المخابرات البريطانية: الداخلية المصرية فجرت كنيسة القديسين
الوعى العربى 3/2/2011م
كشف دبلوماسي بريطاني أمام دوائر قصر الاليزيه الفرنسي، عن سبب إصرار إنكلترا على المطالبة برحيل الرئيس المصري وفريقه، خصوصاً أجهزة وزارة الداخلية التي كان يديرها الوزير حبيب العدلي، والسبب هو أن المخابرات البريطانية تأكدت، ومن المستندات الرسمية المصرية الصوتية والورقية، أن وزير الداخلية المصري المقال حبيب العدلي كان قد شكل منذ ست سنوات جهازاً خاصاً يديره 22 ضابطاً، وعداده من بعض أفراد الجماعات الإسلامية التي قضت سنوات في سجون الداخلية، وعدد من تجار المخدرات وفرق الشركات الأمنية، وأعداد من المسجلين خطراً من أصحاب السوابق، الذين قُسموا إلى مجموعات حسب المناطق الجغرافية والانتماء السياسي، وهذا الجهاز قادر على أن يكون جهاز تخريب شامل في جميع أنحاء مصر في حال تعرض النظام لأي اهتزاز..
ما كشفت المخابرات البريطانية أن الرائد فتحي عبد الواحد المقرب من الوزير السابق حبيب العدلي، بدأ منذ يوم 11 كانون الأول/ ديسمبر الماضي بتحضير المدعو أحمد محمد خالد، الذي قضى أحد عشر عاماً في سجون الداخلية المصرية، ليقوم بالاتصال بمجموعة متطرفة مصرية، لدفعها إلى ضرب كنيسة القديسيْن في الإسكندرية، وبالفعل قام أحمد خالد بالاتصال بمجموعة متطرفة في مصر اسمها (جند الله)، وأبلغها أنه يملك معدات حصل عليها من غزة يمكن أن تفجر الكنيسة لـ"تأديب الأقباط"، فأعجب محمد عبد الهادي (قائد جند الله) بالفكرة، وجنّد لها عنصراً اسمه عبد الرحمن أحمد علي، قيل له إنك ستضع السيارة وهي ستنفجر لوحدها فيما بعد، لكن الرائد فتحي عبد الواحد كان هو بنفسه من فجر السيارة عن بعد، بواسطة جهاز لاسلكي، وقبل أن ينزل الضحية عبد الرحمن أحمد علي من السيارة، وكانت الجريمة المروعة التي هزت مصر والعالم ليلة رأس السنة الماضية.
تم توجه الرائد نفسه فوراً إلى المدعو أحمد خالد، وطلب منه استدعاء رئيس جماعة (جند الله)؛ محمد عبد الهادي، إلى أحد الشقق في الإسكندرية، لمناقشته بالنتائج، وفور لقاء الاثنين في شقة في شارع الشهيد عبد المنعم رياض بالإسكندرية، بادر الرائد فتحي إلى اعتقال الاثنين ونقلهما فوراً إلى القاهرة بواسطة سيارة إسعاف حديثة جداً، واستطاع الوصول بساعتين ونصف إلى مبنى خاص في منطقة الجيزة بالقاهرة تابع للداخلية المصرية، حيث حجز الاثنين لغاية حدوث الانتفاضة يوم الجمعة الماضي، وبعد أن تمكنا من الهرب لجآ إلى السفارة البريطانية في القاهرة حفاظاً على سلامتهما، وقال الدبلوماسي البريطاني، إن القرار في تفجير الكنيسة جاء من قبل النظام المصري لعدة الأسباب أهمها:
11 ـ الضغط الذي يمارَس على النظام من قبل الداخل المصري والخارج العربي والإسلامي لمواصلته محاصرة مدينة غزة، لذا فإن اتهام (جيش الإسلام) الغزاوي بالقيام بالعملية يشكل نوعاً من دعوة المصريين لاتهام "المسلحين" في غزة بتخريب مصر لكسب نوع من الوحدة الوطنية حول النظام القائم، وإيهام العالم الخارجي بأنه يحمي المسيحيين.
