القديس تداوس الرسول
بقلم : المتنيح الأنبا غريغوريوس
هو واحد من الاثني عشر تلميذا من تلاميذ المسيح له المجد, ورسولا من رسله القديسين, يرد اسمه (العاشر) في قائمة أسماء الاثني عشر رسولا الواردة في الإنجيل ويجئ مباشرة بعد اسم يعقوب بن حلفي ومقترنا به.
ففي الإنجيل للقديس مرقس يرد الاسم تداوس (مرقس3:18) أما في الأنجيل للقديس متي فيردلباوس الملقب تداوس (متي10:3). ولباوس اسم تدليل مشتق من(لب)LEBB وتعني بالعبرانية والآرامية(قلب أو عقل). أما (تداوس) فمشتق من الكلمة الأرامية ثدي THAD أو ثداي THADAI أي(ثدي الأم).
وفي الإنجيل للقديس لوقا وفي سفر أعمال الرسل, يرد اسمه يهوذا أخو يعقوب (لوقا6:16),(أعمال الرسل 1:13).
وفي الإنجيل للقديس يوحنا يرد اسمه يهوذا ليس الإسخريوطي (يوحنا14:22) . وفي الرسالة المنسوبة إليه المعروفة بـرسالة القديس يهوذا, وهي إحدي رسائل العهد الجديد الجامعة(الكاثوليكون) يقول عن نفسه في مطلعها يهوذا عبد يسوع المسيح, وأخو يعقوب(يهوذا:1).
ويبدون أنه لعدم الخلط بينه وبين ويهوذا الإسخريوطي التلميذ الخائن الذي أسلم معلمه وسيده لليهود, فصلبوه وقتلوه, ذكره الإنجيل للقديس متي والإنجيل للقديس مرقس بالاسم الذي تلقب به(تداوس). أما هو فاحتفظ في رسالته باسمه الأصيل يهوذا) وهو بالعبرانية والآرامية معناه ممدوح أو محمود.
وتداوس إذن هو أخو يعقوب بن حلفي, وأما أبوه هو حلفي( بالأرامية) أو كلوبا باليونانية وهو علي ما يروي القديس أبيفانيوس, وهيجسيبوس والمؤرخ يوسابيوس القيصري في كتابهتاريخ الكنيسة(كتاب3:11) هو أخو يوسف البار خطيب العذراء مريم. وأما أمه فهي أيضا أخت العذراء مريم (يوحنا 19:25) المعروفة بمريم زوجة كلوبا, ومريم أم يعقوب ويوسي(متي27:56), ومريم أم يعقوب الصغير ويوسي(مرقس15:40), ومريم أم يعقوب(مرقس16:1), (لوقا24:10) ومريم أم يوسي(مرقس15:47).
ومن إخوته يعقوب الصغير الذي عرف بيعقوب البار الذي صار أسقفا علي أورشليم. ومنهم أيضا سمعان الذي صار فيما بعد أسقفا علي أورشليم بعد استشهاد القديس يعقوب البار.
وعلي ذلك يكون يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا المذكورون في الإنجيل إنهم إخوة المسيح(متي13:55), (12:46), (مرقس6:3), هم في الواقع أولاد خؤولته وعمومته في آن واحد, ولكنهم علي عادة الشرقيين سموا إخوته(التكوين13:8) (29:15), (31:46).
وقيل إن الرسول تداوس كان متزوجا عندما تبع السيد المسيح وكان له أولاد ولذلك فإن الرسول بولس قد عناه عندما قال: ألعلنا لا سلطان لنا أن نجول بأخت زوجة كباقي الرسل وإخوة الرب وصفا(1.كورنثوس9:5) فقد كان تداوس ويعقوب بن حلفي من إخوة الرب.
