تفسير (متى 3: 7) : فلما رأى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون الى معموديته ، قال لهم : يا أولاد الافاعي ، من أراكم ان تهربوا من الغضب الآتي ؟
ثانيا : التفسير الحرفى والتاريخى والجغرافى - إعداد المؤرخ / عزت اندراوس
(مت 12: 24 و 23: 33) (لو 2: 7- 9) (رو 5: 9) (1 تي 1: 10)
1) “ فلما رأى كثيرين ” رآى يوحنا المعمدان بعض من يأتون إليه بدون الإستعداد التام للتوبة مجرد ظهورهم بين المقبلين على التوبة .. تشير هذه ألاية إلى شدة تأثير يوحنا المعمدان وجذبه للناس الذين يريدون أن يعيشوا أحرارا من عبودية الخطية أتى إليه طوائف متعددة ومن جميع الشخصيات منهم من أتى ليتفرج عليه ومنهم من يريد أن ينضموا لحركته ويكون لهم مكانا وأيضا كثيريين أتوا بلا نيل للتوبة الحقيقية التى كانت شرطا اساسايا وحديا لمعمودية يوحنا المعمدان
2) “ الفريسيين والصدوقيين ” لم يكن نوع واحد من الناس او طائفة واحدة من طوائف اليهود هى التى قبلت بإيمان معمودية التوبة بل كثيريين من ومنهم الفريسيين والصدوقيون وهم طائفتين دينتين يهوديتين قال يوسيفوس أنهما نشأتا نحو 150 ق. م
الصدوقيين: نسبت هذه الطائفة إلى صادوق رئيس الكهنة .. وإما أصل الصدوقيين ونشوؤهم فيذهب إلى أن أسرة صادوق الكهنوتية التي كانت تقود الشؤون في القرنين الرابع والثالث في العصرين الفارسي واليوناني اخذت، وربما غير واعية، تضع الاعتبارات السياسية فوق الدينية.
وفي زمن أنطيوخوس أبيفانيس (175-163 ق. اسم يوناني معناه) كان عدد كبير من الكهنة محبًا للثقافة اليونانية (2 مكابيين 4: 14-16) وكان رؤساء الكهنة ياسون ومينيلاوس والقيموس الداعين إلى الهيلينية فوق الشعب إلى جانب المكابيين للذود عن نقاوة الدين اليهودي. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وبانتصار هذا الفريق وتأمين المكابيين ورئاسة الكهنوت انسحبت خلفاء صادوق وأنصارهم وزجوا أنفسهم في السياسة فكانوا يصرّون على إهمالهم لعادت الشيوخ وتقاليدهم والتقرب إلى الثقافة والنفوذ اليونانيين. أما يوحنا هرقانوس وارستوبولس واسكندريناوس (135-78 ق.م.) فقد أبدوا ميلًا للصدوقيين فكانت القيادة السياسية إلى حد كبير في أيديهم في زمن الرومان والهيرودوسين وكان رؤساء الكهنة انذاك منهم. وإن الصدوقيين الذين جاؤوا إلى يوحنا المعمدان في البرية خاطبهم كما خاطب الفريسيين قائلًا: إنهم أولاد الأفاعي (مت 3: 7). وانضموا إلى الفريسيين ليسألوا من الرب آية من السماء (مت 16: 1-4).في زمن المسيح والعهد الجديد كان الصدوقيين هم الأرستقراطيين. كانوا في الغالب أغنياء ويشغلون مناصب سيادية، منها منصب الكاهن الأعظم، ورؤساء الكهنة، وكانوا يشغلون أغلبية المقاعد ال 70 للمجلس الدينى والذي يدعى السنهدريم. كانوا يعملون بإجتهاد للمحافظة على السلام عن طريق الموافقة على قرارات روما وبدا أنهم يهتمون بالسياسة أكثر من إهتمامهم بالدين. ولكونهم كانوا متوافقين مع الرومان، وكانوا يشكلون طبقة الأغنياء فإنهم لم يكونوا متواصلين بشكل جيد مع عامة الشعب، كما أن عامة الشعب لم يحترمونهم. كان عامة الشعب في تواصل أفضل مع الفريسيين. ورغم أن الصدوقيين كانوا يشغلون أغلب مقاعد السنهدريم، إلا أن التاريخ يشير أنه في أغلب الأحيان كان عليهم الموافقة على آراء الأقلية الفريسية بسبب حب الجماهير لهم.
