تفسير (متى 4: 1) : ثم أُصعد يسوع الى البرية من الروح ليُجرَّب من ابليس .
ثانيا : التفسير الحرفى والتاريخى والجغرافى - إعداد المؤرخ / عزت اندراوس
(مر 1: 12) (لو 3: 1) (1مل 18: 12) (حز 2: 14 و 8: 3 و 11 : 1- 24 و 40: 2. و 43 : 5) (أع 8: 39)
1) “ ثم ” أى بعد المعمودية (مر 1: 12) (لو 4: 1) هذا هو طريق يسوع بعد المعمودية طريق التجارب ولكن مع فرح
2) “ أُصعد يسوع ” هى طاعة من يسوع أن ينفذ ما يامر به الروح فلم يدخل فى تجربة من تلقاء نفسه ويجب علينا أن نعرض أنفسنا لتجارب بسبب رغباتنا ولكن ننقاد للروح القدس كما إقتيد المسيح للبرية وليس كما ذهب لوط إلى سدوم محل التجربة ..
3) “ الى البرية من الروح ” إلى البرية إلى القفر الخالى الناس ومسكن للوحوش (مر 1: 12) ومن المرجح انها البرية الواقعة فى الجنوب الغربى من أريحا
4) “ من الروح ” ليس روحه بل أصعد من الروح القدس الذى نزل وإستقر عليه (مت 3: 17) فهذا أنشأ التاثير عليه فى الذهاب إلى البرية هذه حالة من الإمتلاء بالروح القدس الذى كان يدفع باللأبياء للذهاب إلى مكان معين كما فى حالة يونان والكثير من الأنبياء وهذا الإمتلاء العجيب الذى عبر عنه يوحنا قائلا (رؤ 1: 10) "كنت في الروح في يوم الرب،" والذى خطف فيلبس (أع 8: 39) ولما صعدا من الماء، خطف روح الرب فيلبس، فلم يبصره الخصي ايضا، وذهب في طريقه فرحا .. وآخر الإختطاف هو الذى ذكره بولس : "إننا نقول لكم هذا بكلمة الرب: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين. لأن الرب نفسه بهتاف وبصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الرب. لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام"(1 تس4: 15 17).فالاختطاف Rapture هو أخذ المسيح للمؤمنين من الأرض قبل انسكاب غضب الله الذي سيسبق مجيء المسيح للملك ثم الدينونة الأبدية (1تس5: 9، 1كو15: 51 53). وهناك ثلاثة آراء مختلفة فيما يتعلق بوقت الاختطاف بين من يؤمنون بالملك الألفي على الأرض
5) “ ليُجرَّب من ابليس ” وبالمقارنة كانت تجربة آدم ألأول فى جنة عدن حيث المروج والراحة وطرد إلى العالم بسقوطة حيث التعب والشقاء وجرت التجربة التالية بواسطة الشيطان ذاته فى البرية والتى إنتهت برجوع البشرية إلى السماء
إبليس : أصل الاسم في اللغة اليونانية "ديابولس" ومعناه "المشتكي زورًا" أو "الثالب" . والكلمة "ديابوليس" في العهد الجديد باللغة اليونانية ترجمت في العربية في معظم الأماكن بكلمة "ابليس" وفي مواضع قليلة ترجمت بـ"الشيطان" أو "الثالب". وهو "روح شرير" أو "شيطان" و"عدو الخير". وقد استخدمت هذه الكلمات كمرادفات انظر مت 4: 1-11 وبحسب دراسة ما وردت في الكتاب المقدس عنه نجد أنه:
(1) أكثر الأرواح الساقطة شرًا (رؤيا 12: 9) كما جاء ذكره في التجربة فيما سبق. أما الخطية التي سقط فيها فهي الكبرياء كما يظهر ذلك من (1 تيمو 3: 6).
(2) وهو أكبر عدو لله (1 يو 3: 8) والإنسان (1 بط 5: 8) وهو الذي جرب المسيح،
(3) وهو الذي يغري الإنسان على ارتكاب الشر (يوحنا 13: 2).
