(متى 1: 20) : ولكن فيما هو متفكّر في هذه الأمور ، اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلمٍ قائلاً : “ يا يوسف ابن داود ، لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك . لأن الذي حُبِل به فيها هو من الروح القدس .
ثانيا : التفسير الحرفى والتاريخى والجغرافى - إعداد المؤرخ / عزت اندراوس
1) “فيما هو متفكّر” لم يتسرع عندما تملكه الغضب ولكنه فكر بتؤدة وروية كيف يتصرف ؟ والر ب ينير عقول محبيه
2) “ملاك” تُترجم كلمة "ملاك" فى العهد القديم عن الكلمة العبرية "ملاك"( كما في العربية ). أما في العهد الجديد فتُترجم عن الكلمة اليونانية "أجلوس" ( aggelos ) . ومعنى كل من الكلمتين هو "رسول" ( 2صم 2 : 5 ، لو 7 : 24 : 9 : 52 ) وترد الكلمتان العبرية واليونانية نحو 300 مرة من التكوين إلى الرؤيا وقد ورد إسم ملاك قليلا فى العهد القديم كما فى (تك 14: 11 ) (تك 16: 7ف) (تك 16: 9) (تك 16: 10) ولكن ذكر إسمهم كثير .. تتنوع خدمات الملائكة ، ولكن العمل الرئيسى لهم هو أنهم "يرسلون" من الله لتبليغ رسائله أو تنفيذ مشيئته. كلم ملاك إلى زكريا لتبشيرهما بمولد يوحنا المعمدان (لو 1: 11-20)، كما بشر الملاك مريم العذراء بمولد الرب يسوع المسيح (لو 1: 26-38). وتكلم الملاك إلى يوسف عدة مرات (مت 1: 20-24، 2: 13و 19). وتكلم الملائكة إلى الرعاة (لو 2: 9-15). وتكلم ملاك إلى كرنيليوس (أع 10: 3و7و 22). وإلى الرسول بولس (أع 27: 23). وأنبأ الكثيرون من الملائكة يوحنا الرائي بالأحداث المذكورة في سفر الرؤيا. ويمثل الملائكة في محضر الله في خشوع وتعبد (مت 18: 10، عب 1: 6، رؤ 6: 11و12)، وهم "أرواح خادمة مرسلة للخدمة" للمؤمنين (عب 1: 14) كان للملائكة دور كبير فيما يختص بالرب يسوع، فقد بشروا بولادته (مت 1 :20، لو 1: 30، 2: 9و13). وجبرائيل هو إسم الملاك الذى ظهر لمريم(لو1" 26) ارسل جبرائيل الملاك من الله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة " ولم يذكر إسم الملاك الذى ظهر ليوسف ولا للرعاة .. لم يظهر الملاك لمريم فى حلم ولكنه ظهر لها فى اليقظة لأن تسليم إراجتها وإظهار إيمانها فى حبلها وهى عذراء كانا ضرورى فى أمر إعلانها بما هى مقدمة علية ، وظهر ليوسف فى حلم لأنهكان محتاجا لقبول الإعلان والإيمان وهذه هى الطريقة التى كان الرب ذاته يظهر للأنبياء ولشعبه ولكن بعد كجئ يسوع وحل الروح القدس لم يبق هناك إحتياج لظهور الملائكة وقل ظهورها
3) “يا يوسف ابن داود ” بتسمية الملاك له إبن داود يذكره بمواعيد الرب لداود من جهة المسيح وتهية قلبه أنه بواسطة إيمانه سيتم مجئ المسيح المنتظر بواسطة خطيبته مريم ، وظهورة هو إعلان وتأكيد أن ما يأمره به يحقق الوعد الإلهى ولا يخالفه
4) “لا تخف ان تأخذ مريم ” لا تخف أى لا تشك فى إمراتك ، وهنا الرب يزيح الشك والخوف والأفكار السيئة من القلوب بإعلانه وها هى مريم ويوسف ذو الضمائر الصالحة يجب أن يتكلوا على الرب انه معين قوى فى الشدائد ويبرر من كل تهم باطلة
5) “مريم امرأتك ” تسمية الملاك لها دلالة على إستحقاقها له وأنها لم تقترف ذنبا يحرمها من رباط الزوجية .
