شغل يوحنا الأصحاحين الأخيرين من بشارته بظهور يسوع بعد قيامته، وذكر فيهما ما لم يذكره غيره من البشيرين. والقيامة من جوهريات المسيحية لأنها من أعظم البراهين على أن يسوع هو المسيح الموعود به في نبوات العهد القديم. وهي المعجزة التي أعطاها لليهود إثباتاً لصحة دعواه (متّى ١٢: ٣٩ ) ( يوحنا ٢: ١٩ - ٢١) وهي تصديق الله على تلك الدعوى. وهي كمال عمل الفداء، والبرهان على أن كفارته للخطاة قُبلت، وعلى أنه أوفى الدَّين عنهم (رومية ٤: ٢٥ ) ( ١بطرس ١: ٣). وهي عربون قيامة المؤمنين. وسبق الكلام في البراهين على صحة قيامة المسيح وفي ظهوره عشر مرات لتلاميذه في شرح متّى ٢٨: ١٧.
مضى بين نهاية أصحاح ١٩ وبدء أصحاح ٢٠ ما حسبه الكتاب ثلاثة أيام، وهحسب التقليد فى الكنائس المسيحية يوم كامل وجزءان من يومين. وحسب نظرية حديثة ثلاثة ايام كاملة (ثلاثة ليال وثلاثه نهار أى 72 ساعة ) وكان جسد المسيح في ذلك الوقت مضطجعاً في القبر والعسكر حارساً، والتلاميذ يائسين، واليهود مبتهجين إلى صباح اليوم الثالث(الأخد حسب تقليد الكنائس المسيحية وقبل غروب شمس السبت حسب النزرية الحديثة لقيامة المسيح وهو الوقت الذى يظهر فيه نور القيامة يوم السبت فى كنيسة القيامة بأورشليم ولم يذكر يوحنا ختم القبر ووضع الحراس (متّى ٢٧: ٦٢ - ٦٦) 62 وفي الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون الى بيلاطس 63 قائلين: «يا سيد قد تذكرنا ان ذلك المضل قال وهو حي: اني بعد ثلاثة ايام اقوم. 64 فمر بضبط القبر الى اليوم الثالث لئلا ياتي تلاميذه ليلا ويسرقوه ويقولوا للشعب انه قام من الاموات فتكون الضلالة الاخيرة اشر من الاولى!» 65 فقال لهم بيلاطس: «عندكم حراس. اذهبوا واضبطوه كما تعلمون». 66 فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر. " والزلزلة وإتيان النساء ودحرجة الحجر وخوف الحراس (متّى ٢٨: ٢ - ٤).2 واذا زلزلة عظيمة حدثت لان ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. 3 وكان منظره كالبرق ولباسه ابيض كالثلج. 4 فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كاموات. "
1) " فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ"
أي يوم الأحد يوم زيارة المريمات والتلاميذ لقبر المسيح وإكتشاف قيامة المسيح اتخذه المسيحيون من ذلك الوقت يوم العبادة، تذكاراً لقيامة المسيح، وسُمي «يوم الرب» (رؤيا ١: ١٠)10 كنت في الروح في يوم الرب، وسمعت ورائي صوتا عظيما كصوت بوق " والأرجح أنهم فعلوا ذلك طاعةً لأمر المسيح.
