّة مَجِيئِهِ فِي صُورَة دِحْيَة وَفِي صُورَة أَعْرَابِيّ وَغَيْر ذَلِكَ وَكُلّهَا فِي الصَّحِيح . وَأُورِدَ عَلَى مَا اِقْتَضَاهُ الْحَدِيث - وَهُوَ أَنَّ الْوَحْي مُنْحَصِر فِي الْحَالَتَيْنِ - حَالَات أُخْرَى : إِمَّا مِنْ صِفَة الْوَحْي كَمَجِيئِهِ كَدَوِيِّ النَّحْل , وَالنَّفْث فِي الرَّوْع , وَالْإِلْهَام , وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَة , وَالتَّكْلِيم لَيْلَة الْإِسْرَاء بِلَا وَاسِطَة . وَإِمَّا مِنْ صِفَة حَامِل الْوَحْي كَمَجِيئِهِ فِي صُورَته الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا لَهُ سِتّمِائَةِ جَنَاح , وَرُؤْيَته عَلَى كُرْسِيّ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض وَقَدْ سَدَّ الْأُفُق . وَالْجَوَاب مَنْع الْحَصْر فِي الْحَالَتَيْنِ الْمُقَدَّم ذِكْرهمَا وَحَمْلهمَا عَلَى الْغَالِب , أَوْ حَمْل مَا يُغَايِرهُمَا عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ بَعْد السُّؤَال , أَوْ لَمْ يَتَعَرَّض لِصِفَتَيْ الْمَلَك الْمَذْكُورَتَيْنِ لِنُدُورِهِمَا , فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَة أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ كَذَلِكَ إِلَّا مَرَّتَيْنِ أَوْ لَمْ يَأْتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَة بِوَحْيٍ أَوْ أَتَاهُ بِهِ فَكَانَ عَلَى مِثْل صَلْصَلَة الْجَرَس , فَإِنَّهُ بَيَّنَ بِهَا صِفَة الْوَحْي لَا صِفَة حَامِله . وَأَمَّا فُنُون الْوَحْي فَدَوِيّ النَّحْل لَا يُعَارِض صَلْصَلَة الْجَرَس ; لِأَنَّ سَمَاع الدَّوِيّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَاضِرِينَ - كَمَا فِي حَدِيث عُمَر - يُسْمَع عِنْده كَدَوِيِّ النَّحْل وَالصَّلْصَلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَشَبَّهَهُ عُمَر بَدْوِيّ النَّحْل بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّامِعِينَ , وَشَبَّهَهُ هُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلْصَلَةِ الْجَرَس بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقَامه . وَأَمَّا النَّفْث فِي الرَّوْع فَيُحْتَمَل أَنْ يَرْجِع إِلَى إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ , فَإِذَا أَتَاهُ الْمَلَك فِي مِثْل صَلْصَلَة الْجَرَس نَفَثَ حِينَئِذٍ فِي رَوْعه . وَأَمَّا الْإِلْهَام فَلَمْ يَقَع السُّؤَال عَنْهُ ; لِأَنَّ السُّؤَال وَقَعَ عَنْ صِفَة الْوَحْي الَّذِي يَأْتِي بِحَامِلٍ , وَكَذَا التَّكْلِيم لَيْلَة الْإِسْرَاء . وَأَمَّا الرُّؤْيَة الصَّالِحَة فَقَالَ اِبْن بَطَّال : لَا تَرِدُ ; لِأَنَّ السُّؤَال وَقَعَ عَمَّا يَنْفَرِد بِهِ عَنْ النَّاس ; لِأَنَّ الرُّؤْيَا قَدْ يُشْرِكهُ فِيهَا غَيْره ا ه . وَالرُّؤْيَا الصَّادِقَة وَإِنْ كَانَتْ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة فَهِيَ بِاعْتِبَارِ صِدْقهَا لَا غَيْر , وَإِلَّا لَسَاغَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُسَمَّى نَبِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون السُّؤَال وَقَعَ عَمَّا فِي الْيَقَظَة , أَوْ لِكَوْنِ حَال الْمَنَام لَا يَخْفَى عَلَى السَّائِل فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْهِ , أَوْ كَانَ ظُهُور ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَام أَيْضًا عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا غَيْر , قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ : وَفِيهِ نَظَر . وَقَدْ ذَكَرَ الْحَلِيمِيّ أَنَّ الْوَحْي كَانَ يَأْتِيه عَلَى سِتَّة وَأَرْبَعِينَ نَوْعًا - فَذَكَرَهَا - وَغَالِبهَا مِنْ صِفَات حَامِل الْوَحْي , وَمَجْمُوعهَا يَدْخُل فِيمَا ذُكِرَ , وَحَدِيث " إِنَّ رُوح الْقُدُس نَفَثَ فِي رُوعِي , أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي الدُّنْيَا فِي الْقَنَاعَة , وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم مِنْ طَرِيق اِبْن مَسْعُود . ‏
‏قَوْله : ( مِثْل صَلْصَلَة الْجَرَس ) ‏
