تفسير (مرقس 3: 4) 4 ثم قال لهم هل يحل في السبت فعل الخير او فعل الشر.تخليص نفس او قتل.فسكتوا.
التفسير الحرفى والتاريخى والجغرافى - إعداد المؤرخ / عزت اندراوس
فى هذه الاية يطرح المسيح سؤالا على الرابيون معلمى اليهود .. هل يحل؟.. ويخيرهم بين بين أربعة إختيارات يختار من الأول إختيار واحد ومن الثانى إختيار للإجابة عليه هما .. أولا : فعل الخير أم فعل الشر و ثانيا: تخليص نفس أو قتل نفس
من جديد نرى الرب في خلاف مع الفريسيين فيما يتعلق بمسألة السبت. إن إعلانه بأن السبت كان تدبيراً مُنعماً من الله لأجل راحة الإنسان ولم يكن يُعنى به أن يزيد من الأثقال عليه بل أن يريحه، لم يأخذ بعين الاعتبار الانطباع الذي سيخلفه هذا عند أولئك الناموسيين التشريعيين الصارمين المتزمتين والماكرين.
لا يتكلم المسيح هنـا عـن حالة هذا المريض فقط، لأنه يمكن أن يرضي الكتبة والفريسيين بأن يؤجل عمل الشفاء للغد أو ليوم آخر غير السبت . ولكن المسيح هنا يطرح مبدأ شاملاً في الحال الواقع: هل يمكن عمل الخير في السبوت عامة أم لا؟ هل يمكن تخليص النفوس في السبوت أم لا؟ وطرح المسيح هذا السؤال على ضمير الربيون وعقولهم أما الرد الذى يتوقعه المسيح منهم ليكون قانون الخير والسبت والحياة. فالسبت والناموس بأجمعه يستحيل أن يعارض ويقاوم خلاص النفس.
وبهذا أنقذ المسيح الناموس والسبت وكل الوصايا من تحت وصاية الكتبة والفريسيين ليعطيها معناها الجديد لخدمة خلاص النفس. وهكذا سيوظف المسيح الناموس كله بكل وصاياه لخدمة خلاص النفس؛ بل وسيقدم نفسه وحياته فدية لخلاص نفس الإنسان. وهكذا يطوع المسيح عظمة السبت وكرامته لخلاص نفس الإنسان.
*** (1) ثم قال لهم: هل يحل في السبت .
التوراة والتلمود : التوراة هي الشريعة المكتوبة أما الشريعة الشفوية هو "التلمود" معلمى اليهود الرابيون كان يمارسون الشريعة المكتوبة فى التوراة بـ تقليد شفهي متطور رفيع عالي المستوى والتمود وظيفته التعامل مع تطبيقات وتطويرات معاني المكتوبة (التلمود) كان يفسر الناموس الموسوي وفيه ما يجب وما لا يجب ( وبصورة أخرى ما يحل وما لا يحل عمله) أن يفعله اليهودى فى يوم السبت (مرقس2: 24).24 فقال له الفريسيون: «انظر. لماذا يفعلون في السبت ما لا يحل؟» لقد كانوا قد وضعوا يمكن فعله شرعيا وما يُمنع القيام به في يوم السبت. يمكن للمرء أن يسعف رجال جريحا تحديدات صارمة حول ما في حالة طوارئ، ولكن ما كان بمقدوره أن يحسن وضعه أو حالته. سؤال يسوع كشف مشكلة أولوية تقاليدهم البالية التي يضعونها فوق اعتبار حاجات البشر. وهذا هو الحا ل دائما مع الذين يتقيدون بالنواميس بشكٍل دقيق
*** (2) فعل الخير أو فعل الشر؟
الجميل في اللغة اليونانية أن عبارة فعل الخير وعبارة فعل الشر تأتي ككلمة واحدة لكل منهما:
فعل الخير = gaqopoiAsai¢، فعل الشر = kakopoisai.
*** (3) تخليص نفس أو قتل؟ فسكتوا»
تخليص نفس = yucan sisai ولكن القتل ليس قتل نفس بل مجرد قتل poktenai حيث خلاص النفس تفيد أيضاً الخلاص من المرض أو المحن. ولكـن أقـوى معنى لها هو خلاص من الدينونة المزمعة .
. تخليص : هذه هي الكلمة اليونانية sōzō. تستخدم بطريقتين متمايزتين في العهد الجديد:
(1) تتبع استخدام العهد القديم بمعنى الإنعتاق من المشاكل الجسدية و
(2) تستخدم للدالاة على الخلاص الروحي.
في الأناجيل يكون لها عادة المعنى الأول (مر 3: 4)ثم قال لهم: «هل يحل في السبت فعل الخير او فعل الشر؟ تخليص نفس او قتل؟» (مر 8: 35أ) 35 فان من اراد ان يخلص نفسه يهلكها (مر 15: 30- 31) 30 خلص نفسك وانزل عن الصليب!» 31 وكذلك رؤساء الكهنة وهم مستهزئون فيما بينهم مع الكتبة قالوا: «خلص اخرين واما نفسه فما يقدر ان يخلصها.
