سيف وأدهم وانلى فى فترة مرض الثانى

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الفن : سيف وأدهم وانلى

هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 3000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك -

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
تزوير اللجان الكنسية
عملات معدنية وورقية
الجزية وعهود المسلمين
فهرس تاريخ إنشاء الصحافة
فهرس الأقباط وأورشليم
الأقباط فى لبنان
فهرس الكنيسة الكاثوليكية
ف. تاريخ الكنيسة الأرمن الأرثوذكس
إبادة للأرمن
‏الكنيسة‏ ‏الأرمنية‏ ‏الكاثوليكية بمصر
عواصم مصر فى العصر الفرعونى
الإذاعة والتلفزيون بمصر
فهرس التراث القبطى
أبن بطوطة والأسكندرية
تاريخ صناعة العسل الأسود
مشكلة صناعة الفخار بالفسطاط
الفن الإسلامى
المسرح المصرى جورج أبيض
الاثار فى البحر الأحمر
تاريخ البغاء فى مصر
خريطة عثمانية لطريق الحج
الأخوين وانلي
فن‏ ‏الخيامية
تاريخ السيرك فى مصر
البارون إمبان وقصره
إنشاء سكك حديد مصر
الطوابع المصرية
الأراجوز فن مصرى قديم
تاريخ المسرح والسينما المصرية
الحمامات الشعبية
تاريخ الرياضة والكرة
Untitled 2070
Untitled 2071
Untitled 2072
Untitled 2073
Untitled 2074
Untitled 2075
الجامعة العربية
فهرس الأديرة والرهبنة

Hit Counter

 

المصرى اليوم  تاريخ العدد الخميس ٢ ابريل ٢٠٠٩ عدد ١٧٥٤ عن خبر بعنوان [ وثائق تنشر لأول مرة «٦» قبس من روح مصر ] بقلم سمـير غريـب

 لوحة سيف وانلى .. سيمفونيه ..
سيف وأدهم وانلى
سيف وأدهم وانلى حالة خاصة فى تاريخ الفن التشكيلى المصرى، لأنهما شقيقان امتلكا موهبة الرسم والتصوير، وتعلما الفن، ومارساه ثم اشتهرا به. كثيرا ما يذكران معا وكأنهما شخص واحد رغم أن سيف أكبر من أخيه بسنتين.. وقد أكدا هما هذا الانطباع أيضا كما سنرى فيما بعد.
أخذ كل من الشقيقين اسما مركبا: فسيف اسمه محمد سيف الدين، وشقيقه إبراهيم أدهم. واسم والدهما بالكامل: إسماعيل محمد وانلى.
(١) ابنة اخناتون بـ١٠٠ جنيه فقط
سوف أبدأ بتعريف سيف نقلا عن الوثيقة التالية والتى كتبها سيف بخط يده فى ١٠ مارس ١٩٥٥ كسيرة ذاتية مختصرة لتنشر فى كتالوج بينالى ساو باولو بالبرازيل الذى شارك فيه سيف بخمس لوحات. ولاحظوا ماذا قال سيف عن نفسه:
«سيف الدين وانلى ولد عام ١٩٠٦ بمدينة الإسكندرية. وتعلم الفن بها بمرسم الأستاذ» أوتورينو بيكى ttorino Bicchi الإيطالى. وله مرسم خاص هو وأخوه أدهم ذو نشاط ملحوظ يؤمه طلاب الفن ومحبوه بالمدينة. وهو دائم البحث والتصوير كثير الإنتاج. تأثر بالرسم فرسم الفرق التى تزور مصر سنويا من باليه وأوبرا وآخرها الأوبرا الأمريكية Porgy&Bess. زار إيطاليا عام ١٩٥٢.
«نال جائزة مختار للتصوير عام ١٩٣٦ والميدالية الذهبية لجائزة ريشارد بالإسكندرية عام ١٩٥٠. عرضت أعماله بالمعارض الدولية بباريس سنة ١٩٤٨ واليونسكو ببيروت سنة ١٩٥٠ وبينالى البندقية عامى ١٩٥٠ و١٩٥٢ وساو باولو سنة ١٩٥٣. له مقتنيات بمتحف الفن الحديث بالقاهرة ومتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية علاوة على المجموعات الخاصة بمصر وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا وألمانيا والنرويج».
