Home Up فهرس الإسلام قبل غزو مصر أسلحة الحروب القديمة فيضان النيل فهرس الأحتلال العربى الخلفاء مميزاتهم وعيوبهم تعديل أنظمة المتاحف المصرية فهرس الأحتلال الأموى فهرس الأحتلال العباسى معبد بن عزرا اليهودى فهرس الإحتلال الفاطمى الإحتلال الأيوبى لمصر أعدام صدام العراق فهرس الحكم المملوكى عواصم الخلافة الإسلامية فهرس الأحتلال العثمانى صفحة فهرس شيوخ الأزهر فهرس الأحتلال الفرنسى فهرس عودة الإحتلال العثمانى ملابس الحرب الإسلامية الوظائف بالدولة الإسلامية الإحتلال الإسلامى حق اللجوء السياسى لمصر على أمين وعيد الأم رياح الخماسين الشيخ عبد الصمد الخــط العربى آثار دمشق عيون راس سدر الكبريتية هل توجد حضارة إسلامية؟ السيجماتا نقابة الصحفيين تاريخ الدعارة بمصر تاريخ المؤتمر الإسلامى تاريخ الجالية اليونانية فانوس رمضان أهل الكتاب ببلاط الخلفاء سمعان صيدناوى فهرس أسرة محمد على الخصومات الثأرية أول أمين للجامعة العربية الأقباط فى العهد الملكى والجمهورى تاريخ التصوف الإسلامى الأمازيغ فى مصر تاريخ الجامعات فهرس الجمهوريات الإسلامية | | سمعان صيدناوي بني بيديه صرح مجده وطنى 24/5/2010م ماريان موريس * الأخوان صيدناوي... صرح تجاري بالخازندار * بدأ عاملا صغيرا لدي عمه... وانتهي به المطاف واحدا من أثرياء مصر والشام
سمعان صيدناوي رجل عصامي من الطراز الأول بني بيديه صرح مجده حتي أصبح في ذاكرة كل المصريين فهو صاحب أشهر صروح التجارة في مصر...وكان رمزا للاستقامة والأمانة... وكانت الأخلاق هي رأسماله الذي ضارب به في أسواق التجارة... وبذكائه فتحت له أبواب المال والشهرة. في قرية صيدنايا التي حمل اسمها سمعان شهدت بدايته الأولي وهي من أشهر مناطق الشرق المسيحي في سورية, تقع علي ارتفاع 1400 متر شمال شرق دمشق وتتميز بمناخها الصحي ووجود ضريح السيدة العذراء ليصبح هذا الضريح من أشهر أماكن الحج عند المسيحيين, وإلي هذا المكان الرائع تنتمي عائلة صيدناوي. بعد ذلك استقرت العائلة في دمشق حيث ولد سمعان صيدناوي من عائلة مسيحية. أنجبت جدة أنطون صيدناوي خمسة أولاد وهم موسي, ويوسف, وإبراهيم, ونيقولا, وسركيس. وفي سن الخامسة والعشرين استقر نيقولا في مصر عام 1845, أما ابنه الثاني يوسف ففضل البقاء في بلاده وتزوج من فتاة جميلة تدعي عكاوي هانم والدة سمعان صيدناوي الذي ولد في الأيام الأولي من شهر يوليو 1856 وسط الكثير من الإخوة والأخوات وهم: جبران, وروفان, وسليم, وأنطوان, وميشيل, وماري, وسوزان. وقضي معهم أجمل أيام طفولته. تعلم سمعان في مدرسة تابعة للآباء اللازاريست وهو نوع من الرهبنة عند الكاثوليك, وفي سن مبكرة بدأ أولي خطواته في الحياة العملية موظفا بسيطا في أحد دواوين الحكومة التركية. وفي أحد الأيام جاء سمعان ببعض الأموال التي فاز بها في اليانصيب الذي كان منتشرا في ذلك الوقت مما أثار حفيظة والديه المتدينين لأنهما اعتبرا أن هذه الأموال غير مشروعة حيث جاءته بغير الكد والاجتهاد. التحق سمعان بالعمل لدي أحد تجار السجاد الشرفاء والذي وجد في الشاب الصغير العديد من الخصال الحميدة التي جعلته لا يتمسك به فحسب وإنما يقرر أيضا تزويجه لابنته بالرغم من الاختلاف في الأديان, وما إن علم والداه بذلك حتي بعثا إلي عمه في مصر نيقولا صيدناوي الذي استقر في القاهرة منذ فترة طويلة ليستضيف ابنهما الصغير سمعان. وبالفعل استجاب سمعان الصغير لدعوة عمه وحضر إلي القاهرة وعاش في كنفه منذ عام .1878 الجدير بالذكر أنه