‏فِي رِوَايَة مُسْلِم " فِي مِثْل صَلْصَلَة الْجَرَس " وَالصَّلْصَلَة بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنهمَا لَام سَاكِنَة : فِي الْأَصْل صَوْت وُقُوع الْحَدِيد بَعْضه عَلَى بَعْض , ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلّ صَوْت لَهُ طَنِين , وَقِيلَ : هُوَ صَوْت مُتَدَارَك لَا يُدْرَك فِي أَوَّل وَهْلَة , وَالْجَرَس الْجُلْجُل الَّذِي يُعَلَّق فِي رُءُوس الدَّوَابّ , وَاشْتِقَاقه مِنْ الْجَرْس بِإِسْكَانِ الرَّاء وَهُوَ الْحِسّ , وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : الْجَرَس نَاقُوس صَغِير أَوْ سَطْل فِي دَاخِله قِطْعَة نُحَاس يُعَلَّق مَنْكُوسًا عَلَى الْبَعِير , فَإِذَا تَحَرَّكَ تَحَرَّكَتْ النُّحَاسَة فَأَصَابَتْ السَّطْل فَحَصَلَتْ الصَّلْصَلَة ا ه . وَهُوَ تَطْوِيل لِلتَّعْرِيفِ بِمَا لَا طَائِل تَحْته . وَقَوْله قِطْعَة نُحَاس مُعْتَرِض لَا يَخْتَصّ بِهِ وَكَذَا الْبَعِير وَكَذَا قَوْله مَنْكُوسًا ; لِأَنَّ تَعْلِيقه عَلَى تِلْكَ الصُّورَة هُوَ وَضْعه الْمُسْتَقِيم لَهُ . فَإِنْ قِيلَ : الْمَحْمُود لَا يُشَبَّه بِالْمَذْمُومِ , إِذْ حَقِيقَة التَّشْبِيه إِلْحَاق نَاقِص بِكَامِلٍ , وَالْمُشَبَّه الْوَحْي وَهُوَ مَحْمُود , وَالْمُشَبَّه بِهِ صَوْت الْجَرَس وَهُوَ مَذْمُوم لِصِحَّةِ النَّهْي عَنْهُ وَالتَّنْفِير مِنْ مُرَافَقَة مَا هُوَ مُعَلَّق فِيهِ وَالْإِعْلَام بِأَنَّهُ لَا تَصْحَبهُمْ الْمَلَائِكَة كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرهمَا , فَكَيْفَ يُشَبَّه مَا فَعَلَهُ الْمَلَك بِأَمْر تَنْفِر مِنْهُ الْمَلَائِكَة ؟ وَالْجَوَاب أَنَّهُ لَا يَلْزَم فِي التَّشْبِيه تَسَاوِي الْمُشَبَّه بِالْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الصِّفَات كُلّهَا , بَلْ وَلَا فِي أَخَصّ وَصْف لَهُ , بَلْ يَكْفِي اِشْتِرَاكهمَا فِي صِفَة مَا , فَالْمَقْصُود هُنَا بَيَان الْجِنْس , فَذَكَرَ مَا أَلِفَ السَّامِعُونَ سَمَاعه تَقْرِيبًا لِأَفْهَامِهِمْ . وَالْحَاصِل أَنَّ الصَّوْت لَهُ جِهَتَانِ : جِهَة قُوَّة وَجِهَة طَنِين , فَمِنْ حَيْثُ الْقُوَّة وَقَعَ التَّشْبِيه بِهِ , وَمِنْ حَيْثُ الطَّرَب وَقَعَ التَّنْفِير عَنْهُ وَعُلِّلَ بِكَوْنِهِ مِزْمَار الشَّيْطَان , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون النَّهْي عَنْهُ وَقَعَ بَعْد السُّؤَال الْمَذْكُور وَفِيهِ نَظَر . قِيلَ : وَالصَّلْصَلَة الْمَذْكُورَة صَوْت الْمَلَك بِالْوَحْيِ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُرِيد أَنَّهُ صَوْت مُتَدَارَك يَسْمَعهُ وَلَا يَتَبَيَّنهُ أَوَّل مَا يَسْمَعهُ حَتَّى يَفْهَمهُ بَعْد , وَقِيلَ : بَلْ هُوَ صَوْت حَفِيف أَجْنِحَة الْمَلَك 0 وَالْحِكْمَة فِي تَقَدُّمه أَنْ يَقْرَع سَمْعه الْوَحْي فَلَا يَبْقَى فِيهِ مَكَان لِغَيْرِهِ , وَلَمَّا كَانَ الْجَرَس لَا تَحْصُل صَلْصَلَته إِلَّا مُتَدَارِكَة وَقَعَ التَّشْبِيه بِهِ دُون غَيْره مِنْ الْآلَات , وَسَيَأْتِي كَلَام اِبْن بَطَّال فِي هَذَا الْمَقَام فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث اِبْن عَبَّاس " إِذَا قَضَى اللَّه الْأَمْر فِي السَّمَاء ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَة بِأَجْنِحَتِهَا " الْحَدِيث عِنْد تَفْسِير قَوْله : ( حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ ) فِي تَفْسِير سُورَة سَبَأ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . ‏
‏قَوْله : ( وَهُوَ أَشَدّه عَلَيَّ ) ‏
‏يُفْهَم مِنْهُ أَنَّ الْوَحْي كُلّه شَدِيد , وَلَكِنَّ هَذِهِ الصِّفَة أَشَدّهَا , وَهُوَ وَاضِح ; لِأَنَّ الْفَهْم مِنْ كَلَام مِثْل الصَّلْصَلَة أَشْكَل مِنْ الْفَهْم مِنْ كَلَام الرَّجُل بِالتَّخَاطُبِ الْمَعْهُود , وَالْحِكْمَة فِيهِ أَنَّ الْعَادَة جَرَتْ بِالْمُنَاسَبَةِ بَيْن الْقَائِل وَالسَّامِع , وَهِيَ هُنَا إِمَّا بِاتِّصَافِ السَّامِع بِوَصْفِ الْقَائِل بِغَلَبَةِ الرُّوحَانِيَّة وَهُوَ النَّوْع الْأَوَّل , وَإِمَّا بِاتِّصَافِ الْقَائِل بِوَصْفِ السَّامِع وَهُوَ الْبَشَرِيَّة وَهُوَ النَّوْع الثَّانِي , وَالْأَوَّل أَشَدّ بِلَا شَكّ . وَقَالَ شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام الْبُلْقِينِيّ : سَبَب ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَام الْعَظِيم لَهُ مُقَدِّمَات تُؤْذِن بِتَعْظِيمِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس " كَانَ يُعَالِج مِنْ التَّنْزِيل شِدَّة " قَالَ وَقَالَ بَعْضهمْ : وَإِنَّمَا كَانَ شَدِيدًا عَلَيْهِ لِيَسْتَجْمِع قَلْبه فَيَكُون أَوْعَى لِمَا سَمِعَ ا ه . وَقِيلَ إِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَنْزِل هَكَذَا إِذَا نَزَلَتْ آيَة وَعِيد أَوْ تَهْدِيد , وَهَذَا فِيهِ نَظَر , وَالظَّاهِر أَنَّهُ لَا يَخْتَصّ بِالْقُرْآنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي حَدِيث يَعْلَى بْن أُمَيَّة فِي قِصَّة لَابِس الْجُبَّة الْمُتَضَمِّخ بِالطِّيبِ فِي الْحَجّ , فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ " رَآهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَال نُزُول الْوَحْي عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَيَغِطّ " , وَفَائِدَة هَذِهِ الشِّدَّة مَا يَتَرَتَّب عَلَى الْمَشَقَّة مِنْ زِيَادَة الزُّلْفَى , وَالدَّرَجَات . ‏