لاحظت أن سيف كتب «تأثر بالرسم فرسم الفرق..» وأعتقد أن كلمة الرسم هنا خطأ غير مقصود لأن سياق المعنى يدل على أنه تأثر بالمسرح فرسم الفرق.. فضلا عن شهرة الأخوين فى رسم راقصات الباليه فعلا.

سيرة سيف بخط يده
كتب سيف قائمة بيانات اللوحات الخمس التى شارك بها تتضمن اسم اللوحة وخامة الرسم ومقاس اللوحة وخامة أرضية اللوحة وثمنها كما يلى:
١- بنات أمينوفيس الرابع (أخناتون) زيت ٦٠× ٨١ على سيلوتكس ١٠٠ جنيه.
٢- لقاء زيت ٧٣×٧٥ على سيلوتكس ٩٠ جنيه.
٣- حمار الوحش ZIBRA زيت ٥٩×٦٤ خشب ٩٠ جنيه.
٤- العودة من السوق جواش ٥٠×٧٠ كرتون ٤٠ جنيه.
٥- الليل جواش ٣٧×٤٩ كرتون ٤٠ جنيه».
البيان السابق وثيقة مهمة لتوثيق اللوحات من جهة ولتوضيح أسعار لوحات الفنان من جهة أخرى. وهنا كما نرى تراوحت أسعار اللوحات بين ١٠٠ جنيه و٤٠ جنيهاً فى منتصف القرن الماضى. وقد أخذت أسعار لوحات الأخوين وانلى ترتفع بعد ذلك حتى وصلت عند نهاية القرن الماضى إلى عشرات الألوف من الجنيهات للوحة الواحدة التى فى مقاس لوحة المائة جنيه.
وتدل القائمة السابقة على أن الذى يحدد سعر اللوحة هو مقاسها وخامة الرسم والأرضية، فأين القيمة الفنية فى تحديد سعر اللوحة؟
سيف وزوجتة إحسان مختار ----->

(٢) وثيقة كوميدية للبيروقراطية المصرية
أصول الأخوين الفنانين سيف وأدهم وانلى غير مصرية، هناك من كتب (الفنان المصرى مكرم حنين) أنها تعود إلى بحر قزوين. فكلمة وانلى هو اسم جزيرة فى القوقاز. وآخر (الباحث الأردنى محمد على الصويركى) كتب أنها من مدينة «وان» فى كردستان الشمالية. وثالث (موسوعة أعلام وشخصيات مصرية) أنها تنحدر من أمراء دولة «داغستان».. وهذا هو العجيب أن تختلف مصادر محترمة على أصول شخصية عامة معاصرة وكأن أحدا لم يسألهما عن أصولهما فيجيبا بوضوح!
المهم أنهما لم يدرسا الفن دراسة أكاديمية فى معهد متخصص. بل ولدا موهوبين به، وهذه حالة غير عادية أن يولد شقيقان موهوبين بالموهبة ذاتها فى الرسم والتصوير. ثم تعلما كغيرهما من فنانى ذلك الوقت فى مرسم فنان إيطالى فى الإسكندرية. وانطلقا من بعد فى عالم الفن الجميل، وأصبح سيف أستاذا فى كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، هو الذى لم يدخلها أو يدخل غيرها طالبا.
اعتاد الأخوان وانلى أن يكتبا خطاباتهما معا، ولكن يوقعها فى أحيان كثيرة سيف وانلى وحده. لذا ليست هناك خطابات كثيرة وقعها أدهم بمفرده. لم يكن سيف يوقع باسم «سيف» وحده بل سيف الدين. كانا يكتبان فى أعلى الخطاب على اليسار اسميهما: «سيف وأدهم وانلى» يليه عنوانهما «١٢ شارع بريره، المسلة، إسكندرية» هكذا بدون أداة التعريف لتكون «الإسكندرية» كما اعتدنا كتابتها.
