الاضطهاد المنتظر للتلاميذ (متى 10: 16- 23)
ما قاله المسيح (من الآية ٧ - ١٦) نصائح للرسل في بدء إرساليتهم، وتعليم لهم كيف يتصرفون في أثناء أحوالهم الحاضرة. وما بقي من الآية ١٦ - ٤٢ كلام يعم كل أعمالهم المستقبلة طول الحياة، وفيه إشارة إلى أحوالهم زمن الاضطهاد الذي لم يثُر عليهم إلا بعد نهاية خدمة المسيح على الأرض. ولم يذكر مرقس ولوقا من هذا الخطاب سوى أوله.
تكررت هذه ألاية فى أنجيل (مرقس 13: 13- 11) فمتى ساقوكم ليسلموكم فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا بل مهما اعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا لان لستم انتم المتكلمين بل الروح القدس. 12 وسيسلم الاخ اخاه الى الموت والاب ولده ويقوم الاولاد على والديهم ويقتلونهم. 13 وتكونون مبغضين من الجميع من اجل اسمي. ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص. و (لوقا 12: 11) ومتى قدموكم الى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف او بما تحتجون او بما تقولون 12 لان الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب ان تقولوه». (أعمال 4: 8) حينئذ امتلا بطرس من الروح القدس وقال لهم:«يا رؤساء الشعب وشيوخ اسرائيل، "
تفسير (متى 10: 16)“ ها انا ارسلكم كغنم في وسط ذئاب . فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام .
ثانيا : التفسير الحرفى والتاريخى والجغرافى - إعداد المؤرخ / عزت اندراوس
1) " أَنَا أُرْسِلُكُم " لا يذهبون من تلقاء أنفسهم، بل هو أرسلهم برسالة هى التبشير بالبشارة المفرحة .وقد أراد الرب أن يُعلِّم تلاميذه أنهم بصدد مجال جديد للنضال، وأن أسلوب استعدادهم لهذا المجال ليس مألوفاً لديهم. فها هو يرسلهم مجرَّدين وبلا ثوب (إضافي) ولا أحذية ولا عصا ولا كيساً ولا مذوداً، ويأمرهم أن يقبلوا أن يُعالوا مِمَّن يقبلهم. قال الرب هكذا لبولس: «تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمَل» (2كو 12: 9)، ليس بالمال او السلطان أو الخوف بل بالكلمة والشعف المسنود بالنعمة وبالحب والسلام تنمو المسيحية
2) " كَغَنَمٍ فِي وَسَطِ ذِئَابٍ " المسيح شبه نفسه بالراعى يخبر غنمه بأول نبوءة لهم أن العالم سيكون عدواً لهم حتى يعرفوا أن الطريق الذاهبين إليه ليس فيه مفاجأت من سيقابلون سيقابلون "ذئاب" بالطبع، فإن العداوة بين الذئاب والغنم طبيعية. فالغنم ضعيفة والذئاب قاسية. متوحشة مدربة على خطف وقتل الغنم وأكلها وبتشبيهه تلاميذه بالغنم أعلن ضعفهم وحينما تمضون هكذا، أَظهِروا وداعة الحملان رغم أنكم ذاهبون إلى ذئاب، ليس فقط ذاهبون إلى الذئاب بل أيضاً ستعيشون وسطهم. و وقد شبه أهل العالم بالذئاب لأنهم يكونون أعداءً لهم أقوياء وقساة. فإرساله الغنم بين الذئاب أمر غير طبيعي،
إذ تكون عرضة للافتراس والهلاك. وعليه فنمو المسيحية بالرم من وحشية الذئاب هو إنتصار للقيامة ومن أعظم البراهين على إقوة الروح القدس وعمله فينا وهذه العداوة تقتضي أن تكون لهم صفات خاصة للنجاة. وفى هذا المثل ذكر أربعة تشبيهات: واحداً فقط لأعدائهم إذ شبههم بالذئاب؛ وثلاثة لرسله:
أولا : الذئاب: كأعداء الفرق بين أبناء العالم وأبناء الله هو الفرق بين الشر والخير العدوة والمحبة والشراسة والوداعة
أ . شبههم بـ "الغنم، " : وكما شبه المسيح الرسل بالغنم شبه إشعياء المسيح نفسه بذلك ويعتبر المسيح مثلا لنا لأنه قائد لقطيعه (إشعياء 53 : 7 ).ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة امام جازيها فلم يفتح فاه. المسيح وأتباعة قطيع فى وسط الذئاب وبالرغم من أنهم ييعانون منها آلاف النهشات والذئاب تستعد أن تلتهمهم؛ نرى العكس فإن الحملان بالكلمة هي التي ستترك تأثيرها عليها .. وحينئذ ترى عجائب هى أم خؤلاء الذئاب يتحولون إلى حملان
