العلامة المتنيح الأنبا لوكاس الأول - مطران منفلوط وأبنوب
1930م – 1965م
مولده
ولد القديس الأنبا لوكاس في 11 يونيه سنه 1900م. في حارة السقايين بحي عابدين بالقاهرة من أبويين فاضلين فأبوه واصف بك جرجس ناظر كنيسة رئيس الملائكة غبريال بحارة السقايين ومن كبار موظفي حكومة السودان وكان والده مواظبين علي الصوم والصلاة وقراءة الكتاب المقدس والكتب الروحية.وكان فناء منزلهم ملتقي المحتاجين وإخوة الرب وسماه والداه كامل وكأنما كانا يتنبأن عن كماله في عدة أشياء .
طفولته
كان الطفل كامل يميل إلي الوحدة والإختلاء مبتعداً عن المعاشرات الرديئة ولذلك كان من السهل أن يمتلئ قلبه بالمبادئ المسيحية فكان الأبن المبارك كامل يواظب على العبادة بحب وشوق وفي حوالي العاشرة من عمره كان يصوم أغلب الأصوام للغروب . إلتحق الطفل كامل بمدرسة الأقباط الإبتدائية بحارة السقايين وإهتم بدراسته العلمية وأعطي إهتماماً خاصاً بالألحان الكنَسِيَة وكان المعلم (المرحوم) فرج مرتل كنيسة الملاك غبريال يحضر يومياً بمنزله لإعطائه دروس الألحان.
- في أول يوم من إمتحان الشهادة الإبتدائية صعدت روح والدته إلي السماء وأصر والده علي حضوره الإمتحان حرصاً علي مستقبله فكان جالساً في لجنة الإمتحان يجيب علي الأسئلة وفي نفس اللحظة يسمع أجراس الحزن تدق معلنه سير الجنازة وصار هذا الطفل المبارك حديث كل من روآه لأنه فاق كثيرين ممن هم في سنه فرغم كل الأحزان والصعاب نجح كامل بتفوق في الشهادة الإبتدائية وإلتحق بمدرسة الخديوية الثانوية.
سيامته شماساً
نظراً لبراعته في حفظ الألحان وإلتصاقه بالكنيسة وممارسة أسرارها وطقوسها رشحه كاهن كنيسة الملاك غبريال لأخذ أول رتبه شماسية وهو في سن الرابعة عشر من عمره وتم ذلك بيد الأنبا يوأنس مطران البحيره . هذه السيامة زادته ميلاً للعبادة وأعمال البر والتقرب لله والإلتصاق بالمذبح وترتيل الألحان والصلوات وإنفتحت شهيته في قراءة سير القديسين وعلم أن الرهبنة أوفق الطرق وأقربها إلي الخلاص وممارسة العبادة ومبادئ النسك والتقشف ووضع في داخله أن علامة المسيحي علي الإطلاق أن يكون في كل حين علي أتم إستعداد لترك الجميع متى دعته النعمة الإلهية إلي ذلك وليحسب كل غني العالم نفاية وكلا شيء من أجل السيد المسيح ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يعلق المؤمن قلبه بكل شئ يكون سبباً في إنخفاض درجة محبته للمخلص.
ذهابه إلي دير المحرق
في فجر حياته رأي رؤيا حمامة تهبط عليه فوق سريره تسر في أذنيه أن يقوم ويرحل إلي برية قسقام وكانت هذه الرؤيا ماثلة أمامه في كل حين ومع مرور الوقت كان يمتلئ إصراراً علي تنفيذ هذه الرؤيا منتظراً الوقت المناسب لترك العالم والذهاب إلي الدير.
وبعد أن أتم دراسته الثانوية بتفوق رأي والده إصراره علي الذهاب للدير المحرق فلم يعوق طريقة بل وافقه وشجعه بكل حب وترحاب وإستحضر له خطاب من الأنبا كيرلس الخامس بطريرك الكرازة المرقسية.
وفي عام 1916م ذهب كامل للدير ولديه من العمر ستة عشر عاماً ونسى كل من والده وإخوته وأقربائه وأصدقائه وحصر فكرة وجميع حواسه في السيد المسيح ووجه كل محبته بكل الطرق للسيد الذي فداه.