وكان سيف يكتب تواريخ الخطابات بطريقة مبتكرة وهى أن يضع تواريخ اليوم والشهر والسنة فوق بعضها عموديا وبينها خطوط، مع اختصار تاريخ السنة إلى أول رقمين مثل اختصار سنة ١٩٥٩ إلى ٥٩. هذه عادة لاحظتها عند كثير من المصريين، وكأن من يكتبون ذلك لا يفكرون إطلاقا فى عمليتى التوثيق والتأريخ. حيث يمر القرن أو الألفية ولا نعرف أى سنة قصدها الكاتب. وهذا يدل على عدم الوعى بالتاريخ أو عدم الاهتمام به فى ثقافتنا العربية.
من الواضح من مراسلات سيف وأدهم وانلى أن المال كان هما دائما لديهما، فهناك مراسلات عديدة منهما تدور حول حاجتهما للمال أو لوسائله مثل ثمن اللوحات ومنح التفرغ والمعاش الاستثنائى. وقد وصف سيف المال فى أحد خطاباته بـ «الينبوع»!
من الخطابات القليلة التى كتبها أدهم منفردا بخط يده، وهو أوضح قليلا من خط يد شقيقه، خطاب أرخه فى ٦/١١/١٩٥٢ إلى عزيزه «الأخ المحترم الأستاذ إبراهيم جابر» ولابد أنه كان مسؤولا رفيعا فى وزارة المعارف لأنه أشر على هذا الخطاب إلى «حضرة المراقب العام للفنون الجميلة للتحدث». فهل كان سيف يقصد الفنان النحات إبراهيم جابر المولود عام ١٩٠٢، الذى يحتفظ المتحف الزراعى بالدقى ببعض من منحوتاته؟
لم يبدأ أدهم خطابه بالحديث عن المال كما فعل أخوه، بل بدأه بالسلام والشوق. والحديث عن مشروع إنشاء كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية وقد «مضت مدة طويلة لم نسمع أخبار». ويخبره «الآن مصلحة السواحل أخذت مبنى فى الوزارة ببولكلى». راجيا أن يكون كل شىء على ما يرام بخصوص هذا المشروع الذى تحقق بالفعل - أنشئت كلية الفنون الجميلة فى الإسكندرية عام ١٩٥٧.


يبدو أن الأستاذ إبراهيم جابر كان قبل كتابة الخطاب فى زيارة للإسكندرية لأن أدهم يخبره أنه «بعد سفركم حدثت لى وعكة بسيطة من نزلة برد حادة وشفيت منها. والآن أنا بحمد اللاه على خير ما يرام من الصحة». وقد كتب كلمة الله كما وردت هنا خطأ «اللاه».
ثم يخبره أيضا بأنه وشقيقه سيف يعدان لعمل معرض فى ديسمبر ١٩٥٢ لأعمالهما التى رسماها فى إيطاليا لتعرض فى صالة جماعة الصداقة المصرية الفرنسية بالإسكندرية.
أخيرا يأتى طلب المال: «سبق أن حدثت حضرتكم عن مالنا من مبلغ بسيط فى وزارة المعارف ثمن بعض لوحات لمتحف الفن الحديث من شهر مارس الماضى. فالرجا يا عزيزى استعجال صرفها لنا». وقد كتب كلمة الرجاء بدون همزة، ويبدو أن علاقته باللغة العربية لم تكن وطيدة.
معه حق أدهم، فقد أخذت الوزارة اللوحات فى مارس، ولم تسدد ثمنها حتى نوفمبر ! وهكذا العمل فى الحكومة المصرية لم يتغير! علما بأن سيف وأدهم وانلى كانا من أغزر الفنانين المصريين إنتاجا.
ينهى أدهم خطابه: «ونحن على ما يرام. وماضين قدما فى إعداد هذا المعرض. كما أرجو أن يكون مشروع كلية الفنون الجميلة بإسكندرية سائر سيرا مرضيا. وأخى سيف والخال رمزى وصبحى يهدوكم السلام. مع قبول فائق الاحترام. المخلص أدهم وانلى».
