الأهرام 23/5/2009م السنة 133 العدد 44728 بقلم : د‏.‏ رفعت السعيد

حدث في عصر محمد علي

عندما تولي محمد علي حكم مصر‏[1805]‏ قال‏:‏ إن مصر جنة الله في الأرض‏,‏ لو وهبني الله ألف حياة غير حياتي هذه لبذلتها جميعا في سبيل الاحتفاظ بحكم مصر‏[‏ فالنتين شيرول ـ المسألة المصرية ـ الطبعة الانجليزية ـ ص‏32],‏ لكن عمامة محمد علي كانت تغطي رأسا متوقد الذكاء والطموح لبناء مصر الحديثة‏,‏ وربما كمنت عبقرية محمد علي في إدراكه لأهمية تحديث مصر وتطوير زراعتها وبناء صناعتها وبناء طبقة كاملة من المثقفين‏,‏ الذين ما إن تعلموا حتي منحهم محمد علي وظائف إدارية مهمة وأبعاديات فأصبحوا كبار موظفين وكبار ملاك في آن واحد‏,‏ لكن الأهم أنه أدرك برغم إشارات كثيرة عن استبداده وتشدده في إحكام قبضته علي عنق مصر‏,‏ أن أي حكم ناجح يجب أن يكون رشيدا وأن يواجه فساد الولاة والموظفين بحزم وأن يفرض إرادة العدل‏,‏ وأدرك أن الظلم والفساد يقتلان أي محاولة للبناء والإصلاح‏.‏
وتحت أيدينا مجلد أصدرته أخيرا دار الكتب والوثائق القومية ـ مركز تاريخ مصر المعاصر عنوانه السلطة وعرضحالات المظلومين من عصر محمد علي‏1820‏ ـ‏1822‏ وهو عبارة عن ترجمة لبعض وثائق الدفترخانة التي ضمت أوامر محمد علي ردا علي عرائض المظلومين التي وردت الي الدائرة السنية‏,‏ وبمطالعته نكتشف أن محمد علي قد اهتم بأن يفرض أسلوبا متوازنا وبه قدر كبير من العدل ومواجهة الفساد لإنصاف المظلومين‏,‏ والحقيقة أن مطالعة أوامر محمد علي ردا علي هذه الشكاوي نكتشف أنها كانت حازمة بل ومتشددة في محاولته دفع الظلم عن الأهالي‏,‏ وكثيرا ما أمر بتأديب الفاسدين والظالمين من ولاته وموظفيه وعزلهم من مناصبهم‏.‏
ولعله من اللازم أن نشير الي بعض من أوامر محمد علي هذه‏..‏ ونقرأ أحد الأوامر تعليقا علي شكوي من بعض عساكره اذا تحقق أن العساكر الموجودة دخلوا جناين الفلاحين وغيطانهم وأنهم سلبوا ثمارهم‏..‏ وحيث أننا لا نرضي بمثل هذه الأمور لذلك أصدر أمري لكم بضرورة مراعاة الأصول العسكرية وعدم مخالفتها‏,‏ الآن تربيتي لهم واعطائي لهم نقودا كثيرة إنما هي لأجل حماية الفلاح‏,‏ وبعد هذه التنبيه اذا لم يتركوا هذه الأعمال ويستمروا في إلحاق الضرر بالفلاح أن تبادروا بقطع مرتبات من يتجرأ منهم علي ذلك ومحو اسمائهم من الدفتر‏[‏ ص‏17],‏ وتعليقا علي عرضحال ورد من احدي قري دمنهور يقول إن مياه الفيضان طغت علي أراضي الفلاحين ولم يزرع فيها شيء كتب محمد علي أمرا الي كاشف البحيرة قائلا اذا ثبت ذلك فلا يطلب المال من هذه الأرض‏.‏
وعرضحال آخر من مصطفي الساكن بدمنهور يقول إنه كان مستخدما في شونة القماش في الرحمانية‏,‏ وبعد خدمة ثلاثة وعشرين شهرا عين بدلا منه واعطوه مرتب أحد عشر شهرا فقط‏,‏ ويأمر محمد علي‏:‏ يلزم أن تبادروا بتأدية حقوقه حيث لا يجوز عدم اعطائه المرتب المتجمد‏.‏
