حين يهل شهر رمضان يستعد المصريون لاستقباله بمشاعر مليئة بالبهجة والسعادة مترجمين ذلك من خلال إضاءة المآذن والشوارع والحارات والحوانيت بالإضاءات الملونة وأعلام الزينة وتعليق الفوانيس.
ويتميز شهر رمضان عن غيره من الشهور بأنه شهر العمل الدؤوب لأصحاب الحرف المختلفة ذات الصلة وعلي رأسهم الخيامية... حيث تنكسي مصر بأعمال الخيامية من خيم رمضانية وسرادقات وأعلام صوفية... وغيرها.
الخيامية... حرفة يدوية ونوع من أنواع فن النسيج ويرجع اسمها إلي الخيامي الذي يقوم بتصنيع الخيام وخياطتها وزخرفتها بإضافة قطع من النسيج المزخرف الملون وتثبيته علي قماش الخيمة في رسومات وأشكالا متعارف عليها.
ويختلف الباحثون حول فن الخيامية من حيث جذوره التاريخية... البعض يبين لنا أن هذا الفن عرفته مصر في العصر الفرعوني... ويرجعه البعض إلي العصر الفاطمي وآخرون للعصر العثماني إلا أن الازدهار الحقيقي للخيامية لمسته مصر في عصر المماليك.
ومن أشهر الأماكن التي ينتشر فيها هذا الفن... شارع الخيامية المتفرع من شارع تحت الربع بالدرب الأحمر,ويقع هذا الشارع بجوار بوابة المتولي في منطقة قصبة رضوان,وانتقل إليه أصحاب الحرفة بعد حريق الفسطاط في أواخر العصر الفاطمي علي يد الوزير شاور الذي أتي علي الأخضر واليابس... ومن هنا عرفنا سوق الخيامية مثل سوق الشماعين والنحاسين... غيرها من الأسواق.
وعن أشهر الخيام التي ذكرت في العصور السابقة خيمة قطر الندي ابنة خماروية في العصر الطولوني وخيمة السلطان قنصوة الغوري,وكانت عبارة عن قصر متحرك,إلا أنها اختفت بمقتله في موقعة مرج دابق سنة 1516م.
سوق الخيامية صغير جدا طوله حوالي 100متر تقريبا,وأغلب الموجودين فيه توارثوا المهنة أبا عن جد. وفي عام 1952 خرجت فكرة تأسيس أول نقابة لصناع المهنة,وكان رئيسها سعودي درويش. وأشهرت النقابة عام 1953,وضمت نحو 100 من أرباب هذه المهنة. وكان مقرها التكية القديمة في الدرب الأحمر في شارع يكن باشا. وقد فشلت هذه التجربة وتم حل النقابة عام 1955. أما عن أشهر عائلات الخيامية فهناك عائلة: الليثي, عائلة حمدي فتوح, عائلة محمد هاشم وعائلة فروجة.
وكانت هناك سيدات يعملن في منازلهم بهذه الحرفة وكانت طريقة جلوسهن تسمي التربيعة.
الطريف هنا أن العاملين في الخيامية يستخدمون مصطلحات طريفة خاصة بهم مثل البلح, اللوزة, رأس الثعبان, الشاكوش, الذقن, والراكب والمركوب... وغيرها من المصطلحات وهي وحدات زخرفية علي شكل البلح أو غيره....
ورد في التاريخ ما يدل علي استخدام هذا الفن الجميل مثل إقامة السرداقات الواسعة في الاحتفال بالمولد النبوي. كما ذكر عن الخيام في القرن التاسع عشر ما يفيد أنه إذ أقيم مأتم وفرح ما,استعد أهله بصوان كبير من الخيام الملونة من الأبيض والأحمر من الداخل. كمال يستخدم هذا الفن في الأعلام واللافتات التي تمثل الطرق الصوفية المختلفة, والأعلام المسيحية, التي تستخدم في جميع الموالد. وكسوة الضريح التي تنفذ بطريقة خاصة,ولابد أن تكون خضراء قاتمة اللون مكتوب عليها بالأبيض.
وأخيرا بعد رحلة هذا الفن الجميل... نجده الآن يلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب دخول الطباعة عليه,وتطور صناعة النسيج ليصبح فنا مهدد بالاندثار.
المراجع:
- الشموع والفوانيس والخيامية في حي الدرب الأحمر محمد دسوقي.
- ناجي رمضان... عضو الجمعية التاريخية.
- الفن الإسلامي... د.سعاد ماهر محمد.