تفسير (مت2: 16) : حينئذ لمّا رأى هيرودس ان المجوس سخروا به غضب جداً . فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كلّ تخومها ، من ابن سنتين فما دون ، بحسب الزمان الذي تحقّقه من المجوس .
ثانيا : التفسير الحرفى والتاريخى والجغرافى - إعداد المؤرخ / عزت اندراوس
منذ ولادة يسوع وبدأت قوى الشيطان فى قتله وإضطهاد أتباعه وقتلهم .. وهنا نرى الأمم واليهود .. الأمم يمثلهم المجوس البسطاء الذين آمنوا بعلومهم التى قادتهم إلى المولود ملك اليهود بينما هيرودس ورؤساء الكهنة يمثلون خاصة يسوع الذين لم يقبلوه بالرغم من أنهم من جنسة ويهودى مثلهم ويمثل أطفال بيت لحم الأبرياء المسيحيين الذين آمنوا يالمسيح
1) “ لمّا رأى ” رأى تفيد بعدم رجوعهم إليه
2) “ سخروا ” إعتقد أن ذكائه وكلماته المعسولة للمجوس بانه يريد أن يسجد للمولود ملك اليهود ولما فشلت خطته الشريرة لقتل المولود وأن المجوس لم يرجعوا إليه إعتقد أن عدم رجوعهم سخرية منه لأنه كان يظن نفسه أنه ملك عظيم وعموما عدم الإهتمام بأوامر الملوك يثير غضبهم وسخطهم ولكن يتبغى أن يطاع الله أكثر من الناي
3) “ غضب جداً ” يوجد نوعان من الغضب:
1) الغضب المقدس: وهو غضب لأسباب مقدسة من أجل الحق، ولا تدخل فيه الذات، ويكون بأسلوب سليم، وليس بعصبية أي ليس بنرفزة، ولا يكون بجهل، ولا بسرعة..والكتاب المقدس يعطينا أمثلة من غضب الله، وغضب الرسل والأنبياء. كما يعطينا التاريخ أمثلة من غضب القديسين. فينبغي أم يفرق الإنسان بين الحزم والنرفزة.. وكما يقول الكتاب: "اغضبوا ولا تخطئوا" (أفسس 26:4). مثل أن نغضب من أخطائنا الشخصية.. أي اغضبوا على أخطائكم وعلى طباعكم.
2) الغضب الخاطئ الباطل : هو غضب لأسباب شخصية، أو لأمور مادية أو عالمية، وليس لسبب مقدس.وكانت أسباب عضب هيرودس بعضها سياسية والبعض شخصية وكان شديد الغيرة على كرسى الحكم واوبلا شك أن غضبه هذا أنتج قرارا إجراميا بقتل أطفال لا ذنب لهم ولا جريرة وبهذا إستحق أن يكون تحت حكم الآية التالية مرتين مرة لقتله الأطفال وإجرامة ومرة أخرى لأنه غضب على أخيه وهم أطفال بيت لحم "قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل، ومَنْ قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم إن كل مَن يغضب على أخيه باطلًا، يكون مستوجب الحكم" (إنجيل متى 22،21:5).