‏قَوْله : ( فَيَفْصِم ) ‏
‏فَتْح أَوَّله وَسُكُون الْفَاء وَكَسْر الْمُهْمَلَة أَيْ : يُقْلِع وَيَتَجَلَّى مَا يَغْشَانِي , وَيُرْوَى بِضَمِّ أَوَّله مِنْ الرُّبَاعِيّ , وَفِي رِوَايَة لِأَبِي ذَرّ بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْح الصَّاد عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ , وَأَصْل الْفَصْم الْقَطْع , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( لَا اِنْفِصَام لَهَا ) , وَقِيلَ الْفَصْم بِالْفَاءِ الْقَطْع بِلَا إِبَانَة وَبِالْقَافِ الْقَطْع بِإِبَانَةٍ , فَذَكَرَ بِالْفَصْمِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْمَلَك فَارَقَهُ لِيَعُودَ , وَالْجَامِع بَيْنهمَا بَقَاء الْعُلْقَة . ‏
‏قَوْله : ( وَقَدْ وَعَيْت عَنْهُ مَا قَالَ ) ‏
‏أَيْ : الْقَوْل الَّذِي جَاءَ بِهِ , وَفِيهِ إِسْنَاد الْوَحْي إِلَى قَوْل الْمَلَك , وَلَا مُعَارَضَة بَيْنه وَبَيْن قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَمَّنْ قَالَ مِنْ الْكُفَّار ( إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْل الْبَشَر ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ الْوَحْي , وَيُنْكِرُونَ مَجِيء الْمَلَك بِهِ . ‏
‏قَوْله : ( يَتَمَثَّل لِيَ الْمَلَك رَجُلًا ) ‏
‏التَّمَثُّل مُشْتَقّ مِنْ الْمِثْل , أَيْ : يَتَصَوَّر . وَاللَّام فِي الْمَلَك لِلْعَهْدِ وَهُوَ جِبْرِيل , وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيح بِهِ فِي رِوَايَة اِبْن سَعْد الْمُقَدَّم ذِكْرهَا . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَلَك يَتَشَكَّل بِشَكْلِ الْبَشَر . ‏
‏قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ : الْمَلَائِكَة أَجْسَام عُلْوِيَّة لَطِيفَة تَتَشَكَّل أَيّ شَكْل أَرَادُوا , وَزَعَمَ بَعْض الْفَلَاسِفَة أَنَّهَا جَوَاهِر رُوحَانِيَّة , وَ " رَجُلًا " مَنْصُوب بِالْمَصْدَرِيَّةِ , أَيْ : يَتَمَثَّل مِثْل رَجُل , أَوْ بِالتَّمْيِيزِ , أَوْ بِالْحَالِ وَالتَّقْدِير هَيْئَة رَجُل . قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ : تَمَثُّل جِبْرِيل مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه أَفْنَى الزَّائِد مِنْ خَلْقه أَوْ أَزَالَهُ عَنْهُ , ثُمَّ يُعِيدهُ إِلَيْهِ بَعْد . وَجَزَمَ اِبْن عَبْد السَّلَام بِالْإِزَالَةِ دُون الْفَنَاء , وَقَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَم أَنْ يَكُون اِنْتِقَالهَا مُوجِبًا لِمَوْتِهِ , بَلْ يَجُوز أَنْ يَبْقَى الْجَسَد حَيًّا ; لِأَنَّ مَوْت الْجَسَد بِمُفَارَقَةِ الرُّوح لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَقْلًا بَلْ بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّه تَعَالَى فِي بَعْض خَلْقه . ‏
‏وَنَظِيره اِنْتِقَال أَرْوَاح الشُّهَدَاء إِلَى أَجْوَاف طُيُور خُضْر تَسْرَح فِي الْجَنَّة . وَقَالَ شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام : مَا ذَكَرَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ لَا يَنْحَصِر الْحَال فِيهِ , بَلْ يَجُوز أَنْ يَكُون الثَّانِي هُوَ جِبْرِيل بِشَكْلِهِ الْأَصْلِيّ , إِلَّا أَنَّهُ اِنْضَمَّ فَصَارَ عَلَى قَدْر هَيْئَة الرَّجُل , وَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ عَادَ إِلَى هَيْئَته , وَمِثَال ذَلِكَ الْقُطْن إِذَا جُمِعَ بَعْد أَنْ كَانَ مُنْتَفِشًا فَإِنَّهُ بِالنَّفْشِ يَحْصُل لَهُ صُورَة كَبِيرَة وَذَاته لَمْ تَتَغَيَّر . وَهَذَا عَلَى سَبِيل التَّقْرِيب , وَالْحَقّ أَنَّ تَمَثُّل الْمَلَك رَجُلًا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَاته اِنْقَلَبَتْ رَجُلًا , بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ظَهَرَ بِتِلْكَ الصُّورَة تَأْنِيسًا لِمَنْ يُخَاطِبهُ . وَالظَّاهِر أَيْضًا أَنَّ الْقَدْر الزَّائِد لَا يَزُول وَلَا يَفْنَى , بَلْ يَخْفَى عَلَى الرَّائِي فَقَطْ . وَاَللَّه أَعْلَم . ‏
‏قَوْله : ( فَيُكَلِّمنِي ) ‏
‏كَذَا لِلْأَكْثَرِ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ مِنْ طَرِيق الْقَعْنَبِيّ عَنْ مَالِك " فَيُعَلِّمنِي " بِالْعَيْنِ بَدَل الْكَاف , وَالظَّاهِر أَنَّهُ تَصْحِيف , فَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأ رِوَايَة الْقَعْنَبِيّ بِالْكَافِ , وَكَذَا لِلدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيث مَالِك مِنْ طَرِيق الْقَعْنَبِيّ وَغَيْره . ‏
