جريدة الأهرام بتاريخ 17/8/2007م السنة 132 العدد 44083 عن مقالة بعنوان [ بلاغ لمن يهمه الأمر أجدادنا في خطر ]
تحقيق : دلال العطوي
الخطر يزحف علي أجدادنا الذين يرقدون فوق التراب إنها جثث أجدادنا الفراعنة التي بدأ يطولها العفن والتفكك.. ففي الواحات البحرية التي تبعد عن القاهرة حوالي350 كيلو مترا... وفي داخل متحف بني علي دورين, وباستثناء حجراته الفارغة توجد قاعة واحدة تحوي12 فاترينة زجاجية يرقد داخلها12 مومياء من عصور مختلفة, ليست شخصيات ملكية وبالتالي هي أسماء غير مشهورة, أهم ما يميزها هو ذلك القناع الذي يغطي الوجه بأكمله والمصنوع من الذهب الخالص...
في هذا البلد البسيط, والبعيد عن العاصمة, يتضح جدا, وللوهلة الاولي, الاهمال سواء أكان متعمدا, أو غير متعمد, في رعاية هذه الآثار... فكما تقول المرشدة السياحية دينا نبيل, والتي تعمل في هذا المجال منذ ثمان سنوات... يتضح الإهمال بطريقة لافتة للنظر, وتظهر سلبيات كثيرة أهمها ان القاعة غير مكيفة, والمكان بعيد جدا تأتيه الوفود السياحية فقط في الشتاء, وإن كانت لا تمثل نسبة عالية من التردد... وتقول: عندما دخلت المتحف هالتني الحالة المزرية لنظافة هذا المكان الاثري وفوجئت بأن الدورين خاليان تماما إلا من قاعة واحدة, مغلقة بمفتاح ذهب جندي الحراسة لجلبه بعد فترة من الوقت, ثم عاد وفتح القاعة التي انبعثت منها رائحة كريهة نتيجة لحرارة الغرفة الشديدة الارتفاع, وفوجئت بأنها ليس بها أجهزة تكييف تحمي المومياوات من العفن والتلف... كذلك فوجئت بأن اللفائف التي تغلف جسم المومياء غير مقيدة تماما, ومفكوكة كذلك لاتعمل الترموستات التي تقيس درجة الحرارة والرطوبة داخل الغرفة, لانقاذ أي طاريء يحدث في أي منهما داخل الفاترينة الزجاج...
وتضيف: واضح أيضا سوء التنظيم والرقابة والاشراف, فالمشرفون علي المتحف غير موجودين بالرغم من ان الزيارة كانت في ساعات العمل الرسمية... والرائحة السيئة تنبعث بغزارة مما يدل علي وجود عفونة في المومياوات, رائحة تزكم الأنوف, نتيجة لعدم وجود أجهزة تكييف داخل القاعة التي تصل درجة الحرارة بها إلي اكثر من50 درجة!!
وتقول المرشدة السياحية دينا: إن هذا البلد البسيط يحوي أيضا بجانب هذا المتحف الاثري, مكانا فسيحا للمقابر لمومياوات الاسرة الـ26... وفي الواحات البحرية عاشت هذه الاسرة تاركة آثارا منها معابد ومقبرتان للاسرة الـتاسعة, معابد تحولت بحكم الاهمال إلي أطلال جزء كبير منها مكسور, ومتروك واقع علي الأرض!!
أما المعبد الثاني فهو يعود إلي عصر الإسكندر الأكبر والعصر اليوناني... فهو قيمة تحوي رسوما علي الحوائط غير مكررة يطلق عليها بلغة الارشاد السياحي لفظ مناظر جنائزية.. ميزان القلب في ناحية وريشة العدالة في ناحية أخري, مرسومة علي حائط كامل يبلغ حوالي مترين وألوانها في الرسومات لاتزال زاهية!!