اعتاد أدهم أن يكتب اسم الإسكندرية بدون لام ألف، فيكتبها «إسكندرية» كما ينطقها العامة. وقد ذكر فى إهداء السلام أخوه سيف ونحن نعرفه، فمن هما «الخال رمزى وصبحى»؟ يمكن التكهن بأن المقصود بصبحى فى الخطاب هو رئيس بلدية الإسكندرية حسين صبحى الذى اشتهر بأنه راعى الحركة الفنية بالإسكندرية، وبعد وفاته أطلقوا اسمه على متحف الفنون الجميلة هناك. ثم حذفوا اسمه من على المتحف بعد بضع سنوات! ولم أعرف السبب، وتبقى معرفة من كان الخال رمزى؟
على كل أضاف سيف بضعة أسطر بخط يده قبل نهاية الورقة خاطب فيها المرسل إليه إبراهيم جابر بـ«يا أبوخليل» بما يعنى أنهما أصدقاء، على العكس من مخاطبة أخيه أدهم له فى الخطاب ذاته بـ«الأخ المحترم الأستاذ». وفى هذه الإضافة كتب سيف أن وزير البلديات وهو الحكم المحلى أو التنمية المحلية حاليا لم يوافق على إغلاق متحف الفن بالإسكندرية. وأرجع ذلك لمجهودات إبراهيم جابر و«الأستاذ الكبير همام بك». مع رجاء أن يوفقا فى مسألة معهد الفنون بالإسكندرية. ويقصد إنشاء كلية الفنون التى أشار إليها أدهم من قبل.
الطريف أن سيف أنهى كلمته كاتبا: «أما نحن فبخير وكل شىء ماشى على سن ورمح والله الموفق».
بعد هذه النهاية الودودة الشخصية المرحة عومل الخطاب الذى يبدو شخصيا جدا معاملة رسمية جدا، فظهرت عليه ثلاث تأشيرات رسمية من الصعب معرفة أسماء موقعيها. وفى الأغلب أن اثنتين منها للأستاذ إبراهيم جابر نفسه لأنهما تحملان التوقيع ذاته. والطريف أنه أشر على إضافة سيف المرحة بـ «نظر ويحفظ» وأرخ تأشيرته فى ١٢/ ١١/ ٥٢. وسبق أن أشر بجوار مطالبة أدهم وانلى بثمن اللوحات بـ«المراقبة العامة تعد مذكرة باقتراح الصرف فى حدود الاعتماد المخصص بالميزانية».
وأشر بجوار رجاء أدهم فى نهاية خطابه بأن يكون مشروع كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية سائرا سيرا مرضيا، أشر بـ «الأبحاث لا تزال جارية لتنفيذ المشروع». والتأشيرتان الأخيرتان أرخهما فى ١١/١١/٥٢. بما يعنى أنه قرأ الخطاب مرتين على يومين أو أخطأ التاريخ فى تأشيرة منها. أضف إلى ذلك أن هناك تاريخين آخرين على الخطاب ذاته: تاريخ كتابة أدهم للخطاب فى ٦/١١/١٩٥٢، وتاريخ تأشيرة من طلب المراقب العام للفنون الجميلة للتحدث فى ٨/١١/١٩٥٢.
أى أن هذا الخطاب الشخصى والخاص الذى عليه أربعة تواريخ وأربعة توقيعات يصلح شكلا لعمل كوميدى نابع من البيروقراطية المصرية الأصيلة.
كانت صلة سيف وأدهم وانلى مستمرة بحضرة «صاحب العزة مدير عام إدارة الفنون الجميلة» فى وزارة المعارف ووزارة الثقافة من بعدها، أيا كان اسم هذا المدير العام، وذلك بالطبع لأهميته فى تسهيل إقامة معارض الأخوين واقتناء لوحاتهما. لهذا لا يحرصان فقط على التواصل معه، بل والمبالغة أحيانا فى تبجيله والتقرب منه مثل قولهما «ونحن فى انتظار اوامر عزتكم».
والقيام أحيانا بمهام يكلفهما بهما مثل جمع لوحات من فنانين آخرين. وربما نعزو هذا السلوك إلى حداثة سن الأخوين وشقهما بداية الطريق، لأنهما غيرا من أسلوب الخطابات مع مدير عام الفنون الجميلة ابتداء من منتصف الستينيات عندما نضجا واصبحا معروفين. وعلى كل حال كان مدراء عموم الفنون الجميلة قبل ثورة يوليو أصحاب عزة بالفعل لأنه كان من بينهم من يحمل رتبة البكوية مثل محمد بك حسنى.
