Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

م

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
Untitled 8107
Untitled 8108
Untitled 8109
Untitled 8110
Untitled 8111
Untitled 8112
Untitled 8113
Untitled 8114
Untitled 8115
Untitled 8116
Untitled 8117
Untitled 8118
Untitled 8119
Untitled 8120
Untitled 8121
Untitled 8122
Untitled 8123
Untitled 8124
Untitled 8125
Untitled 8126
Untitled 8127
Untitled 8128
Untitled 8129
Untitled 8130
Untitled 8131
Untitled 8132
Untitled 8133
Untitled 8134
Untitled 8135
Untitled 8240
Untitled 8242
Untitled 8243
Untitled 8244
Untitled 8245
Untitled 8246
Untitled 8247

 

الكنيسة القبطية وإساءة إستخدام الحرم الكنسى

حرم الإخوة الطوال و أكثر من 300 راهب قبطى

 

البابا ثاؤفيلس23 والأنبا تاوضروس 118

يعيد التاريخ نفسه فى الكنيسة القبطية حيث يشابه عصر البابا ثاؤفيلس الـ 23 عصر الأنبا تواضروس فالأثنين يستقوون بالحكام ويلعبون سياسة ويستخدمون السلطة المدنية فى تحقيق أغراضعم يقلدون ما فعله قيافا مع المسيح  وفى عصرهم أرسلوا قوة عسكرية تهاجم الأديرة الأول على أديرة نتريا والثانى على دير الريان بالفيوم وغيره وتم نفى الرهبان والتنكيل بهم وألإساءة إليهم والأثنين لفقوا تهم للنيل من خصومهم وحرمهم وكسروا القوانين الكنسية الأول وجد كنزا عندما كان يبنى كنيسة على تل اثرى كان فى الأصل معبدا لإله الخمر باخوس بالإسكندرية والثانى يشجع الإستثمار وبناء البروج الأثنين عاشوا كالملوك ووقع الأول فى هرطقة هرطقة أنثروبومورفيزم التى تشبه الرب بتشبيهات إنسانية  وأرسل ألأنبا تواضروس سنة 2014 الأنبا مارتيروس نيابة عن الكنيسة القبطية إلى سيول فى كوريا الجنوبية لتوقيع معاهدة عبادة إله واحد من الأديان الأخرى التى تعبد آلهة وثنية وسطية بين الإله والبشر بإعتبار ان المسيح وسيط مثله مثل الآلهة الوثنية هو الآخر " لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح" (1تيم 2: 5)

******************************** 

المعابد .. العباد .. المعبود

يتكون أى دين من هذه الثلاثة عناصر ولكن ا ليست لمسيحية دينا على المسيحيين  ولكنها حياة هدفها المسيح الذى هو المعبود .. والعباد هم المؤمنين بحب المسيح يكونون الكنيسة الذين منهم القادة الأساقفة والكهنة الذين يقودون الشعب للمسيح فى خدمة بازلة مضحية وفى عصر الأنبا تواضروس أداروا ظهرهم للمسيح وأصبح هدفهم بناء المعابد وليس العابد وأصبحت الكنيسة القبطية فى عهده  دينا إستثماريا لبناء الكنائس والبروج وإمتلكت محطات البترول وادارتها ومزارع وتأجير منازل وشقق مملوكة لأباطرة وملوك هم الأساقفة ولا يعرف أحد ما  ماذا كان يملك الأسقف قبل الجلوس على كرسى الإيبارشية وماذا يملك بعد جلوسة حتى نقول له من أين لك هذا؟  ان أملاك إيبارشية سيدنى فى يد فرد واحد هو الإنبا دانييل يصرف منها و كما يشاء يفعل بها كما يريد بدون محاسبة فهو "الوصى الوحيد" (سولوا تراستيه) وبتوقيعه يبيع ويشترى بدون إستشارة أو رقابة وحدود بين الخدمة والإستثمار والكنيسة القبطية ليست فيها عصمة لأحد فالجميع خطائون حتى التلاميذ والرسل ولا يوجد صالح إلا الممسيح  وإذا قدر الرب وتنيح الوصى الوحيد  فستؤول بعض الأملاك إلى ورثته وكذلك حساباته فى البنوك هذا غير إستخدامه التبرعات فى الحصول على عمة الأسقفية بشهود أراخنة أربعة وكذلك سيامة كهنة  يقربون إليه أو من أهله وعشيرته بدون إختيار الشعب مما يثير الشك فى رسامتهم وكان الأنبا دانيال أسقف دير الأنبا شنودة يحضر الرسامات التى يقيمها أسقف سيدنى  ولكن منذ مدة إنقطع ولهذا فجميع الرسامات التى قام بها اسفف سيدنى غير قانونية لعدم حلول الروح القدس عموما فى أى عمل كنسى  فى صلوات قداس أو إتمام الأسرار المقدسة كالزواج وغيره لأنه أشترى ألأسقفية بالهرطقة السيمونية (سيامته غير عفيفة أى يشوبها الشوائب) سؤال لماذا لا تنشر ميزانية اإيبارشية سيدنى فى جريدة المنارة كاملة كل سنة حتى يطلع عليها الشعب أم أن الميزانية سرا ثامنا أضافه الأنبا دانييل إلى أسرار الكنيسة السبعة . 

********************************

الشك فى حلول الروح فى الأسرار 

الشك يكون مؤذيا إذا وصل لحالة المرض ولكن ليست أنواع الشكوك مؤذية ويظهر احيانا فجأة فى شكل خوف كرد فعل لينقذ الإنسان من خطر يهدد حياته ونراه فى خوف بطرس الرسول من الرياح والزوابع عندما سار على المياةوشك في حماية المسيح له، لذلك قال له الرب: "يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟" (إنجيل متى 14: 31)، فالخوف من الموت سبب له الشك وقلة الإيمان .. وشك التلاميذ فى المسيح لأنهم كانوا يعتقدون أنه سيأتى قائدا محاربا ليحررهم ويطرد المستعمرين الرومان ولكنهم رأوه مهانا يموت على الصليب (مر 14: 27) وقال لهم يسوع: «ان كلكم تشكون في في هذه الليلة لانه مكتوب: اني اضرب الراعي فتتبدد الخراف.(مر 14: 29) فقال له بطرس: «وان شك الجميع فانا لا اشك!» ونرى فى إنجيل (يوحنا 20) توما يشك بقيامة يسوع  :[اما توما، احد الاثني عشر، الذي يقال له التوام، فلم يكن معهم حين جاء يسوع. فقال له التلاميذ الاخرون:«قد راينا الرب!». فقال لهم:«ان لم ابصر في يديه اثر المسامير، واضع اصبعي في اثر المسامير، واضع يدي في جنبه، لا اومن». وبعد ثمانية ايام كان تلاميذه ايضا داخلا وتوما معهم. فجاء يسوع والابواب مغلقة، ووقف في الوسط وقال:«سلام لكم!». ثم قال لتوما:«هات اصبعك الى هنا وابصر يدي، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا». اجاب توما وقال له:«ربي والهي!». قال له يسوع:«لانك رايتني يا توما امنت! طوبى للذين امنوا ولم يروا».] ونحن اليوم فى زمن الهرطقات فإذا شك قبطى من الشعب فى أسقف أو كاهن أنه من الهراطقة السيمونيين الذين دفعوا مالا ليحصلوا على العمة لينال الإحترام أو طمعا فى الكهنوت كمهنة يسترزق منها تقول القوانين الكنسية أنه لإستكمال هذه السيامات والأسرار لعدم حلول الروح القدس فيها أنه يكفى وضع يد أسقف آخر مستقيم الأمانة الأرثوذكسية ليكمل ما فعله المهرطق .. القانون الكنسى يقول : "ولكن إذا ثبت أن أحداً قد عمدة / زوجه / سامه .. ألخ أحد من الهراطقة، فيجب ألاّ يكرّر سرّ الولادة الجديدة أبداً، ولا يُمنح إلاّ ما نقص منه أي أن تُنال بوضع يد الأسقف قوّة الروح القدس."  إذا كان يوجد شك فى الأسقف او الكاهن أنه سيمونى لهذا يجب على جميع من زوجهم أو أجرى لهم  الأسرار المقدسة أن يستغلوا وجود أسقف زائر من مصر ليضع عليهم اليد لقبول الروح القدس وعلى الشعب القبطى الإمتناع عن التناول من يد الهراطقة الأساقفة أو الكهنة الذين رسموا بالسيمونية  لأن هذا يجعلهم أمام الرب تابعين للهراطقة السيمونيين وليتذكر الجميع أن التجديف على الروح القدس خطية لا تغتفر

********************************

من هم الأخوة الطوال؟
نشأ الأخوة الطوال فى الفرما وأصبحوا من بين رهبان هناك ، وكانوا أربعة أخوة إشتهروا بطول القامه وعرفوا فى التاريخ بأسم " الأخوة الطوال " وكان أكبرهم فى العمر أسمه الآباء أمونيوس (آمون) وأطلقوا عليه أسم باروتيس (أطلق عليه المؤرخين لقب باروتيس ومعنى هذا الإسم : صاحب الأذن الواحدة) أرسل ثيوفيلوس جنوداً ليجلبوا امونيوس بالقوة لرسامته أسقفاً فلما رأى الجنود قادمين أمسك بالسكين التي يستخدمها لتقشير الخضار وقطع إحدى أذنيه. فلم يعد يستوفي شروط الأسقف ، وقال إذا أصر البابا تيموثاوس على رسامته فسيضطر إلى قطع لسانه فتركوه ، وقد سافر أمونيوس مع البابا أثناسيوس الرسولى إلى رومية عام 341م والأخ الثانى أسمه ديسقوروس أقامه البابا ثاؤغيلس أسقفاً لواحة هرموليس " الأشمونين" أما الأخ الثالث وأسمه يوساب والرابع وأسمه أنتيموس أقامهما البابا قسيسين فى كنيسة الإسكندرية هؤلاء الإخوة اتسموا بالروحانية والنسك، وقاموا بالنضال ضد الأريوسية بعد نياحة البابا أثناسيوس. وكانوا على علاقة طيبة بالبابا تيموثاوس والبابا ثاوفيلس حتى سنة 400م، فقد أحبهم وأكرمهم كرامة زائدة ، فرسم ديسقورس أسقفًا على هرموبوليس كما سام اثنين منهم يوساب و أنتيموس كاهنين بعد اعتذارهم عن السيامة كأساقفة. لقد أراد البابا أن يستبقيهم معه في الإسكندرية لمساندته في الرعاية لكنهم فضلوا سكنى البرية 