2 2ـ إعطاء هدية لنظام العبري في تل أبيب، ليواصل حصاره على غزة، والتحضير لعملية كبيرة عليها، وتأتي هذه الهدايا المصرية للكيان الإسرائيلي ليستمر قادة إسرائيل في دعم ترشيح جمال مبارك لرئاسة مصر في كل أنحاء العالم.
3 3ـ نشر نوع من الغطاء على النظام المصري داخل مصر يخوله الانتقال حينذاك من حمى تزوير الانتخابات إلى اتهام الإسلاميين بالتطرف والاعتداء على المسيحيين، لكي يحصل النظام على شرعية غربية بنتائج الانتخابات المزورة، وحقه في اعتقال خصومه، كما حصل بعد الحادثة، حيث بلغ عدد المعتقلين الإسلاميين أكثر من أربعة آلاف فرد.
وختم الدبلوماسي البريطاني أن نظام مبارك فقد كل مسوغات شرعيته، بل إن عملية "الكنيسة" قد تدفع الكثير من المؤسسات الدولية والأهلية إلى المطالبة بمحاكمة هذا النظام، ناهيك عما فعله بالشعب المصري طوال ثلاثين عاماً، والأهم ما قام به في الأسبوع الأخير.
***************
وطنى 24/1/2011م أخبار الأحد
بدون سابق ترتيب: بدء إنشاء مبني مارمرقس للخدمات في عيد استشهاده والانتهاء من المبني الخرساني في عيد ظهور رأسه وافتتاحه يوم ذكراه
كنيسة القديسين بالإسكندرية.. اسم تردد علي كل الألسنة مع بداية عام جديد.. وبكل لغات العالم نطقوه عندما حملته وكالات الأنباء وهي تنقل للبشرية بكل الحزن نبأ أبشع حادث إرهابي ارتفعت فيه إلي السماء أرواح تسعة عشر شهيدا ممن كانوا يستقبلون العام الجديد بفرحة وتسابيح وكأنهم كانوا يعدون أنفسهم للفردوس.. ولم يكن هذا أول حادث إرهابي تتعرض له كنيسة القديسين فمنذ سنوات خمس مضت -أبريل 2006- هاجم شاب -ادعو أنه مختل عقليا- المصلين وسقط بطعنة من سلاحه الشهيد نصحي عطاالله.. وصار السؤال علي كل لسان لماذا كنيسة القديسين دون سائر الكنائس ذبيحة للشهداء؟!.. ورأيت أن أذهب إلي هناك.. لا للبحث عن إجابة للسؤال ولكن لأسجل قصة كنيسة دخلت التاريخ بشهدائها..
الطريق إلي كنيسة القدسين سهل, فقد مضي بي التاكسي مسرعا علي طريق الكورنيش شبه الخالي تقريبا من المارة ربما هروبا من غزارة الأمطار المتساقطة.. المهم أن السائق اعتذر لي مقدما: لن يستطيع الدخول بي إلي شارع الكنيسة ولكن بعد أن اجتاز شارع الكورنيش وانحرف يمينا إلي شارع خليل حمادة -شارع الكنيسة- ووصل إلي تقاطع شارع خالد بن الوليد أخذ الجانبا الأيمن فهممت بالنزول ولكنه أسرع بدعوتي للانتظار فقد رفعت الحواجز المرورية وبات واضحا أنهم سمحوا للسيارات بالمرور وعادت الحياة إلي شارع الكنيسة.. واصل التاكسي طريقه, ولمحت عيني قباب الكنيسة تكاد تعانق مئذنة الجامع المواجه لها لا يفصلهما إلا عرض الشارع الذي لا يتجاوز خمسة أمتار..
***
هممت بالدخول لكن استوقفتني بصمات الدماء مدشنة علي الجدران.. نظرت إلي أعلي فوجدت صورة القديسين مرقس وبطرس بالموازييك, والصورة أيضا رغم ارتفاعها تظهر منها بقع أخري من الدماء.. المنظر ليس جديدا علي فقد شاهدته في اللقطات التي حملها لنا الزملاء المصورون وشاهدناها علي شاشات القنوات الفضائية.. ولكن فرق بين ما شاهدته عيني من قبل وبين ما أبصره الآن.. أحسست أن الدماء تهب الحياة للجدران وتصرخ يارب ارحم.