‏قَوْله : ( فَأَعِي مَا يَقُول ) ‏
‏زَادَ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه " وَهُوَ أَهْوَنه عَلَيَّ " . وَقَدْ وَقَعَ التَّغَايُر فِي الْحَالَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ فِي الْأُولَى " وَقَدْ وَعَيْت " بِلَفْظِ الْمَاضِي , وَهُنَا " فَأَعِي " بِلَفْظِ الِاسْتِقْبَال ; لِأَنَّ الْوَعْي حَصَلَ فِي الْأَوَّل قَبْل الْفَصْم , وَفِي الثَّانِي حَصَلَ حَال الْمُكَالَمَة , أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَوَّل قَدْ تَلَبَّسَ بِالصِّفَاتِ الْمَلَكِيَّة فَإِذَا عَادَ إِلَى حَالَته الْجِبِلِّيَّة كَانَ حَافِظًا لِمَا قِيلَ لَهُ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَاضِي , بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ عَلَى حَالَته الْمَعْهُودَة . ‏
‏قَوْله : ( قَالَتْ عَائِشَة ) ‏
‏هُوَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْله , وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَرْف الْعَطْف كَمَا يَسْتَعْمِل الْمُصَنِّف وَغَيْره كَثِيرًا , وَحَيْثُ يُرِيد التَّعْلِيق يَأْتِي بِحَرْفِ الْعَطْف . وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيث مَالِك مِنْ طَرِيق عَتِيق بْن يَعْقُوب عَنْ مَالِك مَفْصُولًا عَنْ الْحَدِيث الْأَوَّل , وَكَذَا فَصَلَهُمَا مُسْلِم مِنْ طَرِيق أَبِي أُسَامَة عَنْ هِشَام وَنُكْتَة هَذَا الِاقْتِطَاع هُنَا اِخْتِلَاف التَّحَمُّل ; لِأَنَّهَا فِي الْأَوَّل أَخْبَرَتْ عَنْ مَسْأَلَة الْحَارِث , وَفِي الثَّانِي أَخْبَرَتْ عَمَّا شَاهَدَتْ تَأْيِيدًا لِلْخَبَرِ الْأَوَّل . ‏
‏قَوْله : ( لَيَتَفَصَّد ) ‏
‏بِالْفَاءِ وَتَشْدِيد الْمُهْمَلَة , مَأْخُوذ مِنْ الْفَصْد وَهُوَ قَطْع الْعِرْق لِإِسَالَةِ الدَّم , شُبِّهَ جَبِينه بِالْعِرْقِ الْمَفْصُود مُبَالَغَة فِي كَثْرَة الْعَرَق . وَفِي قَوْلهَا " فِي الْيَوْم الشَّدِيد الْبَرْد " دِلَالَة عَلَى كَثْرَة مُعَانَاة التَّعَب وَالْكَرْب عِنْد نُزُول الْوَحْي , لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَة الْعَادَة , وَهُوَ كَثْرَة الْعَرَق فِي شِدَّة الْبَرْد , فَإِنَّهُ يُشْعِر بِوُجُودِ أَمْر طَارِئ زَائِد عَلَى الطِّبَاع الْبَشَرِيَّة . ‏
‏وَقَوْله " عَرَقًا " ‏
‏بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيز , زَادَ اِبْن أَبِي الزِّنَاد عَنْ هِشَام بِهَذَا الْإِسْنَاد عِنْد الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل " وَإِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَته فَيَضْرِب حِزَامهَا مِنْ ثِقَل مَا يُوحَى إِلَيْهِ " . ‏
‏( تَنْبِيه ) : ‏
‏حَكَى الْعَسْكَرِيّ فِي التَّصْحِيف عَنْ بَعْض شُيُوخه أَنَّهُ قَرَأَ " لَيَتَقَصَّد " بِالْقَافِ , ثُمَّ قَالَ الْعَسْكَرِيّ : إِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مِنْ قَوْلهمْ تَقَصَّدَ الشَّيْء إِذَا تَكَسَّرَ وَتَقَطَّعَ , وَلَا يَخْفَى بُعْده اِنْتَهَى . وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا التَّصْحِيف أَبُو الْفَضْل بْن طَاهِر , فَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْمُؤْتَمِن السَّاجِيُّ بِالْفَاءِ , قَالَ : فَأَصَرَّ عَلَى الْقَاف , وَذَكَرَ الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة اِبْن طَاهِر عَنْ اِبْن نَاصِر أَنَّهُ رَدَّ عَلَى اِبْن طَاهِر لَمَّا قَرَأَهَا بِالْقَافِ , قَالَ : فَكَابَرَنِي . قُلْت : وَلَعَلَّ اِبْن طَاهِر وَجَّهَهَا بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْعَسْكَرِيّ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي حَدِيث الْبَاب مِنْ الْفَوَائِد - غَيْر مَا تَقَدَّمَ - أَنَّ السُّؤَال عَنْ الْكَيْفِيَّة لِطَلَبِ الطُّمَأْنِينَة لَا يَقْدَح فِي الْيَقِين , وَجَوَاز السُّؤَال عَنْ أَحْوَال الْأَنْبِيَاء مِنْ الْوَحْي وَغَيْره , وَأَنَّ الْمَسْئُول عَنْهُ إِذَا كَانَ ذَا أَقْسَام يَذْكُر الْمُجِيب فِي أَوَّل جَوَابه مَا يَقْتَضِي التَّفْصِيل . وَاَللَّه أَعْلَم . ‏
*****************************

الرسول كان يستقبل الوحى وهو لابس مرط عائشة

الهبة وفضلها والتحريض عليها صحيح البخاري من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض

حدثنا ‏ ‏إسماعيل ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أخي ‏ ‏عن ‏ ‏سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏
‏أن نساء رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كن حزبين فحزب فيه ‏ ‏عائشة ‏ ‏وحفصة ‏ ‏وصفية ‏ ‏وسودة ‏ ‏والحزب الآخر ‏ ‏أم سلمة ‏ ‏وسائر نساء رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عائشة ‏ ‏فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أخرها حتى إذا كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في بيت ‏ ‏عائشة ‏ ‏بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في بيت ‏ ‏عائشة ‏ ‏فكلم حزب ‏ ‏أم سلمة ‏ ‏فقلن لها كلمي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدي إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏هدية فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه فكلمته ‏ ‏أم سلمة ‏ ‏بما قلن فلم يقل لها شيئا فسألنها فقالت ما قال لي شيئا فقلن لها فكلميه قالت فكلمته حين دار إليها أيضا فلم يقل لها شيئا فسألنها فقالت ما قال لي شيئا فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار إليها فكلمته فقال لها ‏ ‏لا تؤذيني في ‏ ‏عائشة ‏ ‏فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا ‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت فقالت أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ثم إنهن دعون ‏ ‏فاطمة بنت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأرسلت إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏تقول إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ‏ ‏أبي بكر ‏ ‏فكلمته فقال يا بنية ألا تحبين ما أحب قالت بلى فرجعت إليهن فأخبرتهن فقلن ارجعي إليه فأبت أن ترجع فأرسلن ‏ ‏زينب بنت جحش ‏ ‏فأتته فأغلظت وقالت إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن ‏ ‏أبي قحافة ‏ ‏فرفعت صوتها حتى تناولت ‏ ‏عائشة ‏ ‏وهي قاعدة فسبتها حتى إن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لينظر إلى ‏ ‏عائشة ‏ ‏هل تكلم قال فتكلمت ‏ ‏عائشة ‏ ‏ترد على ‏ ‏زينب ‏ ‏حتى أسكتتها قالت فنظر النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إلى ‏ ‏عائشة ‏ ‏وقال إنها بنت ‏ ‏أبي بكر ‏
‏قال ‏ ‏البخاري ‏ ‏الكلام الأخير قصة ‏ ‏فاطمة ‏ ‏يذكر ‏ ‏عن ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏رجل ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عبد الرحمن ‏ ‏وقال ‏ ‏أبو مروان ‏ ‏عن ‏ ‏هشام ‏ ‏عن ‏ ‏عروة ‏ ‏كان الناس يتحرون بهداياهم يوم ‏ ‏عائشة ‏ ‏وعن ‏ ‏هشام ‏ ‏عن ‏ ‏رجل ‏ ‏من ‏ ‏قريش ‏ ‏ورجل من الموالي ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ‏ ‏قالت ‏ ‏عائشة ‏ ‏كنت عند النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فاستأذنت ‏ ‏فاطمة

 

فتح الباري بشرح صحيح البخاري

‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل ) ‏
‏هُوَ اِبْن أَبِي أُوَيْس ‏
‏( حَدَّثَنِي أَخِي ) ‏
‏هُوَ أَبُو بَكْر عَبْد الْحَمِيد ‏
‏( عَنْ سُلَيْمَان ) ‏
‏هُوَ اِبْن بِلَال . وَقَدْ تَابَعَ الْبُخَارِيّ حُمَيْد بْن زَنْجُوَيْهِ عِنْد أَبِي نُعَيْم وَإِسْمَاعِيل الْقَاضِي عِنْد أَبِي عَوَانَة فَرَوَيَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْس كَمَا قَالَ , وَخَالَفَهُمْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى الذُّهْلِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيل " حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن بِلَال " حَذَفَ الْوَاسِطَة بَيْن إِسْمَاعِيل وَسُلَيْمَان وَهُوَ أَخُو إِسْمَاعِيل . ‏
‏قَوْله : ( عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة ) ‏
‏زَادَ فِيهِ عَلَى رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد فِي آخِره : " فَقَالَتْ - أَيْ أُمّ سَلَمَة - أَتُوبُ إِلَى اللَّه مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُول اللَّه " وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا إِرْسَالهنَّ فَاطِمَة ثُمَّ إِرْسَالهنَّ زَيْنَب بِنْت جَحْش , وَقَدْ تَصَرَّفَ الرُّوَاة فِي هَذَا الْحَدِيث بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْص , وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث . قَالَ الْبُخَارِيّ " الْكَلَام الْأَخِير قِصَّة فَاطِمَة - أَيْ إِرْسَال أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَة بِنْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ - يُذْكَرُ عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ رَجُل عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن " يَعْنِي أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هِشَام بْن عُرْوَة فَرَوَاهُ سُلَيْمَان بْن بِلَال عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة فِي جُمْلَةِ الْحَدِيث الْأَوَّل , وَرَوَاهُ عَنْهُ غَيْره بِهَذَا الْإِسْنَاد الْأَخِير . ‏