لدينا عدة خطابات موجهة من الأخوين إلى حضرة المدير العام. لكننا لم نعثر على خطاب من حضرته إلى أى منهما. وهنا خطاب آخر من الأخوين لحضرته دون أن يذكرا اسمه، وكان فى الغالب محمد بك حسنى، الذى لم يكن فقط مدير عام الفنون الجميلة، أو بك، بل كان رفيق صبا وزميل علم النحت الرائد محمود مختار.
خطاب الأخوين لمدير عام الفنون الجميلة مؤرخ فى ٢٧/ ٣ / ١٩٥٢ وموقع بتوقيع «إبراهيم أدهم وانلى» رغم أن الخطاب عليه من أعلى اسم الأخوين معا:
«بعد التحية. نفيد عزتكم بأننا أنا وأخى قمنا بالاتصال بالفنانين السكندريين وقد توخينا المجيدين منهم – وجمعنا لوحاتهم فى حدود التعليمات الصادرة منكم وأودعناها جماعة الاتيليه لحين حضور عزتكم أو من ينتدب لهذه المهمة. ونحن فى انتظار أوامر عزتكم. والرجا الإفادة».
(٣) مستعدان للتضحية
فى ٧/٨/١٩٥٥ كتب الأخوان وانلى خطابا على الآلة الكاتبة هذه المرة، ووقعاه معاً مما يدل على أهمية الخطاب الخاصة، ليس لمدير عام الفنون الجميلة، ولكن لمدير إدارة الثقافة العامة، وكان أيضا هو الفنان أحمد يوسف. حرصا فى بدايته على تقديم نفسيهما على أنهما «الفنانان الشقيقان.. من الإسكندرية». فمن أين تأتى أهمية هذا الخطاب؟
أولاً: لأنه يشير إلى علاقة الأخوين وانلى برسم رقصات وراقصات الباليه التى اشتهرا بها، وخصوصا أدهم الذى اهتم برسم رقص الباليه وألعاب السيرك، وأنتج عدداً لم يحص من الرسومات السريعة لمشاهد رقص الباليه بخطوط بسيطة ومختزلة. وقد اشتهر الأخوان وانلى فى مصر برسومات الباليه مثلما اشتهر الفنان الفرنسى إدجار ديجا بها فى القرن التاسع عشر.
ثانياً: أنه يسجل أول محاولة لعرض أعمالهما فى جاليرى خاص فى باريس عاصمة الفن فى العالم، وبخاصة فى النصف الأول من القرن العشرين. وكان حظهما أن يتوسط صديق لهما لم يذكرا اسمه لدى صاحبة جاليرى، قاعة عرض، مشهورة هناك لكى تقيم لهما معرضاً. ولكن هذا المعرض لم يقم أبدا، على الرغم من تأشيرة مدير عام الفنون الجميلة، وليس مدير إدارة الثقافة العامة الموجه إليه الخطاب.
فقد أشر مدير عام الفنون الجميلة فى وزارة التربية والتعليم على الخطاب السابق فى ١٧/٨/١٩٥٥ بأنه تحدث إلى السيد الأستاذ محمود النحاس «ويبدو أنه كان مدير إدارة الثقافة العامة»، واتفق معه على أن تحول الأوراق إلى الإدارة العامة للفنون لإبداء رأيها فيها أولا. وسجل مدير عام الفنون الجميلة رأيه، بل وشهادته فى صالح فن الأخوين: «أن يتم هذا المعرض بباريس ويعقبه نقل المعرض إلى لندن ومنها إلى روما. إذ أن أعمال هذين الأخوين على جانب فنى مشرف.
وسوف يكون للمعرض من الدعاية الفنية لمصر الحديثة فى الأوساط الخارجية ما نحبه لها». ورغم رغبة أو اقتراح مدير عام الفنون الجميلة، ليس فقط بإقامة المعرض فى باريس بل وانتقاله إلى لندن وروما فإن هذا لم يحدث للأسف. فقد أقام الأخوان معارض عدة داخل مصر، وشاركا فى معارض جماعية وبيناليهات دولية خارج مصر، إلا أنهما لم يقيما أى معرض خاص لهما فى الخارج.
ثالثا: ملاحظة صياغة الخطاب الذى ربطا فيه أكثر من مرة بين عملهما الخاص فى الرسم والتصوير وخدمة مصر والفن المصرى. ولا يغيب عنا أنهما كانا يكتبان هذا الخطاب على بعد ثلاث سنوات فقط من قيام ثورة يوليو ١٩٥٢، التى أعادت إشعال الروح الوطنية فى المصريين.