***
تسلل إلي قلبي نغمات الألحان تأتي بصوت شجي من الكنيسة العلوية.. حاولت أن أسرع بخطواتي لأنضم إلي صفوف المصلين, ولكن قدماي توقفت.. انتابني إحساس غريب برهبة المكان.. حاولت أن أكسر حدة هذا الشعور وأنا أمد يدي استند إلي السور النحاسي لعلي أستطيع أن أصعد درجات السلم الدائري.. مرة أخري تسمرت قدماي فقد لمحت عيني عدة آيات من الكتاب المقدس وأقوال الآباء القديسين.. أسجل هنا نصها:
** ما أرهب هذا المكان.. ما هذا والا بيت الله وهو باب السماء تكوين 28 :17
** واذ سلم منصوبة علي الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها تكوين 18:12
** ما أحلي ماساكنك يارب الجنود.. تشتاق بل تتوق نفسي إلي ديار الرب مزمور 84:21
** إن الملائكة ورؤساء الملائكة من جميع المراتب السمائية يقفون برعب وخوف وتقديس الأسرار, فكم بالحري يجب عليا نحن التوابين أن نتمثل بهم الشيخ الروحاني
** إن نعمة الله لا تفارق بيت الله قط فلا تنشغل عن متابعة الصلاة والتسبيح تفتح فمك بالحدث مع أحد ولا تحرم نفسك من عمل النعمة الأسقف بوتين
الكلمات منقوشة بدقة علي الحجر, لكن الأهم أنها تنطق كأنها لسان الشهداء.. سألت نفسي كيف استطاعوا في هذه الأيام القليلة أن ينقشوا هذا؟!.. ولكني عرفت فيما بعد أنها نقشت عام 1993 عند تجديد الكنيسة.. تعجبت ممن فكر في هذا وكأنه يتنبأ بأن هذا المكان سيكون ذات يوم مزارا للشهداء.
* جولة وحوار..
* بعد صلاة القداس اصطحبني القمص مقار فوزي في جولة داخل كل أرجاء الكنيسة انتهت بنا في حجرة الآباء الكهنة.. جلس أبونا مقار يسترجع الذكريات ويحكي لي قصة بناء الكنيسة.. قال:
** أربعون عاما معظمها في البناء والإنشاء من توسيع للكنيسة حوالي خمس مرات وبناء الدور الأرضي ثم الثاني ومبني الخدمات, ولكن تعلمنا فيها كيف نصلي ونصرخ إلي الله ونتمسك بالمذبح والقديسين, وصرنا في هذه الكنيسة مرتبطين بكل طوبة وحبة رمل.
** كانت البداية عندما فكر المتنيح أبونا بيشوي كامل كاهن كنيسة مارجرجس بأسبورتنج في بناء كنائس بالإسكندرية التي بدأت تعمر بالسكان وبأعداد كبيرة من الأقباط الذين لا يجدون كنيسة يصلون بها.. بدأ أبونا بيشوي والقمص مينا آفامينا وكيل البطريركية بالإسكندرية وقتئذا - نيافة الأنبا مينا أسقف ورئيس دير مارمينا فيما بعد- في إنشاء كنائس مارجرجس بالحضرة, الأنبا تكلا بالإبراهيمية, الملاك ميخائيل بمصطفي باشا, وبعدهم كانت كنيسة القديسين, ومن بعدها كنيسة القديس كيرلس عمود الدين بكيلوباترا.
** استطرد بقوله كما فكر قداسة البابا كيرلس السادس في سيامة أبونا بيشوي كامل لكنيسة أسبورتنج قبل بناء الكنيسة ومن أقواله المأثورة في هذا الكاهن قبل المباني.. هكذا دعاني أبونا بيشوي للرسامة قبل بناء الكنيسة, وفي مايو 1971 سيمت كاهنا علي مذبح كنيسة مارمرقس.. وكما قلت من قبل كان أبونا بيشوي يفكر بخبرة الخادم الأمين أن تكون في هذه المنطقة كنيسة.. وبمعرفة بعض الأحباء وبإرشاد الرب توصلنا إلي قطعة الأرض هذه -900 متر- بمبلغ تسعة آلاف جنيه, وكان أبونا بيشوي لا يدخر إلا ألفي جنيه قدمتهم له سيدة فاضلة لبناء كنيسة, وبمعاونة أبونا القمص لوقا سيداروس ومساهمات بعض رجال الأعمال الذين تشكل منهم أول مجلس للكنيسة وظلوا يباشرون الخدمة في الكنيسة قبل إنشائها وأثناء الإنشاء وبعد افتتاحها بفترة ليست بقصيرة.
