تفسير (متى 26: 39) : ثم تقدم قليلاً وخرّ على وجهه وكان يصلي قائلاً : “ يا ابتاه، ان أمكن فلتعبر عني هذه الكأس . لكن ليس كما اريدأنا بل كما تريد أنت “ .
ثانيا : التفسير الحرفى والتاريخى والجغرافى - إعداد المؤرخ / عزت اندراوس
1) " ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً" تَقَدَّمَ قَلِيلاً أي «انفصل عنهم نحو رمية حجر» (لوقا ٢٢: ٤١) وذلك ليجاهد في الصلاة بأكثر حرية. ولم يكن البعد بينه وبين التلاميذ الثلاثة كافياً لمنعهم في يقظاتهم بين نوماتهم المتوالية أن ينظروه تارة جاثياً على الأرض وطوراً مطروحاً عليها، وأن يسمعوا أجزاءً من صلواته لله. وعلى ذلك قيل في الرسالة إلى العبرانيين «الذين في أيام جسده إذ قدَّم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلِّصه من الموت» (عبرانيين ٥: ٧).
وكان المسيح ينفرد فى الصلاة فى البرارى وعلى كل مسيحي أن ينفرد عن الناس للصلاة الشخصية، لأنه وقتها يستطيع أن يعبِّر عن أفكاره بحرية ويظهر تضرعاته واعترافه وهمومه ومخاوفه وآماله وطلباته لأجل غيره.
2) " وخَرَّ عَلَى وَجْهِه" قال لوقا إنه جثا على ركبتيه. فلا بد من أنه خرَّ على وجهه بعد أن جثا من شدة تضرعه إلى للرب كما أن النص اليوناني يؤكد على أنه كان ممددا خلال ً على الأرض بشكل كامل في كر ٍب ومحنة، لدرجة الموت الجسدي، تلك اللحظات. الصور المعاصرة الجميلة التي ترسم يسوع وهو راكٌع في بستان جثسيماني إلى صخرة مؤثرة للغاية قد تمثل لحظة ركوعه وهى لحظة قبل أن يخر بوجهه على الصخرة . لهذا فلا تمثل هذه الصور لحظة صلاة يسوع وهو ممدا كميت على الأرض ومن الجائز أن يكون الطقس الرهبانى القبطى بتكريس الراهب بتمديده على الأرض كميت مأخوذ من هذه الآية
3) " وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: يَا أَبَتَاهُ،" يَا أَبَتَاهُ : فى هذه الآية طلب إنسانى بالمساعدة الإلهية فقد حُجب المسيح عن نفسه النور السماوي لأنه يعرف ما يحملة من آثام وخطايا بنى آدم من بداية الحلق وحتى نهاية العالم وهو لم يفعل إثما ، وكثير من البشر يقولون "اين أنت يارب؟ " عندما يقع عليه ظلم ولكن المسيح فى وسط آلامه هذه لم يشك في بنوته للرب ومحبة الآب له .(عب 5: 8) 8 مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تالم به. " كذلك يعزينا نحن أحسن التعزية في أوقات الأحزان أن نعتبر الله أباً لنا، ونخاطبه باعتبار أنه كذلك، ذاكرين أنه «كما يترأف الآب على البنين يترأف الرب على خائفيه» (مزمور ١٠٣: ١٣).
با أبتاه " ورد فى كتاب أضواء على ترجمة البستاني فاندايك (العهد الجديد) لمؤلفه: الدكتور غسان خلف : [ عبارة " يا أبا الآب " ترد هذه العبارة, بالصيغة نفسها, ثلاث مرات في العهد الجديد في ترجمة (البستاني- فاندايك): مرة على لسان الرب يسوع عندما كان يصلي في جثسيماني, حينما قال: (يَاأَبَا الآبُ،كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ( (مرقس14: 36). وترد مرتين في رسائل الرسول بولس) :إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ:«يَا أَبَا الآبُ( (رومية8: 15). كذلك: (ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا :«يَا أَبَا الآبُ».) (غلاطية4: 6).