4) “ قتل جميع الصبيان ” قتل هيرودس إمرأته وبعض من أولاده عندما غضب عليهم لأنه إتهمهم بالمؤامرة ضده فكان من السهل للذى يقتل اولاده أن يقتل أولاد الآخرين فى بيت لحم بسبب أنه إعتقد أنه إذا قتلهم سيقتل المولود ملك اليهود بينهم ومن هوسة وجنونه روى عنه المؤرخ يوسيفوس
أنه عند مرضه الأخير جمع كل أعيان والمهمين فى الإقليم الذى يحكمه ووضعهم فى السجون وأمر بقتلهم ساعة موته لكى تكون هناك مناحة فى كل أنحاء مملكته لأنه كان يعرف أنهم سيفرح الشعب بموته .. ولا يذكر يوسيفوس مذبحة لحم إما لأن الأمر كان سرا لم يسمع به أو لأنه شيئ واحد من بحر أعمال هيرودس البشعة .. فغذا فرض أن عدد سكان بيت لحم ألفين فلا يزيد عدد الذكور عن ثلاثين طفلا فلا عجب أن لم يشر يوسيفوس إلى هذه الحادثة التى جرت قبل كتابة تاريخه بثمانين أو تسعين سنة
5) “ وفي كلّ تخومها ”أى كان أمر القتل يشمل بيت لحم وكل القرى حولها التابعه لها حتى يتأكد من أن من بينهم سيقتل المولود ملك اليهود
6) “ من ابن سنتين فما دون ” لا نستنتج من ذكر سنتين من ظهور نجم المجوس أنه مضى سنتين من ولادة يسوع بل أن هيرودس زاد الزمان كما زاد على المكان (بقوله تخومها) حتى لا يدع مجالا لنجاة يسوع لأنه إعتقد أن المجوس لم يخبروه بزمتن النجم و أو لم يدققوا فى الحساب .. أو أن عساكره بخطئون فى تقدير عمل الأولاد أو أن أهاليهم سيزيدون ا‘مار اطفالهم وكان بفضل تكثير عدد القتلى حتى يضمن قتل المولود عن تقليلة فينجو المولود وهو لم يبالى بعدد الأطفال الأبرياء القتلى أو بصراخ أمهاتهم ووجع آبائهم وفى المقابل نجد أن يسوع رجل اوجاع ومختبر الحزن وكانت يد الرب قوية فانقذته بالهرب إلى مصر ليتمم فدائه للبشرية .. وتشير قصة قتل هيرودس لأطفال بيت لحم من الذكور إلى قتل فرعون مصر لأطفال العبرانيين المولودين حديثا من الذكور ختى يفنى شعب الرب فالنية السيئة واحدة والتنفيذ الإجرامى مطابق إلا أن هيرودس أراد الموت للبشرية كلها وتعطيل سبب الفداء بقتل المولود ملك اليهود
7) “ بحسب الزمان الذي تحقّقه من المجوس ” زاد هيرودس على المكان "بيت لحم" الذى أخبره به رؤساء الكهنة وألحق به تخومها وزاد على الزمان الذى أخبره به المجوس
أولا : التفسير الروحى/ الرمزى والمجازى الذى أسسه العلامة القبطى أوريجانوس - والتأملى الذى أشتهرت به الكنيسة القبطية
فيما يلى كتاب الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ـ تفسير انجيل متى – مار ديونيسيوس ابن الصليبي
غضب لانهم لم ياتوا ويخبروه عن الصبي لكنهم استخفوا به . ولم يعرف انهم قد علموا غش قلبه المخفي . وغضبه على المجوس سكبه على الاطفال الودعاء
( فقتل كل صبيان بيت لحم وجميع تخومها الخ ) قتل الاطفال لكي يقتل معهم المسيح لانه لم يكن يعرفه . وقتل صبيان بيت لحم وجميع تخومها لكي لا ينجو المسيح من القتل لانه فكر ربما قد هربوه الى احدى القرى المجاورة . وقوله ” كلهم ” بيّن انه لم يبقِ منهم أحد وبقوله ” ابن سنتين ” لأنه سأل المجوس فأجابوه انه منذ سنتين ظهر لهم الكوكب كقول القديس أفرام واوسابيوس : انه في السنة الثانية لميلاد ربنا أتى المجوس . وقال القديسان يوحنا وكيرلس ان النجم ظهر قبل ميلاده بسنتين وهم ابطأوا في الطريق ومع وصولهم ولد مخلصنا وسجدوا له وهو مقمّط ومضطجع في المذود . وكيفما كانت الآراء فان قول الانجيلي صحيح . اذ يقول حسب الزمان الذي تحقق