وحتى الشفاء, (مر 5: 23 و 28 و 34) 23 وطلب اليه كثيرا قائلا: «ابنتي الصغيرة على اخر نسمة. ليتك تاتي وتضع يدك عليها لتشفى فتحيا». 28 لانها قالت: «ان مسست ولو ثيابه شفيت» 34 فقال لها: «يا ابنة ايمانك قد شفاك. اذهبي بسلام وكوني صحيحة من دائك». (مر 6: 56)56 وحيثما دخل الى قرى او مدن او ضياع وضعوا المرضى في الاسواق وطلبوا اليه ان يلمسوا ولو هدب ثوبه. وكل من لمسه شفي! (مر 10: 52) 52 فقال له يسوع: «اذهب. ايمانك قد شفاك». فللوقت ابصر وتبع يسوع في الطريق. ولكن في (مر 8: 35 ب)ومن يهلك نفسه من اجلي ومن اجل الانجيل فهو يخلصها. ( مر 10: 26) 26 فبهتوا الى الغاية قائلين بعضهم لبعض: «فمن يستطيع ان يخلص؟» (مر 13: 13) 13 وتكونون مبغضين من الجميع من اجل اسمي. ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص. "
قد تشير إلى المعنى الثاني. هذا المعنى المزدوج نفسه نجده في رسالة يعقوب .. البند (1) فى (مر 5: 15 و 20) 15 وجاءوا الى يسوع فنظروا المجنون الذي كان فيه اللجئون جالسا ولابسا وعاقلا فخافوا. 20 فمضى وابتدا ينادي في العشر المدن كم صنع به يسوع. فتعجب الجميع. " ... ولكن البند (2) فى (مر 1: 21) 21 ثم دخلوا كفرناحوم وللوقت دخل المجمع في السبت وصار يعلم ( مر 2: 14) 14 وفيما هو مجتاز راى لاوي بن حلفى جالسا عند مكان الجباية فقال له: «اتبعني». فقام وتبعه. ( مر 4: 12)12 لكي يبصروا مبصرين ولا ينظروا ويسمعوا سامعين ولا يفهموا لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم»
نفس : . هذه الكلمة اليونانية psuchē. من الصعب جدا تحديد معناها الصعوبة في ترجمة هذه الكلمة تأتي من استخدامها الفلسفي اليوناني، فالبشر لديهم نفس، بدال من الفكرة العبرية بأن البشر هم نفس (تك 2: 7) 7 وجبل الرب الاله ادم ترابا من الارض، ونفخ في انفه نسمة حياة. فصار ادم نفسا حية. " ولكن يمكن معرفة معناها من خلال السياق . ويمكن أن تدل على
1- حياتنا الجسدية الأرضية (مر 3: 4) ثم قال لهم: «هل يحل في السبت فعل الخير او فعل الشر؟ تخليص نفس او قتل؟» ( مر 8: 35) 35 فان من اراد ان يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من اجلي ومن اجل الانجيل فهو يخلصها ( مر 10: 45) 45 لان ابن الانسان ايضا لم يات ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين».
2 - مشاعرنا وإدراكنا لذاتنا (مر 12: 30) 30 وتحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الاولى. ( مر 14: 34) 34 فقال لهم: «نفسي حزينة جدا حتى الموت! امكثوا هنا واسهروا».
3 - إدراكنا الروحي والأبدي (مر 8: 36- 37) 36 لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ 37 او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه؟
فسكتوا» : هنا المسيح أوقع الكتبة والفريسيين في حيرة من أنفسهم وواجههم بعمى قلوبهم وتعصبهم الأعمى ضد الخير والحق والصلاح والحياة.
تفسير إنجيل مرقس هنري أ. آيرونسايد - Expository Notes on the Gospel of Mark / Henry A. Ironside
وهنا طرح الرب السؤال: "«هَلْ يَحِلُّ فِي السَّبْتِ فِعْلُ الْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ الشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟»". ولم يُجِبْ أحدٌ. وإذ كان عارفاً بريائهم، نظر حوله إليهم بغضب. لقد كان غضباً مقدساً بسبب ادّعائهم تكريم الله ولا مبالاتهم بحاجات الناس. لقد أحزنت غلاظةُ قلوبهم روحَ يسوع الحانية. ثم أمر الرجل أن يبسط يده. وفي الحال، وإذ نظر بإيمان إلى يسوع، شعر بحياة جديدة تدب في ذلك الطرف المشلول، ومدّها ووجد أنها صارت سليمة وقوية مثل اليد الأخرى.
لعل المرء يفكر أن هكذا إظهار للنعمة والقوة التي كانت في المسيح كانت لتملأ كل قلب بالسرور وتؤدي إلى مديح الله وشكره لافتقاده شعبه على ذلك النحو الرائع؛ ولكن كان لهذا تأثير معاكس على هؤلاء المدافعين الغيورين عن التقاليد البشرية إزاء الإعلان الإلهي.
مظهرين انعدام الضمائر نحو الله، ومع أنهم حريصون جداً على الشكليات المتعلقة بحفظ تقاليدهم ومفاهيمهم المغلوطة عن مشيئة الله فيما يتعلق بحفظ يوم السبت من كل أسبوع، فإن الفريسيين، أنصار التقليد القويم المتزمتين الصارمين، تحالفوا مع الهيرودوسيين، السياسيين الفاسدين في عصرهم، في كيفية القبض على يسوع وإزاحته من الطريق. فهذان الفريقان اللذان هما على طرفي نقيض، التقوا هناك، كما يحدث غالباً عند البشر ذوي وجهات النظر المختلفة، فاتفقوا كلياً في رفضهم للمسيح وتشاوروا فيما بينهم على إهلاكه. هذا هو الشر المحتوم ومقاومة الله في القلب الطبيعي.