(4) وهو الحية القديمة التي أوقعت حواء في التجربة (2كو 11: 3) ولذلك دعي "قتالًا للناس من البدء" "وكذابًا" "وأبا الكذاب".
(5) وهو الذي ينزع الزرع الجيد متى زرع (لوقا8: 12) أو يزرع في وسطه زوانًا (مت13: 39).
(6) وهو كأسد زائر يجول دائمًا ملتمسًا من يبتلعه هو (1 بط 5: 8).
(7) وهو الذي يضع فخاخًا ويطرح شباكًا بقصد إيقاع الضرر والأذى بأبناء الله (افسس 6: 11؛ 2تيمو2: 26) ويسببهم بخداعه (2 كو 11: 3) ولكن على الشخص المجرب ان لا يستسلم لتجربة إبليس بل عليه أن يقاومه فيهرب منه (افسس 4: 27 ويعقوب 4: 7).
(8) ولإبليس قوة على إعطاء الأرواح النجسة سلطة على البشر (أعمال 10: 38).
(9) وهو الذي يغري على اضطهاد الشهداء وسجنهم (رؤيا 2: 10).
(10) وسيطرح في النهاية في بحيرة متقدة بالنار والكبريت قد أعدت له ولجنوده (مت 25: 41 ويهوذا 6). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وقد سمي المتأصلون في الشر والكذب والقتل أولاد إبليس (يوحنا 8: 44)؛ 1 يو 3: 8، 10). وقد دعا المسيح يهوذا مسلمه إبليس كما في الأصل اليوناني في (يوحنا 6: 70) وقد جاء المسيح إلى العالم ليهدم عمل إبليس (1 يوحنا 3: 8) وقد أشار يهوذا في عدد9 من رسالته إلى الخصام بين إبليس وميخائيل على جسد موسى. وقد ارتأى بعضهم أن في زكريا 3: 1، 2 إشارة إلى هذا الأمر.
أولا : التفسير الروحى/ الرمزى والمجازى الذى أسسه العلامة القبطى أوريجانوس - والتأملى الذى أشتهرت به الكنيسة القبطية
فيما يلى كتاب الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ـ تفسير انجيل متى – مار ديونيسيوس ابن الصليبي
ان السيد المسيح بخروجه الى البرية على اثر عماده اراد ان يفهمنا انه بعد قبول أحدنا المعمودية او درجة الكهنوت يبدأ الشيطان بمحاربته ليوقعه في التجارب . كما اتفق ذلك لآدم بعد ان كوّن على صورة الله اذ قاتله الشيطان واسقطه . فكان سقوطه سبباً لسقوط اولاده من بعده . كما ان انتصار المسيح على الشيطان في محاربته له بعد المعمودية كان سبباً لانهاض ابنائه من ذلك السقوط وتبريرهم . وهكذا عندما امتدح الرب اعمال ايوب الصديق ابتدأ الشيطان يقاتله شأنه مع كل انسان منا ان كان حاصلاً على نعمة المعمودية او الموهبة التي نالها بغير دنس . ولكن الرب يمنحه قوة عظيمة ليتغلب على ابليس . وعندما يهيّج الشرير التجارب على الانسان عليه مقاتلته بالصوم والصلاة فلا يلبث الشيطان ان يقهر ويولي هارباً . والمسيح قد كفر عن ذنبين بحفظه الناموس لمدة ثلاثين سنة . فقد قتل الخطيئة ومحا الذنب العام . وفي صيامه مدة اربعين يوماً غلب ابليس ومحا الذنب الخاص . وقد كفر عن المذنبين بجسد آدم اي ان الجسد المقهور بالذنب هو يتبرر . وانما اراد المسيح ان يسلم ذاته ليجرب من الشيطان حتى يعطينا القوة لنغلبه نحن أيضاً ونقهره . فان اللعين قد قاتل آدم وقهره وجعلنا بذلك مقهورين جميعاً فجاء المسيح وقهره . والمسيح لم يقاتل