** كان ذلك في عام 1971, وكانت قطعة الأرض هذه يتوسطها ورشة بلاط 10*14 متر وباقي الأرض جبل يحيطه مساحات رملية متسعة بلا تقسيم لشوارع أو مبان, حتي شارع خليل حمادة نفسه الذي تطل عليه الكنيسة الآن كانوا يقيمون بشقة أثناء بناء الكنيسة.. وفوق ورشة البلاط تم تشييد الكنيسة, وفي 12 يوليو 1971 تحولت ورشة البلاط إلي ورشة للعمل الروحي.. أقصد إلي كنيسة باسم القديسين مرقس الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء.
* البداية
* يتذكر القمص مقار فوزي البداية فيقول:
** مبني صغير بسيط بالطوب الأحمر بلا بلاط وبلا أبواب, بها بعض المباني التي استعرناها من كنيسة مارجرجس أسبورتنج, وبعض الستائر والأيقونات القديمة, ولكن رغم هذه البساطة كانت تشعر أنها مؤسسة علي الصخر..
** وفي هذا الجو البسيط في شكله كان المذبح قائما في هيكل بسيط.. وفي فجر يوم 12 يوليو 1971 -عيد الرسل- جاء أبونا بيشوي كامل ومعه نيافة الأنبا مكسيموس مطران القليوبية المتنيح وبدأ أول قداس إلهي في هذا المكان.. وفي أثناء الصلاة علقت في الخارج لافتة مكتوب عليها بطريركية الأقباط الأرثوذكس - كنيسة القديسين مارمرقس الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء.
* القديسين:
* سألت أبونا مقار.. لماذا سميت الكنيسة بهذا الاسم؟!.. قال:
** نيافة الأنبا مكسيموس -نيح الله نفسه- كان يحب ويريد أن يسمي الكنائس علي أسماء البطاركة أبطال الإيمان, وفي هذه الأيام كان الكرسي البابوي خاليا بنياحة البابا كيرلس السادس فأنتدب الأنبا أنطونيوس القائمقام الأنبا مكسيموس لتدشين الكنيسة فقال نسميها علي اسم البابا بطرس خاتم الشهداء ولأن أبونا بيشوي كان قد دعاني للكهنوت للخدمة في هذه الكنيسة, إلا أن سيامتي كانت في 5 مايو 1971قبل افتتاح الكنيسة, وجاءت سيامتي علي مذبح كنيسة مارمرقس الرسول, فعندما افتتحت الكنيسة في 12 يوليو 1971 رأي أبونا بيشوي أن يكون الكاهن علي مذبحه كما هو, فأضاف اسم مارمرقس الرسول ليصبح اسم الكنيسة مارمرقس الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء ومن تدبير الروح القدس في توافق الاسمين أن مارمرقس أول الشهداءوالبابا بطرس خاتم الشهداء, والاثنين بطاركة, وشهداء, واستشهدا في الإسكندرية.. وهكذا صارت لنا بركة مضاعفة فتشرفنا برعاية ومعجزات مار مرقس والأنبا بطرس.. وأطلق عليها الناس اسم القديسين.
* زيارات البابا
* كيف صارت الخدمة بالكنيسة؟!.. سؤال طرحته علي أبونا مقار أكبر قساوسة الكنيسة, فبادرني قائلا:
** إن كنت تقصد الخدمة الروحية فافتتاح الكنيسة كان في يوم عيد الرسل, ولم يكن هذا بقصد بشري ولكنه كان بتدبير إلهي..وهو توافق نشكر الرب عليه لأن افتتاح كنيسة أعظم كرازة, فالرسل كرزوا وبشروا في بلاد ليس فيها إيمان والكنيسة فتحت في منطقة ليس فيها خدمة, وكما نمت خدمة الرسل في العالم هكذا نمت وكبرت كنيسة القديسين وانتشرت خدمتهما.. وكنيستنا تشرفت بزيارتين لقداسة البابا شنودة الثالث وهذه بركة عظيمة.. الزيارة الأولي عام 1972 وصلي القداس الإلهي, والزيارة الثانية عام 1976 وصلي العشية وألقي العظة وجلس بعدهما في جلسة خاصة مع الخدام والخادمات.. وتعتبر كنيستنا من الكنائس القلائل جدا التي زارها قداسة البابا مرتين ونحن نأمل في زيارة ثالثة -أطال الله حياته- وقد توجت كنيستا بدماء الشهداء التي غطت أرض مدخلها ودشنت أبوابها وكل جدرانها.