******************************** 

البابا ثاؤفيلس والفرعنة

يعتمد موقع موسوعة تاريخ أقباط مصر على تقسيم بطاركة الأقباط بالنسبة لأعمالهم إلى ثلاث طبقات العليا : وتشمل عظماء بطاركة الأقباط .. الوسطى : الذين تساوت أعمالهم الجيدة مع السيئة - الطبقة السفلى : وهى فئة البطاركة الذين لم يقدموا للمسيحية شيئاً كما أنهم أسائوا إلى الشعب بتصرفاتهم ,اضاعوا كثيراً من رعيتهم ، ولم يكونوا أمناء فى تبشيرهم بالمسيح ، أو إنهم إنجرفوا نحو إدارة أملاك الكنيسة أكثر من الرعاية أو انهم بنوا المعابد ولم يهتموا بالعابد . إن تاريخ حياة البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 (385- 412م) ملئ بالأحداث وقد سجل المؤرخون جميعهم جوانب مضيئة وجوانب مظلمة فى تصرفات البابا ثاؤفيلس وقد دخل هذا البابا التاريخ من أوسع أبوابه لأنه يرجع إليه الفضل فى القضاء على عبادة الأوثان فى مصر وما كان يصاحبها من تقدمات بشرية  أطلق عليه هيداتيوس لقب " أعظم البشر علماً " لأنه فى سنة 387 أصبح الفرق بين العيد المصرى والعيد الرومانى (الكاثوليك ألآن)  مدة خمسة أسابيع كاملة   وضع البطريرك تقويماً للأعياد لمدة 418 سنة وأعد جدول عيد الفصح تستطيع الكنيسة العمل به لمدة مائة عام  ولا تزال صورة هذا الجدول الخاص بأعياد الفصح باقية إلى يومنا هذا .. ولكن أخذ عليه المؤرخون أيضاً تصرفه المشين مع القديس يوحنا ذهبى الفم والأخوة الطوال ولولا هذه التصرفات لأعده المؤرخون من طبقة عظماء بطاركة الكنيسة القبطية فى مصر ولكنهم وضعوه فى الطبقة الوسطى منها وفى تقدير الموقع أن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 كان عملاقاً وقزماً فى عصره فقد بدأ عملاقاً وقاوم العبادة الوثنية وكان قزماً عندما هاجم الأديرة منطقة نتريا بقوة مسلحة وهدمها وحرقها وحرم وطرد ونفى الأخوة الطوال ومعهم 300 راهب كما إنحاز إلى الإمبراطور والأمبراطورة ضد القديس ذهبى الفم فى نزاع محلى  (وحسب قوانين مجمع نيقية المسكونى نيقية لا يجوز لأسقف أن يتدخل في أمور خارج إيبارشيته) وعقد ورأس مجمع السنديانة / البلوط 403م بالقرب من القسطنطينية وهو مجمع محلى كانت نتيجته حرم ونفى قديساً من أعظم قديسى الكنيسة وهو يوحنا ذهبى الفم الذى مات والأصح قتلوه (حيث كانوا يرسلون الأسقف المغضوب عليه  للمنغى إلى اماكن بعيدة ويجبرونه على السير بدون راحة فيموت الأسقف من الإجهاد) لطخ البابا القبطى تاريخه بهذا المجمع الذي دعاه بالاديوس "مجمع المتوحشين" إذ صار ثاؤفيلس أداة لتحقيق رغبات الإمبراطورة الشريرة، تجمع حولها طاقات معادية لروح الحق.  لقد بدأ هذا البابا بدءاً حسنا وأنتهى بحرم ونفى القديس يوحنا ذهبى الفم الذى ما زالت كلماته تقرأ حتى هذا اليوم وبعد أن مات القديس يوحنا ذهبى الفم محروما منفيا من القسطنطينية رجع جثمانه إليها وأستقبله شعبه إستقبالا حافلا ودفنوه بكل إكرام وتبجيل ويكفى أن نقول أنه لا أحد اليوم يتذكر البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 ولكن جميع المسيحيين فى العالم بما فيهم الكنيسة القبطية يعرفون من هو هذا الذهبى الفم ؟ وأعطوه لقب قديس مع أن بطركهم حرمه ونتيجة لتصرفات هذا البابا القبطى أطلقت الكنائس المختلفة فى العالم  على بطاركة الكنيسة القبطية لقب "فراعنة المسيحية" حتى يومنا هذا .    

******************************** 

التجمعات الرهبانية فى الوجه البحرى

سكن الأخوة الطوال منطقة التجمع الرهبانى فى منطقة نتريا وهى إحدى التجمعات الثلاث الأكثر شهرة وتاثيرا فى التاريخ القبطى والدراسات الإنجيلية .. كان يعتقد أن أديرة نتريا والقلالى والأسقيط هى ثلاث أماكن تتواجد كلها فى منطقة وادى النطرون ولكن بعد البحث اثبتت الحفريات إكتشاف اثار أن هذه هى منطقة نتريا المشهورة فى التاريخ القبطى المسيحىهى فى  جبل برنوج هى تل أثرى مجاور لقرية ما زال يطلق عليها حتى الان قرية البرنوجى فى مديرية (محافظة البحيرة) وهذه المنطقة الأثرية تبعد حوالى 8 كم غرب مدينة دمنهور وقد تأثرت هذه المنطقة من المذابح التى قام بها العرب المسلمون على مختلف العصور وأن أسمها كما قال لنا آباؤنا مشتق من أسمين عربيين هما : الدم + نهور وأندمج الأسمين فيما بعد وأصبحوا أسماً واحدا وهو دمنهور هذا الأسم خلد دماء الأقباط التى سفكت على أرض مصر من أجل تمسكهم بالمسيح  ومن أشهر مؤسسى الرهبنة فى هذه المنطقة فيها هو القديس أمونيوس . ويذكر تاريخ الرهبنة فى مصر أن الأنبا أنطونيوس أب الرهبان أثناء زيارته للأنبا امونيوس فى منطقة نتريا شكا له من ضيق المكان وكثرة عدد الرهبان .. فسارا سوياً تاركين نتريا حوالى ثلاث ساعات حتى وصلا إلى منطقة لينشئ فيها ديراً للرهبان وقد أطلق علي هذه المنطقة فيما بعد أسم القلالى أو المنا .خريطة هامة تبين مواقع برية نتريا والقلالى وهى تعتبر أول خريطة ظهرت للعالم وعليها توقيعات محددة جغرافياً لبرية نتريا والقلالى وهى من وضع الأب العلامة متى المسكين وردت فى كتابة القيم دير القديس أنبا مقار - الرهبنة القبطية فى عصر القديس أنبا مقار - الأب متى المسكين سنة 1995 م

********************************

الخلاف بين نتريا والإسقيط وإنحياز البابا ثاؤفيلس

تصاعد خلاف حول تفسير الإنجيل بين رهبان نتريا الذين يفسرون الإنجيل بالطريقة الرمزية التأملية التى نشرها العلامة القبطى أوريجانوس وما زالت الكنيسة القبطية تتبعها حتى الآن وبين رهبان افسقيط فى وادى النطرون الذين يقومون بتفسير الإنجيل بطريقة حرفية وموضوع الخلاف بينهما كان الموقف مُشتعلاً بين رهبان الإسقيط من جهة، ورهبان جبل نتريا بقيادة الأب أمون وإخوته الثلاثة (والمعروفين بطول القامة) من جهة أخرى على خلفية تعاليم "أوريجانوس" الذى يأخذون بالتفسير الرمزى المجازى والتأملى وانقسامهم ما بين طرف مؤيد لتلك التعاليم ومُستعد للموت في سبيلها، وآخر مُعارض لها بوصفها بدعاً وهرطقات يجب محوها. وكانت المصيبة الكبرى هو إنحياز البابا للرهبان الذين إعتنقوا التفسير الحرفى للكتب المقدسة وهرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism (الأنثروبومورفيزم) وذهبوا إلى الإسكندرية فى أعداد هائلة وهددوا البابا  ثاؤفيلس البطريرك بالقتل فخاف منهم وذعن لهم وتملقهم فقال لهم : "أنا أنظر فيكم وجه الإله " ووعدهم بحرم أوريجانوس وكتاباته وكل من يقرأها وهذا ما نفذه بالفعل فى عيد الفصح التالى فلم يوافق جميع رهبان نتريا الذين كانوا يستمتعون بتفسير أوريجانوس وتأملاته فى الكتاب المقدس ، وكان يطلق عليه معلم المسكونة فقد أطلق للعقل حرية الفكر التأملى الرهبانى والسمو بالتفسير المجازى الرمزى فى سماء الروح ، إذاً فلا أحد من أساقفة ذلك الزمان كان يجهل حقيقة الخلاف الذى حدث ، ومن هو أوريجانوس الذى هاجمه رهبان جهلة تمسكوا بالحرف الذى قال عنه الكتاب : الحرف يقتل " وتحيز لهم ثاؤفيلس البطريرك مجاملة لرهبان الإسقيط الذين ساعدوه فى القضاء على الوثنية وكذلك إنتقاماً من الأخوة الطوال وإيسيذوروس