ب . " حُكَمَاءَ كَٱلْحَيَّات الخ" أفادهم بواجباتهم ليتجنبوا الخطر المحيط بهم. فعليهم أن يُظهروا الحكمة والوداعة والطهارة. وذكر الحكمة كالحيات. وحكمة الحيات مشهورة بشدة احتراسها من الخطر. فوجب على التلاميذ أن يماثلوها بذلك الاحتراس، لا بالخبث يل بالحيلة (تكوين 3: 1).وكانت الحية احيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الاله، " وإذا كانت حيلة الحية القديمة قد تسببت فى خروج الإنسان من طاعة الرب ورعايته فحكمة الروح القدس وتدبيرة سيكون سببا فى رجوع بنى آدم إلى أحضان الإلهية مرة أخرى ( أفسس 5: 15) فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء رومية 16: 16- 19) واطلب اليكم ايها الاخوة ان تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات، خلافا للتعليم الذي تعلمتموه، واعرضوا عنهم. لان مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم. وبالكلام الطيب والاقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء. لان طاعتكم ذاعت الى الجميع، فافرح انا بكم، واريد ان تكونوا حكماء للخير وبسطاء للشر" . و (1 كورنثوس 14: 20) ايها الاخوة، لا تكونوا اولادا في اذهانكم، بل كونوا اولادا في الشر، واما في الاذهان فكونوا كاملين. و
جـ . "بسطاء كالحمام" . وأمر تلاميذه بأن يشبهوا الحمام لأنه مشهور بالوداعة وعدم الإيذاء. وظهر الروح القدس وقت معمودية المسيح بهيئة الحمام (متّى ٣: ١٦). وقد أظهر المسيح حكمة الحيات في جوابه للكتبة والفريسيين والصدوقيين (متّى 22: 15- 46) وأظهر وداعة الحمام وقت محاكمته أمام محاكمة مجس السنهدرين المكون من رؤساء الكهنة ورؤساء وشيوخ الشعب (متّى 26 : 57- 67)
وليت لا يظن أي واحد أن هذه الوصايا غير عملية، لأن الرب يعرف طبيعة الأمور أكثر من جميع الآخرين. إنه يعرف أن العنف لا يخمده العنف بل الكياسة. وإن كنتَ تريد أن ترى هذه النتيجة مُنفَّذة فعلاً في أعمال الناس أيضاً، فاقرأ سفر أعمال الرسل وسوف ترى كيف أنه كثيراً ما ثار اليهود ضد هؤلاء الرسل وصرُّوا بأسنانهم عليهم؛ أما هم فإذ كانوا يتشبَّهون بالحمامة فيُجيبون بوداعة لائقة أَذْهَبَتْ عن الغاضبين غضبهم، وأخمدت جنونهم، وكسرت حدَّة اندفاعهم. كما حينما قالوا لهم: «أَمَا أوصيناكم وصية أن لا تُعلِّموا بهذا الاسم» (أع 5: 28). ورغم أنهم كانوا قادرين على أن يجروا المزيد من المعجزات إلاَّ أنهم لم يقولوا ولم يفعلوا أي شيء بعنف؛ بل أجابوا عن أنفسهم بكل وداعة قائلين: «إن كان حقاً أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله فاحكموا» (أع 4: 19).
فهلاَّ رأيتَ وداعة الحمامة؟ انظر جيداً إلى حكمة الحيَّة: «لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلَّم بما رأينا وسمعنا» (أع 4: 20). أَلاَ ترى كيف يجب أن نكون نحن كاملين في جميع الأمور حتى لا نصغر أمام الخطر فنثور من قبيل الغضب!
أولا : التفسير الروحى/ الرمزى والمجازى الذى أسسه العلامة القبطى أوريجانوس - والتأملى الذى أشتهرت به الكنيسة القبطية
فيما يلى تفسير انجيل متى - مار ديونيسيوس ابن الصليب ـ من كتاب الدر الفريد في تفسير العهد الجديد
شبه الرسل والمسيحيين بالخراف والحنفاء واليهود بالذئاب فكما ان الخراف تجهل شر الذئاب فتخطفها هذه وتمزقها فهكذا اوصى رسله ان يكونوا ودعاء فقد اشار بالذئاب عن قحة الاعداء وخبثهم .
ان في الحية اربع صفات منها انها تسلم جسدها للضرب مدافعة عن رأسها فيريد بذلك ان نقتدي بالحية محافظين على ايماننا الذي بمنزلة الراس وان اسلمنا اجسادنا للعذاب والشدائد . وأيضا اذا شاخت الحية ثقل جلدها وعميت عيناها فتصوم اربعين يوماًًًًًحتى يضعف جسدها ثم تدخل في ثقب ضيق فتزحم من ضيقة الموضع الذي جازت فيه فتنزع عنها جلدها الشائخ فيتجدد شبابها وتتقوى وتنفتح عيناها . فيعلمنا ربنا مما تقدم ان ندخل الباب الضيق المكنى به عن التجارب وننزع عنا الثياب العتيقة المشبهة بالخطيئة ونلبس الجديدة متجددين شبه خالقنا كما قد قيل أدخلوا من الباب الضيق . ثم ان الحية اذا ارادت ان تشرب ماء تخفي سمها فكذلك الذين يكرزون بالبشلرة لا يجب ان يحقدوا على من يضطهدونهم لان الذين يتوقون الى الشرب من ماء الحياة اي من التعاليم الالهية ينبغي ان يتنقوا من الشهوات الجسدية المشبهة بالسم . ثم ان الحية اذا رأت انساناً عرياناً خافت وهربت منه واذا رأته لابسا هجمت عليه . فيفهم من ذلك انه مادمنا في الافكار النجسة سهل على الشيطان اقتناصنا وتجربتنا واذا تعرينا عنها صعب عليه التغلب علينا فيولي هارباًًًًًمنا . وقوله ” وودعاء كالحمام ” هو ان الحمام اذا قتلت فراخه لا يغضب ولا يترك مكانه . فيريد المسيح ان نتشبه به مبتعددين عن ايقاع الضرر بمبغضينا والحقد على من يضطهدنا وبذلك نقوى على جذبهم الى الايمان والصلاح .