قال الشقيقان فى خطابهما:
«حالفنا التوفيق أثناء وجود فرقة باليه المركيز كويفاس بالإسكندرية، وقد رسمنا كل مشاهدها ورقصاتها على مسرح تياترو محمد على. واقتنت الفرقة بعض الصور وعرضتها فى الصالة بدلا من صورها الفوتوغرافية. ثم أخذتها إلى مقرها فى باريس. وقد لفتت هذه الصور الأنظار هناك، وقام صديق لنا بالدعاية للفن المصرى ولنا لدى كبرى بيوت العرض الفنى المشهورة فى باريس. وعرض علينا أن نضحى ونتفق مع السيدة جان كستيل صاحبة جاليرى مشهور بشارع السيرك بباريس.
وهى كان لها الفضل فى إظهار فنانين كثيرين منهم: بيكاسو ومديليانى وسوتين. ويلقبونها الفنانون هناك (الأم) والمرفق خطابها مع هذا. وحددت أيام العرض من ١٥ ديسمبر إلى ١٥ يناير. ولو أن الشروط شديدة بعضاً ما إلا أن التضحية واجبة لخروج الفن المصرى للنطاق العالمى، وفتح آفاق جديدة للدعاية لمصر عن طريق الفن.
ونأمل من سيادتكم الاتصال بوزارة الخارجية لتتبنى هذا المعرض بإرسال صوره عن طريقها للسفارة المصرية بباريس. وتسلم لمندوبنا هناك الأستاذ شارل زهار، مدير متحف الفن الحديث بالإسكندرية سابقا أو مدام كاستيل. وأن يضع سيادة وزير مصر المفوض هذا المعرض تحت رعايته. وثق يا سيادة المدير نحن لا نألو جهدا فى سبيل رفعة مصر عن طريق الفن ومستعدون لأى تضحية. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام».
(٤)سر إلغاء معرض باريس
مضى عام ١٩٥٥ دون إقامة المعرض المقترح فى باريس. لكن يبدو أن الأخوين تلقيا رداً إيجابياً من مدير عام الثقافة العامة، فكتب الأخوان خطابا وقعاه معا فى ١٩/٣/١٩٥٦ إلى «السيد الأستاذ الكبير مدير عام الفنون الجميلة». وكان مقر هذه الإدارة فى ٥٨ شارع قصر العينى بالقاهرة.
أرسلا الخطاب مع مندوب «شركة إسكندرية لنقل الأثاث ومعه عدد ٧٠ صورة من عملنا والمزمع عرضها فى باريس دعاية لمصر والفن المصرى خارج القطر». وطلبا من المدير العام «برجاء التكرم بالتأشير عليها ثم إعادتها إلى مندوب الشركة لإرسالها لنا بالإسكندرية لنتولى عمل اللازم».
وأرفقا بهذا الخطاب القصير «كشفا من ثلاث نسخ بأسماء الصور المنوه عنها عاليه». وقد أشر المدير العام على الخطاب بخط يده محيلا إياه إلى «السيد الأستاذ عزت مصطفى رجاء فحص الموضوع». وكان المصور المعروف المرحوم عزت مصطفى موظفاً فى هذه الإدارة، وقد اشتهر بلوحاته الواقعية وبخاصة تلك التى رسمها تأييداً لثورة يوليو ١٩٥٢.
المدهش أن الكشف المرفق الذى أشار إليه الأخوان فى الخطاب السابق تضمن عدداً مختلفاً عما ذكراه فى الخطاب. ففى الكشف قائمة بأسماء لوحات كل منهما فى المعرض المقترح. كان عددها بالنسبة لسيف ٢٣ لوحة و١٧ صورة فوتوغرافية. وكان عدد لوحات أدهم ١٣ لوحة ١٧ صورة فوتوغرافية أيضا. الطريف أنهما ذكرا فى القائمة أن «قيمة الصورة الواحدة خمسة جنيهات مصرية»!