** ومع نمو الخدمة اختير الشماس سامي صادق كاهنا للكنيسة باسم القس ميصائيل صادق وكان ذلك في عام 1976 وهو نفس العام الذي نعمنا فيه بزيارة قداسة البابا شنودة الثانية لكنيستنا, وفي 1990 سيم القس مينا عادل وسيم أيضا الشماس يوسف غبريال وهو من أبناء كنيستا باسم أبونا سيرافيم واختاره قداسة البابا بعد سنة من رسامته ليخدم في كندا, وفي عام 1997 سيم القس مرقص ونيس وهو يخدم الآن في السويد, وفي عام 2003 سيم القس متاؤس صبري.
* المعادلة الصعبة
* وكيف صار النمو في بناء الكنيسة من مبني صغير إلي كاتدرائية كما نراها اليوم يتمجد فيها اسم الله القدوس؟..
** كانت الكنيسة كما قلت -والكلام مازال للمقص مقار فوزي- مبني صغير بسيط جدا ليس به حتي حجرة واحدة ملحقة.. الأكثر من هذا أن الكنيسة بدأت مثقلة بالديون, وكانت المعادلة الصعبة أن نقوم بعمل بعض الإنشاءات الضرورية مع سداد الديون, ولكن غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله ومد الرب يده وبنيت أول حجرة ملحقة وكنا نستغلها في كل الأغراض, وبعدها بنينا مبني آخر صار جزءا من الكنيسة فيما بعد, ثم كان أول توسيع للكنيسة من جهة الشرق, أعقبه توسيع من جهة بحري, ثم توسيع جهة قبلي, وعدنا مرة أخري إلي توسيع جهة الشرق, ثم توسيع جهة قبلي مرة أخري, وهكذا شهدت الكنيسة خمسة توسعات, ولم يكن هذا بالأمر السهل أبدا, فكنا نعاني في كل مرة من الحروب الرهيبة تارة بإيقاف العمل وتارة بتحرير محاضر المخالفات وإلزامنا بدفع الغرامات.
أضاف: شعرنا حقا أن روح مارمرقس ترف حولنا وترعانا.. وبدء إنشاء مبني مارمرقس للخدمات كان في 30 برمودة - 8 مايو 1986- الموافق عيد استشهاد القديس مارمرقس الرسول, والعجيب أن المبني الخرساني انتهي في العيد الذي يليه لمارمرقس -عيد ظهور رأسه الموافق 9 نوفمبر 1986- وفيه صب سقف الدور السادس والأخير, وبقيت أعمال التشطيب التي انتهت أيضا في يوم عيد مارمرقس -8مايو 1987- ولهذا سمي بمبني مارمرقس.
* قرار بالصلوات
* قلت ومشاعر الاشتياق تغمرني.. نعود إلي إعادة بناء الكنيسة؟!
** عندما طلبنا من الحي قرارا بترميم الكنيسة قالوا لنا كيف تأخذون قرار بالترميم وأنتم ليس لكم أصلا ترخيص بالكنيسة .. وكنا في حاجة إلي معجزة.. وتحققت المعجزة بعد قداس عيد تكريس كنيسة مارمرقس وظهور رأسه -30 بابه الموافق 10 نوفمبر 1987- عندما جاءني اثنان من خدام الكنيسة ممن كانوا يسعون لقرار الترميم.. جاءوا ومعهم قرار ترميم الكنيسة!!.. جاء إلينا القرار بقوة المذبح وصلوات شفيعنا مارمرقس.. جاء القرار مارا علي مهندسين ولجان وأمن دون أن يعترضه أحد, وكأن يدا خفية تحركه, وكنا في شوق لأي قرار رسمي.