أول الأسبوع يعنى يوم الأحد الذى يلى يوم الفصح 14 نيسان ، وكانت تقدم فيع الباكورات إلى الهيكل .. وكان يسوع هو باكورة قيامة الراقدين من بين الأموات (الذين رقدوا على رجاء القيامة) (1كو 15: 23) إن ظهور يسوع ثلاث آحاد متتاليين مهد الطريق ليجتمع المسيحيين فى أيام الآحاد كما أن قيامته فجر الأحد جعل ذلك اليوم قيمة كبيرة عند المسيحيين (يو 20 : 19 و 26) (لو 24: 36) (أع 20: 7) (1كو 16: 2)
«وفي أول الأسبوع»: وترجمتها الحرفية: وفي «الأول للسبت»، لأن السبت محسوب أنه تاج الأيام في التعبيرات العبرية، لذلك فكل أيام الأسبوع تُحسب من بعده، أي الأول للسبت يعني (الأحد)، الثاني للسبت يعني (الاثنين). وهكذا. فالسبت يحمل في طياته كل الأسبوع، حتى إن كلمة »السبت» قد تأتي بمعنى الأسبوع كله, ففي قول الفريسي المتفاخر بتقواه: «أصوم مرتين في الأسبوع» (لو18:12) تأتي كلمة «السبت» بمعنى الأسبوع كله، لأنه يحتويه بكرامته.
وقد صار هذا الاصطلاح «أول الأسبوع» أي «الأحد» ويسميه الآباء القديسون اليوم «الثامن» أي يوم ما بعد الأسبوع, أي يوم ما فوق الزمان بالحساب الإنساني. لأنه يوم الرب.
وهذا التعبير يأتي موازياُ لليوم الأول في الخليقة, الذي سُمى «الأسبوع» أي السبعة ايام للخليقة كلها من خلفه, أي بعده وقياساً عليه. ففي اليوم الاول قبل أن توجد الايام الأخرى بدأ الله الخلقة الاولى مبتدئاً: «ليكن نور» (تك3:1). هكذا في «أول» الأسبوع «الأحد» قام المسيح من الموت ليبدأ الخليقة الجديدة: «أنا هو نور العالم (الجديد)».
2) " جَاءَتْ مَرْيَمُ المَجْدَلِيَّةُ إِلَى القَبْر"
شرح مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث أن زيارات مريم المجدلية القبر خمس مرات في فجر أحد بعد القيامة.. (ملاحظة : العلية وهى تابعة الآن للسريان الأرثوذكس ومقرا لمطرانيتهم والتى كان فيها التلاميذ خائفين لا تبعد عن كنيسة القيامة غير 5 - 8 دقائق سيرا على الأقدام )
وقد استغرقت أحداث هذه الزيارات -وبأكثر تحديد الزيارات الأربعة الأولى- الفترة ما بين ظهور أول ضوء في الفجر "إذ طلعت الشمس" (مر16: 2)، وتلاشى آخر بقايا ظلمة الليل "والظلام باق" (يو20: 1). وهي مدة لا تقل عن نصف ساعة في المعتاد يوميًا.
وكانت مريم المجدلية تذهب لزيارة القبر، ثم تعود إلى مدينة أورشليم بمنتهى السرعة، ثم تأتى إلى القبر مسرعة في زيارة تالية وهي تجرى.
ولأن موضع القبر كان قريبًا من أورشليم (أنظر يو19: 20، 41)، لهذا لم تكن المسافة تستغرق وقتًا طويلًا. وبالرغم من أن مريم المجدلية قد قطعت هذه المسافة عشر مرات في زياراتها الخمس، إلا أنها في الزيارات الأربع الأولى، ومنذ وجودها عند القبر لأول مرة في فجر الأحد فإنها قطعت هذه المسافة ست مرات فقط. أي أنها استغرقت حوالي خمس دقائق في كل مرة ما بين القبر وأورشليم وبالعكس.