دخل دير المحرق وقت رئاسة الأنبا باخوميوس فسار سيرة حسنة بين الرهبان وكان مثال صالح وقدوة حسنة مما دفع الرهبان علي تذكيته لدي الأب الأسقف لاندماجه في سلك الرهبنة فألبسه الأنبا باخوميوس الإسكيم الرهبانى في عيد القيامة وكان هذا دافعاً له في مضاعفة جهاده وإبتدأ بسرعة يتدرج في سلم الفضائل بل لقد وجد ضالته وهوايته ومحبته في الدراسة الدينية وغير الدينية وحفظ المزيد من الألحان وترديدها بصوته المميز.
سيامته قساً
رأى في هذا القديس جميع من حوله نبوغاً في العلوم الدينية وغير الدينية ومعرفة الطقوس والعقائد والألحان ولهذا زكوه بإستحقاق لأن يرقي إلي درجة الكهنوت فرسم قساً بإسم القس عبد المسيح وبدأ مرحلة جديدة من الجهاد الروحي وقد زاده إتضاعاً وحكمة ونجاحاً تلمذته للقمص ميخائيل البحيرى تلميذ الأنبا إبرآم . ولحبه في العلم الديني والمعرفة إهتم بمدرسة الرهبان التي أوكل إليه رئيس الدير رئاستها له فأصبحت مصدر ينبوع وتنوير للرهبان. وكان بحق القس عبد المسيح الشمعة المضيئة التي تحترق لتضيئ للآخرين ورغم صغر سنه رأي فيه الأب الأسقف رئيس الدير حكمة الشيوخ ومعرفة العظماء فعهد إلية أمانة الدير المحرق فزاد هذا المنصب من إتضاعه ومحبته لأخواته الرهبان وكل من تعامل معهم فأحبه الجميع وقدروه.
سيامته أسقفاً
نظراً لمحبته للخالق والكنيسة وعشقه للألحان ونبوغه في العلوم والمعرفة الدينية والعالمية ولإتضاعه أحبه الرؤساء ولفتت إليه الأنظار وفاحت رائحته الذكية وإشتهر بنسكه الزائد وأصوامه المتواصلة وعفته المتناهية وإتضاعه الفائق.
هذه الفضائل وغيرها جعلت كثيرين من علماء وآباء الكنيسة يرشحونه لنيل مرتبة الأسقفية.
وفي عام 1930م ، وضع البابا يوأنس التاسع عشر البطريرك (113) يديه الطاهرتين لسيامة القس عبد المسيح المحرقي أسقفاً علي مدينتي منفلوط وأبنوب وكل تخومهما بإسم الأنبا لوكاس فحمل النير وكان جديراً بالذكر بالمسئولية الملقاة علي عاتقه وبدأ مرحلة جديدة من مراحل الجهاد فرغم أن عمرة كان ثلاثون عاماً لكن خدمته وحكمته وجهاده ماثل الشيوخ الممتلئين فطنه وحنكة وحكمة.
فضائله وجهاده
كان يصرف أوقاتاً كبيرة في الصلاة والدراسة والتأمل وقراءه الكتب المقدسة وفحص المصنفات الدينية علي إختلاف محتوياتها فقد وضع داخله أن الحياة جهاد عمل وليست نوم وكسل فكان حكيماً في التدبير متساهلاً للضرورة متشدداً في بعض الأحيان وإجتذاب الجميع إليه وحاز علي ثقة الكل فأضحي موضوع إجلال الجميع وبما أفيض عليه من العلم الإلهي والإدراك الروحي والفهم السماوي إكتسب مادة دينية كبري جعلته يدرك حقائق الغوامض الينيه والمشكلات العقائدية وبالأكثر أسرار الحياة الروحية التي قلماً يوجد من يدرك دقائقها حتى كل من إختبر تدبيره الروحي يأخذ منه العجب والإستغراب كل مأخذ لهذه الحكمة المفاضه عليه من العلا وإليك بعضاً من فضائله وجهاده.
فضيلة العفة و الطهارة
إشتهر بعفته الصادقة وبتوليته الحقه فلم يعرف مجلسه إستهزاء ولا سخرية ولا تهريجاً وكانت له إبتسامة حلوة وضحكة وقورة وحكمة موفورة وعقلية جبارة وكان شديد الإذلال لجسده فيصوم للغروب ولا يعطي لجسده كفايته من الأكل والشراب وليلة وفاته وجد علي مائدته للإفطار ليلة العيد قليل من الفجل والطعمية وكان يقضي أغلب أوقاته في خلوة بمسكنة للجهاد الروحي .