أثناء ركوبه الباخرة في الطريق إلي مصر طلب منه أحد المسافرين مبلغا من المال كمساعدة فلم يتردد سمعان برغم ظروفه الصعبة. ولأن عمل الخير لا يضيع أبدا فقد قابل سمعان علي المركب نفسه أحد المغاربة الذي أعطاه مبلغا من المال كان مدينا به لعمه نيقولا صيدناوي. في القاهرة أظهر سمعان صيدناوي مواهبه الخلاقة في العمل من حيث المهارة والكفاءة وحسن الإدارة مما دفع عمه -والذي كان في مسيس الحاجة إليه- إلي أن يشجع ابن أخيه بمنحه مبلغا من المال ليستقل بنفسه في العمل... ففتح سمعان محلا صغيرا للخردوات في الحمزاي ثم بدأت بوادر النجاح تطل عليه وتلوح له في الأفق. في ذلك الوقت جاء إلي القاهرة شقيقه الكبير سليم واشترك مع صديق له اسمه متري صالحاني وفتحا دكانا لحياكة الملابس حيث كان سليم حاذقا في هذه الحرفة غير أن الأقدار السيئة حالت دون انطلاقه فاحترق الدكان بما فيه. احتضن سمعان الصغير شقيقه الكبير وطيب خاطره واقترح عليه مشاركته في دكان الخردوات فقبل... وهكذا تأسست باكورة أعمال صيدناوي بالقاهرة بمحل صغير يحمل اسم سليم وسمعان صيدناوي. انكب الشقيقان علي عملهما بتفان وحققا النجاحات نجاحا تلو الآخر دون أن يتركا حجرتهما المتواضعة في درب الجنينة. وفي صباح أحد الأيام جاءته إحدي الدلالات واشترت منه عشرين مترا من الشبيك المخرم الدنتلة وأعطته الثمن وانصرفت وراجع سمعان النقود بعد انصرافها فإذا هي ضعف الثمن المطلوب ففطن إلي أن الدلالة حسبت السعر بالقرش صاغ في حين طلب هو السعر بالقرش التعريفة (نصف القرش صاغ) فركض خلفها ليفهمها أنها أخطأت في الحساب وليرد إليها فرق الثمن فأدركها علي مسافة بعيدة ورد لها باقي حسابها فشكرته علي أمانته وشهامته وأخذت تنقل قصة الشاب الشامي الحليوة علي حد تعبيرها بين بيوت الأثرياء من زبائنها, وأصبحت سيدات القصور توصي الدلالات بشراء حاجاتهن من دكان الشاب الشامي الوسيم الأمين, وبعد فترة اتسعت تجارة الشقيقين وضاق بهما الدكان الصغير فانتقلا إلي حي الموسكي وقاما بشراء منزل قديم بميدان الخازندار وهدماه ليشيدا مكانه دكانا كبيرا يفي بأغراض تجارتهما ليتحول إلي واحد من كبريات حوانيت القاهرة عام 1896م. فكر سمعان صيدناوي في الزواج وتكوين أسرة فجمعته الأقدار السعيدة بفتاة جميلة وحنونة تدعي عفيفة راثل وتم زواجهما في السابع والعشرين من يوليو عام 1884م, وعلي شاكلة والديه رزق سمعان بكثير من الأبناء وعددهم تسعة هم ماري, وجوزيف, وروز, وجورج, وأسما, وجون, وعايدة, وإميل, ولويس. بدأت الأحزان تطرق أبواب الأسرة السعيدة, فبعد خمسة عشر يوما من ولادة جون توفي ولحقت به أخته أسما في ريعان الصبا حيث لم يتجاوز عمرها الثامنة عشر, وكان سمعان قبل ذلك بعامين فقد أخاه ورفيق رحلة كفاحه سليم. في محاولة من سمعان صيدناوي لتجاوز أحزانه, أغرق نفسه في العمل, فكان يقضي معظم يومه في محل تجارته ورغم ثرائه الواسع كان يعيش حياة بسيطة تقترب من التقشف بعيدة تماما عن البذخ والإسراف. توسع سمعان صيدناوي في تجارته وقام بدمج حوانيته الثلاثة في حانوت كبير جدا ليقدم لنا تحفة معمارية في البناء والتصميم والديكورات ليتم افتتاح محلات سليم وسمعان صيدناوي رسميا عام 1913 وشاركه في إدارة هدا الصرح الكبير ابناه يوسف وجورج مع نجل شقيقه ويدعي إلياس وتوالت الفروع في الإسكندرية والمنصورة وطنطا وكافة ربوع المحروسة. كان سمعان لا يهتم بالألقاب إلا أنه في عام 1902 قرر الخديوي عباس حلمي الثاني أن يمنحه لقب بك فقال