عبارة (يا أبا الآب) هي ترجمة حرفية للعبارة (αββαοπατηρ), وردت في النص اليوناني. فالكلمة الأولى (αββα) ليست يونانية, بل هي آرامية- سريانية, وتحمل المعنى ذاته الذي تحمله لفظة (يا بابا) العامية, التي نستعملها اليوم عندما يخاطب الواحد منا بتحبّب أباه. وبقيت رنة هذه اللفظة التي نطق بها يسوع بالآرامية, مخاطباً أباه السماوي في أذهان تلامذته, إذ كان لها وقعها, فما من انسان يخاطب الله هكذا, فدونها مرقس في انجيله كما هي. وغدت اللفظة مادة يستعملها الرسل في كرازتهم حول العلاقة الأبوية – البنوية بالله التي يتمتع بها المؤمنون بيسوع, بحسب ما جاءت في رسالتي بولس إلى رومية وغلاطية.
أما اللفظة(οπατηρ) التي تأتي بعد (αββα) فهي يونانية, وتعني (الأب). واستعملها مرقس وبولس لترجمة لفظة (αββα) الآرامية غير المفهومة من قارئيهم اليونانيين. فإذا رغبنا في ترجمة واضحة للعبارة الأصلية نقول (يا أبا) أي (أيها الآب), وبالعامية(يا بابا) وكفى.
إن لفظة (أبا) الآرامية لا ترتبط بياء النسبة, أي أنها لاتعني (يا أبي) (قارن بين مرقس14: 36 ولوقا22: 42), لكنها تحوي شيئاً من التحبب والحميمية, جعلت متى يترجمها (يا أبي) لإظهار غنى مدلولاتها(قارن متى26: 39).] أ . هـ
هناك عدة جوانب هامة للغاية في هذه العبارة. من الموازاة في مر نفهم أنه استخدم الكلمة الآرامية Abba "والتي كانت تشير إلى علاقة عائلية حميمة. غالباً ما تترجم "بابا". خلال بضعة ساعات قصيرة هذه سوف تتحول إلى "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" (مت ٢٧ :٤٦ .(عبارة "إن أمكن" (جملة شرطية فئة أولى) نجدها في الموازاة التي في مرقس (مر ١٤ :٣٦ (في عبارة "كل شيٍء ممكن". ّى نفس الصلاة ثلاث مرات. ّ التغاير الخفيف بين مت ٢٦ :٣٥ و ٤٢ ص حقيقة أنه، من مت والتغاير بين الأناجيل لا يقل ٢٦ :٤٤ ندرك أن يسوع صل فكرة "الكأس" في الاستخدام الكتابي كانت تعكس رمزاً من العهد القديم يدل على مصير الشخص، وعادةً بمعنى دينونة الله (مز ٧٥ :٨؛ أش ٥١ :١٧ , ٢٢؛ إر ٢٥ :١٥ ,١٦ ,٢٧ ,٢٨ ) كأس الدينونة التي كان الله قد أعدّها للجنس البشري المتمّرد العاصي كان قد احتساه حتى الثمالة ابن الله البريء (2كو 5: 21) ( غب 3: 13)
4) " إِنْ أَمْكَن" َ اقتبس لوقا قوله «إن شئت» (لوقا ٢١: ٤٢). أراد المسيح أن يزيل شدة مرارة كأس أفثم والخطية التي كان يشربها، إن كان ممكناً أى إذا كان فى رحمة الرب مجالا للسماح أن يساعده فى تحمله الألام الناتجة على حمله هذه الخطايا التى هى أعمالهم الشريرة (يو 3: 19) 19 وهذه هي الدينونة: ان النور قد جاء الى العالم، واحب الناس الظلمة اكثر من النور، لان اعمالهم كانت شريرة. "، لأن إرادة المسيح كانت خاضعة لإرادة أبيه. نعم إن الرب على كل شيء قدير، لكنه لا يخالف حكمة الأزلي بالموت الذى يسرى على آدم وذريته . وعدم مخالفته لذلك لا ينافي قدرته. فمراد المسيح بقوله «إن أمكن» إنه إن صحَّ بموجب عدل الرب وصدقه وقداسته تخليص الخطاة بدون الآلام التي بدأ حينئذٍ يحتملها، فإنه يرغب في ذلك.
