تفسير (متى 2: 1) : ولمّا ولد يسوع في بيت لحم اليهودية ، في أيام هيرودُس الملك ، اذا مجوس من المشرق قد جاءُوا الى أورشليم
ثانيا : التفسير الحرفى والتاريخى والجغرافى - إعداد المؤرخ / عزت اندراوس
“ولمّا ولد يسوع” قصد هذه العبارة الزمان والمكان والحوادث
أولا : الزمان هو فى عصر حكم الملك هيرودس ولكن زمن ولادة يسوع كان قبل وفاة هيرودس بقليل ومما يذكر أن هيرودس مات بعد خسوف القمر الذى حدث قبل هذا الزمن بقليل وقد رصد العلماء أن الخسوف حدث .قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي ان هيرودس مات بفترة (بضعة شهور) بعد خسوف قمري. فقالوا ان هذا الخسوف حدث في اليهودية في 13 مارس 4 ق م.هذا الخسوف كان جزئي ولكن هناك خسوف قمري كامل وليس جزئي حدث سنة 1 ق م بمقدار 89 يوم قبل الفصح (تقريبا 10 يناير 1 ق م) ملاحظة ان العلماء وضحوا ان القدماء يسجلون الخسوف الكامل كحدث لأنه هو الأساسي الذي يختفي فيه القمر تماما كعلامة فلكية وليس الجزئي. هل يوجد طريقة أكثر تحديدا وأكثر دقة؟ نعم يوجد وهي من خلال التقليد اليهودي الحقيقة المعروفة ان هيرودس مات سنة 3761 يهودية وهذا مسجل جيدا في التقليد اليهودي وهذا موجود في مراجع بل مخطوطات يهودية بل محدد انه بثلاث شهور بعد عيد المظال 15 تسري (يوليه) 3761 يهودية
ثانيا المكان هو فى “بيت لحم اليهودية ” ..اسم عبري معناه "بيت الخبز" وهناك مدينتان بهذا الاسم، والاسم الأصلي لها هو "أفراته": وهي قرية صغيرة مبنية على أكمة تبعد 6 أميال إلى الجنوب من أورشليم وهي محاطة بتلال تكسوها الأشجار والنباتات الجميلة. وفيها مياه عذبة تنفجر من أراضيها المخصبة. وجاء في نصّ الكتاب، أن داود الملك اشتاق مرة أن يشرب ماء من بئر بيت لحم لأنه كان قد اعتاد عليها حينما كان صبيًّا يرعى غنم أبيه. ومع أن بيت لحم كانت صغيرة بحيث لم تحسب مستحقة الذكر في جدول أملاك يهوذا الأصلي (يش 15) فلا يعادلها موضع آخر من المواضع المذكورة في الكتاب المقدّس لاعتبارات شتّى فإنها كانت مدفن راحيل (تك 35: 19) ومسكن نعمي وبوعز وراعوث (را 1: 19) ومسقط رأس داود (1صم 17: 12) ومدفن آل يواب (2صم 2: 32) وقد أخذها الفلسطينيون مرة (2صم 23: 14 و15) وحصّنها رحبعام (2 أخبار 11: 6). وأعظم من ذلك جميعه أنه ولد فيها المخلّص حسب النبوات (مي 5: 2 ومت 2: 5) لأن مريم التي عاشت في الناصرة كانت من نسل داود فأتت إلى بيت لحم للاكتتاب فحان فيها وقت ولادتها فولدت يسوع هناك. ولبيت لحم أكثر من 4000 سنة منذ أسّست ولم تزل صغيرة حتى إلى ما بعد أيام المسيح وقد رمّم يوستنياس أسوارها وفي سنة 330 مسيحية وبنت الإمبراطورة هيلانة كنيسة فوق المغارة التي يظن أن مخلّصنا ولد فيها، وهي أقدم كنيسة مسيحية في العالم. وهي مشتركة الآن بين الروم واللاتين والأرمن، وبجانبها أديرة لهذه الطائف الثلاث أيضًا. أما هذه المغارة فغير محقق أنها نفس المغارة التي ولد فيها مخلّصنا له المجد. وهي واقعة داخل كنيسة الميلاد هذه، ومنحوتة في صخر كلسيّ وتحتوي على غرفتين صغيرتين، وفي الشمالية منها بلاطة رخامية، منزّل فيها نجمة فضّية حيث يقال أن يسوع المسيح ولد هناك. وأول من قال ذلك هو جستينس الشهيد وبعده اويسيبيوس المؤرخ والقديس جيروم وغيرهم من الذين عاشوا في زمان مقارب لعصر المسيح. إلاّ أنه لا يستدل من القصة في الإنجيل أن موضع ميلاده كان في مغارة بالإجيل أن موضع ميلاده كان في مغارة بل كان في المذود على ما جاء في النّصّ الصريح.