فضيلة الصلاة
كان دائم الصلاة القلبية والتخشعات الروحية وفروضها الجسدية فكان يقضي أغلب لياليه وأيامه في الصلاة ومن كلماته المأثورة :
" أن الصلاة الحقانية توقف صاحبها في أسمي مركز روحي
لأنها تعلي شأنه حتى توقفه موقف مناجي للرب"
وفي صلاة القداس الإلهي كان له لحن مميز ونبرة خاصة وكل ما يسمعه يحس شيئاً لم يجده في غيره من الإكليروس فقد كان باعث للتخشع قداسة الحبر الذي كان يقاطع منه يهطل الدموع وكان يخيل للناظرين إليه إنهم ينظرون إلي ملاك نوراني في شكل إنسان . فما أعظم تأثير طلباته الإرتجالية وتنهداته الخشوعية في قلوب سامعيه وكأن لسان حالة يقول " أما أنا فصلاه".
كان منصباً علي مطالعة الكتب المقدسة علي إختلاف أنواعها ، مهتم بالدراسة في كل المجالات وإشتهر بتعليمه وعظاته المؤثرة . ومع مضي الزمن كان يزداد صوته سماعاً في أماكن كثيرة ومجالات شتي وإزداد عدد تلاميذه ومحبيه وسامعيه في أماكن كثيرة من الكرازة حتى أطلق علية كثيرين " فارس المنبر" ،"المعلم المميز" ، "الواعظ الفذ" فلم يتواني من تلبية كل من يطلبه في أي مكان من الكرازة للوعظ والصلاة فكم أعطي من تعاليم كثيرة والمشاركة في الكتابة في المجلات الدينية وكان دائم التعليم والنصيحة بهذا القول :
" المعلم العامل كلما فتش في الكتب المقدسة وتفقد كنوز الخلاص أعني الفضائل وموجباتها كلما تعمق في حب الفضيلة وإزداد شغفة بالإزدياد في الحصول عليها وكلما إرتقى متدرجاً في سلم الدالة إلي القربي الإلهية حتى يحصل علي تلك العظمة الحقيقة التي جاء عنها في الكتاب المقدس ما نصه " ومن عمل وعلم الناس هكذا فهذا يدعي عظيماً في ملكوت السموات "{ مت 5 : 19 }.
?قضي كثيراً من لياليه ساهراً في الدراسة والكتابة فكان يمتلك آلات كاتبة في اللغة الفرنسية والإنجليزية بل آلة كاتبة في اللغة القبطية التي كان يصعب الحصول عليها في ذلك الوقت وهذا دليل علي محبته للدراسة والكتابة بالذات للغة القبطية وقدم كثيراً من عمله للقراء ليس عظاته فقط بل وفي كتاباته للكتب المختلفة والمجلات التي شارك في إصدارها أو لكتاباته فيها وردوده علي كثير من الأسئلة ودفاعه عن العقيدة والمسيحية عموماً الأرثوذكسية بوجه خاص.
** بهذا إذا أردت أن تعرف الأنبا لوكاس ** فسوف تجده بين عظاته ولوكاسياته **
ولم يكن قط رجل دين يعرف العقيدة الطقس والتفاسير وغيرها بل كان أيضاً عالماً بكل ما تحمله الكلمة من معاني كان كنزاً مغلقاً من كل أنواع العلم والمعرفة يحدثك في كل علم وفن فكان خطيباً مؤثراً ، كاتباً بارعاً ليس في إلقاء الشعر بل من أعظم الشعراء كتابة في كثير من المجالات والمناسبات فعندما تجلس إليه فتحس إنك بين يدي عالم جبار له قوة الإقناع بالحجة والبرهان . كان يجيد عدة لغات : { العربية، القبطية، اليونانية، الأمهرية، الحبشية، الإنجليزية وبعض الفرنسية}.
كان متضلعاً في اللغة المصرية القديمة وقام بعدة أبحاث عن موضوعات وكلمات نذكر منها " كلمة القاهرة " أصل مصري قديم هو " كاهي را " أي ارض الشمس وأيضاً كلمة " النيروز" مطلع نشيد كنائسي يتلي وقت فياض النيل وهو " ني ياروؤ أزمو إيروؤ" أي مياه الأنهار باركها يارب.