‏قَوْله : ( وَالْحِزْب الْآخَرُ أُمّ سَلَمَة وَسَائِر نِسَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ‏
‏أَيْ بَقِيَّتهنَّ , وَهِيَ زَيْنَب بِنْت جَحْش الْأَسَدِيَّة وَأُمّ حَبِيبَة الْأُمَوِيَّة وَجُوَيْرِيَةُ بِنْت الْحَارِث الْخُزَاعِيَّة وَمَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة دُون زَيْنَب بِنْت خُزَيْمَةَ أُمّ الْمَسَاكِينِ . رَوَاهُ اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق رُمَيْثَة الْمَذْكُورَة وَهِيَ رُمَيْثَة بِالْمُثَلَّثَةِ مُصَغَّرَة عَنْ أُمّ سَلَمَة قَالَتْ : " كَلَّمَنِي صَوَاحِبِي وَهُنَّ - فَذَكَرَتْهُنَّ - وَكُنَّا فِي الْجَانِب الثَّانِي وَكَانَتْ عَائِشَة وَصَوَاحِبهَا فِي الْجَانِب الْآخَر , فَقُلْنَ كَلِّمِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ النَّاس يُهْدُونَ إِلَيْهِ فِي بَيْت عَائِشَة وَنَحْنُ نُحِبُّ مَا تُحِبُّ " الْحَدِيث قَالَ اِبْن سَعْد : مَاتَتْ زَيْنَب بِنْت خُزَيْمَةَ قَبْل أَنْ يَتَزَوَّج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ سَلَمَة , وَأَسْكَنَ أُمّ سَلَمَة بَيْتهَا لَمَّا دَخَلَ بِهَا . ‏
‏قَوْله : ( فَقُلْنَ لَهَا كَلِّمِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمِ النَّاسَ ) ‏
‏بِالْجَزْمِ وَالْمِيم مَكْسُورَة لِالْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ وَيَجُوزُ الرَّفْع . ‏
‏قَوْله : ( فَلْيُهْدِهَا ) ‏
‏فِي رِوَايَة الْْكُشْمِيهَنِيّ " فَلْيُهْدِ " بِحَذْفِ الضَّمِير . ‏
‏قَوْله : ( فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْب اِمْرَأَة إِلَّا عَائِشَة ) ‏
‏يَأْتِي شَرْحُهُ فِي مَنَاقِب عَائِشَةِ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . ‏
‏قَوْله : ( ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَة ) ‏
‏فِي رِوَايَة الْْكُشْمِيهَنِيّ " دَعَيْنَ " وَرَوَى اِبْن سَعْد مِنْ مُرْسَل عَلِيّ بْن الْحُسَيْن أَنَّ الَّتِي خَاطَبَتْهَا بِذَلِكَ مِنْهُنَّ زَيْنَب بِنْت جَحْش , وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهَا " أَرْسَلَتْك زَيْنَب ؟ قَالَتْ : زَيْنَب وَغَيْرهَا , قَالَ : أَهِيَ الَّتِي وَلِيَتْ ذَلِكَ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ " . ‏
‏قَوْله : ( إِنَّ نِسَاءَك يَنْشُدْنَك الْعَدْل فِي بِنْت أَبِي بَكْر ) ‏
‏أَيْ يَطْلُبْنَ مِنْك الْعَدْل , وَفِي رِوَايَة الْأَصِيلِيّ " يُنَاشِدْنَك اللَّه الْعَدْل " أَيْ يَسْأَلْنَك بِاللَّهِ الْعَدْل , وَالْمُرَاد بِهِ التَّسْوِيَة بَيْنهنَّ فِي كُلّ شَيْء مِنْ الْمَحَبَّة وَغَيْرهَا , زَادَ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ عَائِشَة عِنْد مُسْلِم " أَرْسَلَ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَة بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِع مَعِي فِي مِرْطِي فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَزْوَاجك أَرْسَلْنَنِي يَسْأَلْنَك الْعَدْل فِي بِنْت اِبْن أَبِي قُحَافَة " وَأَبُو قُحَافَة هُوَ وَالِد أَبِي بَكْر . ‏
‏قَوْله : ( فَقَالَ : يَا بُنَيَّة أَلَا تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ ؟ قَالَتْ : بَلَى ) ‏
‏زَادَ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة " قَالَ : فَأَحِبِّي هَذِهِ , فَقَامَتْ فَاطِمَة حِين سَمِعْت ذَلِكَ " . ‏
‏قَوْله : ( فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ فَأَخْبَرَتْهنَّ ) ‏
‏زَادَ مُسْلِم " فَقُلْت لَهَا مَا نَرَاك أَغْنَيْت عَنَّا مِنْ شَيْء " . ‏
‏قَوْله : ( فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ ) ‏
‏فِي رِوَايَة مُسْلِم " فَقَالَتْ : وَاللَّه لَا أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَدًا " . ‏
‏قَوْله : ( فَأَرْسَلْنَ زَيْنَب بِنْت جَحْش ) ‏
‏زَادَ مُسْلِم " وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَة عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ ثَنَاء عَائِشَة عَلَيْهَا بِالصَّدَقَةِ وَذِكْرهَا لَهَا بِالْحِدَّةِ الَّتِي تُسْرِعُ مِنْهَا الرَّجْعَة . ‏
‏قَوْله : ( فَأَتَتْهُ ) ‏
‏فِي مُرْسَل عَلِيّ بْن الْحُسَيْن " فَذَهَبَتْ زَيْنَب حَتَّى اِسْتَأْذَنَتْ , فَقَالَ : اِئْذَنُوا لَهَا . فَقَالَتْ : حَسْبك إِذَا بَرَقَتْ لَك بِنْت اِبْن أَبِي قُحَافَة ذِرَاعَيْهَا " وَفِي رِوَايَة مُسْلِم " وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَائِشَة فِي مِرْطهَا عَلَى الْحَال الَّتِي دَخَلَتْ فَاطِمَة وَهُوَ بِهَا " .