********************************

حرمان أكثر من 300 راهب بنتريا

ولم يكن رهبان نتريا يتبنون أى هرطقة أوريجانية وكان الخلاف محصور فى التفسير المجازى والتفسير الحرفى وإنحاز / إعتنق البابا ثاؤفيلس (البطريرك 23) إلى هرطقة الأنثروبومورفيزم ليكسب كثرة وقوة رهبان الإسقيط / النطرون  وجاءت رسالتة الفصحية لعام 400م تهاجم الأوريجانية بوصفها بدعة وشملها تهم كثيرة كعادة أهل الشرق الأوسط فى التنكيل والمبالغة بالخصم وزجه فى متاعب لا حصر لها ما آثار حفيظة الإخوة الطوال وبقية الرهبان في جبل نتريا الذين رأوا في تصرف البابا جبنًا واستهتارًا بالعقيدة ومجاملة على حساب الحق، فأضحت البرية البرية المقدسة ساحة للاشتباك بين جبهتين تُستخدم فيها الألفاظ الجارحة وأعمال العنف تأزم الموقف، فعقد البابا مجمعاً بالإسكندرية حكم بحرم الإخوة الطوال والمحيطين بهم  أكثر من 300 راهب ، وقابل الرهبان قرارات البابا بمزيد من التحدي واِعتصموا في كنيسة الدير بنتريا، ومنعوا دخول الأساقفة وأوقفت العبادة الجماعية ووجد بعض المُتربصين بالرهبان أن الفرصة قد واتتهم فاستغلوا الموقف رافعين شعارات الولاء للبابا والغيرة على الكنيسة، وأرسل البابا قوة عسكرية للقبض عليهم والهجوم على الإخوة الطوال، ما اضطرهم إلى الهروب والاختفاء في مقبرة وقيل أنهم إختبأوا فى بئر جاف ، وإذ لم يجدوهم أحرقوا الكنيسة  قلاليهم وأمتعتم. هرب الإخوة الطوال وبصحبتهم ثمانين راهباً إلى فلسطين، لكن مُلاحقة البابا ثاؤفيلس لهم استمرت، فخرجوا من بلدٍ إلى آخر، يلتجئون من أسقفٍ إلى أسقفٍ، وأخيرًا اضطروا للسفر إلى القسطنطينية في أوائل عام 402م، على أمل أن يُساعدهم البطريرك يوحنا الذهبي الفم في عرض شكواهم أمام الإمبراطور، ليبدأ فصل جديد من فصول الصراع.. مُساندة بطريرك القسطنطينية للإخوة الطوال آحدثت شرخاً واسعاً في العلاقة بينه وبين البابا ثاؤفيلس، وتوالت الرسائل بينهما تحمل انتقاد كل منهما للآخر، وانقسم أساقفة المسكونة ما بين مؤيد لهذا أو ذاك، وتوارت مُشكلة الإخوة الطوال. دخل خصوم البطريرك يوحنا ذهبي الفم على الخط، ووجدت الإمبراطورة أن الفرصة سانحة لتصفية حساباتها مع الرجل الذي أرق مضجعها بكثرة انتقاده لسلوكياتها الغير لائقة، فعُقد مجمعاً كنسياً برئاسة بطريرك الإسكندرية حكم بحرم ذهبي الفم ونفيه عن كرسيه! قبيل انعقاد المجمع مات ديسقوروس -أحد الإخوة الطوال- كما تنيح الأب أمون "الأب الروحي لجماعة رهبان نتريا"، فبكاه البابا ثاؤفيلس وامتدحه قائلًا إنه لم يجد راهبًا نظيره في زمانه، وأثر الأب هيراكس الانسحاب إلى البرية الداخلية يقضي حياته في العبادة، إذ خشي أن يكون كمن وضع يده على المحراث في رهبنته ونظر إلى الوراء، وتمنى الباقين لو أتيحت لهم الفرصة للعودة إلى برية مصر لا ينشغلون بشيء إلا بالحياة الديرية وبنذر الرهبنة. أبدى البابا ثاؤفيلس مرونة كبيرة حيال الرهبان، وأرسل إليهم يقول إنه يفتح ذراعيه لهم، وأنه قد نسى الماضي ولن يفكر أبداً في أذيتهم، وسرعان ما تجاوب الرهبان مع رسالة البابا فحضروا إليه مُعتذرين، فقبل شركتهم وقال إن المشكلة قد انتهت. لم يُطلب من الرهبان أن يعترفوا بصيغة مُحددة للإيمان، ولا أن يتنكروا لتعاليم أوريجانوس، فقد انتهى الجميع إلى أن المشكلة لم تكن حقيقة حول كتابات أوريجانوس وأفكاره، بل لدوافع شخصية.
*************************************

حرم ونفى رهبان نتريا

نفى البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 الأباء الرهبان عن مصر ولما خرجوا قاصدين الأراضى المقدسة لاحقهم أينما حلوا فقام بإرسال الرسائل المجمعية بحرمانهم يحذر من يساعدهم فلم يجدوا راحة فتركوا الأراضى المقدسة يجولون من بلد لآخر ويلتجئون من أسقف لأسقف ولم يجدوا مفراً إلا أن يذهبوا إلى القسطنطينية ويرفعوا شكواهم ليوحنا ذهبى الفم بطيرك القسطنطينية وإن لم يوفقوا فليرفعوا شكواهم إلى قيصر أو حتى زوجة القيصر إذا لزم الأمر وكان ذلك فى سنة 402م وهذا هو ما حدث أن المشادة التى وقعت بينهم وبين البابا ثاؤفيلس البطريرك الـ 23 حول هرطقة تحويل شكل الرب إلى شكل إنسانى فقد أنتشرت فى البلاد حيث أنهم نفوا من مصر وذهبوا إلى أورشليم حيث بقوا هناك مدة وعندما أرسل البابا ثاؤفيلس رسائل إلى جميع اساقفة العالم تقريباً بعدم قبولهم وإعتبارهم هراطقة بنص مجمع محلى عقده البابا المصرى فى الأسكندرية وإنتقلوا من بلد إلى بلد ومن أسقف إلى آخر حتى وصلوا للقسطنطينية وكان هؤلاء الرهبان قديسين أينما حلوا كان الجميع يشعر بالعطف والشفقة عليهم ولكن سطوة البابا المصرى وقوانين المجامع (قانون مجمع نيقية) التى كانت تحرم التدخل فى خلاف داخلى إلا بعقد مجمع مسكونى لحل هذه المشاكل إذا أتضح أن هناك هرطقة ما .
********************************

الأخوة الطوال والقديس ذهبى الفم
إتجه ألاباء القديسين الأخوة الطوال إلى مبنى أسقفية القسطنطينية وقابلوا الأب القديس يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية الذى كان محباً لرهبان مصر وكان يتغنى بالبرية وصحراء مصر كما بفردوس النعيم وكان يضع رهبانها فى مرتبة أكثر بهاءاً من كواكب السماء وكان الأب القديس يوحنا ذهبى الفم يحب المصريين ورهبانهم فقال عنهم : " كما يغذون أجساد أهل القسطنطينية بالقمح يغذون قلوبهم بالإيمان " فتح القديس يوحنا ذهبى الفم فلبة لرهبان مصر الآباء الأخوة الطوال ويقول القمص تادرس يعقوب ملطى :" وكشفوا له عن جراحاتهم " وآلامهم ، يشكون له تصرفات ثاؤفيلس البطريرك الإسكندرى طالبين حل هذه المشكلة وإلا إضطروا إلى الإلتجاء للقوة السياسية المتمثلة فى الإمبراطور وهو أمر لا يليق بأبناء الكنيسة توسلوا أن يقوم بمصالحتهم مع البابا ويتدخل فى إرجاعهم إلى مصر وكان القديس واثقاً فى المحبة المسيحية التى من المفروض أن تتواجد فى قلوب الأساقفة معلمى الشعب وواثق أنه بمحبة المسيح قادر قادر على تهدئة غضب البابا المصرى عليهم ، فأراح قلبهم وطيب خاطرهم وفتح لهم دار الأسقفية .. وإلتف مسيحى القسطنطينية حولهم يسمعون لهم ويتعزون بكلماتهم ، وكانت الشماسات والأرامل والعذارى التقيات يقمن بخدمتهم ، وهذا الأمر عيرهم به البابا ثاؤفيلس البطريرك الإسكندرى
********************************

رسالة المحبة من يوحنا إلى البابا القبطى
وأرسل القديس يوحنا ذهبى الفم إلى ثاؤفيلس البطريرك الإسكندرى يخبره بقدوم الأخوة الطوال للقسطنطينية وطلب الصفح عنهم والرجوع عن نفيهم ليرجعوا إلى مصر ، ودافع عنهم وعن العلامة أوريجين ، وأخبره أن الرهبان قدموا شكوى ضده بالرغم من محاولته معهم لتهدئة خواطرهم ، وأنه فى موقف حرج لا يعرف كيف يتصرف ويقول القمص تادرس يعقوب ملطى : " ومن المؤلم أثارت رسالته غضب ثاؤفيلس البطريرك الإسكندرى بدلاً من رضاه ... فأرسل إليه رسالة مملوءة جفاء وتعنيفاً ، وأتهمه بتحريض الرهبان للتمرد عليه ، كما أعطاه درساً لا يستحقه بقوله : " أنت تعلم بلا شك قوانين نيقية التى تحرم على الأساقفة أن ينظروا الدعاوى الخارجة عن حدود إيبروشياتهم ، إن كنت تجهل هذا ، فإعلمه الآن وإمتنع عن إستلام شكوى مكتوبة ضدى ، إن كان يجب أن احاكم ، تكون محاكمتى أمام مصريين ، لا أن أحاكم أمامك ، أنت الذى يفصلنا عنك طريق يستغرق 75 يوماً
وتأثر القديس يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية من الرد القاسى من ألمفروض أن يكون أخيه ثاؤفيلس البطريرك الإسكندرى ويقول القمص تادرس يعقوب ملطى عن تأثره الشديد : " لعله أشار لذلك فى تفسيره للرسالة الثانية إلى أهل تسالوننيكى ، عندما تحدث عن يوسف كعبد فى بيت فوطيفار المصرى إذ قال : " كان يقدم حساباته لمصرى (فوطيفار) وأنتم تعرفون هذا الجنس مندفع ، يثأر لنفسه ، إذا ما نال سلطة لا يمكن وقف غضبه "
********************************