ولقد لازم تداوس الرسول معلمه وسيده يسوع المسيح, وتبعه من كل قلبه, وأخلص له الإخلاص كله. حتي إذا سمع من الرب يسوع حديثه الوداعي في ليلة آلامهإنني أمضي لأعد لكم مكانا. ومتي مضيت وأعددت لكم مكانا سآتي ثانية وآخذكم إلي, حتي تكونوا أنتم حيث أكون أنا...لن أترككم يتامي وإنما سأجي إليكم. بعد قليل لن يراني العالم بعد. وأما أنتم فسوف ترونني...فقال له يهوذا ليس الإسخريوطي: ياسيد ماذا حدث حتي إنك مزمع أن تظهر ذاتك لنا نحن, وليس للعالم, أجاب يسوع, وقال له: من يحبني يحفظ كلامي, ويحبه أبي, وإليه تأتي, وعنده نجعل إقامتنا وأما من لايحبني فهو الذي لايحفظ كلامي(يوحنا14:3-28).
وبعد أن صعد المسيح له المجد إلي السماء, كان تداوس أحد الرسل الذين أقاموا متعبدين في الهيكل وفي العلية إلي أن تلبسوا بقوة من الأعالي, إذ حلت عليه كما عليهم نعمة الروح القدس المعزي, وامتلأ من موهبة الروح القدس, وأعطاه الروح أن يتكلم بألسنة جديدة غير لسانه الذي ولد فيه, وانطلق يكرز بإنجيل المسيح في اليهودية والسامرة والجليل, وبلاد سوريا, وإلي أماكن مختلفة من بلاد الشرق, منها بلاد ما بين النهرين(العراق) وبلاد أدوم وبلاد العرب, وليبيا, فآمن كثيرون علي يديه بالمسيح من اليهود, والأمم, وقد شرفه الله بالمعجزات والخوارق التي أجراها الله علي يديه, ولكنه أيضا نال عذابات كثيرة ولحقته إهانات بالغة.
وذهب أخيرا إلي بلاد العجم, وهي بلاد الفرس...وقد التقي هناك بشريكه في الخدمة الرسولية, القديس سمعان الرسول المعروف بالقانوي, والمدعو الغيور, وهو أيضا أحد الاثني عشر تلميذا, وقد تزاملا في خدمة أهل تلك البلاد, والكرازة فيها باسم معلمهما يسوع المسيح.
وجاء في كتابتاريخ الرسل وهو مرجع تاريخي ثمين اعتمد عليه آباء الكنيسة في أخبار الرسل, أن القديس تداوس والقديس سمعان القانون, وجدا عند دخولهما بلاد الفرس, جيوشا مجيشة بقيادة برداخ, في أهبة الهجوم علي بلاد الهند, فدخلا المعسكر, وعند دخولهما صمتت الشياطين التي كانت تنطق علي أفواه السحرة, ولم تعد تتكلم كما كانت تفعل من قبل, فذهل السحرة ووقعوا في حيرة شديدة, وعلموا بعد ذلك أنه طالما أن تداوس وسمعان رسولي يسوع المسيح في المعسكر, فلن تتكلم الشياطين, فاستشاط السحرة والوثنيون غضبا, وهموا بقتل الرسولين والتنكيل بهما, غير أن القائد منعهم من ذلك, وطلب أن يري الرسولين ويسمع منهما, فمثلا أمامه وبشراه بالمسيح, فأصغي إليهما بانتباه, إذ كان رجلا عاقلا ورزينا...وبينما كان السحرة ينبئونه عن طريق الشياطين بأن الحر ستكون طويلة وشديدة وحامية قال رسولا المسيح: كلا, أيها الأمير القائد, إننا نبشرك بأن العدو سيأتيك في الغد صاغرا, ولسوف يجيئك غدا, وفي مثل هذه الساعة, رسل ملك الهند يحملون إليك شروط الصلح, وسيكون كل ذلك لصالحك, لصالح بلادك...ولقد صدقت نبوءة الرسولين القديسين, ففي اليوم التالي جاء رجال من الهنود يعرضون عليه الصلح...فعظم شأن الرسولين في أعين القائد ورجال البلاط...