‏قَوْله : ( فَأَغْلَظَتْ ) ‏
‏فِي رِوَايَة مُسْلِم " ثُمَّ وَقَعَتْ بِي فَاسْتَطَالَتْ " وَفِي مُرْسَل عَلِيّ بْن الْحُسَيْن " فَوَقَعَتْ بِعَائِشَة وَنَالَتْ مِنْهَا " . ‏
‏قَوْله : ( فَسَبَّتْهَا حَتَّى أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَنْظُر إِلَى عَائِشَة هَلْ تَكَلَّم ) ‏
‏فِي رِوَايَة مُسْلِم " وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْقُب طَرَفه هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا . قَالَتْ : فَلَمْ تَبْرَح زَيْنَب حَتَّى عَرَفْت أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ " وَفِي هَذَا جَوَاز الْعَمَل بِمَا يُفْهَمُ مِنْ الْقَرَائِن , لَكِنْ رَوَى النَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه الْبَهِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : " دَخَلَتْ عَلَيَّ زَيْنَب بِنْت جَحْش فَسَبَّتْنِي , فَرَدَعَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَتْ , فَقَالَ سُبِّيهَا , فَسَبَبْتهَا حَتَّى جَفَّ رِيقهَا فِي فَمِهَا " وَقَدْ ذَكَرْته فِي " بَاب اِنْتِصَار الظَّالِم " مِنْ كِتَاب الْمَظَالِم فَيُمْكِن أَنْ يُحْمَل عَلَى التَّعَدُّد . ‏
‏قَوْله : ( فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَة تَرُدّ عَلَى زَيْنَب حَتَّى أَسْكَتَتْهَا ) ‏
‏فِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ " فَلَمَّا وَقَعْت بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَثْخَنْتهَا غَلَبَة " وَلِابْنِ سَعْد " فَلَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَفْحَمْتهَا " . ‏
‏قَوْله : ( فَقَالَ : إِنَّهَا بِنْت أَبِي بَكْر ) ‏
‏أَيْ إِنَّهَا شَرِيفَة عَاقِلَة عَارِفَة كَأَبِيهَا , وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسْلِم , وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ الْمَذْكُورَة " فَرَأَيْت وَجْهه يَتَهَلَّلُ " وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَى أَنَّ أَبَا بَكْر كَانَ عَالِمًا بِمَنَاقِب مُضَر وَمَثَالِبهَا فَلَا يُسْتَغْرَبُ مِنْ بِنْته تَلَقِّي ذَلِكَ عَنْهُ " وَمَنْ يُشَابه أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ " . وَفِي هَذَا الْحَدِيث مَنْقَبَة ظَاهِرَة لِعَائِشَة , وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى الْمَرْء فِي إِيثَار بَعْض نِسَائِهِ بِالتُّحَفِ , وَإِنَّمَا اللَّازِم الْعَدْل فِي الْمَبِيت وَالنَّفَقَة وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور اللَّازِمَة , كَذَا قَرَّرَهُ اِبْن بَطَّال عَنْ الْمُهَلَّب , وَتَعَقَّبَهُ اِبْن الْمُنِير بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَل ذَلِكَ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ الَّذِينَ أَهْدَوْا لَهُ وَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ فِي ذَلِكَ , وَإِنَّمَا لَمْ يَمْنَعْهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَمَالِ الْأَخْلَاق أَنْ يَتَعَرَّض الرَّجُل إِلَى النَّاس بِمِثْلِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّض لِطَلَبِ الْهَدِيَّة , وَأَيْضًا فَالَّذِي يُهْدِي لِأَجْلِ عَائِشَة كَأَنَّهُ مَلَّكَ الْهَدِيَّة بِشَرْطٍ , وَالتَّمْلِيك يَتْبَعُ فِيهِ تَحْجِير الْمَالِك , مَعَ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشْرِكُهُنَّ فِي ذَلِكَ , وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْمُنَافَسَة لِكَوْنِ الْعَطِيَّة تَصِلُ إِلَيْهِنَّ مِنْ بَيْتِ عَائِشَةَ . وَفِيهِ قَصْدُ النَّاس بِالْهَدَايَا أَوْقَات الْمَسَرَّة وَمَوَاضِعهَا لِيَزِيدَ ذَلِكَ فِي سُرُورِ الْمُهْدِي إِلَيْهِ . وَفِيهِ تَنَافُسُ الضَّرَائِرِ وَتَغَايُرهنَّ عَلَى الرَّجُلِ , وَأَنَّ الرَّجُل يَسَعُهُ السُّكُوت إِذَا تَقَاوَلْنَ , وَلَا يَمِيلُ مَعَ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ . وَفِيهِ جَوَاز التَّشَكِّي وَالتَّوَسُّل فِي ذَلِكَ , وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَهَابَتِهِ وَالْحَيَاء مِنْهُ حَتَّى رَاسَلْنَهُ بِأَعَزّ النَّاس عِنْده فَاطِمَة . وَفِيهِ سُرْعَة فَهْمهنَّ وَرُجُوعهنَّ إِلَى الْحَقّ وَالْوُقُوف عِنْده . وَفِيهِ إِدْلَال زَيْنَب بِنْت جَحْش عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهَا كَانَتْ بِنْت عَمَّته , كَانَتْ أُمّهَا أُمَيْمَة بِالتَّصْغِيرِ بِنْت عَبْد الْمُطَّلِب . قَالَ الدَّاوُدِيّ : وَفِيهِ عُذْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْنَب , قَالَ اِبْن التِّين : وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ . ‏