فشل ذهبى الفم فى الصلح
وبعد فشل مهمة يوحنا ذهبى الفم فى الصلح ، بدأ الرهبان المصريين فى التعرف على البلاط الملكة وخاصة الأمبراطورة ، ولما كان رهبان مصر الذين رفعوا الشكوى ضد باباهم من القديسين الذين فاقت شهرتهم الآفاق فقد أعجب بهم كل من قابلهم وراحوا يتناقلون أخبارهم خاصة الأب آمون ، الذى حينما قدم شكواه إلى الأمبراطور أركاديوس قالت له الأمبراطورة إيدوكسيا : " صل من أجل الأمبراطور ومن أجلى ومن أجل أولادى ومن أجل الأمبراطورية إنى أجاهد بعقد مجمع لمحاكمة ثاؤفيلس البطريرك الإسكندرى " .. وكان هناك بعثة أرسلها ثاؤفيلس فألقوا القبض عليها ووضعوا فى السجن وأصدر الأمبراطور أركاديوس أمراً بدعوة ثاؤفيلس البطريرك الإسكندرى للحضور إلى القسطنطينية ليحاكم أمام مجمع كنسى يرأسه القديس يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية الأمر الذى اثار البطريرك المصرى الذى كان يريد أن يحاكم أمام مصرياً والذى ثار قبلاً لأن المجمع السابق وضع مركز بطريركية القسطنطينية بعد بابا يوما ووضع مركز بطرك الأسكندرية فى المركز الثالث فكان القديس يوحنا ذهبى الفم هو الشماعة التى وضع اخطائه وتصرفاته وخروج مشكلة داخلية لتصبح مشكلة عالميا طبقاً لنظام العالم القديم فى ذلك الوقت وتباطئ البابا المصرى فى الذهاب للقسطنطينية وأرسل القديس أبيفانوس أسقف سلاميس فى قبرص المصرى للسفر إلى القسطنطينية ليهئ له الجو فذهب إلى هناك رغم شيخوخته .

*******************************

Anthropomorphism
ثورة رهبان الإسقيط الهراطقة

هكذا سقط رهبان الإسقيط / النطرون  في بدعة "تصور شكل الله الإنساني "، وقد جرُّوا وراءهم كثيرين. وحدث نزاع بين الأوريجانيين والأنثروبومورفيت حول السؤال: هل لله أعضاء جسدية؟  وفى عام 399م جاءت رسالة البابا ثاؤفيلس الفصحية التي يحدد فيها موعد عيد القيامة تلمح بطريق غير مباشر أنه لا يليق بنا أن نفكر في الله بطريقة جسمية مادية، إذ هو غريب عن الشكل البشري. وقد روى لنا القديس يوحنا كاسيان في كتابه "المناظرات" أثر هذه الرسالة على جماعة الرهبان، فقد رفضت المجامع قراءتها ماعدا القديس بفنوتيوس الذي كان أبا لمنطقة شهيت العليا، فقد تلاها في مجمعه للأسف تزعم الناسك البسيط صرابيون حركة مقاومة ضد هذه الرسالة الفصحية وقد انضم إليه حشود من الرهبان بسبب بساطته ونسكه ومما يحزن قلب الإنسان، أن جماعات الرهبان التي خرجت إلى البرية تتفرغ للصلاة والجهاد من أجل محبة الله والناس قد أخذتهم الغيرة والحماس فتركوا الإسقيط وخرجوا حشدًا غفيرًا إلى الإسكندرية، حيث أحاطوا بالبطريركية يصيحون ويتوعدون مهددين بقتل الكافر ثاوفيلس! هذا ما سجله لنا المؤرخون القدامى"  وما أن التقى بهم حتى قال: "إذ أراكم أنظر وجه الله".  التى تحمل معانى كثيرة على كل وجه فمثلا يراها بعض المؤرخون حكمة  أى إنه يرى الله في داخلهم كأولاد لله.وإعتقد رهبان نتريا ان البابا قد إنحرف عن الإيمان وإعتنق هرطقة أديرة الإسقيط أما رهبان الإسقيط  الثائرين فحسبوه يؤمن بوجود "وجه لله" جسماني. فسروا قوله تفسيرًا حرفيًا كعادتهم. وفعلًا خفت حدة غضبهم، وأجابوه: "إن كنت تقول حقًا بوجود ملامح لله مثلنا فاحرم كتب أوريجينوس، فقد اِستخرج البعض منها أدلة تخالف قولنا. وإن لم تفعل ذلك فتوقع منا معاملتك ككافر عدو الله." أجاب ثاوفيلس "إني مهتم بهذا الأمر، ومستعد أن أجيب طلباتكم، لا تغضبوا عليَّ. فإني لست موافقًا على أعمال أوريجينوس، وألوم من يقتنيها".وهددوه وفعل ما كانوا يريدون ضد رهبان نتريا 
*******************************

البابا ثاوفيلس يحرم القديس  إسيذورس
عاد الرهبان إلى أديرتهم، وكاد الموقف أن ينتهي عند هذا الحد كقول المؤرخ سقراط لولا ثورة الأربعة الطوال. فقد رأوا في تصرف البابا جبنًا واستهتارًا بالعقيدة ومجاملة على حساب الحق. أما ما أشعل نيران المعركة بين البابا والإخوة الطوال، الخلاف الذي حدث بينه وبين القس إسيذورس (إسيدور) الذى يذكر عنه أنه بعد أن قام بتوزيع ثروته الكبيرة على الفقراء انطلق إسيذورس إلى البرية يتنسك في منطقة نتريا فقد حباه الله وجهًا بشوشًا وطبيعة سمحة ولسانًا عذبًا يحبه كل من يلتقي به أحبه البابا أثناسيوس الرسولي فرسمه كاهنًا وأخذه معه في سفره إلى روما وقد قضى أغلب حياته كمسئول عن المستشفى بالإسكندرية كان عجيبًا في نسكه يَقنع بالقليل من الماء والخبز و أول من التقى به بالاديوس في زيارته للإسكندرية، أول ناسك مصري يتعرف عليه، فأحبه جدًا وكتب يمتدحه كثيرًا. كان وجهه مضيئًا، حتى كل من يراه يتعجب! أحبه البابا ثاوفيلس جدًا وكانت بينهما صداقة قوية حتى رشحه للبطريركية على القسطنطينية عوض القديس يوحنا الذهبي الفم. لكن هذه الصداقة انقلبت إلى عداوة سافرة، إذ عاد إلى منطقة نتريا يلتصق بالإخوة الطوال وكانوا يمثلون عنصرًا أوريجانيًا مضادًا للبابا ثاوفيلس، الذي -في نظرهم- قد إعتنق هرطقة الأنثروبوموفليت الإسقيطيين... وفي نظر البابا  اعتبر هذا التجمع تحديًا له ومن هنا بدأت العداوة العلنية بين الأوريجانيين والبابا ثاوفيلس.أما سرّ خروجه إلى البرية فقد تضاربت فيه الأقوال، غير أن المؤرخ سوزومين يرجح القصة التالية: قيل إن أرملة قدمت للقس إسيذورس ذهبًا ليشتري به ملابس للفقراء واشترطت إلا يخبر ثاوفيلس بالأمر حتى لا يبني به كنائس. لكن الخبر لم يختفِ عن البابا فتألم جدًا واستدعاه يستجوبه. أجابه القس في صراحة "الاهتمام بأجساد المتألمين الذين هم بحق هياكل الله أفضل من بناء حوائط، وأن المبلغ قد دفع لهذا الغرض". ومن هنا كانت بداية الاحتكاكات التي انتهت بقطع الكاهن، فهرب إلى البرية يعيش حياة الوحدة والتأمل واستقبله الرهبان استقبالًا حافلًا أغضب البابا هذه العداوة بين البابا والأوريجانيين -إن صح التعبير- وجدت نعمة في أعين الأنثروبوموفيلت، الذين دخلوا مع الأوريجانيين في مناضلة انتهت بانقسام البرية إلى جبهتين استخدمت فيها الألفاظ الجارحة، بل استخدموا أعمال العنف.