فمنهم من قتل وهو مستيقظ . ومنهم وهو نائم . ومنهم والثدي في فمه . ومنهم في المغتسل . ومنهم من خطف من حضن امه وقتل واغتسلت الامهات بدماء أطفالهنّ وكان يسمع من الوالدات نحيب وولولة وبكاء مر ونواح عظيم مع ضجيج في الفضاء . اذ لم يخل بيت من قتيل ومن صوت الخصومات وضجة السائلين عن سن الاطفال . واذا سأل البعض عن عدد الاطفال والصبيان المقتولين فنقول ان هذا غير معلوم . لكن بعض أهل السفسطة يقولون ان هيرودس أرسل أربعين رئيس مئات ومع كل رئيس اربعين سيّافاً وكل واحد قتل أربعين طفلاً . فالقاتلون خمسة آلاف وستمائة والمقتولون اربعة وستون ألف وهذا ليس بصحيح . وأيضاً مكتوب ان الصحيح هو مئة وأربعة وعشرون ألفاً . يسأل البعض لماذا تغافل ربنا بقتل الاطفال ومن السبب في قتلهم أهو أم هيرودس ؟ والجواب ان المسيح لم يكن السبب في قتل الاطفال بل هيرودس هو السبب في قتلهم . وكما ان داود لم يكن سبب قتل الثمانين كاهناً الذين قتلهم شاول بل شاول نفسه . وكما ان ايليا ليس السبب في قتل رئيسي الخمسينين والذين معهما بل الذي أرسلهما . ونقول ان بطرس سبّب قتل الحراس كذلك المسيح سبّب قتل الاطفال . فخباثة الملك هي سبب قتل هؤلاء وأولئك . بحيث لو رأى هيرودس الحيطان منقوبة والابواب مغلقة لكان قتل الحراس واجباً . لكن لما كان كل شيء في مكانه فمن الواجب أن يسجد لصانع العجائب لا ان يقتل الحراس . أن الله تعالى أراد رجوع الملك لا هلاك الحراس . كذلك الحال هنا فان مجيء المجوس وجمع الكتبة وشهادة النبوات انما كان ليخلص هيرودس ليؤمن لا ليقتل الاطفال . يسأل البعض لماذا سمح الله بقتل الاطفال ؟ الجواب قال قوم لكي ينتشر خبر ولادته في كل مكان . وقال آخرون لكي تكتمل النبّوة القائلة صوت سمع في الرامة ، وهذا التفسير بعيد عن الحقيقة . والارجح لكي لا يصيروا مثل آباهم يشتركون بالدم الذكي لاجل ذلك نقلهم . وحتى يرثوا الملكوت الموعود بها والمعدومة من الوارثين وليدخلوها في مجيئه الثاني. ونقول ان ما نقاسيه من الآلآم هو لسببين : اما لاجل خطايانا أو لنرث الحياة . ويعرف هذا من قول بولس عن ذلك الزاني : ” سلموا هذا بالجسد للشيطان لكي يحيا بالروح في يوم ربنا ” ( ا كو 5 :5 ) . و أمر داود ان لا يقتل شمعي لما شتمه ( 2 صم 16 : 11 ) بل قال : ” للرب انظر تعبدي وتعبي واغفر لي كل خطيتي ” ( مز 25 : 18 ) . فاذاً لا خسارة للذين يحتملون بصبر الشدائد الآتية عليهم من الله تأديباً ، وان كانت من الشيطان لاجل خطاياهم حينئذ ، لاجل قبول الاجر والمكافأة ، يكفي برهاناً على ذلك أيوب الصديق . فالاطفال بالشكل الاخير قتلوا لياخذوا الملكوت أجرهم . يسأل البعض عن أية خطية قاصص الله الاطفال مع انهم لم يرتكبوا خطية . فنقول يكفيهم المكافأة عوض القتل . فما غصب حرية هيرودس لان الحرية موهبة جسيمة أعطيت للانسان أن يفعل ما يشاء والله لم يرجع بموهبته . اعتراض ، ان الاطفال لو بقوا احياء لتشرفوا بهذا العالم رابحين الآخرة . ورداً عليه نقول ان الله لو عرف انهم يصيرون فاضلين لما سمح بموتهم لكنهم مضوا طاهرين ناجين من الشرور وهم شهداء ومقتولون لاجل المسيح . فعماد القتل قام مقام العماد بالماء . فكيف يدعون شهداء اذ قتلوا بلا معرفة وبغير ارادة . نقول بالنوع الذي يقبل به الاطفال العماد لينالوا المنحة بلا معرفة ولا شك في قبولهم المنح . هكذا لا شك في استشهاد هؤلاء لانهم قتلوا لاجل المسيح .