5) " فلْتَعْبُرْ عَنِّي" تقتضى عدل الرب ورحمته ان يشرب المسيح هذه الكأس ويتجرعها بالألم ليس ألم الذبح ولكن ألم الخطيئة التى هى نتاج الشرير وهو البار الذى لم يفعل خطية لأنه لا بد من أن يشربها نيابة عن كل من يؤمن به لتكون لهم حياة أبدية .
6) " هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ" أي كأس الكفارة والموت (قارن هذا مع متّى ٢٠: ٢٢) وهي تشتمل على الآلام التي يجب أن يحتملها ليكفر عن آثام البشر. وينبغي أن نعلم أنه أشار بذلك إلى آلامه النفسية لا إلى آلامه الجسدية، لأن ما قاله لتلاميذه سابقاً في شأن موته ينفي ظنَّ خوفه من الموت الجسدي، ويدل على ذلك أيضاً أنه حين جُلد وصُلب وتألم لم ينزعج البتة. ويستحيل أن ابن البار يخاف من تسليم روحه عند الموت إلى يدي أبيه. ذكر يسوع هذه الكأس قبلا مما يدل على معرفته السابقة لما سيحدث له ( متّى ٢٠: ٢٢ ) " فاجاب يسوع: «لستما تعلمان ما تطلبان. اتستطيعان ان تشربا الكاس التي سوف اشربها انا وان تصطبغا بالصبغة التي اصطبغ بها انا؟» قالا له: «نستطيع».
إن كأس آلام المسيح : (يوحنا ١٢: ٢٧ ) 27 الان نفسي قد اضطربت. وماذا اقول؟ ايها الاب نجني من هذه الساعة؟. ولكن لاجل هذا اتيت الى هذه الساعة " كانت ألام نفسيه ناتجة من خيانة تلميذه وباقى تلاميذه تركوه وحده وآلام من شدة حمل خطايا العالم وآلام جسدية لقد داس المعصرة وحده (أش 63: 3) «قد دست المعصرة وحدي، ومن الشعوب لم يكن معي أحد. فدستهم بغضبي، ووطئتهم بغيظي. فرش عصيرهم على ثيابي، فلطخت كل ملابسي. " هذه الكأس كأس خلاصنا، شرب كل ما فيها من المر وملأها لنا ابتهاجاً فى سر الشكر الإفخارستيا فإن كانت كأس الأحزان لم تعبر عن الإبن وهو يسأل ذلك، فهل يحقُّ لنا أن نتذمر إذا طلبنا منه رفع كأس الحزن عنا ولم تُرفع. على أن صلاة المسيح لم تكن عبثاً، لأن الرب أجابه بمد يد المساعدة ليقويه على احتمال آلامه (عبرانيين ٥: ٧) الذي، في ايام جسده، اذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر ان يخلصه من الموت (لوقا ٢٢: ٤٣). 43 وظهر له ملاك من السماء يقويه " أما سبب أنه لم يُجِز عنه تلك الكأس أنه اعدها وعدا وعهدا أن يخلص البشرية بأن يسحق رأس الحية الشيطانية من نسل حواء فقط قائلا : (تك 3: 15) " 15 واضع عداوة بينك وبين المراة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق راسك، وانت تسحقين عقبه» لا طريق للخلاص بغير أن يشربها، لأن محبة الله لابنه تمنع تعذيبه بلا لزوم. فإنه لعظمة شفقته على البشر الساقطين لم يشفق على ابنه (رومية ٨: ٣٢).
7) " لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ " الضمائر "أنا" و "أنت" هي تعابيرات توكيدية في اليونانية. هذه، بالإضافة إلى استخدام الجملة الشرطية من الفئة الأولى ومن الفئة الثالثة في (مت ٢٦ :٤٢ )،تظهر لنا قصد الابن في صلاته مع الآب. رغم أن طبيعته البشرية تصرخ طالبة التخيف أو المساعدة فى تحمل الوزر الناتج من شر الخطايا التى تحملها ، إلا أن قلبه كان راسخا ومتجها إلى تحقيق مشيئة الآب في الكفارة البدلية الاستعاضية (مر ١٠ :٤ )
8) " لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا" كان المسيح إنساناً تاماً (فيلبي ٢: ٨) 8 واذ وجد في الهيئة كانسان، وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب. " كما كان إلهاً تاماً.. فكانت له مشيئة إلهية. وكان قابلاً للوجع والحزن والضعف الذي يختص بالطبيعة البشرية (عبرانيين ٤: ١٥ 15 لان ليس لنا رئيس كهنة غير قادر ان يرثي لضعفاتنا، بل مجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطية. " (عب ٥: ١).1 لان كل رئيس كهنة ماخوذ من الناس يقام لاجل الناس في ما لله، لكي يقدم قرابين وذبائح عن الخطايا، " وقوله «لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا» من جملة أقواله باعتبار أنه إنسان عليه حمل أكثر ما تستطيع طبيعته البشرية حمله ولأنه الإله الظاهر فى الجسد يتحمل نتاج الخطيئة التى صنعت بالشر ومخالفة وصاياه هو . ولا ريب في أن الطبع البشري يطلب في مثل أحوال المسيح تخفيف ذلك إن أمكن، لأن مثل آلام المسيح مما يستحيل أن تختاره طبيعة بشرية. وحاشا للمسيح باعتباره إلهاً وإنساناً معاً أن يكون قد تحول ولو قليلاً في تلك الساعة عن قصده بالموت عن خطايا العالم أو الندم على ذلك.
9) " بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ " بقيت طبيعته البشرية في كل ما اختارته أو رفضته ثابتةً في الخضوع لإرادة الآب (يوحنا٦: ٣٨ ) 38 لاني قد نزلت من السماء، ليس لاعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي ارسلني. " (مزمور ٤٠: ٦، ٧) 6 بذبيحة وتقدمة لم تسر.اذني فتحت.محرقة وذبيحة خطية لم تطلب 7 حينئذ قلت هانذا جئت.بدرج الكتاب مكتوب عني " (يوحنا ٤: ٣٤)، فلم يكن يريد شيئاً منافياً لإنجاز عهد الفداء. وإلا ينحول الفداء إلى تمثيلية وليس حقيقة واقعة ويظهر من قوله هنا انتصار الروح على الجسد، أي غلبة الروح النشيط الصبور الخاضع لإرادة الآب على الجسد الذي هو محدود القوة على احتمال الآلام. ونحن نظهر مشابهتنا للمسيح بإخضاع مشيئتنا لإرادته وشربنا بالصبر كل كأس من كؤوس الحزن يضعها الآب بيدنا، وإلا فليس لنا روح المسيح ونحن ليس له.