******************************

 هرطقة أنثروبومورفيزم

الهرطقة التى وقع فيها البابا البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 (385- 412م) عبير “أنثروبومورفيزم” لُغويَّاً ينقسم لمقطعين، أنثروبوس (و تعني إنسان و مورفي و تعني هَيئة. يُشير التَّعبير إلى إضفَاء الصِّفات و الأعمَال و الهَيئة الإنسانيَّة على أي كيان غير إنسَانيّ، أو يُمكن تلخيصه بأنَّه تشبيه يضَع كيان لا إنسانيّ في صُورة إنسانيَّة. الأنثروبومورفيزم و التَّشبيه هما من أكثر ما إستخدمه كُتَّاب أسفار العهدين لكي ما يُقدِّموا الله للإنسان بصورة يستطيع الإنسان أن يتقبَّلها فِكريَّاً و حَياتيَّاً. لا يخلو سِفر من الأسفار من هَاتين الأداتين، بدءاً من التَّكوين إلى الرُّؤيا، لا فقط أسفار الكِتَاب بل حضَارَات العَالَم القَدِيم أجمَع. نَقرَأ في سِفر التَّكوين أن الله “قَال” و “رَآي” و “نَظَر” و “إسترَاح” و “نَفَخ” و “سَارَ” و غيرها، بالطبع لا يُمكن أن نعتبر كون الله يستريح و ينفُخ و يَطير (مز 18 : 10) تعبيراً يحتوي مَضمُوناً إيمانيَّاً بحسب ظَاهره، بل علينا أن نَعى المَقصُود الضِّمنيّ لا الظَّاهر الحَرفيّ. كما ينبغي التَّشديد على أنَّه كما أن هذه التَّشبيهات أعانت الذِّهن البشريّ كثيراً كيما يعي ما هو خارج عنه بحسب الطَّبيعة و بالتَّالي خارج المعرفة إلَّا أنَّها قد تقمع رغبة الإنسان في المعرفة الحقَّة بالله، متى أُخرجت هذه التَّعبيرات عن هدفها و وُضِعَت كإيمانيَّات تكون قد ألحقت بالإيمان أضراراً لا تقل كارثيَّة عن أيَّة صورة مُشوَّهة مُستقاه من خارج الكتاب المُقدَّس. بمعنىً آخر، لقد إستخدم روح الله موهبة الإنسان في التَّدوين فأسقط صفات الإنسان على الله كيما يُقرِّب فكر الإنسان من فكر الله، و لكن حينما ينضُج الإنسان فيصير قادراً على الطَّعامِ القويّ لا يعُود اللبن مُشبعاً له، بل يَحتاج أن يُنقِّي أفكارَه من هَذه الإسقاطات كيما يقتَدِر أن يُبصِر بجَلاء سِر الله.
لن أُناقش تِلك الأمثِلة الواضحة كتلك التي ذَكرتها سَابِقاً، ببساطة لأنَّه لا يُوجَد بَدِيل عن ذلك المَعنَى، فالسياق الأسطُورِي و التَّشبيهي يبدو جليَّاً فيها بما لا يتركُ مَجالاً لنقاشٍ. حِينَمَا يقُول المُرنِّم [تَصاعَدَ دُخانٌ مِنْ أنْفِهِ، و نارٌ آكلةٌ مِنْ فَمِهِ، و جمْرٌ مُتَّقِدٌ و لهِيبٌ. أزاحَ السَّماواتِ و نَزلَ مِنها، و الضَّبابُ الكثيفُ تَحتَ قدَمَيهِ. رَكِبَ على كروبٍ و طارَ وحلَّقَ على أجنِحَةِ الرِّياحِ (مز 18 : 8-10)]، لا يُمكن بأي حالٍ من الأحوال أن تجد من يؤمِن بأن الله قد نفث دُخانً من أنفهِ و أنَّه قد ركب على كاروبٍ، بل يعرف جميعنا أن كُل ما كُتب قد كُتب لكي ما يُشير لقُدرة الله على الطَّبيعة. هذَا السِّياق الذي قد تَراه شَديد الأسطُورِيَّة ليس الوحيد، فالكتاب بعهديه و جَميع أسفَاره لا يتخلَّى عن الإستعَارات و التَّشبيهات التي تَصلُح لبناً للأطفَال، و لكنَّها لا تُشبِع رجَالاً. ألا يتشابه ما كُتب عن المَلكوت و الجَحِيم و تَعامُلات الله مع البَشر كثِيراً مع تِلك الأمثِلة ؟، ألم يحِن الوقت أن نُطعَم طعَامَ الكبَارِ ؟. هذا ما يُجيب على سؤال أقلقني لشهور، لماذا تتعَارَض بعض آيات الكتاب مع ما نَختبره مَع الله بشَكل مُبَاشِر ؟!. الإجَابة هي لأننا نَخلِطُ اللَّبن بالطَّعَامِ القَويّ، فيعسُر هَضم الأطفَال و لا يَشبَع الكِبَار. هذه التَّعبيرات و الإستعارات يُمكن تمثيلها بالمُحرِّكات التي تدفع مكُّوك الفضاء، كُل ما عليها أن ترفعه للأعلى بعيداً عن الأرض، و كُلَّما إبتعد يتخلَّص منها واحداً تلو الآخر حتَّى ينطلق مُنفرِداً بسرعته التي ما كان ليبلغها لو تمسَّك بتلك المُحرِّكات الثَّقيلة. لا يوجد أي دُور إيمَانِي حَقِيقيّ لهَذِهِ التَّعبيرات سِوى كونها وسِيلَة تَرفع أذهَانِنَا فوق أفكَار العَالم السَّخيفة تِجَاه الله، و ما أن إرتفَعَت أذهَاننا صَارت هَذه التَّعبيرات البَشريَّة ثُقلاً لا يُحتمَل، يُضيِّق علينا و يَحصُر أفكارنا في سِجن المادَّة و الزَّمن و الإرادة، فإن شِئنَا أن ننطَلِقَ بحقٍ فعَلينا أن نتخَلَّى عن هذِهِ الوسَائل لنُأكُلَ الطَّعَام القويّ.
صورة وخبر
المعلم جرجس الجوهري علي غلاف مجلة كل شئ عدد ١٢ ابريل ١٩٢٦ الصورة مأخوذة عن لوحة اصليه رسمها للمعلم جرجس الفنان الفرنسي ميشيل ريجو ..وهي موجودة الآن في متاحف فرنسا ومنه نحو أربع أو خمس نسخ قريبة الشبه الصورة تظهر عظمة ومكانة المعلم جرجس كبير المباشرين ايام الحملة الفرنسية ثم وزير مالية محمد علي باشا لفترة من الزمن علي رأس المعلم جرجس عمامة فخمة وكوفية وفي فمه الغليون وهو عادة عثمانلية كانت منتشرة وقتها وكان الغليون يصنع من الخشب الفاخر والمبسم من الابنوس وربما يتم تزيينه بالذهب ..نوع من الوجاهة الاجتماعية يقول الجبرتى فى كتابه عجائب الاثار فى التراجم والاخبار عن المعلم جرجس (( ومات المعلم جرجس الجوهري القبطي كبير المباشرين بالديار المصرية وهو اخو المعلم ابراهيم الجوهري ولما مات اخوه في زمن رياسة الامراء المصرية تعين مكانه في الرياسة على المباشرين والكتبة وبيده حل الامور وربطها في جميع الاقاليم المصرية نافذ الكلمة وافر الحرمة وتقدم في ايام الفرنسيس فكان رئيس الرؤساء وكذلك عند مجييء الوزير والعثمانيين وقدموه واجلسوه ولما يسديه اليهم من الهدايا والرغائب حتى كانوا يسمونه جرجس افندي ورأيته يجلس بجانب محمد باشا خسرو وبجانب شريف افندي الدفتردار ويشرب بحضرم الدخان وغيره ويراعون جانبه ويشاورونه في الامور وكان عظيم النفس ويعطي العطايا ويفرق على جميع الاعيان عند قدوم شهر رمضان الشموع العسلية والسكر والازر والكساوي والبن ويعطي ويهب وبنى عدة بيوت بحارة الونديك والازبكية وانشأ دارا كبيرةوهي التي يسكنها الدفتردار الآن ويعمل فيها الباشا وابنه الدواوين عند قنطرة الدكة وكان يقف على ابوابه الحجاب والخدم ولم يزل على حالته حتى ظهر المعلم غالي وتداخل في هذا الباشا وفتح له الابواب لأخد الاموال والمترجم يدافع في ذلك واذا طلب الباشا طلبا واسعا من المعلم جرجس يقول له هذا لايتيسر تحصيله فيأتي المعلم غالي فيسهل له الامور ويفتح له ابواب التحصيل فضاق خناق المترجم وخاف على نفسه فهرب الى قبلي ثم حضر بأمان كما تقدم وانحط قدره ولازمته الامراض حتى مات في اواخر شعبان وانقضى وخلا الجو للمعلم غالي وتعين بالتقدم ووافق الباشا في اغراضه
الكلية والجزئيه وكل شيء له بداية وله نهاية والله اعلم )) انتهى كلام الجبرتى وفيه وصف دقيق للمعلم جرجس الذي كان لقبه معلم مصر وصاحب خراجها ( الضرائب ) وكانوا يقولوا له جرجس أفندي في عهد محمد علي تكريما له حتي انقلب عليه الوالي وذهب جرجس الجوهري الي الصعيد وعاش هناك ٤ سنوات وقبل هجرته قام بتسليم كل حجج ممتلكاته للبطريركية للصرف منها علي الكنايس والديورة .. وعاد في ١٨٠٩ الي القاهرة وأكرمه الباشا محمد علي ونزل في بيت أعده له المعلم غالي لكنه تنيح سريعا في ١٨١٠ ودفن الي جوار أخيه المعلم ابراهيم الجوهري في قبر مازال قائما الي جوار كنيسة مارجرجس مصر قديمة كانت ايام
المصدر / #عضمةزرقا - ياسر

 

إلقاء القبض على  القديس  إسيذورس
روى لنا المؤرخ سوزومين أن الأب آمون أخذ معه بعض الرهبان والتقوا بالبابا يتوسلون إليه أن يعيد إسيذورس إلى الشركة، فوعدهم بذلك. وإذ انتظروا لم يفعل شيئًا فأعادوا الكرة ولم يفعل شيئًا. أخيرًا أدركوا أنه يماطلهم فذهبوا إليه وضغطوا عليه لعله يحقق ما وعدهم به، وللأسف عوض أن يعيد الأب إسيذورس إلى الشركة ألقى القبض على أحدهم وأودعه الحبس، أما هم فذهبوا إلى الحبس وتظاهروا بالرغبة في مقابلة أخيهم يقدمون له احتياجاته. وإذ دخلوا الحبس اعتصموا هناك ورفضوا الخروج منه. أرسل إليهم البابا يدعوهم للتفاهم معه فأبوا، قائلين إنه أساء إليهم علنا بحبس أخيهم الراهب، فلا يخرجوا سرًا، إن أراد فيأتِ البابا بنفسه ويخرجهم من الحبس. لكنهم أخيرًا رضخوا وخرجوا فاِعتذر لهم عما حدث.

أثار هذا الحادث نفس البابا ونفوسهم، فتأزم الأمر، وجاءت الرسالة الفصحية لعام 400م تهاجم الأوريجانية، الأمر الذي أثار هذه الجماعة، خاصة أنه يدعوها "هرطقة" أو بدعة، بينما في نظرهم (أوريجينوس) هو معلم المسكونة.