‏قُلْت : كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مُخَاطَبَتهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَلَبِ الْعَدْل مَعَ عِلْمهَا بِأَنَّهُ أَعْدَل النَّاس , لَكِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الْغَيْرَة فَلَمْ يُؤَاخِذْهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِطْلَاقِ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا خَصَّ زَيْنَب بِالذِّكْرِ لِأَنَّ فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام كَانَتْ حَامِلَة رِسَالَة خَاصَّة , بِخِلَافِ زَيْنَب فَإِنَّهَا شَرِيكَتهنَّ فِي ذَلِكَ بَلْ رَأْسهنَّ , لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَوَلَّتْ إِرْسَال فَاطِمَة أَوَّلًا ثُمَّ سَارَتْ بِنَفْسِهَا . وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْقَسْم كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ , وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِي ذَلِكَ فِي النِّكَاح إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . ‏

‏قَوْله : ( وَقَالَ أَبُو مَرْوَان الْغَسَّانِيّ ) ‏
‏كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِغَيْنٍ مُعْجَمَة وَسِين مُهْمَلَة ثَقِيلَة , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ عَنْ أَبِي زَيْد فِيهِ تَغْيِير فَغَيَّرَهُ " الْعُثْمَانِيّ " حَكَاهُ أَبُو عَلِيّ الْجَيَّانِيّ وَقَالَ إِنَّهُ خَطَأ , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ لِأَبِي مَرْوَان هَذَا رِوَايَة مَوْصُولَة فِي كِتَاب الْحَجّ , وَوَقَعَ لِلْقَابِسِيِّ فِيهِ تَصْحِيف غَيْر هَذَا . وَقَوْله : " وَقَالَ أَبُو مَرْوَان إِلَخْ " يَعْنِي أَنَّ أَبَا مَرْوَان فَصَلَ بَيْن الْحَدِيثَيْنِ فِي رِوَايَته عَنْ هِشَام فَجَعَلَ الْأَوَّل - وَهُوَ التَّحَرِّي - كَمَا قَالَ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ هِشَام , وَجَعَلَ الثَّانِي - وَهُوَ قِصَّة فَاطِمَة - عَنْ هِشَام عَنْ رَجُل مِنْ قُرَيْش وَرَجُل مِنْ الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام عَنْ عَائِشَة . قُلْت : وَطَرِيق مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ عَائِشَة بِهَذِهِ الْقِصَّة مَشْهُورَة مِنْ غَيْر هَذَا الْوَجْه , أَخْرَجَهَا مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق صَالِح بْن كَيْسَانَ , زَادَ مُسْلِم " وَيُونُس " , وَزَادَ النَّسَائِيُّ " وَشُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة " ثَلَاثَتهمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ , وَهَكَذَا قَالَ مُوسَى بْن أَعْيَن عَنْ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ , وَخَالَفَهُ عَبْد الرَّزَّاق فَقَالَ : " عَنْ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة " وَخَالَفَهُمْ إِسْحَاق الْكَلْبِيّ فَجَعَلَ أَبَا بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بَدَل مُحَمَّد بْن الرَّحْمَن , قَالَ الذُّهْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرهمَا : الْمَحْفُوظ مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيِّ " عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ عَائِشَة " وَأَبُو مَرْوَان هَذَا هُوَ يَحْيَى بْن أَبِي زَكَرِيَّا الْغَسَّانِيّ , وَهُوَ شَامِيّ نَزَلَ وَاسِط , وَاسْم أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى أَيْضًا , وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُحَمَّد بْن عُثْمَان الْعُثْمَانِيّ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُكَنَّى أَبَا مَرْوَان لَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ وَإِنَّمَا يَرْوِي عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ , وَطَرِيقه هَذِهِ وَصَلَهَا الذُّهْلِيُّ فِي " الزُّهْرِيَّات " . وَقَدْ اخْتُلِفَ عَلَى هِشَام فِيهِ اِخْتِلَافًا آخَر فَرَوَاهُ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْهُ " عَنْ عَوْف بْن الْحَارِث عَنْ أُخْته رُمَيْثَة عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَ لَهَا : إِنَّ النَّاس يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْم عَائِشَة " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَحْمَد , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِهِشَامٍ فِيهِ طَرِيقَانِ , فَإِنَّ عَبْدَة بْن سُلَيْمَان رَوَاهُ عَنْهُ بِالْوَجْهَيْنِ , أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقه بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّل كَمَا مَضَى فِي الْبَاب الَّذِي قَبْلَهُ , وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقه مُتَابِعًا لِحَمَّادِ بْن سَلَمَة , وَاللَّه أَعْلَم .

 

This site was last updated 03/24/08