بين أقوال المسيح التي ذكرها متّى ومرقس ولوقا من صلواته فرق زهيد، ولعل سبب ذلك أن كلاً منهم قصد إيراد المعنى لا الألفاظ بعينها. فذكر كل إنجيلي ما عرف منها أو استحسنه بحسب غايته. ولكن هناك الكثير مما لم يذكروه
أولا : التفسير الروحى/ الرمزى والمجازى الذى أسسه العلامة القبطى أوريجانوس - والتأملى الذى أشتهرت به الكنيسة القبطية
فيما يلى تفسير انجيل متى - مار ديونيسيوس ابن الصليب ـ من كتاب الدر الفريد في تفسير العهد الجديد
اراد المسيح بقوله للتلاميذ ( امكثوا ههنا واسهروا معي ) ان لا يخفي عنهم شيئاً مما نظروه ومما سمعوه وان يتعلموا ان يسألوا الصلوة من تلاميذهم كما فعل بولس ( تس 2 : 1 ) ثم ان كلما ذكر للمسيح صلاة نراه كان يصليها منفرداً لكي يعلمنا ان نصلي بتعقل وبقلب مبتهل غير مضطرب حتى نستطيع ان نكلم الله في الصلوة . وقد ذكر يوحنا ان المسيح صلى في الجنينة ( 18 : 1 ) وذكر لوقا انه ابتعد عنهم نحو رمية حجر 22 : 41 وتفصيل ذلك انهم خرجوا اولاً كلهم الى جبل الزيتون ودخلوا البستان كما قال يوحنا ثم أخذ معه ثلاثة منهم وتكلم معهم قائلاً نفسي حزينة كما قال متى ثم ابتعد عن هؤلاء ايضاً نحو رمية حجر كما قال لوقا . وما قاله المسيح هنا في الصلاة كان نيابة عن آدم فكأنه يقول ان آدم ولو لم يعمل ارادتك فبما اني لبست جسده وعملت ارادتك فاغفر له ذنبه وأقول عوضه لا كما أريد أنا لكن كما تريد أنت . ان ارادة آدم كانت صيرورته الهاً مع انه انسان فلاجل محو ذنب آدم هذا جاء سيدنا وكونه الهاً حقاً قد صار انساناً حقاً ووفى الدين الذي كان على آدم وعليه فقد صار معلوماً ان ارادة الآب والابن واحدة . وبقوله ( يا أبت ) وليس يا الهي اظهر جلياً انه ابن الآب طبيعياً لا ابن النعمة اي ان نبوته ليست اكتسابية . وما قال يا أبانا كما ندعوه نحن في الصلاة لاننا قد اعطينا البنوة بالنعمة . فاذاً ان الذي صلى ودعا الله اباه هو الابن الطبيعي لا كما يقول النساطرة والخلقيدونيون ان الذي صلى هو انسان وان الطبع البشري خاف من الموت . فلو كان المسيح ابناً بالنعمة وكلمة الله ابناً طبيعياً للاب فيكون لنا ابنان واحد طبيعي وواحد ابن النعمة والنتيجة يكون لنا ربان وهذا باطل وقد صلى المسيح لاجلنا حتى يجيز الموت عنا وثم صلى لاجل صالبيه لانه لا يشاء هلاك احد من قتلته . ولم يصل كالمحتاج والضعيف لانه قوة الاب وحكمته وهو الغني وغير المحتاج لكنه علمنا باقنومه كيف يجب ان نصلي واذا عرضت علينا التجارب نصبر ونصلي ونقول نجنا من التجارب وليبين انه بالحقيقة قد صار انساناً لانه لو لم يصل لتشبه لابيه فقط بل صلى لكي يظهر انه يشبهنا ايضاً . وزعم قوم انه كان يجهل هل تعبر عنه الكأس ام لا فنقول كيف يجهل ذلك وهو حكمة الاب فان حكمة الله تعلم كل شيء ( ام 8 : 14 ) كيف لا وقد قال ايضاً كما يعرفني الاب اعرف ابي وقد سبق وأنبأ تلاميذه مراراً بانه سيسلم الى اليهود فيصلبوه . وقال آخرون ان كان يعلم كل شيء فلماذا كان يهرب من الموت فنقول انه لو أحب الهرب لم يكن له مانع عن ذلك كيف لا وهو الذي مراراً كثيرة جاز في وسطهم واختفى ( لو4 : 30 ويو 8: 59 ) فاذاً لم يخف من الموت لكنه أراد ان يعلمنا ان لا نسارع بارادتنا الى الآلام لعلة ضعف طبيعتنا . وان الصلوة نافعة . وعلمنا الرأفة على المتألمين وعرفنا محبته الشديدة للبشر حتى انها اوصلته الى ان يموت عنهم ليخلصهم نعم كان قادراً ان يحيي البشر بقدرته دون ان يموت لكن ذلك يخالف عددله فلو لم يمت ما ظهرت محبته في خلاص البشر . وبقوله ( ليس كمشيئتي بل كمشيئتك ) علمنا ان نسلم كل شيء لارادة الله .