** اجتمع المهندسون وأحضروا الرسومات التي كنا قد أعددناها منذ أكثر من عشر سنوات, واستقروا علي طريقة العمل, كان ذلك مساء خميس, وفي الصباح بعد قداس الجمعة دخل العمال لحفر الأبيار, وبمجرد أن شعر الشعب أن الكنيسة تبني تحرك الجميع بغيرة واشتياق عجيب, وتقدم الكل بالمشاركة.. الكل يتوافد علي الكنيسة ليقدم خدمة أو معونة أو مشاعر.. منظر الشباب وحتي الفتيان والمهندسين والعمال والمقاولين داخل الكنيسة القديمة -كمنطقة عمل- كان منظرا رهيبا.. من يحفر, ومن يضع المقاسات, ومن يدرس اللوحات الهندسية, ومن يحمل الرمل والزلط, ومن يخلط الخرسانة, ومن يقدم الشاي والطعام, ومن يشجع من كل قلبه بصلوات حارة.. وعندما جاء يوم الأحد لم نستطع أن نصلي في الكنيسة فأقمنا القداس في كنيسة العذراء والقديس أبانوب الصغيرة الملحقة بدار مارمرقس للخدمات, ومرة أخري أدركنا عناية الله بنا التي دبرت لنا بناء مبني للخدمات قبل البدء في إعادة بناء الكنيسة.
* القديسين يصلون معنا
* يواصل القمص مقار استرجاع الذكريات.. ويواصل حديثه:
** كان العمل داخل الكنيسة يسير بصورة تفوق أي تنظيم علي المستوي الهندسي, وكان معدل العمل أسرع من التخطيط البشري فالعمل الذي يحتاج لإتمامه خمسة أيام ينتهي في يوم واحد.. وبعد أسبوع واحد كنا انتهينا من حفر جميع الأبيار وصب الخرسانة.. وعندما بدأنا -يوم الجمعة 20 نوفمبر- في فرد الخشب علي السقف القديم لصب السقف الجديد جاءت أوامر بإيقاف العمل.. وكان قرارا صعبا.. البعض قابله بالسخط الشديد, والبعض قابله بالدموع الغزيرة, والبعض قابله بالاستعداد لدفع حياتهم ودمائهم فداء الكنيسة.. وخيم الحزن والوجوم علي كل الوجوه بعد الفرح والحماس.. وفي هذه الظروف الصعبة ظهر حب الشعب للكنيسة.. هزة قوية حركت قلوب كثيرين, وحركت عيونا كانت قد جفت, وحركت البتدين ليقتربوا إلي الكنيسة.
** ظل الإيقاف رغم المحاولات المستميته منا للاستئناف دون جدوي.. وبعد خمسة أيام -25 نوفمبر 1987- وبترتيب إلهي عجيب قابلنا شخص قادم من القاهرة, عرض علينا أن يساعدنا وتحمس لإنهاء الأمر ووعدنا بإحضار قرار من وزير الداخلية!!.. أيام وجاءت ليلة عيد الأنبا بطرس شفيع الكنيسة -الثلاثاء 8 ديسمبر 1987- والكل يصرخ أن يعمل شيئا في عيده من أجل كنيسته.. وظهر يوم العيد رن جرس التليفون.. مكالمة من القاهرة.. مبروك الوزير وقع القرار.. وكانت المعجزة التي انتظرناها.. قديسا الكنيسة يصلون معنا ونحن لا نصلي وحدنا.
** جاءت لحظة البدء مرة أخري.. لحظات وكان الجميع يعملون في استكمال أعمال النجارة والحدادة لسقف الكنيسة, استغرق هذا يومين فقط, ثم بدأ صب الخرسانة التي استغرقت يومين أيضا, وبعد أسبوعين بدء في تكسير الكنيسة القديمة من أسفل إلي أن نزل السقف القديم بهدوء ودون أن يحدث أية أضرار بالأعمدة الجديدة, وظهر لنا السقف الجديد المرتفع, وكان منظرا مفرحنا للجميع, ودخلنا في تشطيب الكنيسة.