6) “ من الروح القدس” أى أن ولادته بقوة إلهية :"روح الرب القدوس " فغن كلمة الرب وإبنه صار إبن الإنسان ولكن لم يشترك فى الطبيعة البشرية الخاطئة التى تورث كل من تسلسل من آدم وحواء بالولادة الطبيعية وفي يسوع صار حمل العذراء "حواء الجديدة / الثانية " علاجا شافيا لما فعلته حواء العهد القديم حواء الأولى فقدمت العذراء الحمل الذى يحمل خطايا العالم
أولا : التفسير الروحى/ الرمزى والمجازى الذى أسسه العلامة القبطى أوريجانوس - والتأملى الذى أشتهرت به الكنيسة القبطية
فيما يلى كتاب الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ـ تفسير انجيل متى – مار ديونيسيوس ابن الصليبي
( ولكن فيما هو متفكر ) أي بتخليتها سراً لئلا يشعر اليهود بها فيرجموها ويدان كمذنب . وهنا يسأل البعض لماذا لم يظهر الملاك ليوسف علانية كما ظهر لزكريا وللبتول وللرعاة ؟ الجواب لانه كان رجلاً اميناً فلا يحتاج الى منظراً ظاهراً . أما ظهوره لزكريا علانية فلأنه كان يعسر عليه الايمان بدليل أنه شك بعد ظهور الملاك له . أما ظهوره للبتول فلصعوبة الامر الذي هو فوق الطبيعة . أما للرعاة فلأنهم كانوا أناس ساذجين وجاهلين . وتكون الاحلام على انواع شتى : فهي أحياناً من الله كحلم يوسف وفرعون ونبوخذنصر ودانيال وامراة بيلاطس . وأحياناً من الشيطان مثل الخيالات المظلمة . وتأتي تارة من كثرة انشغال الفكر نهاراً ، فما يُحدّث به الانسان نفسه في النهار يراه بالليل في حلمه . وتاتي طوراً من الامتزاج والخلط الغالب ، كقول الاطباء ان كان الدم غالباً في انسان فإنه يرى قتلاً وسفك دماء في المنام . وان غلبت المرارة السوداء فيرى ظلمة وبيوت مقفلة وكلها تسبب الخوف والفزع . وان غلب البلغم فيرى امطاراً وانهاراً ومياهاً جارية . وان كان مزاجه دموياً وغلبت عليه المرارة الصفراء فيرى ناراً وشمساً وشعاعاً وحريقاً . وترى الاحلام بانواع أخرى . أما حلم يوسف فهو من الله . ويسأل البعض لماذا لم ياتي الملاك الى يوسف قبل ان يفتكر هذا الفكر ؟ والجواب ان ذلك لحكمة من الله ولئلا يشك مثل زكريا . ولعلمه تعالى بان الحبل وتحقيق الملاك له يجعلانه يؤمن بسهولة . لان مريم ايضاً سكتت عن اعلان حبلها ليوسف خوفاً من انه لا يصدق قولها . لان الواقع لو صحّ وقوعه من امرأة لقضي عليها بالموت الشنيع بموجب الشريعة . فجاء الملاك الى البتول قبل ان تحبل لكي لا ترهب ولا تجزع بتغير القضية . لانها لو حبلت من دون معرفة سر حبلها لكانت تقتل نفسها لتتخلص من العيب . أو لكانت تموت من حزنها . ولهذا لم يظهر الملاك ليوسف أولاً ويبشره كزكريا لئلا يرتاب مثله ويعرض له مثلما عرض لزكريا . او لكان عند سماعه انه من الروح يهرب من البتول كمن يهرب من النار المشتعلة وما كان يسكن معها . بل والارجح انه كان هذا لكيلا يبشر البتول قبل الملاك ولأنه من الحق الواجب ان تعلم أم الطفل بامره قبل الآخرين الأخيار .