وأسأل المرشدة السياحية دينا عن كيفية الحفاظ علي هذه الثروة القومية المهملة في هذا المكان البعيد؟
فتقول إذا لم يتم استخدام اسلوب أمثل لحفظ المومياوات في متحف الواحات البحرية, فيجب نقلها إلي المتحف المصري علي وجه السرعة, لحفظها هناك مع مراعاة التهوية الجيدة.. واذا تعثر النقل فيمكن داخل المتحف ان تتوافر مقومات الاشراف الجيد, والرقابة الصارمة, وكفاءة عمليات الحفظ التي يجب ان يبدأوا فيها مع ضرورة وجود أجهزة تكييف كافية, لإبقاء المومياوات في حالة جيدة.. كذلك يجب اجراء دراسات علمية دقيقة علي المومياوات لمعرفة درجة التعفن, ودهنها بمواد تحافظ علي تماسكها...
هذا الإهمال الجسيم في الاعتناء بالمومياوات الفرعونية التي تمثل أساس الحضارة القديمة في بلادنا, يفرض سؤالا وهو:
* كيف يمكن ان نحافظ علي المومياوات المعروضة في المتاحف القومية المنتشرة في مصر, وكيف نحميها من التلف, والتعفن لإبقائها مئات اطول من السنين؟؟
* يقول منصور بريك رضوان المشرف العام علي آثار الأقصر: تمكن المصري القديم منذ البداية من فكرة مهمة, وهي ان عوامل التربة والضغط والجو تؤثر علي تلف اجساد موتاه, ولاحظ ان هناك عدة عناصر في الجسد نفسه تساعد في عملية التلف وهي الدم, والاحشاء وكمية المياه في الجسد بعد الوفاة, كما لاحظ المصري القديم ان الدفن في الاماكن الطينية الرطبة يساعد علي تلف أجساد الموتي, ولذلك اختار الجبل أو الصحراء الغربية خاصة لتكون احد العوامل الرئيسية في حفظ المومياوات, لما تتمتع به من جفاف في التربة, وثبات درجة الحرارة عند حفر حجرات الدفن في باطن الجبل, لذلك اخترع التحنيط, ورش المومياء بملح النطرون... وعند نقلها من أماكن دفنها لعرضها في المتاحف فلابد ان تتوافر فاترينات محكمة الغلق, وتكون درجة الحرارة بها ثابتة علي ألا تحتوي علي الأوكسجين بالمرة, لأنه يساعد علي نمو الفطريات, ويفضل ملء هذه الفاترينات الزجاجية بالنيتروجين مع وضع اجهزة داخلها للتحكم في درجة الحرارة والرطوبة إلي جانب انه يجب مراعاة شرط اساسي عند الاضاءة لعرض المومياء, وهو ان تكون هذه الاضاءة من النوع الحديث, وهي الاضاءة الباردة, التي لا تتسبب
في ارتفاع درجة حرارة المومياء نفسها, إلي جانب ضرورة تكييف قاعة العرض ككل, علي مدار اليوم بطوله وليس فقط عند استقبال السياح الزائرين بل تكييف مستمر, حفاظا علي المومياء حتي لاتتعرض للتلف, فنسيج الأكفان أمليء بالفطريات وإذا تعرضت لعوامل التعرية, تنشط علي الفور وتنمو من جديد. وهذا الاهمال الواضح في المتحف الصغير بالواحات البحرية والذي يضم12 مومياء معروضة داخل12 فاترينة غير محكمة الغلق, في قاعة شديدة الحرارة تصل إلي درجة حرارة50 في الظل!! تسبب رائحة كريهة تزكم الأنوف وتفتقر إلي أجهزة تكييف تبرد جو القاعة وتحافظ علي المومياوات من التلف والتعفن, ألا يجدر معه ان نتساءل اين هم المشرفون علي الآثار في الواحات البحرية ولماذا هم غير موجودين؟ فهذه الحالة المزرية من الاهمال في المحافظة علي المومياوات الفرعونية والآثار القيمة بالواحات البحرية, تستدعي قرارا سريعا وحاسما بإرسال بعثة علاجية من علماء الآثار في مصر, لانقاذ هذه الثروة القومية من التلف والتعفن, وبعثة اخري تأديبية لمعاقبة من تسببوا في هذه الخسائر منتهزين فرصة بعد المسافة عن القاهرة, والادارة المركزية, وانعدام الرقابة والاشراف, واف
تقاد التفتيش الدوري الحازم والجاد علي فترات متقاربة طوال العام... كاجراء يحمي اجدادنا من اي خطر!!