“هيرودُس الملك ” يلقب غالبا فى التاريخ بإسم هبودس الكبير للتفرقة بينه وبين أولادة الذين إتخذوا من أسمه لقبا لهم أيضا وهو إبن انتيابر الأدومى / ولم تكن عائلته من الجنس النقى اليهودى ولكنهم من اليهود الدخلاء ، وعين بأمر السناتوس الرومانى ملكا على اليهودية / فحكم إقليم اليهودية 37 سنة ، كان شجاعا قويا مولعا بإقامة الأبنية الفاخرة ، قاسيا غيورا وكثيرا ما كانت تنتابه الوساوس والهواجس ، قتل قتل إمرأته مريمنى وإبنية إسكندر وأرستوبوليس لظنة أنهم يريدون الإستيلاء على العرش ، وقبل وفاته بخمسة أيام قتل إبنه انتيباتر وتوفى فى سن السبعين ، وقبل وفاة هيرودس الذى عينه الرومان ملكا أقام الرب ملكا آخر مولودا من اليهود يسوع المسيح وفقا للقول : " لا يزول قضيب عن يهوذا ومشترع من بين رجلية حتى ياـى شيلون وله يكون خضوع جميع الشعوب (تك 49: 10) وبه زال حينئذ قضيب السلطة من يهوذا وجاء زمن إمتلاك شيلون
مجوس = في الآرامية مجوشا، وفي اليونانية magos وفي اللاتينية Magus ، وفي العبرانية مج، «رب مج» رئيس المجوس إرميا39: 3 . و« مج أو ماج » لفظ آشوري معناه "عظيم". وذكر هيرودوت أن المجوس magoi كانوا السبط السادس من اسباط مادي السنة وكانوا حكماء د. وقال أحد العلماء أن لفظ مجوس منذ القرن الثالث صار يدل على السحرة وعبدة النار .
المصدر : *كتاب تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية مع ذكر أصلها بحروفه. طبعة ثانية لسنة 1932 المؤلف/ القس طوبيا العنيسي الحلبي اللبناني. طُبع بإذن الأب العام / جبرائيل العشقوتي ، لسنة 1929
“مجوس من المشرق ” والرواية تقول أنه بعد ولادة يسوع المسيح فى بيت لحم بقليل جاء حكماء (محوس) إلى اورشليم عاصمة إقليم اليهودية يسألون عن ولادة ملك اليهود فى الوقت الذى كان يحكم اليهودية هيرودس (الكبير) الملك ويتسائل علماء الكتاب المقدس ، هل جاءوا من بلاد مادى أو من بابل؟ كلمة فارسية تعني "كهنة" رتبتهم بين الحاكم والشعب في بلاد مادي وفارس. وكانوا خدمة دين زرادشت ዞራስተር وكانوا معروفين بلباسهم الخاص وسكناهم المنفرد عن بقية الناس. ومن جملة وظائفهم أنهم ابقوا النار على مذبح أرمزد وقاوموا شر أهريمان. وقد عبدوا العناصر الأربعة: النار والماء والتراب والهواء. ولكن جلّ عبادتهم انحصرت في النار وكان من جملة عاداتهم أن لا يحرقوا أجساد الموتى ولا يدفنونها في التراب بل كانوا يضعونها على سطوح المنازل فتأتي الغربان وجوارح الطير وتأكل لحومها. وكانوا علماء الأمة الفارسية يعلمون الفلسفة وعلم الهيئة وغيرهما من العلوم المعروفة حينئذ. ويظهر من قصة متى (ص 2: 1 - 12). أن هذه الطغمة كانت معتبرة في أيام ولادة المسيح. ولا نعلم من أي البلاد أتى المجوس إلا انه يرّجح انهم عرفوا عن إتيان المسيح من اليهود المتشتتين وكانوا هم باكورة الوثنين الداخلين إلى الكنيسة المسيحية وقد أقيم عيد ظهور المسيح للأمم الواقع في السادس من شهر يناير (كانون الثاني) تذكارًا لزيارتهم.