وآمنوا, كلهم, جمع غفير من الشعب في تلك البلاد, بالسيد المسيح, وتعلق الناس بالرسولين القديسين, إذ شاهدوا وداعتهما وهدوءهما ونزاهتهما, ومحبتهما وفضائلهما وعطفهما علي الفقراء والمحتاجين, وما أجراه الله علي أيديهما من شفاء للمرضي, وإخراج للشياطين..فامتد الإيمان المسيحي في كل بلاد الفرس, وأعطاهما الملك رخصة للانتقال بحرية في جميع المدن والقري...فأخذا يبشران بالمسيح في كل مكان إلي أن بلغا مدينة شنعار...وهناك ثار عليهما السحرة والعرافون وكهنة الشمس, فقبضوا عليهما وقيدوهما ووضعوهما في السجن, ثم أخرجوهما وأمروهما بعبادة الشمس والكواكب...فأنكر الرسولان عليهم ذلك, ووبخاهم بكل شجاعة وجرأة علي عبادة نجوم السماء والكواكب, ودعياهم إلي عبادة الإله الواحد, خالق السماوات والأرض, وبشراهم بالسيد المسيح وبخلاصه المجاني,لكن قادة الوثنيين هاجوا عليهما وأثاروا الأشرار والغوغاء من الشعب, فانقضوا علي الرسولين بوحشية شرسة وقتلوهما شر قتلة, ونال الرسولان تداوس وسمعان القانوي إكليل الشهادة وإكليل الرسولية في يوم واحد.
ويقول بعض المؤرخين وآباء الكنيسة الأوائل إن القديس تداوس الرسول يعتبر شفيعا قويا للذين يقعون في ضيقات شديدة.
وتعيد كنيستنا القبطية لذكري استشهاد القديس تداوس الرسول في الثاني من شهر أبيب( 9من يوليو- تموز) وتعيد له كنائس الروم وجميع الكنائس التي تتبع الطقس البيزنطي في 19 من حزيران(يونية) أما الكنيسة اللاتينية فتعيد لذكراه في 28 من تشرين الأول(أكتوبر) وكذلك الكنيسة الإنجليكانيةالأسقفية.
وعند الروم والكنائس البيزنطية عموما طروبارية علي اللحن الثالث يرتلونها في يوم 19 من حزيران(يونية) وهو يوم تذكار القديس تداوس( يهوذا ليس الأسخريوطي) يقولون فيها: أيها الرسول القديس يهوذا, اشفع إلي الله الكلي الرحمة أن يمنحنا غفران خطايانا.
وثمت طروبارية أخري علي اللحن الأول, هذا نصها:
إياك نمدح مدحا مقدسا, يا يهوذا لعلمنا أنك نسيب المسيح, وشهيد شجاع, ودائس الضلال, وحافظ الإيمان, لذلك بتعييدنا اليوم لتذكارك المقدس ننال غفران خطايانا بصلواتك.
كذلك ينص القنداق علي اللحن الأول:
لقد أشرقت لنا من أصل شريف غصنا ممنوحا من الله, أيها الرسول...يا معاين الرب, الكارز بالمسيح الكلي الحكمة, يا مغذيا العالم بأسره بأثمار أقوالك ومعلما إيمان الرب المستقيم الرأي....
ويتلون في يوم عيده قول المزمورفي كل الأرض ذاع منطقه, وإلي أقاصي المسكونة كلامه. السماوات تذيع مجد الله, والفلك يخبر بأعمال يديه.(مزمور18:5, 2) وبعد ذلك يقرأون رسالة يهوذا(1:1-10 ثم من11-25). ثم يرتلون قول المزمورتعترف السماوات بعجائبك يارب, وبحقك في جماعة القديسين.. الله ممجد في جماعة القديسين, عظيم ورهيب عند جميع الذين حوله.(مزمور88:6, نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة وأخيرا يتلون فصل الإنجيل من(يوحنا14:21-25) حتي يرد سؤال القديس يهوذا أو تداوس, وجواب الرب يسوع عليه.