سمعان في ذلك إنه لا يستحق هذا اللقب بل أخوه سليم هو الأجدر به, فكان له ما أراد, ولكن بعد عامين اضطر أن يقبل اللقب حتي لا يغضب الخديوي عباس حلمي. ويذكر أنه لم يرتد بدلة التشريفة أكثر من مرتين في حياته. في الثامن من يناير عام 1924م قرر المجمع الرسولي بأوربا برئاسة الكاردينال كاسباري أن يمنحه لقب الكونت وصلاحياته له ولأولاده وأحفاده من بعده وبالرغم من الألقاب التي حصل عليها وثروته التي تضخمت لم ينس دوره في خدمة المجتمع, فنجد اسم الأخوين سمعان وسليم صيدناوي مرتبطا بالكثير من المشروعات الخيرية بالمشاركة مع بعض الإرساليات مثل سان فانسان دي بول ومساعدة الفتيات الفقيرات المقبلات علي الزواج ماديا وعينيا... هذا إلي جانب ثلاثة أوقاف خيرية تعود بالنفع علي المجتمع دون التفريق بين جنس أو دين, وكان هذا بالمشاركة مع أبناء إخوته. الوقف الأول عبارة عن عمارة تنازل عن دخلها الشهري الذي يعد بمئات الجنيهات -في ذلك الوقت- للأعمال الخيرية, بالإضافة إلي وقفين آخرين هما المدرسة البطريركية والمدرسة الخيرية. ثم تم شراء المنزل القائم في 42 شارع الفجالة بالحديقة الملحقة به وتم اعتباره وقفا خيريا. مع الوقت زاد عدد الطلبة في المدرسة وكانت الحاجة ملحة للتوسع فلجأوا إلي افتتاح المدرسة البطريركية الجديدة الموجودة في شارع الملكة نازلي. كما اهتم القائمون علي المدرسة البطريركية بتعليم الحضارات الغربية إلي جانب الحضارة الشرقية العربية فتأتي الأخلاق والثقافة في أولويات الدراسة مع القراءة والكتابة والحساب. انقسمت إدارة المدرسة بين اثنين من عائلة صيدناوي واثنين من لجنة شكلتها الجمعية الخيرية, وبعد مرور حوالي عام تم ضم شارع الفجالة للوقف الخيري لصالح الجمعية للطائفة اليونانية الكاثوليكية بالقاهرة. لن نكون مبالغين إذا قدرنا تبرع عائلة صيدناوي بخمسين ألف جنيه مصري في ذلك الوقت... وهو مبلغ عشرات الملايين بأسعار اليوم. وإيمانا بالمساواة في حق التعليم بين الغني والفقير, تم تخصيص بعض الأماكن في المدرسة لخدمة التلاميذ غير القادرين دون تفريق بينهم وبين أبناء الأثرياء لحماية حقهم في مستوي تربية وتعليم راق. وظلت المدرسة محتفظة بهذه المبادئ والأفكار حتي اليوم. ولا يتبقي لنا إلا الحديث عن الأيام الأخيرة في رحلة عطاء سمعان بك صيدناوي. مثل كل عام قام سمعان بك بمصاحبة زوجته للسفر إلي مدينة إفيان بفرنسا لنقاء جوها ومياهها الجوفية التي كانت تساعده بشكل ملحوظ في تحسن حالته الصحية لكن هذه المرة لم يرغب في البقاء مدة أطول فأصر علي الرجوع إلي القاهرة عن طريق إيطاليا وكالعادة قبل أن يعود قام بقضاء بعض الوقت في باريس بعد إلحاح شديد من زوجته وكان ذلك في يوم السادس عشر من سبتمبر عام 1936م. وفي يوم الأحد التالي قام بحضور القداس بكنيسة القديس جوليان دي بوفر وبعد يومين شعر ببعض التعب ورقد طريح الفراش ورغم ذلك أصر علي العودة إلي القاهرة رغم التأخر الشديد في حالته الصحية ونصائح الأطباء له بالبقاء جتي تتحسن صحته. عاد إلي القاهرة بآلامه صابرا عليها بكل رضاء وقدرة علي التحمل وساعده في ذلك وجود أبنائه وأحفاده بجانبه وظل علي هذا الحال إلي أن توقف الكبد تماما عن العمل وشعر بقشعريرة هزت جسده بعنف فطلب مقابلة الكاهن ليقوم بالاعتراف للمرة الأخيرة في حياته ثم بارك أبناءه وأحفاده ورقد في سلام في العاشر من أكتوبر عام 1936 عن عمر يناهز الثمانين عاما من المحبة والعطاء بلا حدود وما تزال ثمار عطاياه باقية حتي اليوم. |