† " مريم المجدلية " .. شفاها السيد المسيح بأن أخرج منها سبعة شياطين، وكانت إحدى النساء اللاتي كن يخدمنه في الجليل يسوع والرسل (لو 8: 1-2)، وكانت حاضرة عند صلبه وذهبت إلى القبر مع اثنتين آخرتين فوجدن القبر فارغًا. ويقول القديس مرقس في إنجيله أن القديسة مريم المجدليه هي أول من ظهر لهم السيد المسيح بعد قيامته (مر 16: 9)، ويضيف القديس يوحنا أن السيد أعطاها رسالة لتنقلها إلى الإخوة (يو 20: 11-18). ومن جهة أخرى ذكر الإنجيل عن مرأة ولقبها بــ : "المرأة الخاطئة" (لو 7: 37-50) ولم يُذكَر اسمها، وأخرى مريم من بيت عنيا ومرثا أختها (لو 10: 38-43). وبحسب التقليد الشرقي هاتين الأثنتين - بالإضافة إلى المجدلية - يُعتَبَرن ثلاثة أشخاص مختلفين، أما في الغرب فإنهم يتبعون القديس غريغوريوس الكبير في اعتبارهن شخصًا واحدًا (المرأة الخاطئة ومريم أخت مرثا ومريم المجدلية)، إلا أن رأي القديس أمبروسيوس بعد ذلك أن يُترَك هذا السؤال بدون إجابة. وبسبب هذا التقليد الغربي، يُنظَر إلى القديسة مريم المجدلية كنموذج مذهل للإنسان التائب.ومنذ سنة 1969 م. أُخِذ في الاعتبار التقليد الشرقي في التقويم الروماني الجديد، وتُعيِّد لها الكنيسة الغربية في الثاني والعشرين من شهر يوليو.
3) " بَاكِراً، وَالظّلامُ بَاقٍ "
«باكر والظلام باقي»: لم يهدأ لها بال ولم يغمض لها جفن. لقد أعدت الحنوط مع الزميلات المريمات بعد أن انقضى السبت, ثم باتت تنتظر الفجر، أسرعت أكثر من الباقيات, وكانت أول من ولج باب أورشليم الذي يطل على الجلجثة ... كان أملها الوحيد أن تطيب جسد من أسدى إليها الشفاء والمحبة, وما كانت تظن أنها ستسمع اسمها من فمه مرة أخرى، وتراه حياً بل وأكثر حياة. والذي يذوق محبة المسيح يستعذب سهر الليالى, والإسراع إليه والظلام باق. ولكن فوق كل شيء, يا لشجاعة تلك المرأة العجيبة!
أين التلاميذ؟ أين بطرس والزمرة كلها؟ ألا يتراءى أحد عند القبر باكرأ إلا هذه المرأة؟ وهل للنساء السير في الظلام, واقتحام المخاطر، والتواجد عند القبر خارج أسوار المدينة؟ منذ أن صُلب الرب، والتلاميذ يلوذون بالصمت، وهم مشلولو الحركة, والخوف يعصف بهم من كل جانب. ولكن هذه النكسة التي تكشف عن فداحة عثرة الصليب، هي هي عينها التي تضاف إلى مجد القيامة «وقوتها»، التي استطاعت أن تغير مثل هذه الرعدة والجبانة إلى قمة الشجاعة والمجاهرة وفصاحة البشارة ، التي هدت أركان أعتى إمبراطورية ظهرت في التاريخ، ومعها سرطان الوثنية التي كانت تنخر في جسم البشرية كلها.
ونظرًا لأهمية ترتيب أحداث القيامة، أورد مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث بيانًا بالزيارات الخمس لمريم المجدلية عند القبر حسبما أوردها الإنجيليون الأربعة بترتيب حدوثها :
الزيارة الأولى:
أوردها القديس مرقس في إنجيله كما يلي:
"وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتين ويدهنه. وباكرًا جدًا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس. وكن يقلن فيما بينهن: من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر. فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج. لأنه كان عظيمًا جدًا. ولما دخلن القبر رأين شابًا جالسًا عن اليمين لابسًا حلة بيضاء فاندهشن. فقال لهن : لا تندهشن. أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب. قد قام ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه. لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس أنه يسبقكم إلى الجليل هناك ترونه كما قال لكم. فخرجن سريعًا وهربن من القبر لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن ولم يقلن لأحد شيئًا لأنهن كن خائفات" (مر16: 1-8).