( يا يوسف بن داود ) دعاه ابن داود لا ابن يعقوب وابن هالي حسب الناموس لكي يذكره بالوعد الذي قد صار لداود وانه هو الذي وعد ان يظهر كما سبق . فقال عنه الناموس والانبياء .
( لا تخف ) فبقوله لا تخف ازال عنه الخوف . لان يوسف كان خائفاً لئلا يكون مذنباً أمام الله اذا احتفظ وآوى في بيته امرأة . لكن الملاك هدأ روعه وشجع قلبه وازال عنه الشكوك واثبت انه قد ارسل من الله
( ان تاخذ مريم ) أي لتأويها عندك . فأنت حسب فكرك اخليتها . ولكن الله يسلمها لك الآن لا أبواها .
( امرأتك ) فسماها امرأته ليعرفه انها ليست مذنبة وفاجرة . فلو كانت كذلك لما دعاها امرأته . بل من الخطبة تدعى المخطوبة امرأة للرجل اكثر من الزيجة معها . وذلك واضح من ان الزانية مع رجل لا تدعى امرأة له ولا اذا دنى منها بأي نوع كان . فقال لا تخف ان تاخذها . يعني لا تظن انها زانية وتخشى مصاحبتها والسكن معها بل كن مؤمناً ومصدقاً انها حبلى من الروح القدس وهيئ نفسك لخدمتها . وقد دعاها امرأته كما دعا مريم أماً ليوحنا مع انه لم يكن مولوداً منها ( يوحنا 19 : 27 ) . ان الملاك لم ينتهر يوسف كما انتهر ابيمالك موبخاً. لان التدبير نحو يوسف كان امره عظيماً والفرق ظاهر بين هذا وذاك . أما يوسف فقد تحقق ممن عرفه أفكاره الخفية ومن جهة الوعد لداود . ومن شهادة اشعيا عن بيت داود . ومن شرف الميلاد . ومع ذلك فان الملاك زاد أمر الحبل وضوحاً فقال
( لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس ) . أي ان الله الكلمة اذ كان مزمعاً ان يتجسد من العذراء سبق الـروح القدس وقدّس الحشاء الذي جبل فيه جسد الله الكلمة . وبقوله ” فيها “ اثبت بان هذا الحبل ليس من زرع رجل ولا شهوة زواج بل من الروح القدس ومن جسد البتول . ولم يقل منها ، لان قوله ليس عن انسان مخلوق جديد بل عن الكلمة الذي صار جسداً . أما نحن فلكوننا نأخذ من أمهاتنا ابتداءنا ما لم نكن من قبل فيقال عنا اننا نولد منهنّ . أما ذاك فلأنه كائن منذ الازل بلاهوته فقيل عنه انه حبل به فيها . فاذاً بما انه قد تأنس قال الملاك ” فيها ” عن ذلك الذي سابقاً كان موجوداً ازلياً وفوق الازمنة . وقوله ” من الروح القدس ” يعني مثل الخليقة وعملها . لا بالولادة الجسدانية كقوله : ” المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح روح هو ” ( يوحنا 3 : 6 ) ولا طبيعياً لان الطبع البسيط هو الجوهر فلا يقبل الافتعال . والحاصل ان قوله من الروح القدس كمثل خليقته . قال القديس ساويرس ان عمل الروح كان خلقة الولد . أما مريم فكانت تدخل عدم النقصان خلا الشهوة والخطية وكما هو معتاد للنساء ان يكون من جوهرهنّ ، فان آدم وحواء بواسطة الشهوة ولدا البنين . والله الكلمة لما شاء ان يجدد طبيعتنا المفسودة فلا شيء من الشهوة صار في الحبل به.