من الناحية الدينية، كان الصدوقيين أكثر محافظة في ناحية معينة من العقيدة. كان الفريسيين يعطون التقاليد الشفهية نفس سلطان كلمة الله المكتوبة، بينما الصدوقيين كانوا يعتبرون الكلمة المكتوبة فقط هي كلمة الله. لقد حفظ الصدوقيين سلطان كلمة الله المكتوبة، خاصة أسفار موسى (من التكوين حتى التثنية). وفي حين يمكننا أن نمتدح هذا فيهم، إلا أنهم لم يكونوا كاملين في نظرتهم العقائدية. في ما يلي قائمة مختصرة للمعتقدات التي تمسكوا بها وكانت مخالفة لكلمة الله:
1. كانوا مكتفين بذواتهم بقدر كبير حتى أنهم أنكروا الإحتياج إلى تدخل الله في الحياة اليومية.
2. أنكروا قيامة الأموات (متى 22: 23؛ مرقس 12: 18-27؛ أعمال الرسل 23: 8).
3. أنكروا وجود الحياة الأبدية، وقالوا بأن النفس تهلك عند الموت، وبهذا أنكروا أي عقاب أو ثواب بعد الحياة على الآرض.
4. أنكروا وجود العالم الروحي، أي الملائكة او الشياطين (أعمال 23: 8).
بسبب إهتمام الصدوقيين بالسياسة أكثر من الدين فإنهم لم يهتموا بيسوع إلى أن بدأوا يخافون من أن يجذب إهتمام الرومان، وهذا ما كانوا لا يريدونه. هنا إتحد الفريسيين والصدوقيين وتآمروا معاً على قتل المسيح (يوحنا 11: 48-50؛ مرقس 14: 53؛ 15: 1). يذكر الصدوقيين أيضاً في أعمال 4: 1؛ أعمال 5: 17، كما يدين المؤرخ يوسيفوس الصدوقيين بموت يعقوب (أعمال 12: 1-2).
إنتهى وجود الصدوقيين في عام 70م. بما أن هذا الحزب وجد أصلاً بسبب الروابط السياسية والكهنوتية، فإنه عندما دمرت روما أورشليم والهيكل في عام 70 م. فقد تم تدمير الصدوقيين أيضاً.
الفريسيين: على العكس من الصدوقيين، فإن الفريسيين كانوا غالبا من طبقة رجال الأعمال المتوسطة، وبهذا كانوا على صلة بعامة الشعب. كان عامة الشعب يحترمون الفريسيين أكثر من إحترامهم للصدوقيين. ورغم أنهم كانوا أقلية في السنهدريم وكانت لهم مناصب قليلة ككهنة، إلا أنهم كانوا يتحكمون في إتخاذ القرارات في السنهدريم أكثر من الصدوقيين بسبب مساندة الشعب لهم.
من الناحية الدينية فإنهم قبلوا الكلمة المكتوبة على أنها كلمة الله الموحى بها. وفي وقت خدمة المسيح على الأرض، كان هذا يشمل ما يشكل اليوم العهد القديم. ولكنهم أيضاً منحوا سلطاناً مماثلاً للتقليد الشفهي، وحاولوا أن يبرروا موقفهم هذا بالقول أنهم تسلموه من موسى. مع التغير عبر السنين فإن هذا التقليد أضاف إلى كلمة الله وهذا أمر مرفوض (تثنية 4: 2)، وكان الفريسيين يسعون بكل حزم لطاعة هذا التقليد بالإضافة إلى العهد القديم. تمتليء الأناجيل بأمثلة تمسك الفريسيين بهذه التقاليد كما يتمسكون بكلمة الله (متى 9: 14؛ 15: 1-9؛ 23: 5؛ 23: 16، 23؛ مرقس 7: 1-23؛ لوقا 11: 42). ولكن هل كانوا أمناء تجاه كلمة الله فيما يخص العقائد الأخرى الهامة. على عكس الصدوقيين، كانوا يؤمنون بما يلي:
1. آمنوا أن الله يتحكم في كل الأشياء، لكن القرارات التي يتخذها الأفراد تساهم أيضاً في مسار حياة الشخص.
2. آمنوا بقيامة الأموات (أعمال 23: 6).
3. آمنوا بالحياة بعد الموت، ووجود مكافآت وعقاب للكل على أساس شخصي.
4. آمنوا بوجود الملائكة والشياطين (أعمال 23: 8).
رغم أن الفريسيين كانوا منافسين للصدوقيين، إلا أنهم تمكنوا من وضع خلافاتهم جانباً في مناسبة واحدة – في وقت محاكمة المسيح. في هذا الوقت إتحد الفريسيين والصدوقيين لقتل المسيح (مرقس 14: 53؛ 15: 1؛ يوحنا 11: 48-50).