خطاب سيف لمعرض باريس ---------->
لا نعرف ماذا حدث بعد ذلك، ولا نتيجة فحص عزت مصطفى للموضوع. المؤكد أمران:
- أن المدير العام لم يؤشر على اللوحات كطلب الأخوين، بل أحال الخطاب إلى عزت مصطفى للفحص فى ٣/٤/١٩٥٦ أى بعد أسبوعين تقريباً من تاريخ إرساله له.
- أن المعرض لم يقم فى باريس ولا فى غيرها كما أوضحنا من قبل. ولم تكشف ما وصلتنى من وثائق عن السر، فهل يمكن أن يبادر من يعرف شيئا بالإفادة؟

*********************

سيرة الأخوين وانلي كما كتبها الناقد الفني مكرم حنين في الكتاب الفريد الذي أصدرته مجلة‏'‏ شل‏'‏ تحت عنوان‏:‏ رواد الفن التشكيلي ولم يلتحق الأخوان وانلي بالمدارس واكتفت الأسرة بدراستهما علي يد مدرسين في قصر العائلة حيث قامت السيدة إيدول مدرسة اللغة الفرنسية بتوجهيهما نحو دراسة الرسم وفي أثناء ترددهما علي أحد الأندية الرياضية لاحظ مدير النادي رسوما كانا يخططانها لبطل الملاكمة الإنجليزي جونكيت فأعجبته رسومهما وطلب منهما رسوما أخري لبعض الرياضيين وكافأ سيف وأدهم بساعة ثمينة لكل منهما‏,‏ أما نقطة التحول الكبري في تاريخهما بحسب إشارة مكرم حنين فقد بدأت في العام‏1926‏ ففي زياره إلي القاهره قررا زيارة معرض جماعه الخيال التي أسسها محمود مختار وهي زيارة زادت إيمانهما بالفن ولذلك نجحا في الالتحاق بمرسم الفنان الإيطالي أتوربيكي الذي أقيم في الإسكندرية في الفترة من‏1930:1934‏ وقبل ان يغادرها قال إن الأخوين وانلي سوف يكون لهما شأن كبير مثل الأخوين بليني جيوفاني وجنتلر بليني في البندقية وتحققت النبوءة بالفعل حيث استطاع الأخوان تأكيد جدارتهما الفنية من خلال لوحاتهما المميزة حيث كان كلاهما يملك قوة في تصوير الاسكتش السريع وأيضا التكوين السريع دون الاهتمام بالقيود الأكاديمية في التنفيذ‏.‏ والمعروف أن أدهم وانلي توفي في عام‏1959‏ متأثرا بالسرطان في حين توفي سيف وانلي عام‏1979‏ بعد‏6‏ سنوات من الحصول علي جائزة الدولة التقديرية‏.‏
وإذا كان معرض خان المغربي قبل عامين قدم‏90‏ لوحة بخلاف الاسكتشات النادرة التي يرجع تاريخ معظمها إلي سنوات العشرينيات والثلاثينيات‏,‏ وهي مرحلة غير معروفة للمهتمين بأعمال الأخوين وانلي‏,‏ فإن المعرض الجديد يقدم ما يزيد علي‏170‏ عملا من أعمال الأخوين تسجل مختلف مراحل تطورهما الفني وتؤكد اشتغالهما بالعديد من الخامات ومختلف الألوان فهناك أعمال بالفلوماستر وأخري بالألوان المائية وبالأحبار علي الورق العادي فضلا عن الباستيل ويفسر الدكتور أحمد نوار تنوع ألوان الأخوين بقوله‏'‏ إن ألوان أدهم وانلي معبرة تحتفي بالنور بينما اتسم‏'‏ سيف بقدرة غير محدودة علي التلوين صنعت له بصمة خاصة ميزته باعتباره واحدا من أصحاب الاتجاهات الأصيلة في تناول اللون والمسطح بشكل مختلف يعكس ملمحا مصريا يسعي إلي تكثيف المشهد‏'.‏
ويبرز في هذه اللوحات بشكل خاص ولع الأخوين بالموديل العاري وهو ولع كان خفيا وغير منظور في لوحاتهما المعروفة ويلاحظ المتأمل في لوحات المعرض جرأة أدهم وانلي بالتحديد في تعاملها مع هذا الموضوع حث تبرز الأجساد بحسية لافتة فيما تغيب هذه الحسية في لوحات سيف التي يتحول فيها الجسد إلي تكوينات ضوئية غير منظورة‏.‏