أما عددهم فقد قدر بقدر هداياهم الثلاثة "ذهبا ولبانا ومرا" (مت2: 11) ووتناقل قصص عنهم ثيرا وفى أسماءهم ووظائفهم كملوك وكذلك عن أسماؤئهم (ملخيور - وبلتاصار - وكاسبار) وزادت القصص فى جنسياتهم فقالت واحد من الهند وآخر من مصر وثالث من اليونان وكل هذه القصص تدل على إنتشار حبك قصة زيارة المجوس وإضافة تأليف المؤلفين المسيحيين وزادوا فى خيالهم فقالوا إعتمادهم على يد توما القديس وأن عظامهم إحتفظت بها القديسة هيلانة الملكة وأودعتها كنيسة أجيا صوقيا بالقسطنطينية (إسلامبول / إستانبول) ثم نقلت إلى ميلان بإيطاليا وأخيرا إستقرت فى كاتدرائية كولونيا ومن يريد أن يصدق فليصدق
ثالثا : لحوادث ذكر بعضها متى والبعض الاخر ورد فى لوقا (بذكر لوقا حوادث مفصلة فى لو 1: 1- 26)
أولا : التفسير الروحى/ الرمزى والمجازى الذى أسسه العلامة القبطى أوريجانوس - والتأملى الذى أشتهرت به الكنيسة القبطية
فيما يلى كتاب الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ـ تفسير انجيل متى – مار ديونيسيوس ابن الصليبي
ابتدأ متى هذا الاصحاح بذكر المكان والمَلك الذي وُلد المسيح في عهد ملكه . لكي يعلمنا ان النبوّات قد كملت بالسيد المسيح . فيذكر المكان لنتذكر نبوّة ميخا وهي : ” أما انت يا بيت لحم منك يخرج الذي يكون متسلطاً على اسرائيل ” ( ميخا 5 : 2 ) ليعلمنا ان المولود هو ابن داود المكتوب عنه انه من قرية داود . ويذكر الزمان وشخص هيرودس للدلالة على ان الأسابيع المذكورة في دانيال قد كملت ( دانيال 9 : 24 ) وان السيد المسيح قد ظهر للعالم وان الملك قد زال من يهوذا لتتمّ نبوّة يعقوب ” لا يزول قضيب من يهوذا … حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب” ( تكوين 49 : 10 ) ..
أما السبب في تسمية بيت لحم بأفراتة فهو : ان كالب بن حصرون بعدما ماتت امرأته ” عزوبة ” تزوج امرأة ارملة اسمها ” افراتة ” ( 1 أيام 2 : 18 و19 ) . ولحبه لها دعى المدينة بهذا الاسم افراتة ومعناها حاملة الأثمار . ورزق من امرأته هذه بنين منهم ” لحم ” و ” آمون ” ولكثرة محبته للحم ابنه بنى مدينة وأضافها الى افراتة وسمّاها بيت لحم افراتة (1 أيام 4 : 4 ) يعني بيت الخبز ..
اما كيف تولّى هيرودس تدبير شؤون منطقة اليهودية فقد كانت : ان المُلك من داود الى السبي كان خاص بالشعب الاسرائيلي . وبعد السبي ترأّس اسرائيل رؤساء الكهنة المعروفون من سبط لاوي لاختلاط سبط يهوذا بسبط لاوي . ولما صار الملك الى الأخوين اريسطوبولس وهادرقيانوس تخاصما مع بعضهما على الرئاسة وفقداها عندما تغلب عليهما الرومان فصار الملك لهيرودس العسقلاني ، ولأنه لم يكن يهودياً فقد أفسد كتاب مواليدهم ووضع ثوب الكهنوت تحت ختمه . وفي زمانه ظهر السيد المسيح فتمت نبوّة يعقوب : ” لا يزول القضيب من يهوذا …حتى يأتي شيلون ” أي زالت الرئاسة من بيت داود . وبزوالها ملك هيرودس وجاء المسيح صاحب السلطنة والملك.