بينما إنتهى وجود الصدوقيين بعد دمار أورشليم، إلا أنه استمر وجود الفريسيين الذين كانوا مهتمين أكثر بالأمور الدينية عن السياسية. في الواقع كان الفريسيين ضد الثورة التي تسببت في دمار أورشليم عام 70 م. وكانوا أول من صنع سلاماً مع الرومان بعد ذلك. كان الفريسيين أيضاً هم من قاموا بتجميع المشناه، التي هي وثيقة هامة تشير إلى إستمرار اليهودية بعد دمار الهيكل.
لقد إنتهر يسوع كل من الفريسيين والصدوقيين في مناسبات عديدة. وربما يكون أفضل الدروس التي نتعلمها من الفريسيين والصدوقيين هو أن لا نكون مثلهم. على عكس الصدوقيين، علينا أن نؤمن بكل ما جاء في الكتاب المقدس بما فيه من معجزات وحياة أبدية. وعلى عكس الفريسيين علينا ألا نعتبر التقليد مساوياً للكلمة المقدسة، وعلينا ألا نسمح لعلاقتنا مع الله أن تنحصر في قائمة من القوانين والطقوس والنواميس.
3) “ يا أولاد الافاعي ” وهنا نتوقف عند فرز يوحنا للناس الذين يأتون إليه فكان مدققا بروح النبوة محذرا وموبخا هناك نوع من الحيات شديد الإحتيال والضرر .. لم يستخدم هذا الوصف ليصف الفريسيين والصدوقيين كراهية وإحتقارا .. بل توبيحهم لهم على صفاتهم العامة التى تتشابه مع صفات الأفاعى وعدم إخلاص نوياهم وعدم نقاءهم وعدم إتباعهم روح العهد القديم فى تعليمهم وتصرفاتهم وسياستهم ومع كل ما يتصفون به فى حياتهم يأتون إليه متصنعين ومتظاهرين بالتوبة فتوبتهم الظاهرية ليست مقبولة تشبه سم ألفاعى القاتل .. والأرجح أن يوحنا المعمدان كان يتكلم عن نسل الحية التى ورد فى (تك 3: 15) واضع عداوة بينك وبين المراة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق راسك، وانت تسحقين عقبه» العداوة التى أعلنها الفريسيين ضد يسوع ومع أن الفريسيين نسل إبراهيم إلا أنهم شابهوا نسل الحية فى مقاومتهم نسل المرأة
4) “ من أراكم ” هنا تعجب يوحنا من هاتين الطائفتين مع أنهم لهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها يتظاهرون بالتدين أمامم الناس ويتركون أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان وهنا يغنمون الفرصة ليكونوا فى مقدمة اليهود الذين يريدون أن يتعمدوا بمعمودية التوبة بيد يوحنا .. هؤلاء المرائيين موجودين فى كل زمان ومكان هم الذين يتظاهرون بالورع والتقوى والقداسة ولكنهم ليسوا مقبولين أمام الرب ومرفوضين منه
5) “ ان تهربوا ” أى أنتم تجتهدون فى الهروب من مصيركم وهذا السؤال يظهر ان يوحنا شك فى صدق نواياهم بالتوبة الحقيقية فالمعمودية كانت للتوبة فإذا لم تكن هناك توبة فالمعمودية تكون باطلة وتصير حماما مثل ما ياخذه الإنسان فى بيته لينظف نفسه فوجود يوحنا معهم فى نهر الأردن لن يعطيهم غفرانا لأن المعمودية ما هى إلا غعدا بين الإنسان والرب ويوحنا يتمم القبول .. فكأن يوحنا يقول لهم : أى رجاء لمن كان مثلكم؟
6) “ من الغضب الآتي ” تكررت فى )لو 3: 7) وكان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه: «يا اولاد الافاعي من اراكم ان تهربوا من الغضب الاتي" الغضب الآتى الذى يأتى لبعد الشعب عن الرب وتجد غضب الرب فى (1) خراب اورشليم (2) وفى يوم الدينونة أى غضب الرب على شعبه فى الأرض وعلى كل فى رد بعد القيامة وكان الفريسيين والصدوقيون مسئولين عن إغضاب الرب أى أنتم عليكم عضب الرب وقصاصة على الخطية التى تمارسونها وقد تنبا ملاخى فى (ملا 3: 2) ومن يحتمل يوم مجيئه ومن يثبت عند ظهوره.لانه مثل نار الممحص ومثل اشنان القصار. (ملا 4: 5) هانذا ارسل اليكم ايليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف. " قهذا هو يوحنا الذى أتى بروح إيليا السابق للمسيح يهيئ الطريق امامه ويوبخ ويعظ أنه لا يحابى الوجوه ولا يخاف من العظماء ولا يرهب من الملوك (1 تس 1: 10) وتنتظروا ابنه من السماء، الذي اقامه من الاموات، يسوع، الذي ينقذنا من الغضب الاتي. "