وثمة شكوي أخري من علي كسب الله من قرية عشم بالمنوفية يشكو فيها شيخ البلد علي شقير ويقول إنه اعتدي علي والده وقتله ويأمر محمد علي يجب أن تبادروا بالقبض عليه واحقاق الحق‏[‏ ص‏31].‏
وثمة عريضة أرسلها أهالي منوف يتهمون فيها كبير مشايخ البلد المدعو عبدالجواد باختلاس ثمانية عشر كيسا إذ كلف بتشغيل عدد من العمال فاختلس مرتبات مائة عامل ادعي تشغيلهم وهم لايشتغلون‏,‏ ويأمر محمد علي بادروا بعد التحقيق بتحصيل كافة هذا المبلغ من الشيخ وتسليمه للفقراء واعزلوا الشيخ من الشياخة وعينوا بدلا منه والتزموا بإحقاق الحق‏.‏
وفي أمر محرر لحاكم المنوفية‏,‏ يقول محمد علي إن أحد سكان شنوان الغرق بالمنوفية يشكو قائلا إن لي في ذمة شيخ البلد ابراهيم شحات مبلغ مائتين وخمسين ريالا وحينما أطالبه بها لا يعطيني ويسبني ويضربني‏,‏ وأمري هو أننا لا نرضي بهذه الحركات من الشيخ المذكور يجب أن تبادروا لتحصيل المطلوب واحقاق الحق‏,‏ أما اذا كذب المدعي فأعطوه الجزاء اللازم‏.‏
وثمة عرضحال طويل ومسهب من المدعو يوسف من أهالي جزيرة حضرة التابعة لرشيد يشكو فيها من المعلم المعين لتحصيل أموال البلح ويكون رد محمد علي يجب أن تناقشوا في المجلس جيدا مسألة البلح هذه ببحث أطرافها والوقوف علي حالها لئلا يظهر خطأ فيها ويجب الزام المأمورين باتخاذ ذلك دستورا للعمل الي ما شاءالله ليكون في تطبيقها من طرف المأمورين تحصيل خير لطرفنا ولطرف الفلاحين‏,‏ وفي عريضة قدمها أحمد منصور شيخ البلد السابق بقرية سرسيل التابعة للمنوفية ويقول فيها إن شيخ البلد الذي عين بدلا منه يأخذ علي كل فدان ريالا ويفرض علي كل فلاح من الذين يعملون في ترعة المحمودية ريالا ويأخذ خمسة قروش من كل بحار من المراكب المارة في النيل ـ يعلق محمد علي في فزع هل حقيقة أن شيخ البلد المذكور يسلب الفقراء بهذه الصورة ويأخذ نقودهم بغير حق؟ فإذا كان ذلك صحيحا فبعد التحري والتحقيق يجب أن تبادروا برد حقوق الفقراء التي سلبها واحقاق الحق وان تعزلوه وتعينوا آخر بدلا منه‏.‏
وحول عريضة رفعتها سيدة نصرانية اسمها نزار تشكو من تأخير حساب القمح الذي قدمه زوجها المتوفي يأمر محمد علي يجب أن تعنوا باستدعاء من تستنسبونه من التجار المعتبرين برؤية الحساب المذكور علي وجه الحق واظهار حق المذكورة مهما كان وتسليمه لها‏..‏ ثم تأتي العبارة المكررة دوما ويجب إحقاق الحق‏.‏
ونجح محمد علي في اقامة صرح مصر الحديثة‏,‏ نجح بإحقاق الحق‏,‏ وعزل الولاة الظالمين وعقاب الفاسدين وبدون ذلك ما كان بإمكانه أن ينجح‏,‏ فلا تنمية أو نجاح لأي مشروع ينخر فيه الفساد ولا يحق فيه الحق‏,‏ هذا درس محمد علي‏,‏ بل درس مصر منذ نحو قرنين‏.‏
ولعلنا لم نزل بحاجة الي احقاق الحق‏,‏ ومقاومة الفساد والمفسدين‏.‏
ويبقي الشكر واجبا لدار الكتب والوثائق القومية التي نشرت هذا المجلد لتمنحنا القدرة علي فهم سبل احقاق الحق ورفض الفساد والمطالبة بهما كسبيل جاد للاصلاح‏.‏