أما ولادته فكانت يوم الاربعاء 25 كانون الاول سنة خمس وثلاثين لهيرودس المذكور . وقال آخرون يوم الجمعة وآخرون يوم الاحد قبل صياح الديك في نفس الوقت الذي قام فيه من القبر والذي يعتقد ان تكون القيامة فيه . وفي سنة 42 لاوغسطس قيصر ولد المسيح من البتول وهي ابنة 13 سنة والتي ماتت في افسس وعمرها 51 سنة ودفنها يوحنا الانجيلي وتلاميذه . وفي زمن مولد ربنا عيّن كرنيليوس والياً . وفي شهر نيسان جاء المجوس . وقد ترك متى ذكر لف العذراء لابنها بالأقمطة ووضعه في المذود مع تسابيح الملائكة والختان وغيره . واقتصر على ذكر المجوس فقط الذي عُرف منه غش هيرودس وقتله الاطفال .
( اذا مجوس قد أقبلوا من المشرق ) . يقول اوسابيوس القيصري والقديس غريغوريوس ان المجوس كانوا من بني بلعام . ويقول يعقوب الرهاوي انهم من جنس عيلام بن سام . وقال آخرون انهم من امراء فارس كما تنبأ داود انهم يأتون ويقدمون له قرابين ( مزمور 72 : 10 ) . أما عددهم فقد قال قوم انهم كانوا ثلاثة لأن قرابينهم كانت ثلاثة وكان معهم الف رجل ولذلك ارتجت أورشليم . ويقول يعقوب الرهاوي انهم كانوا اثني عشر رئيساً وكان معهم أكثر من الف رجل . وقال آخرون انهم كانوا ثمانية كنبوّة ميخا : ” اذا دخل آشور في ارضنا وداس في قصورنا نقيم عليه سبعة رعاة وثمانية من امراء الناس ” ( ميخا 5 : 5 ) . وقال غيرهم انهم كانوا ثلاثة أمراء أولاد ملوك ومعهم تسعة من رؤساء القبائل وان الملك الذي ارسلهم اسمه فير شابور . واسماؤهم هي : هدوندد بن ارطبان . شتاق بن كودفار . ارشاخ بن مهدوق . زروندبن بن وارود . اريهو بن كسرو . ارطمشد بن حميت . اشتنكوزان بن شيشرون . مهدوق بن هوهام . احشيرش بن صانيبان . صردنح بن بيلادان ومروداخ بن بائيل . وكان معهم 3000 رجل مسلّح ، وخمسة آلاف حاملي خناجر . ولما عبروا الفرات سمعوا عن الجوع في أورشليم ، فتركوا عسكرهم عند نهر الفرات بجانب الرها ومضوا ، اي الاثنا عشر رئيساً ، مع الالف رجل ومعهم القرابين . ويقول القديسان كيرلس ويوحنا ان المجوس عندما جاءوا وجدوا المسيح طفلاً ملفوفاً في الأقمطة . وقيل انه قبل زمن ميلاده ظهر النجم للمجوس حتى وصلوا قبل ثمانية أيام لميلاده . وقالا انه كان واجباً ان يسجد له في المذود لبيان عظم الاعجوبة . وقال آخرون ان وصول المجوس كان في ليلة الميلاد ويظهر ذلك من المكتوب : انه لما ولد يسوع جاء المجوس . لكن القديس ابيفانيوس اسقف قبرص لم يوافق على هذه الآراء اذ يقول ان مخلصنا ولد في بيت لحم وختن في المغارة واصعد الى الهيكل وحمله سمعان ومضى به الى الناصرة وفي السنة الثانية جاؤوا به ليظهر أمام الرب ثم مضوا الى بيت لحم . وفي آخر السنتين اصعدوه أيضاً الى أورشليم ومضوا به الى بيت لحم محل ولادته لانه كان محبوباً لديهم زيارة المكان الذي ولد فيه . واذ هم في بيت لحم اتى المجوس ويعرف هذا من قول متى : ” فدخلوا البيت ورأوا الصي مع مريم امه فخرّوا له ساجدين ” . قال دخلوا الى البيت وليس الى المغارة وانهم وجدوا الصبي مع امه لا الطفل ملفوفاً بالأقمطة ، وتطلق كلمة صبي على الذي يناغي