* تحريك الله
* من معجزة إلي معجزة أخذ ينتقل بي القمص مقار.. توقف عن الحديث لحظات وكأنه يعد لي مفاجأة.. وبالفعل قال لي: الله يريد أن نبني الدور الثاني.. شدتني كلماته وكنت أعتقد أن حديثي معه كاد أن ينتهي.. تركته يتحدث وأنا أسجل.. قال:
** بعد الانتهاء من بناء الدور الأرضي وتمتعنا بالصلاة بداخله علي امتداد ثلاث سنوات, أردنا الاستفادة من سطح الكنيسة في النشاط الصيفي, فقمنا بعمل مظلة بسيطة لكي يلعب تحتها الأطفال.. وعند بدء أسبوع الآلام عملنا شادر كبيرة علي كامل مساحة للسطح, وفكرنا خلال الأسبوع في إقامة أعمدة حديدة تحت الشادر وبعدها قمنا برفع الشادر وعمل سقف صاج بارتفاع خمسة أمتار, وبقوة الله ومعونته تم بناء الجوانب بالطوب, وصار لنا بذلك كنيسة بالدور الثاني.. وكان ذلك في حد ذاته معجزة, فالسقف الصاج ظاهر للعيان.. وواجهنا مصاعب كثيرة لعزل السقف, وصلينا فيها الجمعة الكبيرة سنة 1993.. لكن الله كان يريد لنا غير ذلك.. في الصيام الكبير التالي فكرنا في عمل بلكون داخلية جهة الغرب لكي تستغل كمنصة للسيدات, وبدأنا أيضا في التجليد الخشبي للكنيسة, وفي عمل سقف خشبي معلق تحت الصاج, وقطعنا مراحل كبيرة في هذا العمل.
** كان الله يريد شيئا آخر, بل يريد معجزة جديدة لا تقل عن معجزة بناء الدور الأرضي.. بدأنا من جديد ندخل في دفع إلهي كأننا محمولون لشيء نحن لم نخطط له.. في الصوم الكبير -1994- فكرنا في عمل مدرج للسيدات في آخر الكنيسة وكان هذا بداية الخيط الذي سحبنا الله منه حتي تم بناء الكنيسة الجديدة كلها, ففي سرية تامة تم عمل هذا المدرج, ولكنه كان غير مرتفع لانخفاض السقف الصاجي, وهذا أيضا قادنا لنرفع الصاج إلي أعلي رغم أنه كان مثبتا بأحكام ومعزولا بالخيش المقطرن والبيتومين, وفعلا بدأنا برفع كل العزل عن السطح ثم فك الصاج, وكان هياج إبليس رهيبا ولكن إرادة الله.. كانت كل العقبات والمعطلات تتزلل, ورفع الصاج بمعجزة لننتقل إلي الخطوة الكبري التي يرتب لها الله دون أن نعلم.
*, بعد أن رفعنا الصاج إلي أكثر من 12 مترا وسط الكنيسة, وجدنا أن الصاج لم يعد يصلح ففكرنا في صب سقف خرساني من تحت الصاج ينزل بميل علي الجانبين إلي حوالي 9 أمتار.. وفي شيء من الإعجازدخلت الآلات والزلط والرمل والأسمنت والخشب والحديد, وغالبية الشعب لا يعرفون ماذا يتم داخل الكنيسة.. وتم البناء والتشطيبات ليتمجد اسم الله فعندما يريد الله شيئا من ذا الذي يقف أمامه؟!
* أدركت أني وصلت إلي نهاية القصة.. لملمت أوراقي وهممت بالانصراف, لكن المكان بروحانياته يشدني.. عند خروجي كانت أفواج مقبلة إلي الكنيسة مع أن الموعد ليس موعد صلاة.. وأما لا والكنيسة صارت مزارا وسر بركة بدم الشهداء.. بالقرب من مزار أجساد القديسين استوقفتني صورة السيد المسيح فاتح ذراعيه ليتحضن المقبلين إليه كقوله تعالوا إلي ياجميع المتعبين وثقيلي الأحزان وأنا أريحكم.. عرفت أن الصورة كانت معلقة أعلي الباب الخارجي للكنيسة الصغيرة بالدور الأرضي أرتفع دم الشهداء ليدشنها, بعدها قامت الكنيسة بوضعها داخل إطار زجاجي, ويأتي الشعب إليها يتلمسون فيها شفاعة الشهداء.