في مجال إخوة الرب
كان للنشأة التي نشأ بها من الصغر أكبر الأثر في محبته للمحتاجين بل وزاد من ذلك تلمذته للقمص ميخائيل البحيري تلميذ الأنبا إبرآم حبيب الفقراء فصار يشدو شوقاً للعطاء لكل محتاج يقدم العطاء دون أن يشعر به أحد منفذاً لأوامر سيده :
" فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك" {مت6 : 1 – 4 } وقد عثر في أوراقه الخاصة بعد إنتقاله علي كشوف بأسماء كثيرة كان يقدم لهم العون والمساعدات العينية والمادية.
مميزاته وأعمال أخري
كان لنيافته حب و إهتمام خاص بالألحان الكنيسة بل وإعتز بكل من يحفظ ويشدو بها ولهذا حدد حصصاً لدراسة وحفظ الألحان ويشرف عليها بنفسه ولا يتم سيامته الشمامسة إلا بعد إختبارات دقيقة ويقوم بها شخصياً ويمنح المتميزين منهم رتباً شماسيه للتنظيم والتشجيع كل ذلك زاد من ثقافته وعدد الشمامسة وروحانياتهم.
رغبات تحققت
كان لنيافته ثلاث رغبات وهي زيارة بيت المقدس والرجوع إلي مسقط رأسه والتلاقي مع بعض أقاربه والذين لم يراهم منذ فترة طويلة من الزمن وتحققت هذه الرغبات فذهب لزيارة الأراضي المقدسة في شهر أغسطس سنة 1964م. في الزيارة المريميه ورفض الذهاب في شهر أبريل لبقائه بين أولاده والصلاة معهم أسبوع الآلام والعيد كما هي عادته منذ سيامته أسقفاً وقد تحققت رغبته الثانية بأن زار المنزل الذي ولد فيه في حارة السقايين بالقاهرة وتمت أمنيته الثالثة في شهر ديسمبر سنة 1964م. فزار أغلب أفراد أسرته في القاهرة وبورسعيد وغيرها من البلدان وكلما سأل علي أحد ولم يجده يذكر لمن حاضر أن يبلغه سؤاله عنه وسلامه له.
أهم المناصب التي شغلها
شغل كثير من المناصب ونذكر بعضاً منها بإيجاز:
1.رئاسة لجنة الأوقاف العليا.
2.رئاسة وفد المفاوضات مع أثيوبيا ومنحه الإمبراطور هيلي سيلاس أعلي وسام في الإمبراطورية وهو الوشاح الأثيوبي .
3.رئاسة المجلس الملي.
4.رئاسة لجنة تجميع القوانين الكنسية.
5. رئاسة لجنة مراجعة المؤلفات القبطية.
6. عضو هيئة الأوقاف القبطية.
7. شغل وظيفة معاون بطريركي للبابا يوساب بقرار من المجمع المقدس.
حدث تاريخي
في عهد نيافته زار وبارك مدينة منفلوط قداسة البابا كيرلس السادس البطريرك ال 116 ويا له من حدث تاريخى وهذه الزيارة أن دلت علي شئ إنما تدل علي الحب والتقدير من قداسة البابا لحبيبه الأنبا لوكاس .
بعضاً من مؤلفاته
أصدر كتابا عن معلمة أبونا ميخائيل البحيرى أسماه " بلوغ المرام في تاريخ حياه خليفة الأنبا إبرام المتنيح القمص ميخائيل البحيرى كوكب برية جبل قسقام وطبع في عام 1924م.
+ أصدر مجلة الحكمة .
+ أصدر خمسة أجزاء من كتب التحفة اللوكاسية .
+ ساهم في إصدار مجلة مارجرجس وعلو مكانتها بأبوابه الدائمة فيها .
+ وضع وألف كثير من المدائح والترانيم والتي منها مديحه تقال في برامون الميلاد.
+ كثير من العظات قيلت في المناسبات العامة والخاصة هذا بخلاف كثير من الفتاوى الدينية والنشرات التفسيرية.