ويحبوا ويمشي ، و يوافق اوسابيوس والقديس مار افرام على هذا الرأي . امّا السروجي فيقول في ميمره عن ظهور النجم والمجوس : انهم رأوه ابن سنتين . من هنا نستطيع التحقق من أقوال متى ولوقا . فلوقا يقول انهم مضوا من بيت لحم للناصرة ، ومتى يقول من بيت لحم الى مصر والاثنان صادقان . فلقد ذهب الى اورشليم بعد اربعين يوماً كما قال لوقا وفيما بعد الى الناصرة . وفي نهاية السنتين مضى من الناصرة الى بيت لحم ومن بيت لحم الى مصر كقول متى . ومكث في مصر سنتين حتى مات هيرودس وملك ارشلاوس ابنه . ومن هذا يتضح ان المسيح كان ابن سنتين . ولذلك قتل هيرودس الاطفال من ابن سنتين فما دون حسب الزمان الذي تحقق من المجوس . فان كان قد قيل له في تلك الليلة عينها ان يهرب الى مصر وهو ابن ثمانية ايام فكيف صعد للهيكل وحمله سمعان اذا كان هيرودس حانق عليه ؟
ان المجوسية هي هرطقة مركبة من الحنفية ومن الكلدانية تسجد للعناصر كالحنفاء وللكواكب وهي على معرفة بعدد النجوم والبروج وبتأثير الكواكب . فكل كلداني كان يعيش كما يشاء . والعجيب ان يسوع ظهر للشعوب الوثنية لا لليهود شعبه الخاص ، لان شهادة الغريب أدعى الى التصديق من شهادة القريب . وذلك لكي يخرس لسان اليهود الغير المؤمنين الذين لم يقبلوا قول الانبياء ولكي يبطل كفرهم بإيمان الشعوب فقد يقولون لا نعرف متى وأين ولد . لقد اتى المجوس ليكرزوا لهم بكلام الأنبياء لان علامة ميلاده ظهرت للمجوس فقط وبواسطتهم انتشرت في كل الخليقة . وكما ان علامة رجوع الشمس اعطيت لحزقيا وحده ورجوع الشمس صار معلوماً في كل الدنيا ، هكذا صار خبر ميلاده معلوماً لكل الشعوب بواسطة المجوس . وكما انه بهربه الى مصر وذهابه وإيابه صار خبر ميلاده معلوماً في المسكونة قاطبةً ، هكذا جرى الامر مع المجوس بالتدبير الإلهي . ومع ان بلاد العجم ومصر كانت غارقة في لجّة ظلمة العبادة الوثنية أكثر من كل الشعوب الاّ انهم أُخرجوا قبل الجميع من الظلمة الى النور . فلم يُظهر ميلاده للأدوميين والفلسطينين جيران اليهود بل للبعيدين لكي تمتد بشارته في كل المسكونة ومن أقطار الأرض يأتون لإكرامه . فظهر للمجوس أكثر من الآخرين لانه جاء ليدعو الخطاة من جميع الشعوب ، فالمجوس كانوا مرضى بعبادة الاصنام والسحر وكانوا يتزوجون بامهاتهم لذلك ظهر لهم اكقر من الآخرين ليشفيهم من الامراض السابق ذكرها . ولم يظهر لجميع المجوس لكنه ظهر للذين عَرِفَ بسابق علمهِ انهم مزمعون بحريتهم ان يؤمنوا به . وهكذا كان المجوس رجالاً فضلاء اتوا وسجدوا للمخلص ولم يخافوا من هيرودس واليهود بل جاهروا وبشّروا به واحتملوا لأجله أتعاب الطريق وعناء السفر . ولما رجعوا بشّروا به في بلادهم وصاروا بداءة دعوة الشعوب . قال البعض انهم رأوا في الكوكب صبية جالسة وهي حاملة صبياً في حجرها وفي رأسه تاج الملك لهذا جُذِبوا وراءه . وقال آخرون انهم رأوا في الكوكب كتابة هي : ” ان هذا الكوكب هو ملك اليهود المولود ” ، كما ظهر لقسطنطين الملك شبه الصليب في السماء وقيل له بهذه العلامة تقهر أعداءك . وقال آخرون انهم رأوا مكتوباً في الكوكب ان ملك اليهود قد ولد فامضوا اليه . وقال البعض انهم رأوا كوكباً نوره اقوى من نور الشمس ساطعاً برفقة ملاك قائلاً : ” ان ملك قد ولد في اليهودية فامضوا اليه ” . ويسأل البعض من الذي اوعز الى المجوس ليمضوا الى المسيح ؟ قال قوم انهم اتوا بناء على نبوّة بلعام أبيهم الذي تنبا قائلاً : ” يبرز كوكب من يعقوب ” ( عد 24 : 17 ) . وقال قوم آخرون انه لمزمع ان يولد ملك اليهود واذا ولد فامضوا وقرّبوا له القرابين ، وأن هذا الخبر بقي مكتوباً عندهم حتى رأوا الكوكب فحملوا القرابين حينذاك ومضوا . وقال البعض ان دانيال تنبّأ للبابليين انه منذ الآن ولأسابيع كذا وكذا يولد ملك اليهود وفي مولده يظهر كوكب فامضوا وقربوا له القرابين ، وان الملوك البابليين كتبوا هذه الاقوال بالذهب ، فلما ظهر الكوكب ورآه المجوس أتوا وسجدوا له . وقال غيرهم انه في زمن دانيال وبحتنصر الملك جاء أُناس من سبا ليقدموا القرابين ويتعلموا الكلدانية فقال لهم دانيال : اذا ولد المسيح فان ملوككم يقربون له القرابين ، فكتبوا ذلك وارَّخوه عندهم ، فلما ظهر الكوكب جاءه المجـوس . وقال آخرون ان الساحر زردوشت أخبر عن هذا الامر . وقال قوم ان القائل هو باروخ تلميذ ارميا الذي خرج مغتاظاً من قومه ، لأنه لم تعط له موهبة النبوة ، فمضى الى الشعوب وكتب في اثنتي عشرة لغة تعلمها ، وفي ذات يوم وهو جالس عند عين ماء حيث كان يغتسل الملوك قال لتلاميذه انه سيأتي يوم تلد فيه بتول من البنات العبرانيات ابن بدون زرع بشري فيه طبع اللاهوت وبمولده يظهر كوكب فامضوا وقربوا له ثلاثة قرابين ذهباً ولباناً ومراً . وتكلم على آلامه وقيامته . فلا فضل للمجوس اذاً في مجيئهم لانهم لم يأتوا بإرادتهم لكن بناء على ما كان مكتوباً عندهم ، ولا فضل لبلعام ايضاً في نبوته . وقال آخرون ان دانيال عندما كان مع رفاقه أسيراً في بابل كانوا يقرأون قول يعقوب ” لا يزول القضيب من يهوذا … ” . وقول بلعام ” يبرز كوكب من يعقوب ” . وقول داود ” ان ملوك شبا وسبا يقدمون هدية ” . وقد سمع هذه الاقوال من كانوا في سبي بابل مثلهم وسألوا العبرانيين عن معانيها والى من تشير ، فقال لهم دانيال ورفاقه انها تشير الى السيد المسيح الذي سيظهر في يوم ميلاده كوكب مضيء كالشمس . فحفظ اولئك هذه الاقوال ورجعوا الى بلادهم وكتبوها متأملين فيها حتى جاء المسيح . ويقول القديس يوحنا فم الذهب ان الله قد حرّك قلوبهم وجعلهم يحملون القرابين ويتّبعون الكوكب سائرين ، مثلما حرّك كورش ليأسر اليهود . وهنا يسأل البعض لماذا أتى المجوس من المشرق ؟ والجواب لأن الفردوس موجود في المشرق ( تكوين 2 : 8 ) ومنه تشرق الشمس . ومن المشرق جاء شمس البر ( ملاخي 4 : 2 ) . ومنه تنبأ الانبياء بمجيء المجوس فقد قيل : من مشرق الارض الى مغربها اسمّي عظيم بين الأمم ( ملاخي 1 :7 و11 ) . وان مجيئه الثاني سوف يكون من المشرق . وعندما ولد ربنا كان الفرس يملكون من حدود نصيبين الى المشرق ، بينما كان الرومان يملكون من نصيبين الى المغرب . وفي ذلك الزمن جعل الله الأمن والسلام بينهم كيلا يتأخر مجيء المجوس .