والدليل على أن هذه الزيارة كانت الأولى أن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب كن يقلن فيما بينهن "من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر" (مر16: 3) إذ لم تكن مريم قد رأت الحجر مدحرجًا بعد.
الزيارة الثانية:
بعد عودة مريم المجدلية من الزيارة الأولى إذ لم تخبر أحدًا بما قاله الملاك في الزيارة الأولى لأنها كانت خائفة، ذهبت مرة أخرى في صُحبة القديسة مريم العذراء لتنظرا القبر. وقد أورد القديس متى في إنجيله هذه الواقعة دون أن يذكر القديسة العذراء مريم بالتحديد مسميًا إياها "مريم الأخرى"(1).
"وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات. فأجاب الملاك وقال للمرأتين : لا تخافا أنتما. فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا لأنه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعًا فيه. واذهبا سريعًا قولا لتلاميذه أنه قد قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه. ها أنا قد قلت لكما. فخرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه. وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما. فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له. فقال لهما يسوع لا تخافا. اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني" (مت28: 1-10).
في قول القديس متى "إذا زلزلة عظيمة قد حدثت" لا يعنى أن الزلزلة قد حدثت وقت تلك الزيارة، بل سبقتها وسبقت الزيارة الأولى أيضًا.
وقد أورد القديس مرقس هذه الزيارة باختصار في إنجيله، هي التي رأت فيها مريم المجدلية السيد المسيح وهي في صحبة القديسة مريم العذراء. وذكر هذه الواقعة بعد أن ذكر الزيارة الأولى : "وبعدما قام باكرًا في أول الأسبوع، ظهر أولًا لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين. فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون. فلما سمع أولئك أنه حيّ وقد نظرته لم يصدقوا" (مر16: 9-11).
وبهذا ترى كيف أكرم السيد المسيح أمه العذراء والدة الإله: إذ لم يظهر لمريم المجدلية في زيارتها الأولى مع مريم أم يعقوب وسالومة. بل ظهر لها حينما حضرت مع أمه. وفي تلك الزيارة تم تنفيذ رغبة السيد المسيح بسرعة في إبلاغ تلاميذه كما ذكر القديس متى إذ خرجتا من القبر "راكضتين لتخبرا تلاميذه" (مت28: 8).
ليتنا نطلب صُحبة القديسة مريم العذراء في حياتنا الروحية، لنرى السيد المسيح بأعين قلوبنا ونبشر بقيامته بغير تردد. لأن العذراء هي مثال الطاعة والتسليم بين جميع القديسين.
الزيارة الثالثة:
بعد أن أخبرت مريم المجدلية التلاميذ بقيامة السيد المسيح، أرادت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب أن تذهبا مرة أخرى إلى القبر مع مجموعة من نساء عديدات. وقد أورد القديس لوقا في إنجيله هذه الزيارة بعد أن سرد أحداث الدفن يوم الجمعة. وراحة يوم السبت:
"وتبعته نساء كن قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وُضع جسده. فرجعن وأعددن حنوطًا وأطيابًا. وفى السبت استرحن حسب الوصية. ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس فوجدن الحجر مدحرجًا عن القبر. فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع. وفيما هن محتارات في ذلك إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة. وإذ كن خائفات ومنكسات وجوههن إلى الأرض. قالا لهنَّ : لماذا تطلبن الحيّ بين الأموات. ليس هو ههنا لكنه قام. اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل قائلًا: أنه ينبغي أن يُسلّم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم. فتذكّرن كلامه. ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله. وكانت مريم المجدلية، ويونا، ومريم أم يعقوب، والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل. فتراءى كلامهن لهم كالهذيان. ولم يصدقوهن" (لو23: 55 -24: 11).
بعد هذه الزيارة إذ لم يصدِّق الآباء الرسل كلام النسوة بدأ الشك يساور مريم المجدلية فقررت أن تذهب إلى القبر بمفردها. هذه هي الزيارة التالية.