*************

من هو د‏.‏ رفعت السعيد

العربية نت  السبت 23 مايو2009م، 28 جمادى الأولى 1430 هـ ، السنة السادسة، اليوم 93

 د‏.‏ رفعت السعيد هو رئيس حزب التجمع الوطنى الوحدوي المصري ونائب في مجلس الشورى المصري. من مواليد 11 أكتوبر 1932، وهو معارض يساري ترأس حزب التجمع الوطنى الوحدوي خلفا لخالد محيي الدين. يعتبر من الأسماء البارزة السابقة في الحركة الشيوعية المصرية منذ الأربعينات وحتي نهاية السبعينات. تم إعتقاله مرات عديدة و حصل وهو في الرابعة عشرة من عمره على لقب "أصغر معتقل في مصر" كما اعتقل سنة 1978 بعد كتابته مقالا موجها إلى زوجة الرئيس المصري آنذاك محمد أنور السادات بعنوان "يازوجات رؤساء الجمهورية إتحدن" ،عرف بمعارضته لجميع الرؤساء اللذين حكموا مصر، حاصل على الدكتوراه في تاريخ الحركة الشيوعية من ألمانيا.

ومن أشهر كتبه

** كتاب د.رفعت السعيد:"الإرهاب المتأسلم لماذا ومتى وأين؟

أحدث مقالات الكاتب : المعتزلة‏..‏ هل هم السبب؟‏  -  معاناة التاريخ من المسلسلات - وزراء لا يعرفون السباحة السبت 07 رجب 1428هـ - 21 يوليو2007م - الإرهاب‏..‏ المعنى والممارسة السبت 22 جمادى الثانية 1428هـ - 07 يوليو2007م - الديمقراطية‏..‏ وخياراتنا الصعبة السبت 25 ربيع الثاني 1428هـ - 12 مايو2007م - عن التنظيم الدولي للإخوان السبت 26 ربيع الأول 1428هـ - 14 أبريل2007م

***********

أجواء ساخنة سيطرت على مؤتمر الوحدة الوطنية الذى أقامه حزب التجمع تحت شعار «ضد التعصب والتطرف والتخلف»،  وأكد  د‏.‏ رفعت السعيد أن المسيحى فى هذا الوطن يعيش مغتربا، ويشعر أنه مواطن من الدرجة الثالثة، وأن المواطنين المسيحيين ليس مسموحا لهم أن يكونوا مواطنين أسوياء فى هذا البلد، فهناك شاب مسيحى يتقدم لوظيفة فيرفض لمجرد أنه مسيحى، وأضاف السعيد أنه عثر على بطاقة شخصية لشخص اسمه «مجدى عبدالمسيح» مكتوب فيها بخانة الديانة أنه مسلم، وحكى له أن موظف السجل أجبره على ذلك.
وحكى «السعيد» أن حفيده عانى من مدرسة محجبة تحذره من صداقة المسيحيين، وهو فى مدرسة ألمانية وحذرته من أن أمه ستدخل النار لو لم تكن محجبة، وأن الأولاد لا يجب أن يلعبوا مع البنات والموسيقى حرام، فتقدم بشكوى لوزير التعليم، وبعدها بيومين وجدت خطيب مسجد قريب يقول أن هناك شخصا، وكان يقصد «السعيد» يريد الإساءة للإسلام وللمسلمين، وبعد ذلك عرف أن المدرسة أبلغت الخطيب بالشكوى التى تقدم بها السعيد للوزير إلا أنه أخفى الواقعة ليبين مدى الإرهاب النفسى للمتطرفين الذى يعيشه هذا الوطن