الشيطان بما انه اله ولكن بما انه انسان . اذ لو حاربه الهياً لكان نسب الشرف انتصاره عليه الى لاهوته لا الى ناسوته . ولما اراد المسيح ان ينتصر لآدم اتخذ جسده وقهر الشيطان . ولم يقهره بلاهوته الغير المذنب . اذ لو قاتله بلاهوته لتذمر الشيطان قائلاً اني قاتلت انساناً فغلبته . فليس امراً عظيماً ان يغلبني العدو . لكنه من العدل ان يقاتلني انسان ويغلبني كما غلبته انا حتى يوفي الدين . فكان من الواجب اذاً ان يقاتله ناسوتياً ليتشبه بداود ابيه حين قاتل جلياد الجبار . فكما ان داود لم يقاتل بآلة حرب شاول وثيابه . بل بسلاح الرعاة . هكذا المسيح المولود من نسله لم يقاتل بما انه اله بل بما انه انسان . فبالعدل قهره المسيح لا بالحيلة . وكما ان ابليس اخفى ذاته في الحية وقاتل آدم وغلبه . هكذا الكلمة اخفى لاهوته في الجسد متّحداً معه وقاتل ابليس اللعين وقهره . ولما كان رئيس الشياطين يقاتل المسيح كانت أجناده واقفة بعيداً . وقد قاتله المسيح عرياناً كما قاتل هو آدم ولما رأى ان القتال صعباً جداً . فلم يشا ان يقاتله بواسطة آخرين . بل دخل وحده الى القتال ولم يقاتله قبل آلامه الا لكي يعلمنا انه متى قبل احد المعمودية او موهبة اخرى وثارت عليه التجارب فلا يخف كمن عرض له امر جديد . ورب معترض يقول لماذا لا يمنع الله التجارب عن الانسان الى ان تشتد قوته ؟ فالجواب لاجل الموهبة التي منحها حتى يستحق ان ينال بها اكليل الانتصار في ابان الحرب . ثم لكيلا يتكبر الانسان بما ناله من المواهب الشريفة . واختلفت آراء علماء الكنيسة فيما اذا كان المسيح قد صنع المعجزات قبل صيامه . فذهب القديس فيلكسينوس وآخرون غيره الى انه قد صنع ذلك وانكر بعضهم من مثل القديس افرام والذهبي فمه ومار اسحق في الميمر الرابع عشر حصول المعجزات قبل ان يطرح يوحنا في السجن . اذ جاء الى الجليل وانتخب التلاميذ وابتدأ بعمل العجائب كتحويله الماء الى خمر . اما التلامذه فلم يعرفوا خبر تجربته من الشيطان الا بإلهام من الروح القدس لانهم لم يكونوا معه وقتئذ . وفي امره لنا بالصلاة لئلا ندخل في التجارب يعلمنا الا نلقي ذواتنا في التجارب بارادتنا لكن اذا عرضت لنا اتفاقاً فلنتحملها بالصبر لننال الاكليل اقتداءً بالسيد المسيح اذ لم يمض ليجرب بارادته بل أخذ من الروح كقول لوقا : ” اما يسوع فرجع من الاردن ممتلئاً من الروح القدس وكان يقتاد بالروح في البرية ” ( لو 4 : 1 ) . وقد سمح يسوع ان يجرب من الثلاب ليعتق آدم من اسر الخطيئة ويعيد اليه النعمة التي سلبت منه . قال القديس ساويرس ان قوله الى البرية يشير الى معنى آخر سرّي وهو انه اخذ اليه مباشرة امر عظيم وتدبير الهي . ثم ان المسيح اخذ من الروح بعدما حل عليه في العماد . وذلك لانه قد صار انساناً . سيما وانه كان مزمعاً ان يعلم لا ندخلنا في التجارب . ثم ان الكتاب يذكر انه أخذ من الروح ليجرب ولم يذكر انه مضى لكي لايظن الناس ان الروح احطّ شأناً من الابن . وقد ذهب بعضهم الى ان المراد من قول الكتاب اخذ هو انه لم يؤخذ ماشياً الى البرية لكنه انتقل بغتةً من الروح القدس شريكه بالطبع كما خطف الروح فيلبس . وعلى هذا الوجه ذهب الى الجليل والاردن وانه لم يؤخذ الى البرية بعد عماده حالاً كما نص على ذلك القديس متى ولكن بعد ايام كثيرة حتى يتهيأ الشيطان لقتاله . لانه في القفر يضاعف همته في محاربة من يريد ان يحاربهم كما اتفق ذلك لحواء حين كانت وحدها . وهكذا فانه يقاتل المتوحدين اكثر من الساكنين بالاديرة العامة . ثم ان المسيح خرج للبرية ليري قدرته للشيطان ليعرفوه . ولذا فانه عندما قدم للمسيح الرجل الذي كان فيه روح شيطان نجس صرخ احدهم قائلاً : ” آه مالنا ولك يا يسوع الناصي أاتيت لتهلكنا قد عرفتك من انت ” ( لو 4 : 33 ) . يريد انه لم يعرفه بصفة كونه الهاً لان هذه المعرفة منوطة بالآب والروح فقط فكأنه يريد ان يقول قد عرفت مقدار قوتك حين حاربتك في البرية فغلبتني . ولم يكتف ابليس بمحاربة المسيح في القفر بل اقامه على جناح الهيكل وأخذ يجربه ليوقعه . فانتهى الامر بغلبة المسيح عليه ثانيةً وعاد ابليس خازياً مدحوراً فصار القتال الاول في القفر ليكون نموذجاً للرهبان المتوحدين ان يخرجوا للقفر صابرين بالصيام ليغلبوا اللعين . وفي المد ينة وعلى جناح الهيكل ليكون مرآة للساكنين في المدينة مع الاخوة اذ لو كان يقهره في القفر فقط لتكبر ابليس على الساكنين في المدن . ولو كان يغلبه في المدينة فقط لتكبر على الذين في القفر ولكنه غلبه في الموضعين ليجعله مداسا للفريقين . ثم ان المسيح سكن اربعين يوماً في القفر مع الحيوانات وحده عوضاً عن آدم الذي لم يستطع ان يقيم يوماً واحداً في الفردوس .
( ليجرب من ابليس ) وقد يراد بالتجارب كل اضطراب وتشويش يطرأ على عقل البعض بتحريك ابليس لتضعف ثقتهم بالله . واسباب هذه التجارب ثلاثة : نهم البطن ومجد الباطل ومحبة الفضة . فبهذه قد غلبنا وبها جرب المسيح وغلب ابليس . وانما ازداد ابليس رغبةً في تجربة المسيح لما سمعه من كلام اليصابات للبتول اذ قالت لها مباركة انت في النساء ومن كلام الملائكة والرعاة ومن شهادة سمعان وحنا في الهيكل ومن صوت الآب والروح . فلما سمع ابليس كل هذه انفعل وتقدم ليجربه حتى يتحقق اذا كان هو الهاً ام انساناً . وقد لقب الشيطان ثلاباً لانه ثلب الله امام بيت آدم قائلاً حسداً قد حسدكم الله . وسمي شيطانا لانه يميل بالناس عن طريق الواجب . وسمي الساقط لانه سقط عن مرتبته . وسمي مجرباً لانه يزرع الافكار النجسة في قلوب الذين يقاتلهم ويجربهم . كما اراد ان يفعل مع المسيح حين جربه اذ قال له : ” ان كنت ابن الله فقل لهذا الحجر ان يصير خبزاً ” ( لو4 ك 3 ) فان سمعك فانت ابنه . والا فقد ضحك عليك بقوله عنك هذا هو ابني الحبيب . ثم اتبع كلامه قائلاً : ” ان كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا الى اسفل ” ( لو 4 : 9 ) .