الزيارة الرابعة:
ذهبت إلى القبر بمفردها قبل نهاية بقايا ظلمة الليل. وقد أورد القديس يوحنا الإنجيلي هذه الزيارة كما يلي: "وفى أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرًا والظلام باق. فنظرت الحجر مرفوعًا عن القبر. فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه. فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلى القبر. وكان الاثنان يركضان معًا. فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولًا إلى القبر. وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل. ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان، بل ملفوفًا في موضع وحده. فحينئذ دخل أيضًا التلميذ الآخر الذي جاء أولًا إلى القبر ورأى فآمن. لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات. فمضى التلميذان أيضًا إلى موضعهما" (يو20: 1-10).
والعجيب أن مريم المجدلية بعد هذه الزيارة، بدأت تردد كلامًا مغايرًا تمامًا لما سبق أن قالته بعد الزيارتين الثانية والثالثة حينما أخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وبكلامه ثم بكلام الملاكين عن قيامته.
بعد الزيارة الرابعة بدأت تردد عبارة تحمل معنى الشك في قيامة السيد المسيح بالرغم من ظهوره السابق لها وظهورات الملائكة المتعددة.
قالت للقديسين بطرس ويوحنا الرسولين "أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه؟!" (يو20: 2).
بعد هذا الكلام وبعد أن علم الرسل أن الحراس قد انصرفوا من أمام القبر. ذهب بطرس ويوحنا الرسولان إلى القبر وتبعتهما مريم المجدلية. وكانت هذه هي زيارتها الخامسة والأخيرة للقبر في أحد القيامة. وحفلت هذه الزيارة بأحداث هامة غيرّت مجرى حياتها وتفكيرها تمامًا.
الزيارة الخامسة:
أورد القديس يوحنا في إنجيله أحداث هذه الزيارة بعد كلامه السابق مباشرة كما يلي:
"أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكى. وفيما هي تبكى انحنت إلى القبر، فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحدًا عند الرأس والآخر عند الرجلين، حيث كان جسد يسوع موضوعًا. فقالا لها يا امرأة لماذا تبكين. قالت لهما إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه. ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفًا ولم تعلم أنه يسوع. قال لها يسوع يا امرأة لماذا تبكين. من تطلبين؟ فظنت تلك أنه البستاني فقالت له يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه. قال لها يسوع يا مريم. فالتفتت تلك وقالت له ربوني. الذي تفسيره يا معلم. قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبى. ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهي وإلهكم، فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا" (يو 20: 11-18).
في هذه الزيارة الخامسة والأخيرة للقبر:
نرى مريم المجدلية وهي في اضطراب وشك وبكاء، تردد قولها السابق الذي قالته للرسولين بطرس ويوحنا. فقالت نفس العبارة للملاكين الجالسين داخل القبر "أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه" (يو 20: 13) (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ثم وصل بها الحال أن قالتها للسيد المسيح نفسه عند ظهوره لها للمرة الثانية "يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه" (يو20: 15). وكانت قد ظنت أنه البستاني ولم تعلم أنه يسوع (أنظر يو20: 15،14).
وحينما ناداها السيد المسيح باسمها قائلًا "يا مريم" (يو20 : 16)، كان يريد أن يعاتبها على كل هذه البلبلة والشكوك التي أثارتها حول قيامته، وعلى ما هي فيه من شك في هذه القيامة المجيدة، ثم رغبتها في الإمساك به لئلا يفلت منها مرة أخرى بعد أن أمسكت سابقًا قدميه وسجدت له في ظهوره الأول لها مع العذراء مريم ( أنظر مت28: 9).
في هذه المرة قال لها مؤنبًا "لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي" (يو20: 17). كان هذا تأنيبًا شديدًا لها لأنها شكّت في قيامته، وتريد أن تمسكه لئلا يختفي مرة أخرى..