من هنا بدأت التحديات العلنية، وقد تحولت الإسكندرية ومنطقة نتريا إلى صراعات وأحداث مشينة لم يسجل المؤرخون تفاصيلها. لذا فسنذكر أهم أحداث تلك الفترة:

1. عقد مجمع بالإسكندرية حُرم فيه آمون وأخواه الراهبان وربما بعض الإخوة المحيطين بهم.

2. اِعتصم الآباء في كنيسة الدير بنتريا، ومنعوا دخول أحد من الأساقفة وأوقفت العبادة الجماعية.

3. زار البابا ثاوفيلس المنطقة، واستغل البعض ذلك، فحاولوا الهجوم على الإخوة الطوال، مما اضطرهم إلى الهروب والاختفاء في مقبرة، وإذ لم يجدوهم أحرقوا قلاليهم وأمتعتهم(13).

4. استخدم البابا سلطانه الكنسي في الحرمان، كما استخدم الشدة فلجأ إلى وسيلة النفي.

وهكذا فقدت الكنيسة جمالها الروحي، وتحولت البرية المقدسة إلى صراعات وتحزبات.


الإخوة الطوال في فلسطين
هرب الأربعة الإخوة الطوال وفي صحبتهم الأب إسيذورس ومعهم جماعة من الرهبان يقدرهم بثمانين راهبًا(14)، جاءوا إلى أورشليم لعلهم يجدون لهم ملجأ في قلب الأسقف يوحنا الأورشليمي المعروف بإعجابه بأوريجينوس.

ترددت الإشاعات في الإسكندرية أن الآباء الرهبان هربوا متوجهين إلى القسطنطينية يعرضون قضيتهم ضد البابا ثاوفيلس. أسرع البابا فأرسل خطابًا مجمعيًا بعث به إلى 17 أسقفًا لفلسطين(15) و15 أسقفًا لقبرص(16)، جاء فيه(17):

[إلى السادة المحبوبين جدًا، الإخوة والأساقفة الشركاء...

ثاوفيلس يبعث تحيات في الرب.

لقد زرنا أديرة نتريا بأنفسنا ووجدنا هرطقة "الأوريجانية" قد سببت دمارًا عظيمًا بينهم. لقد صاحبها تعصب غريب: بتر أناس أعضاءهم(18) وقطع البعض ألسنتهم لكي يظهروا احتقارهم للجسد. لقد وجدت بعضهم انطلق من مصر إلى سوريا وإلى مدن أخرى، حيث تكلموا ضدنا وضد الحق.

لقد قرأت كتابات أوريجينوس أمام مجمع من الأساقفة، فأجمع الكل بحرمانه. إن أهم أخطائه التي وجد أغلبها في كتاب... هي:

1. إذا قورن الابن بنا يكون "الحق"، أما بالنسبة للأب فهو بطلان.

2. سينتهي ملكوت الله يومًا ما.

3. يلزمنا الصلاة للآب وحده دون الابن.

4. ستكون أجسادنا بعد القيامة قابلة للفساد وللموت.

5. ليس أحد كاملًا في السماوات، فإن الملائكة أنفسهم مخطئون وبعضهم يغتذي على الذبائح اليهودية.

6. تشعر الكواكب بحركاتها، وتعرف الشياطين من دورانها المستقبل.

7. السحر، إن كان حقيقيًا، فهو ليس شرًا.

8. تألم المسيح مرة من أجل الناس، وسيتألم مرة أخرى من أجل الشياطين.

هذا ويحاول الأوريجانيون أن يقهروني للخضوع لهم، فقد وشوا بي لدى الوثنيين في أمر خراب معبد السيرابيوم(19)، كما سعوا في إخراج شخصين متهمين بجرائم خطيرة من القضاء الكنسي. أحدهما هو الامرأة التي قيدها إسيذورس خطأ في قوائم الأرامل، والآخر هو إسيذورس نفسه، قائد الحركة الهرطوقية، الذي بثروته يمدهم بفيض لتنفيذ مشروعاتهم العنيفة.

لقد حاولوا قتلي، لقد اغتصبوا كنيسة الدير بنتريا، ولفترة ما منعوا الأساقفة الدخول فيها وممارسة العبادة فيها.

إنهم الآن مثل بعلزبول، يجوبون الأرض هنا وهناك.

إني لم أضرهم في شيءٍ، بل أنا حافظت عليهم.

إني لا أريد الصداقة -مع إيسيذورس- التي تفسد إيماننا ونظامنا.

أرجوكم أن تصدوهم أينما حلوا، وتمنعوهم عن أن يقلقوا الإخوة الذين تحت رعايتكم.]


أثر رسالة ثاوفيلس في فلسطين
اجتمع أساقفة فلسطين، وبعثوا رسالة إلى البابا ثاوفيلس، وقام جيروم بترجمتها اللاتينية، جاء فيها:

[لقد نفذنا كل ما ترغبه، لكن فلسطين في غالبيتها لا تحمل وصمة الهرطقة.

إننا نرغب لا في قمع الأوريجانيين وحدهم، بل وأيضًا اليهود والسامريين والوثنيين.

لا وجود للأوريجانية بيننا، فإننا لم نسمع هنا قط عن التعاليم التي تصفها لنا.

إننا نحرم المتمسكين بمثل هذه التعاليم، كما نحرم تعاليم أبوليناريوس، ولا نقبل قط أحدًا ممن تحرمهم أنت(20).]

كما بعث الأب ديوناسيوس أسقف اللدّ برسالة إلى البابا، يمدحه فيها على انتصاراته الواضحة على الأوريجانية، ويحثه على الاستمرار في الجهاد ضد الهرطقة. وقد قام جيروم أيضًا بترجمتها إلى اللاتينية(21).

أما القديس جيروم فقد أعجب بموقف البابا ثاوفيلس الحازم ضد الأوريجانية، فإنه منذ حوالي ست أعوام كان الصراع قد بلغ أشده ضد روفينوس ويوحنا أسقف أورشليم، حتى اضطر الأخير أن يلتجئ إلى البابا ثاوفيلس، الذي بدوره أرسل القس إسيذورس (المحب لكتابات أوريجينوس) فسجل تقريره للبابا في غير صالح جيروم (وأبيفانيوس).

أخذ جيروم يكتب إلى ثاوفيلس عدة رسائل يعاتبه فيها على تهاونه مع الأوريجانيين، ويحذره من خطورة التراخي معهم، لكن البابا لم يجب عليه، وأخيرًا أجابه عام 397م برسالة يهدئ فيها قلب جيروم، فكتب إليه جيروم يقول له:

[جيروم إلى البابا الكلي الطوبى ثاوفيلس.

تذكر قداستكم أنه في الوقت الذي صمت عن الكتابة لي، أنا لم أكف عن القيام بواجبي بالكتابة إليكم...

إن كانت لجاجة المرأة قد غيرت عزيمة القاضي الظالم، كم بالأكثر التجائي المستمر إليكم يلين قلبًا أبويًا مثلكم..؟

أبرار كثيرون لا يسرون من طول أناتك بخصوص هذه الهرطقة المفزعة، إذ تحسب نفسك قادرًا بلينك أن تصلح هؤلاء الذين يهاجمون أعضاء المسيح الحية. إنهم يؤمنون أنه في انتظارك توبة هذه القلَّة من الناس. تسند جسارة أناس مهجورين وتعطي جماعتهم قوة.

وداعا في المسيح(22).]

هذه الرسالة التي كتبت حوالي 397م قبل قيام مشكلة الإخوة الطوال بحوالي ثلاث سنوات تكشف لنا عن موقف البابا ثاوفيلس الخفي. يقول Moulard إنه كان شغوفًا بكتب أوريجينوس، هذا أمر لا يشك فيه، لكنه كبقية الآباء يعرف أخطاءه ولا يقبلها(23). كان يدرك بعض الأخطاء التي تسللت بين عشاق كتابات أوريجينوس، لكنه يؤمن أن كتاباته تحمل روحًا وفكرًا، يمكن للقارئ أن يتجاهل ما ورد بها من أخطاء عارضة. كان يؤمن بطولة الأناة في معالجة الخطأ. لقد عاد بعد عامين يكتب لجيروم (سنة 399م) مطالبًا إياه بالتصالح مع الأب يوحنا أسقف أورشليم (الأوريجاني)، فأجابه برسالة طويلة يظهر فيها شوقه للسلام وموضحًا مضايقات الأوريجانيين له(24).

على أي الأحوال، إذ سمع بأخبار "منطقة نتريا" ومضايقات البابا للأوريجانيين أرسل يهنئه على نجاحه في جهاده ضد الأوريجانية، محدثًا إياه عن الأعمال الصالحة التي قام بها رسولاه بريسكوس Priscus وإيبيلوس Eubulus. لقد طلب الصفح عن يوحنا أسقف أورشليم الذي قبل جماعة الأوريجانيين المحرومين دون أن يعرف قضيتهم وعن غير قصد.

[جيروم، إلى البابا الطوباوي ثاوفيلس.

تسلمت عن قريب رسائل من طوباويتك... وإني أكتب إليك سطورًا قليلة لأهنئك على نجاحك.

العالم كله يمجدك في انتصاراتك. جموع من كل الأمم تتطلع متهللة إلى الصليب الذي رفعته في الإسكندرية عاليًا، وإلى النُصب التذكارية المشرقة فوق الهرطقة.

لتحل البركات على شجاعتك! لتحل البركات على غيرتك!

لقد كشفت أن صمتك الطويل لم يكن انحرافًا بل حكمة. فإنني أحدث غبطتكم في صراحة تامة، أن صبرك الطويل قد عذبني، ولم أكن أعرف خطة القائد، فقد كنت أتوق إلى هلاك هؤلاء المهجورين. لكنني كما أرى الآن، لقد رفعت يدك عن الضرب لكي تضرب بأكثر عنفٍ.

أما من جهة الترحيب الذي قدمه لهم البعض، فليس لك أن تغضب على أسقف المدينة، إذ لم تعطِ أية تعليمات عن هذا الأمر في خطابك، فإنه كان يحسب متهورًا أن يأخذ قرارًا في قضية لا يعرف عنها شيئًا.

إني أظن أنه لا يود أن يضايقك في شيء، ولا يجرؤ على ذلك(25).]

فرح البابا ثاوفيلس برسالة القديس جيروم، فعاد يبشره بأخبار الكنيسة، التي أرسلها مع الأسقف أغاثون والشماس أثناسيوس، يعلن له طرد الأوريجانيين من أديرة نتريا، ويشجعه على إظهار غيرته على الإيمان.

[هلم من جانبك أشترك في هذه المكافأة بمقالاتك الكتابية (الإنجيلية)، مسرعًا إلى رد المخدوعين.

شوقنا هو أن نحفظ في أيامنا هذه -ما استطعنا- إيمان الكنيسة الجامعة وأحكامها، بل ونحفظ الشعب الذي تحت رعايتنا، ونبدد كل تعليم غريب!(26)]

لقد افتخر أنه حصد الأوريجانيين بمنجل النبي(27)، فأرسل إليه جيروم يقول:

[جيروم، إلى الكلي الطوبى البابا ثاوفيلس.

لقد أفرحتني رسالتك فرحًا مزدوجًا، فمن جهة فرحت بحامليها المكرمين والمعتبرين الأسقف أغاثون والشماس أثناسيوس، ومن جهة أخرى إنها تظهر غيرتك على الإيمان ضد أشر هرطقة.

صوت قداستكم يدوي في العالم، وفرح كل كنائس المسيح قد أبكم ايعازات الشيطان المسمومة.

لم تعد الحيّة القديمة تنفث، بل قطعت إربًا، واختبأت في خباياها المظلمة، غير قادرة على احتمال إشراقات الشمس!

لقد قمت ببعث رسائل إلى الغرب فعلًا قبل أن أخط لك هذه الرسالة، وأشرت فيها لأبناء لغتي (اللاتينية) بعض مراوغات الهراطقة.

لقد حسبتها عناية من الله أن تكتب إلى البابا أنسطاسيوس(28) في نفس الوقت الذي كتبت فيه إليَّ، فإنه مع عدم معرفتي بذلك، تصير رسالتك هذه شهادة لي.

الآن إذ طلب مني أن أفعل ذلك (أكتب مقالات ضدهم)، فإني سأكون أكثر غيرة من الآخرين حتى أرد النفوس البسيطة، القريبة والبعيدة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. إن احتاج الأمر فإني لا أتردد حتى إن صبوا غضبهم عليَّ، فإنه ينبغي أن أُسرّ الله لا للناس(29)، وإن كان بالحقيقة لهم الكثير يدافعون به عن هرطقتهم أكثر مما لي في الهجوم عليهم.

أيضًا أرجوك أن ترسل لي قوانين المجمع الخاص بهذا الموضوع إن كانت لديك، حتى استند بسلطان أسقف عظيم مثلك، فاتحًا فمي للمسيح بأكثر قوة وثقة!

منذ يومين وصل الكاهن Vincent من روما، وهو في تواضع يسلم عليك. لقد أخبرني مرة أخرى أن روما بل غالبًا إيطاليا كلها قد أنقذتها رسائلك بعد المسيح.

لهذا فلتجاهد أيها البابا المحبوب جدًا، الكلي الطوبى، وإذا ما أتيحت لك فرصة أكتب إلى أساقفة الغرب بغير تردد لكي تقطع بمنجلٍ حادٍ كل زوان الشر.]

هذه صورة للمكاتبات التي كانت بين البابا وجيروم. تكشف لنا عن ظروف دفعت البابا بالأكثر نحو هجوم الأوريجانيين، فقد ظهر البابا كبطل يدافع ضد هرطقة يدعوها جيروم أشر هرطقة، الحيّة القديمة، زوان الشر! وقد بقيت هذه الصداقة بينهما ترويها كراهيتهما للأوريجانية، فحتى بعد صلح البابا مع الأوريجانيين سنة 403م بالقسطنطينية بقيت رسائله الفصيحة تندد بالأوريجانية، ويقوم جيروم بترجمتها باللاتينية ونشرها في الغرب(30).


أثر رسالة ثاوفيلس في قبرص
أرسل البابا ثاوفيلس إلى القديس أبيفانيوس رسالة خاصة يحثه فيها على عقد مجمع بقبرص لإدانة الأوريجانية، ويرسل قراراته مع نسخة من رسالة ثاوفيلس المجمعية إلى القسطنطينية، حيث كان الأوريجانيون قد انطلقوا من أورشليم إلى القسطنطينية، يعرضون قضيتهم على القديس يوحنا الذهبي الفم.

وقد قام القديس جيروم بترجمة هذه الرسالة إلى اللاتينية، جاء فيها:

[ثاوفيلس، إلى السيد المحبوب جدًا، الأخ، والأسقف الشريك أبيفانيوس.

قال الرب لنبيِّه: "أنظر. قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم... وتبني وتغرس" (إر 1: 10).

في كل عصر يمنح الله كنيسته ذات النعمة، لكي يحفظ جسده (أف 1: 23) كاملًا، لا يقوى عليه سم الأفكار الهرطوقية في أي موضع.

والآن ها نحن أيضًا نجد الكلمات تتحقق، لأن كنيسة المسيح التي "لا دنس فيها ولا غصن أو شيء من مثل ذلك" (أف 5: 27)، تقطع بسيف الإنجيل الحيات الأوريجانية الزاحفة من جحورها، وتنقذ جوقات رهبان نتريا المثمرين من وبائهم الميت.

لقد بعث إليك صورة مختصرة لتصرفاتي معهم في الرسالة العامة(31) التي وجهتها للجميع بغير تمييز.

ولما كنتم غبطتكم دائمي النضال في صراعات مثل التي أمامي، فإن واجبكم يُحتم عليكم اليوم أن تسندوا الأيدي العاملة في هذا الحقل، فتجمعوا أساقفة جزيرتكم (قبرص). جميعهم لهذا الهدف. كما يليق بكم أن تبعثوا رسالة مجمعية لي ولأسقف القسطنطينية وللأساقفة الآخرين الذين ترون أن ترسل لهم، لكي ما يدان أوريجينوس نفسه والهراطقة الشائنة التي أوجدها، لذلك بنضال جماعي.

لقد رقا إلى علمنا أن جماعة من المفترين ضد الإيمان الحق، يدعون أمونيوس ويوسابيوس وأفثيموس(32) مملوءين حماسًا زائدًا لحساب الهرطقة قد أبحروا إلى القسطنطينية لكي يلقوا بشباك خداعاتهم إلى جماعة من المهتدين حديثًا ما استطاعوا، وأن يتداولوا من جديد مع أصحاب قدامى في شرهم.

احرصوا على وضع الأمور بين يديّ الأساقفة في Isar وبمفيلية والإيبارشيات المجاورة.

علاوة على هذا، تستطيع أن تضم رسالتي (إلى قرار مجمعكم) إن رأيت ذلك، فتجمع الكل معًا بروحٍ واحدةٍ، وبقوة ربنا يسوع المسيح تسلم هؤلاء للشيطان لهلاك الشر الذي ملك عليهم (1 كو 5: 4-5).

ولكي تتأكد من سرعة وصول مراسلاتك إلى القسطنطينية ابعث رسولًا مجتهدًا، أحد الكهنة، يقدر أن يروي الأحداث.

أطلب إليك فوق الكل أن تقدم للرب صلوات حارة، حتى نستطيع أن ننتصر في هذا النضال، فإن قلوب الناس بالإسكندرية وفي كل بقاع مصر تفرح فرحًا ليس بقليل، من أجل استبعاد قلة من الناس عن الكنيسة، حتى يبقى جسدًا طاهرًا.

سلام للإخوة الذين معك.

الشعب الذي معنا يحبك في الرب(33).]

جمَع القديس أبيفانيوس مجمعًا في جزيرة قبرص، حيث اجتمع عدد كبير من الأساقفة، هاجم فيه القديس أعمال أوريجينوس(34). أرسل نسخة من قرارات المجمع إلى الأساقفة خاصة القديس يوحنا أسقف القسطنطينية، كما أرسل نسخة منها مع رسالة خاصة إلى القديس جيروم يطلب منه ترجمة القرارات إلى اللاتينية، ويبشره بنجاح المجمع، ويعتبر نفسه سعيدًا أن يقوم بهذا العمل المجيد في شيخوخته. لقد امتدح ثاوفيلس "الذي نكس لواء الأوريجانية من مذبح الإسكندرية"، وأنه ليجد "في شهادة هذا الأسقف العظيم تأييدًا لما لم يكف عن إعلانه(35)".

في بساطته الزائدة وغيرته سافر إلى القسطنطينية -وقد ناهز الخامسة والثمانين من عمره- ليفند الآراء الأوريجانية، ويقاوم "رهبان نتريا" الذين حملوا في رأيه الهرطقة الأوريجانية، ويقاومون البابا ثاوفيلس.


الإخوة الطوال في القسطنطينية
إذ كان البابا ثاوفيلس يلاحق الآباء الرهبان أينما حلوا، لم يجدوا لهم موضع راحة، فتركوا فلسطين، وخرجوا من بلدٍ إلى آخر، ويلتجئون من أسقفٍ إلى أسقفٍ، وأخيرًا اضطروا للسفر إلى القسطنطينية يلتقون بالبطريرك يوحنا الذهبي الفم في أوائل عام 402م.

مهما قال سقراط(36) فإن البطريرك لم يكن يجهل المشادة التي قامت بين الإخوة الطوال وثاوفيلس(37).

اتجه الآباء إلى دار الأسقفية حيث التقوا بالأب البطريرك الذي كان محبًا لرهبان مصر، يتغنى بالبرية في مصر كما بفردوس النعيم، ويتطلع إلى رهبانها أكثر بهاءً من كواكب السماء! لقد أحب المصريين، فقال عنهم إنهم يُغذون أجساد القسطنطينية بالقمح كما يغذون قلوبهم بالإيمان.