وقد لاحظ الفنان محسن شعلان الاختلاف الواضح بين أسلوب الأخوين في الكتالوج‏'‏ الفقير‏'‏ المصاحب للمعرض مؤكدا أن لأدهم وانلي مذاقا خاصا مشبعا بالدراما التعبيرية ولعلها حاسة الفنان بعمره القصير وهي حاسة جعلته يصوغ طقسا فريدا تسيد أعماله كلها‏'‏ كذلك يكشف المعرض عن جانب غير معروف بالنسبة للكثيرين وهو بدايات الأخوين وانلي في رسم الكاريكاتير ويتضمن المعرض مجموعة من اللوحات الكاريكاتيرية المميزة‏,‏ كذلك يلفت نظر المتجول بالمعرض الطريقة المختلفة التي تعامل بها سيف وانلي مع النوبة وهو تعامل بدأ بتأثير الرحلة الشهيرة التي نظمها ثروت عكاشه للفنانين المصريين ابتداء من عام‏1959‏ فهو في اللوحات التي عالج فيها موضوع النوبة وعالمه لم يستغرقه هذا العالم للدرجة التي استغرقت تحية حليم وظل يركز علي التكوينات الصرحية خاصة في معبد ابو سمبل ولم يتفاعل مع أنماط الحياة في هذا المجتمع‏.‏
سيف وزوجتة إحسان مختار
وهناك في المعرض أيضا عدة بورتريهات من تلك التي ميزت رحلة الأخوين ومنها‏'‏ بورتريهات‏'‏ رسمها سيف وانلي لخليل مطران شاعر القطرين أو بورتريه‏'‏ المطران‏'.‏
إضافة إلي مجموعة من اللوحات التي تشمل العديد من تصميمات ديكورات المسرح وراقصات الباليه ومنها تصميمات أوبريت‏'‏ العشرة الطيبة‏'‏ وباليه‏'‏ حلاق أشبيليبة‏'‏ وهي لوحات تكشف ولع سيف وانلي وهي الموضوع الأثير في مسيرته الفنية وقد فسر مكرم حنين هذا الولع بأنه ناتج عن رؤية سيف المتميزة لهذا العالم‏,‏ فقد كان يري الراقصات أقرب إلي فراشات تتراقص في مهرجان الضوء فالمجموعات عبارة عن لمسات إيقاعية ولا أهمية للكتلة فيها حيث تكفي الحركه للتدليل علي روعة اللوحة حتي إنه يصف تجربة سيف وانلي في هذا السياق بأنها تجربة القنص السريع‏.‏ وبعيدا عن اللوحات يتضمن المعرض كنزا خاصا لأولئك المولعين بالوثائق وهي مجموعة وثائقية تكمل ما ظهر من خطابات في معرض‏'‏ خان المغربي‏'‏ وهي الخطابات الشعبيه التي تضمنها المعرض إضافه إلي كراس صغير تضمن جزءا من السيرة الذاتية للأخوين هي الاكتشاف الحقيقي للمعرض وكنت في تغطية معرض‏'‏ خان المغربي‏'‏ قد طالبت الدولة باقتناء هذه الوثائق التي تعطي مصادر غير تقليدية في الكتابة التاريخية‏,‏ إلي جانب أنها تسلط الضوء علي تفاصيل صغيرة أهملها المؤرخون الذين كانوا معنيين أساسا بالتفاصيل الكبري وقد تضمن المعرض مجموعة من الوثائق والأوسمة التي حصل عليها الأخوان وانلي‏.‏ وعلي الرغم من قلة الرسائل الشخصية فيه إلا أنه يلفت نظرنا الخطاب الذي أرسله سيف إلي زوجته إحسان مختار وقال فيه‏'‏ عزيزتي إحسان تحية لكم جميعا‏,‏ كل عام وأنتم بخير‏,‏ أنا مبسوط كده‏,‏ والحمد لله أن وجودي بالمرسم مع تخيلاتي وشياطيني لهو أكثر متعة من أي شيء‏,‏ أن عمل صورة جديدة بالنسبة لي هو تغيير هوا وليس شيئا آخر‏'*‏

This site was last updated 04/03/09