باباوات خدم معهم
في الفترة من سيامته أسقفاً سنه 1930 حتي تركه هذا العالم سنه 1965 وأخذ بركة الخدمة مع :
1. البابا يوأنس التاسع عشر البطريرك (113) والذي سيم في 16/12/1928 وتنيح في 21/6/1942 .
2. البابا مكاريوس الثالث البطريرك (114) والذي سيم في 13 /2 /1944 وتنيح في 31/8/1945 .
3. البابا يوساب الثاني البطريرك (115) والذي سيم في 26/5/1946 وتنيح في 13/11/1956.
4. البابا كيرلس السادس البطريرك (116) والذي سيم في 10/5/1959 وتنيح في 9 /3 /1971.
إنتقاله للحياة الجديدة
لما أكمل نيافة الأنبا لوكاس من العمر خمسة وستون عاماً منها ستة عشر سنة قبل الرهبنه وأربعه عشر سنة بالدير المحرق في النسك والعبادة في عيشة الرهبانية وخمسة وثلاثون سنه في خدمة إيبارشية منفلوط وأبنوب والكرازة المرقسية بوجه عام وفي ليلة عيد الميلاد سنة 1965 وقف الملاك الأرضي بين أخوته الملائكة السمائيين يتغني بألحان القداس الإلهي وتسابيح الميلاد بصوته الشجي المميز يرن في أرجاء المذبح المقدس وعند قوله نقرب لك قرابينك ممن الذي لك علي كل حال وفي كل حال إبتدأت جذوة الحياة تخمد وتخبو فأختنق الصوت وخفت إلا أنة غالب وغالب حتي أكمل آخر اللحن ثم سقط في إغماء أغلي وأعظم الرجال والفوارس علي أرض الهيكل الطاهر وتجمع الأطباء لإسعافه وأشار علي من حوله أن يخفوا هذا عن الشعب وأكمل الكهنة القداس وأنصرف المصليين بعد أن طمئنهم وذهب لدار المطرانية .
وفي فجر يوم الخميس الموافق 29 كيهك سنة 1681 ش الموافق 7 يناير سنة 1965 لفظ النفس الأخير وإذ بأجراس الكنائس تعلن النبأ وفجعت المسيحية والكرازة المرقسية بصفة خاصة إختطاف الحبر العلامة الكبير الأنبا لوكاس وأعلنت الأجراس السمائية فرح الإستقبال . صعدت روحه فكان إنتقاله ميلاداً جديداً لروحه المباركة التي خرجت .
من عالم التعب والفناء لتستوطن في عالم البقاء والراحة والسعادة الحقيقة وهي ترنم مع داود النبي :
" إرجعي يا نفسي إلي موضع راحتك لأن الرب أحسن إليك" ( مز 116: 7).
لن ننسي حبك وفضلك ولم يغيب عنا طيفك وشكلك وهذه الإبتسامة الحلوة والضحكة الوقورة والحكمة الموفورة والعقلية الجبارة والعلم الفياض لقد كنت ملاكاً طاهراً فأختطفك الله وأنت تقدس علي مذبحه المقدس يا أبانا مازلت حياً بيننا تتكلم في مؤلفاتك وتفاسيرك العميقة التي قدمتها للمسيحية وفي عظاتك الخلاصية والتفسيرية التي كانت سبباً لخلاص كثيرين بل الآن في جسدك الطاهر الذي حفظة الله من الفساد ليكون علامة شاهد علي طهرك ونقاك وشهد كل من رآه عظمة الله في قديسيه وحفظ أجسادهم من الفساد التي جاهدت من أجل حفظ الإيمان . فليس لنا سوي أن نقول أذكرنا يا أبانا أمام عرش النعمة حتى نتمم جهادنا ويكون لنا نصيب مع الفائزين.
الصلاة علي الجثمان الطاهر
كان يوم الجمعة الموافق 8/1/1965 يوماً تاريخياً ربما لا يتكرر مرة أخر فقد تجمع بكنيسة السيدة العذراء بمدينة منفلوط جموع كثيرة من كل الأنحاء والطوائف والملل ولا تستطيع أن يفرق بين هذا أو ذاك لأن للجميع صورة واحدة حزن و أسي علي الوجوه ودموع في العيون وقلوب ترتجف والكل في صمت رهيب يرقب ما يحدث للحبيب.