إنها بشكها في قيامته تكون في شك من قدرته الإلهية في أن يقوم من الأموات. وكأنه ليس هو رب الحياة السماوي لأبيه السماوي في القدرة والعظمة والسلطان. وبهذا يكون لم يرتفع في نظرها إلى مستوى الآب... كما إنها تريد أن تمنع اختفائه من أمام عينيها لكي لا تشك في القيامة... وبهذا تكون كمن يريد أن يمنع صعوده إلى السماء... وماذا يكون حالها بعد صعوده فعلًا ليجلس عن يمين الآب.
لهذا أمرها بصريح العبارة "اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو20: 17).
في قوله هذا كان يقصد أن يقول لتلاميذه أن إلهكم (أي الآب) قد صار إلهًا لي حينما أخليت نفسي متجسدًا وصائرًا في صورة عبد، وسوف يصير أبى السماوي (الذي هو أبى بالطبيعة)، أبًا لكم (بالتبني) حينما أصعد إلى السماء، وأرسل الروح القدس الذي يلِدكم من الله في المعمودية.
فبنزولي أخذت الذي لكم، وبصعودي تأخذون الذي لي.
في هذه المرة فهمت مريم المجدلية أنها ينبغي أن تقبل فكرة صعود السيد المسيح الذي لم يكن قد صعد بعد بالرغم من اختفائه عن عينيها بعد قيامته، كما أنه بقى على الأرض أربعين يومًا كاملين بعد القيامة لحين صعوده إلى السماء أمام أعين تلاميذه وقديسيه.
لهذا "جاءت مريم المجدلية، وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب، وأنه قال لها هذا" (يو20: 18).
وكما عالج السيد المسيح شك توما في يوم الأحد التالي لأحد القيامة، هكذا عالج شكوك المجدلية بظهوره لها مرة أخرى في أحد القيامة، في البستان..
كانت السيدة العذراء مريم عجيبة ومتفوقة في إيمانها- فقد آمنت قبل أن ترى السيد المسيح قائمًا من الأموات، وآمنت حينما أبصرته، وآمنت حينما أمسكت بقدميه وسجدت له... وقبلت صعوده في تسليم كامل، لأنها كانت تعرف أنه ينبغي أن يجلس عن يمين أبيه السماوي، ولا يكون لملكه نهاية، حسبما بشرها الملاك قبل حلول الكلمة في أحشائها متجسدًا... لهذا حقًا قالت لها أليصابات بالروح القدس "طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" (لو1: 45).
4) " فَنَظَرَتِ الحَجَرَ مَرْفُوعاً عَنِ القَبْر"
ِ ذكر البشيرون الأربعة أن النساء وجدن الحجر مرفوعاً. والظاهر أن مريم والنساء الباقيات لم يكنَّ يعرفن وضع حراس هناك. ولو عرفن ذلك ما عزمن على الاجتماع عند القبر قبل طلوع الشمس. والأرجح أن مريم لم تبلغ عند القبر بل نظرت بابه مفتوحاً، واستنتجت أن جسد يسوع أُخذ منه فعدلت عن الاقتراب منه.
القديس يوحنا يتميز با ستخدامه الاصطلاح «مرفوعاً» بالنسبة للحجر الموضوع على فوهة القبر، تماما كما وصف فتحة القبر والحجر عليها في قصة لعازر: «وجاء إلى القبر، وكان مغارة، وقد وُضع عليه حجر، قال يسوع ارفعوا الحجر» (يو38:11-39). وهذا يوحي أن الحجر الموضوع على فوهة القبر يكون مستديراً، ساقطاً في مجرى محفور له، يلزم إما رفعه، أو دحرجته، حسب الإنسانجيل الأخرى.
والحجر عادة يكون ثقيلاً ويلزم أكثر من رجل لدحرجته أو رفعه من مكانه، «من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر ... لأنه كان عظيماً جداً.» (مر3:16-4)