أولا : التفسير الروحى/ الرمزى والمجازى الذى أسسه العلامة القبطى أوريجانوس - والتأملى الذى أشتهرت به الكنيسة القبطية
فيما يلى كتاب الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ـ تفسير انجيل متى – مار ديونيسيوس ابن الصليبي
ان اليهودية ابتدأت من يهوذا الرابع من اولاد يعقوب . واتسعت في عهد موسى وقويت في عهد داود الذي ملك على سبط يهوذا . ونشأ عند اليهود سبع بدع . فالكتبة كانوا يحفظون العادات والقوانين كما تسلموها من المشائخ مع حفظ ناموس موسى . والفريسيون كانوا يصومون يومين في الاسبوع ويعشرون مالهم ويحافظون على البتولية والصوم . وفي اعناقهم خيوط ارجوانية دلالة على خوفهم من الله وينظفون الاواني . والصدوقيون وهم بالجنس سامريون من كاهن اسمه صادوق لا يعترفون بروح القدس والملائكة اما فيما خلا ذلك فكانوا كاليهود . وفريق آخر كان يعتمد كل يوم مدعياً ان الحيوة لا تحق لمن لا يعتمد . اما الوقحون فكانوا يكلمون ما يخص الناموس ويستعملون قراءة كتب من غير مذهبهم ويرذلون كثيرين من الانبياء . ثم الماردون فكانوا يتنجسون من أكل اللحم ولا يأكلون لحماً ذي روح ولا سمناً ولا حليباً وكانوا يؤمنون بالآباء من ابراهيم الى موسى ويشوع ناكرين نسبة التوراة الى موسى ويدعون ان كتاب موسى غير هذه التوراة . والهيروديسيون كانوا يشبهون اليهود في كل شيء ويظنون ان هيرودس هو المسيح وعليه فكانوا يكرمونه ويسمونه المسيح . اما الفريسيون والصدوقيون فكانوا ضابطين بذلك الزمان . ولذا فانه انتهر الفريسيون دون غيرهم لانه عرف بمكنونات ضمائرهم اذ انهم لم يكونوا يعتمدون منه كسائر الناس بل بقلب مملوء غشاً . ويتضح ذلك من قول سيدنا لهم : ” معمودية يوحنا من اين هي ” . ذلك لانهم لم يكونوا يصدقون كلامه ولا آمنوا بالذي يكرز عنه . ومن قولهم ليوحنا هو المسيح . فروح القدس كشف له عما في ضميرهم . وانتهرهم أيضاً لانهم لم يسمعوا كرازته كقوله ان الكتبة والفريسيين خالفوا ارادة الله . اما العشارون فآمنوا واعتمدوا . وكثيرا ما كان يوحنا يوبخ الفريسيين والصدوقيين على أفعالهم الشريرة كقوله لهم
( يا أولاد الافاعي ) فالافاعي هي نوع من الحيات . ويتضح ذلك من تسميته لهم في موضع آخر اولاد الحيات . وليس في الدنيا كلها الا زوج واحد من هذا الجنس . ويوجد جنس آخر من الافاعي كالتي لدغت يد بولس . فسماهم اولاد الافاعي ولا افاعي لان سم هذا الدبيب نادر الوجود كفراخه . فالمشهور عنها ان اباها يموت يوم الحبل بها . لان مخرج الانثى صغير اشبه بخرم الابرة . وحينما يضاجع الذكر الانثى يرمي الزرع بفمها . وهي عند تناولها اياه تقطع ذكره ويموت لوقته . اما الانثى فلما تريد ان تلد وليس لها منفذ يخرج منه فراخها فتأخذ الفراخ بنقر بطن امهن حتى تنفتح فيخرجن اذ ذلك وتموت الام . لهذا شبههم باولاد الافاعي لانهم قد قتلوا اباءهم الانبياء وقتلوا اخيراً امهم اورشليم فاخربوها ، لتحاملهم على المسيح ، وذلك بعد الصلب باربعين سنة في عهد الملك وسبسيانوس . وقد سماهم حيات واولاد الافاعي لانهم صاروا آلة لذلك الذي اغرى حواء امنا بواسطتهم وقاد ابانا آدم الى مخالفة الوصية الالهية .
( من الغضب الآتي ) شبه خراب اورشليم بالغضب الآتي كما شبه اورشليم بالتينة . وذهب آخرون الى انه اراد بالغضب الآتي جهنم . لانها كانت مجهولة عندهم . وبعد ان وبخهم على اعمالهم تقدم اليهم ان يعملوا اعمالا ً صالحة