وقد شارك في الصلاة علي الجثمان الطاهر:
+ نيافة الأنبا انطونيوس مطران سوهاج بالأصالة عن نفسه ونائباً عن البابا المعظم الأنبا كيرلس السادس.
+ نيافة الأنبا ساو يرس مطران المنيا.
+ نيافة الأنبا مرقس مطران أبوتيج وطهطا.
+ نيافة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط .
+ نيافة الأنبا بطرس مطران أخميم .
+ نيافة الأنبا مينا مطران جرجا .
+ نيافة الأنبا مكسيموس أسقف القليوبية .
+ القمص قزمان رئيس دير المحرق العامر.
+ القمص ميخائيل عبد المسيح الوكيل العام للبطريركية وجاء لتقديم العزاء جموع كثيرة منهم من حضر شخصياً ومن أناب عنه آخرين من الشخصيات المرموقة نذكر منها :
+ السيد الرئيس جمال عبد الناصر الذي أوفد العقيد قصير الديك لحضور الصلاة وتقديم العزاء.
+ السيد محافظ أسيوط الذي أناب عنة المهندس ضياء الدين أبو حسين لتقديم العزاء .
وألقيت الكثير من الكلمات الرثائية من مسلمين ومسيحيين وألقي الكثير من كبار الشعراء شعرهم الرثائي وفي النهاية أصر الحاضرون علي أن يطوفوا به شوارع مدينة منفلوط وكان حقاً مشهداً يعجز القلم عن وصفه في توديع من يليق به كل الإحترام والإكرام.
وأخيراً وضع الجسد الطاهر في مقبرة الأساقفة بدار المطرانية بمنفلوط وأسدل الستار علي فصل من حياة الأنبا لوكاس الجسدية والأرضية .
حياه جديدة
في الوقت المعين من السماء وتنفيذاً للقول الإلهي " أكرم الذين يكرمونني " أراد الله أن يظهر محبته وإكرامه لقديسيه ففي عام 1997 وتبعاً لتوجيهات الأنبا أنطونيوس بنقل أجساد الآباء الأساقفة من مقبرة دار المطرانية القديم إلي دار المطرانية الجديدة فوجئنا بالجسد الطاهر كما هو لم يري فساد وكان هذا إعلاناً ودليلاً بإستمرارية حياة القديسين ومن أرضوا الله بأعمالهم الصالحة ومن تلك الساعة أضاءت بروق الأنبا لوكاس ليس في إيبارشية منفلوط بل وفي أرجاء المسكونة كلها وتأتي تتبارك منه جموع كثيرة من شتي الأنحاء وكم من معجزات تتم ببركة صلوات هذا القديس.
والآن الجسد موجود بدير الأمير تادرس ألشطبي بمنفلوط والذي يقع علي الطريق السريع مصر أسيوط الزراعي شمال مدينة منفلوط حوالي 2 كم.
ولا نملك في النهاية سوي أن نقول أذكرنا يا أبابنا أمام عرش النعمة وصلي لأجلنا.
من معجزاته :
شفاء نازفة الدم
كانت السيدة مصابة بنزيف حاد جداً وقرر الأطباء إجراء جراحة لها ( إستئصال رحم ) وكان أن تنيح الأنبا لوكاس في فجر 7 يناير سنة 1965 وكان كل الشعب يحضرون لأخذ بركة الجسد وإلقاء النظرة الأخيرة قبل الدفن بدار المطرانية ، وحدث أن قالت السيدة صاحبة المعجزة أنها إن زارت وأخذت بركة من جسد الأنبا لوكاس سوف تُشفي تماماً من النزيف وسوف لا تحتاج إلي جراحة ونزلت من المنزل وفي طريقها إلي المطرانية تقابلت مع الدكتور المعالج وسألها إلي أين ذاهبة ؟ فقالت له لأخذ بركة من جسد الأنبا لوكاس قبل الدفن وذهب الطبيب معها لأخذ البركة وتحدث معها بخصوص العملية فقالت له إن شاء الله سوف لا نحتاج إلي جراحة بعد زيارة الجسد ، وحدث فعلاً بعد أن تباركت من جسد الأنبا لوكاس أن شفيت من النزيف فوراً وهذا كان إيماناً منها إنها عند لمس جسد الأنبا لوكاس سوف تُشفى تماماً ولم يحدث لها نزيف مرة أخرى بل وقد حملت في نفس العام ووضعت مولوداً بتاريخ 3 /10 /1965 .