فتح قلبه للرهبان الذين كشفوا له عن جراحاتهم، يشكون له تصرفات البابا ثاوفيلس، طالبين إلا يخيب رجاءهم فيه، بل يضمد جراحهم، وإلاَّ اضطروا إلى الالتجاء للإمبراطور، الأمر الذي لا يليق بالكنيسة. توسلوا إليه أن يعمل على مصالحتهم مع البابا ويتدخل في إرجاعهم إلى مصر(38). وإذ كان البطريرك واثقًا أنه قادر على تهدئة غضب البابا عليهم أراح قلبهم وفتح لهم داره. والتف الكل حولهم يسمعون لهم ويتعزون بكلماتهم، وكانت الشماسات والأرامل والعذارى التقيات يقمن بخدمتهم، الأمر الذي جلب عليهم تعييرات البابا ثاوفيلس(39).

أرسل القديس يوحنا إلى بابا الإسكندرية يخبره بالأمر، طالبًا الصفح عنهم، مدافعًا عنهم وعن العلامة أوريجينوس، كما أرسل يخبره أن الرهبان قدموا شكوى ضده بالرغم من محاولته معهم على تهدئة خواطرهم، وأنه في موقف حرج لا يعرف كيف يتصرف(40).

ومن المؤلم أثارت رسالته غضب ثاوفيلس بدلًا من رضاه، وخاصة وأنه عرف أن البطريرك قد سمح لهم بالشركة في العبادة العامة، مع أن القديس يوحنا لم يسمح لهم بالشركة في الأسرار المقدسة حتى يأتي رد البابا. فأرسل إليه رسالة مملوءة جفاء وتعنيفًا. اتهمه بتحريض الرهبان للتمرد عليه، كما أعطاه درسًا لا يستحقه، بقوله: أنت تعلم بلا شك قوانين نيقية التي تحرم على الأساقفة أن ينظروا الدعاوي الخارجة عن حدود إيبارشياتهم. إن كنت تجهل ذلك، فاِعلمه الآن وامتنع عن استلام شكوى مكتوبة ضدي، وإن كان يجب أن أُحاكم، تكون محاكمتي أمام المصريين، ولا أن أحاكم أمامك، أنت الذي يفصلنا عنك طريق يستغرق خمسة وسبعين يومًا(41).

لقد تأثر البطريرك جدًا، لعله أشار لذلك في تفسيره للرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي، عندما تحدث عن يوسف كعبد في بيت فوطيفار المصري، إذ قال: [كان يقدم حساباته لمصري. وأنتم تعرفون أن هذا الجنس مندفع، يثأر لنفسه. إذا ما نال سلطة لا يمكن وقف غضبه(42).]

تعرف الرهبان على البلاط الملكي -غالبًا عن طريق القديس يوحنا الذي أحس بفشله في تهدئة ثاوفيلس- وقد أُعجب الكل بالآباء الرهبان خاصة الأب آمون، الذي قدم شكواه إلى الإمبراطورة. لقد قالت له "باركني. صلِ من أجل الإمبراطور ومن أجلي ومن أجل أولادي، ومن أجل الإمبراطورية. إني أجاهد بعقد مجمع لمحاكمة ثاوفيلس(43)". وألقى القبض على مبعوثي ثاوفيلس حيث أُلقوا في السجن.

صدر الأمر الإمبراطوري بدعوة البابا ثاوفيلس للحضور إلى القسطنطينية ليحاكم أمام مجمع كنسي يرأسه القديس يوحنا، الأمر الذي أثار نفس ثاوفيلس معتبرًا القديس يوحنا محرضًا للرهبان ضده أمام الإمبراطور.

أرسل ثاوفيلس إلى القديس أبيفانيوس يعجله بالسفر إلى القسطنطينية يهيئ له الجو قبل وصوله، وفعلًا قام القديس رغم شيخوخته إلى القسطنطينية.

القديس أبيفانيوس في القسطنطينية
استغل ثاوفيلس هذا القديس الذي تشهد كل الكنائس الرسولية بقداسته. بالرغم من شيخوخته لا يطيق أن يسمع عن هرطقة أو بدعة، قديمة أو حديثة. وقد رأينا كيف انضم إلى القديس جيروم يحاربان القديس يوحنا الأورشليمي وروفينوس من أجل كتابات أوريجينوس.

لقد اِعتبر أبيفانيوس أوريجينوس هرطوقيًا وحسب "الأوريجانية" هرطقة.

على أي الأحوال، لا نستطيع أن ننكر في أبيفانيوس حسن نيته وغيرته، خاصة وقد ناهز الخامسة والثمانين من عمره، فحسبه شرفًا عظيمًا أن يتحمل المشاق ليخمد -في نظره- البدعة الأوريجانية ويقف جنبًا إلى جنب مع ثاوفيلس الذي يمثل في عينيه بطلًا يحارب من أجل استقامة الإيمان.

لقد جاء في بدء عام 403م متحاملًا على القديس يوحنا الذهبي الفم، لا لخلافات شخصية ولا لمطامع، لكنه في نظره "إنسانًا يحمي بدعة".

جاء القديس ليجد الموازين قد تغيرت في القسطنطينية، فقد انقلبت الإمبراطورة على القديس ولم تعد تطيقه. إذ بدأت الخصومة بينهما في صيف 402م.

يذكر لنا المؤرخ سقراط(44) بعض أعمال استفزازية قام بها القديس أبيفانيوس، فقد نزل بجوار كنيسة القديس يوحنا المعمدان(45)، فأرسل إليه القديس كهنته لينزل دار الأسقفية، أجابه أنه لن يقيم لديه ولا يصلي معه حتى يطرد ديسقورس وإخوته عن المدينة، ويوقع بيده على إدانة كتب أوريجينوس، فأرسل إليه يوحنا أنه لا يقدر أن يتصرف هكذا في غير تروِّ قبل عقد مجمع عام، لذلك نزل الأب أبيفانيوس في فندق.

جمع الأب الأساقفة الذين كانوا في العاصمة، وكان معروفًا بتقواه وهيبته، وقرأ عليهم قرارات المجمع التي تدين لأعمال أوريجينوس وطلب منهم التوقيع، فوقع البعض، وآخرون وقعوا خجلًا منه، لكن كثيرين رفضوا التوقيع منهم الأب ثيؤتيموس Theotimus of Scythia الذي قال: ["لا أقدر أن أسب إنسانًا أنهى حياته الورعة منذ وقت طويل يا أبيفانيوس، ولا أتجاسر أن اَرتكب كفرًا كهذا، أن أدين ما لم يدنه أسلافنا خاصة وأنا أعلم أنه ليس في كتب أوريجينوس تعاليم شريرة(46).] وتلا الأسقف ثيؤتيموس فقرات من كتب العلامة أوريجينوس ليكشف إنها تتفق مع تعليم الكنيسة وعقيدتها.

قيل أيضًا أنه تعمد رسامة شماس في كنيسة تتبع الأسقف يوحنا دون أن يستأذنه.

أخيرًا حرضه أعداء يوحنا أن يذهب إلى كنيسة الرسل حيث أعلن أمام الشعب حرمه لكتابات أوريجينوس وحرمه لديسقورس وإخوته، كما اِتهم القديس يوحنا بتشجيعه لهم. سمع البطريرك بذلك، فأرسل في اليوم التالي إليه رسولًا عند دخوله الكنيسة يقول له: "صنعت أمورًا كثيرة تخالف القوانين يا أبيفانيوس. أولًا قمت برسامة في كنائس خاضعة لي. بعد هذا -بغير استئذاني- أعطيت لنفسك سلطانًا للخدمة فيها. أضف إلى هذا إني دعوتك فرفضت الحضور، وها أنت تعطي نفسك هذه الحرية. اِحذر لئلاَّ تحدث ضدك ضجة بين الشعب، ويصيبك منهم ضرر".

إذ سمع الأسقف أبيفانيوس هذا التحذير ترك القسطنطينية ليعود إلى جزيرته. وقد روى سقراط قصة محزنة -هو نفسه لا يعلم مدى صحتها- لكنها إن دلت على شيء فإنما تدل على ضعفنا البشري، الذي قد يسقط فيه أي إنسان! قال سقراط أن الأسقف أبيفانيوس تضايقت نفسه من تحذير الأسقف يوحنا، وفي مرارة قلب قال له: [إنك لن تموت وأنت على كرسي أسقفيتك.] فأجابه الأسقف يوحنا في ضيقة نفسه أيضًا: [وأنت لا تظن أنك ترى وطنك.] يعلق سقراط بأنه مع عدم تحققه من صدق الرواية، فإن النبوتين قد تحققتا، إذ نُفي يوحنا بعد عزله من الأسقفية، كما لم يصل الأسقف أبيفانيوس وطنه بل مات في الطريق وهو على المركب.

ما أن اِنطلق الأسقف من القسطنطينية حتى سمع الأب البطريرك أن أفدوكسيا لعبت دورًا خفيًا في ثورة الأسقف أبيفانيوس ضده، فوقف على المنبر يتحدث عن الرذائل التي تسببها النساء. لقد أدرك العامة أن الحديث موجه كله ضد الإمبراطورة، فخرجوا يتحدثون عنها، وقام بعض الوشاة بتبليغ الأمر، وهى بدورها شكت لزوجها بأن كل ما يمسها، إنما يمسه هو أيضًا(47)، فانقلب ميزان القضية. لقد وجدت في حضور ثاوفيلس لمحاكمته الفرصة ليكون المتهم حاكمًا والقاضي متهمًا. إنها فرصة لا تجد مثلها فقد كان ثاوفيلس في الطريق -حين سمع بهذا النبأ- وكان قلبه ملتهبًا مرارة تجاه البطريرك يوحنا.

يخبرنا المؤرخ بالاديوس أن ثاوفيلس كان في الطريق حين بلغه نبأ طلبه لإقالة يوحنا كأمر أفدوكسيا(48) وزوجها.
***

 

 

This site was last updated 09/08/19