يحمى أبنائه من إهانات الآخرين
كانت الأسرة من أعيان الفيوم وتعرضت إلي هزة مالية وأضاعت كل ثروة الأسرة ووصلت بهم إلي الإفلاس مما إضطر العائل إلي ترك الأسرة بعد أن ضاقت به الدنيا وعاشت السيدة تعاني ذل الدائنين وإضطهادهم وكان أكثر المضطهدين صاحب المنزل المقيمين فيه فقد كان يعاملهم بكل قسوة حتى يتركوا له الشقة مستعملاً كل أنواع الإذلال وحضرت السيدة ضمن رحلة إلي أسيوط لزيارة الكنيسة التى ظهرت بها السيدة العذراء وزارت ضمن الزيارات جسد القديس الأنبا لوكاس وتشفعت به وإستنجدت به ثم عادت إلي المنزل وكالعادة وفقت في شرفة المنزل تنتظر مسلسل الشتائم اليومي المعتاد وذلك بعد أن طلبت حماية الأنبا لوكاس لها وحدث أن إبنه صاحب المنزل تنظر من البلكونه وتطلب منها الدخول لأنها سوف تقوم بتنظيف السجاده ومن يومها لم يحدث لهم أي إهانات .
المنزل يباع
كان لها منزل بمنطقة لا يسكنها أحد من أبناء الكنيسة وكانت تريد بيعه ولم تتمكن من البيع لأن كل مرة كان يحضر المشتري يتدخل عدو الخير ويوقف البيع وقد حضرت إلي دير الأمير تادرس الشطبي بمنفلوط للزيارة ضمن رحلة وزارت جسد الأنبا لوكاس وتشفعت به وطلبت منه التدخل في هذا الموضوع وفي خلال ثلاثة أيام دبر لها الرب المشتري وتم البيع بأعلى سعر والثمن نقداً دون حدوث مشاكل وقد حضرت السيدة وسجلت ما حدث لها وأوفت لنذرها .
شفاء آلام الرقبة
شعرت بتعب وآلام في رقبتها وأحست وكأن قشرة لب تقف في حنجرتها ولم تتحرك وذهبت إلي الأطباء ولم يحدث تحسن وإستمرت لمدة شهر في هذا التعب. وذات ليلة في حلم رأت وكأنها في مضيفة كنيسة أبوسيفين قبل أن يتم تجديدها وفي يدها صينية شاي بها عدد 2 كوب شاي لإثنين من الآباء الكهنة وبعد أن شربوا أخذت الصينية وإذا بها ترى وكأن حجرة مضيئة بنور شديد جداً جداً وبداخلها أحد الآباء ذات وجه مضئ جداً بالنور وبجواره شيخاً يرتدي شال بني اللون على رأسه فسألت الخادم الواقف أمام الباب من هذا فأجابها بأنه الأنبا لوكاس مطران منفلوط فأعطته الصينية التي كانت بيدها وطلبت من الأنبا لوكاس أن يصلي لها وذلك بعد أن دخلت إلي الحجرة فسألها ما إسمك ؟ فأجابت وقالت إسمها وقال لها من أين ؟ قالت من قرية مير فضربني بالصليب علي رأسي ورشمني بعلامة الصليب وقال لي لا تخافي سوف تشفي وفجأة أيقظني من النوم وبعدها لم أشعر بأي ألم في حنجرتي وحكيت ما حدث لأولادي فأحضروا لي كثيراً من صور القديسين الموجودة بالمنزل وكذلك صور بعض الآباء المطارنة والأساقفة فقلت ولا واحد منهم وللعلم أنا لا أعرف عن الأنبا لوكاس شئ وأحضر أبنائي لي صورة للأنبا لوكاس فقلت بصوت عالي نعم هذا هو الذي ضربني بالصليب ورشمني به وكان لابس شال بني الذي رأيته في رؤيا بالمنام وشفانى .
*************
المراجع
+ عن كتاب :معجزات المتنيح العلّامة المتنيح الأنبا لوكاس الأول مطران منفلوط وأبنوب
+ إصدار : دير الأمير تادرس الشطبى
http://www.baqofa.com/forum/forum_posts.asp?TID=39058